منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام > منبر الردود السلفية والمساجلات العلمية

آخر المشاركات مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-02-2014, 01:23 PM
أبو عثمان زين الدين الباتني أبو عثمان زين الدين الباتني غير متواجد حالياً
زائر
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 365
شكراً: 0
تم شكره 26 مرة في 25 مشاركة
افتراضي وقفات مع بعض تلبيسات وجهالات عبد الحميد الجهني في مقاله [كشف الخفاء عن مسألة محدثة استقوى بها الإرجاء] - الحلقة الأولى الشيخ العلامة ربيع بن هادي الم

وقفات مع بعض تلبيسات وجهالات عبد الحميد الجهني في مقاله [كشف الخفاء عن مسألة محدثة استقوى بها الإرجاء] - الحلقة الأولى
الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه،
أما بعد:
فما رأيت مثل فرقة الحدادية في الدعاوى الباطلة والعناد والمكابرة وقلب الحقائق.
1) فمن الدعاوى الباطلة قول هذا الجهني في مقدمة مقاله هذا:
"أما بعد فإن من غربة السنة في هذا الزمن المتأخر أن بعض المسائل التي أجمع عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين, صار الخلاف فيها خلافا معتبرا, بل صار القول المخالف لإجماع السلف هو القول الراجح عند بعض من ينتسب إلى السنة, وأصبح من يدعو إلى إحياء السنن وفقه الصحابة رضي الله عنهم, وطرح الأقوال المخالفة لأقوالهم, غريبا, كأنه جاء ببدعة أو دعا إلى ضلالة, وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وكما تسلط المتكلمون المبتدعة من عهد قديم على مسائل العقيدة فثبتوا مسائلهم المبتدَعة في الكتب والرسائل حتى نَسي غالب الناس أنها مسائل محدثة ليست من علوم الصحابة رضي الله عنهم".
ففي هذا المقطع من العجائب:
1- انظر قصره السلف على الصحابة والتابعين، وهذا أمر خطير تفتعله الفرقة الحدادية لإسقاط من بعد الصحابة والتابعين من السلف الصالح ودفن جهودهم في رفع راية السنة وهدمهم للبدع ودحر أهلها وبيان ضلالهم فرقة فرقة.
2- دعوى الإجماع على كفر تارك الصلاة، وهذه الدعوى لا تثبت عن الصحابة.
فإن كان يريد بدعوى الإجماع ما قاله عبد الله بن شقيق فقد بينا ضعف هذه الدعوى، انظر [المقالات الأثرية في الرد على تشغيبات الحدادية] التعليق الخامس (ص48-58).
وفي هذا البيان ما يشفي ويكفي كل ذي عقل ودين وإنصاف.
3- لقد أكثر الحدادية من دعاوى الإجماع التي لا تثبت، وقد رد السلفيون هذه الدعاوى، انظر [أقوال الثقات في رد دعاوى صاحب الحمامات] للشيخ أحمد الزهراني، فقد فند هذه الدعاوى كلها بالأدلة والبراهين.
فدعاوى الحدادية للإجماع يصدق عليها ما نقله الإمام ابن القيم رحمه الله، وأهل الحديث عن الإمامين أحمد والشافعي.
قال رحمه الله في [إعلام الموقعين] (1/30) خلال كلامه عن أصول الإمام أحمد:
"وَلَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَمَلًا وَلَا رَأْيًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ وَلَا عَدَمَ عِلْمِهِ بِالْمُخَالِفِ الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إجْمَاعًا وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَدْ كَذَّبَ أَحْمَدُ مَنْ ادَّعَى هَذَا الْإِجْمَاعَ، وَلَمْ يَسِغْ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا نَصَّ فِي رِسَالَتِهِ الْجَدِيدَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ بِخِلَافٍ لَا يُقَال لَهُ إجْمَاعٌ، وَلَفْظُهُ: مَا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ فَلَيْسَ إجْمَاعًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: مَا يَدَّعِي فِيهِ الرَّجُلُ الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَذِبٌ، مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَهُوَ كَاذِبٌ، لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، مَا يُدْرِيهِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَيْهِ؟ فَلْيَقُلْ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، هَذِهِ دَعْوَى بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ وَالْأَصَمِّ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ: لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ، هَذَا لَفْظُهُ.
وَنُصُوصُ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجَلُّ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا تَوَهُّمَ إجْمَاعٍ مَضْمُونُهُ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، وَلَوْ سَاغَ لَتَعَطَّلَتْ النُّصُوصُ، وَسَاغَ لِكُلِّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي حُكْمِ مَسْأَلَةٍ أَنْ يُقَدِّمَ جَهْلُهُ بِالْمُخَالِفِ عَلَى النُّصُوصِ؛ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، لَا مَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ اسْتِبْعَادٌ لِوُجُودِهِ".اهـ
2) المكابرة الثانية من هذا الحدادي:
أن الإمام محمد بن نصر قال في كتابه [تعظيم قدر الصلاة] (2/957) رقم (1035):
"وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ، يَتْرُكُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ إِنَّمَا تَرَكَهَا أَنَّهُ ابْتَدَعَ دِينًا غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا هُوَ فَاسِقٌ ضُرِبَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَسُجِنَ".
فهذا إسناد ثابت كالجبل إلى الإمام الزهري يفيد العقلاء المنصفين أن الزهري يرى أن تارك الصلاة المنطلق من دين غير الإسلام، يقصد الجاحد لوجوبها؛ فإنه كافر عنده يقتل.
وإن كان فاسقًا غير كافر وهو غير الجاحد لوجوبها؛ فإنه يضرب ضربًا مبرحًا ويسجن، ولم يحكم بكفر ولا بقتله.
وهذا القول قد نسبه إلى الإمام الزهري الإمام ابن عبد البر في [التمهيد] (4/240)، ونسبه إليه ابن قدامة في [المغني] (2/329-330)، وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة في [الشرح الكبير] (3/30) مع [الإنصاف].
يؤكد أن هذا مذهب الزهري ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (9/232) برقم (17045) عن معمر عن الزهري قال: (من شرب في رمضان فإن كان ابتدع ديناً غير الإسلام استتيب، وإن كان فاسقاً من الفساق جلد ونكل وطوّف وسمّع به، والذي يترك الصلاة مثل ذلك).
وهذا كلام جلي واضح ما رأيت أحدًا يكابر فيه إلا هذا الحدادي وحزبه، فلم يقروا بهذا القول مع وضوح معناه وصحة إسناده وتداول العلماء له بدون اعتراض عليه أو شك فيه؛ وذلك لأن منهجهم الباطل قائم على الجهل والمكابرة والكذب والتكذيب بالحق.
بل والتكفير لأهل السنة، وقد كانوا يستخدمون التقية ففضحهم الله في هذه الأيام فأظهر أعمدة منهجهم هذا التكفير لكل من يعذر بالجهل، فلم يسلم من هذا التكفير إلا عدد قليل من أهل السنة لا يتجاوزون عدد الأصابع، وهم لا يكفرون ولا يبدعون من يعذر بالجهل، بل يجلونهم ويعتبرونهم إخوانهم ويعتبرون الأئمة منهم أئمتهم.
فالفرقة الحدادية شديدة العداوة لأهل السنة السابقين واللاحقين.
فلا يبعد أن يكون مذهب هؤلاء الحدادية مشتق من مذهب الروافض الذين يكفرون الصحابة وأهل السنة إضافة إلى مذهب الخوارج.
فليدرك ذلك أهل السنة ولاسيما العقلاء خطر هذه الفرقة وشدة عداوتها للحق وأهله السابقين واللاحقين.
فهم اليوم طليعة أعداء السنة في الحرب لأهل السنة تحت ستار السنة من باب: اضرب الإسلام بسيف الإسلام، فالسنة هي الإسلام والحدادية يضربونها بسيف السلفية.
3) ومن الدعاوى الباطلة:
"قوله: وأصبح من يدعو إلى إحياء السنن وفقه الصحابة رضي الله عنهم, وطرح الأقوال المخالفة لأقوالهم, غريبا, كأنه جاء ببدعة أو دعا إلى ضلالة, وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : "بدأ الإسلام غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء".
أقول:
إن هذا الجاهل ليدعي لنفسه ولحزبه الحدادي الهدام بأنهم من الدعاة إلى إحياء السنن وفقه الصحابة.
وهذه دعوى عريضة هي في وادٍ والحدادية الجهلاء البغاة في واد آخر، فهم حرب على دعاة السنة المتمسكين بها، وورثة الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
بل هم حرب على أهل السنة السابقين واللاحقين المعظمين للنصوص القرآنية والنبوية، ويردون الأحاديث الصحيحة بل وبعض الآيات القرآنية.
فترد هذه الفرقة الحدادية الأحاديث الصحيحة المتواترة أحاديث الشفاعة والتي فيها: (يخرج من النار قوم لم يعملوا خيرًا قط).
وردوا أحاديث فضل التوحيد، ومن القرآن مثل قول الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، ومثل قول الله تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها).
ومثل حديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضعت وستون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق).
وطعنوا فيمن يحتج بهذه النصوص من السابقين واللاحقين، واخترعوا أصولًا باطلة لحرب أهل السنة المتمسكين بنصوص الكتاب والسنة ورميهم بالبدع.
مثل: الإيمان ينقص وينقص حتى لا يبقى منه شيء.
مقدمين هذا الأصل على ما أجمع عليه أهل السنة من أن: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
فمن اقتصر على هذا القول فهو عندهم مرجئ، وهذا تضليل لأهل السنة السابقين واللاحقين.
ومثل أصلهم الهدام: من قال الإيمان أصل والعمل فرع فهو مرجئ.
وهذا قول أهل السنة وأئمتهم، فهم مرجئة عند الحدادية.
وقد سقنا أقوال أهل السنة وأئمتهم فلم تردعهم هذه النقول الصحيحة، بل أصروا على رمي من يقول بهذا بالإرجاء، وحربهم، فلقد فاقوا الخوارج بهذا التأصيل الخبيث، وزادوا على الخوارج بالأكاذيب والجنايات وقلب الحقائق.
هذا وهم يبنون عقائدهم الشاذة على الأحاديث الضعيفة والأقوال الشاذة الهزيلة مثل: إجلاس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش.
ومثل حديث: (إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض استلقى وجعل إحدى رجليه على الأخرى).
4) ومن تهوكه على أهل السنة قوله: "وكما تسلط المتكلمون المبتدعة من عهد قديم على مسائل العقيدة فثبتوا مسائلهم المبتدَعة في الكتب والرسائل حتى نَسي غالب الناس أنها مسائل محدثة ليست من علوم الصحابة رضي الله عنهم".
أقول:
أ‌- يوهم الناس بهذا الكلام أن أهل السنة الذي يرميهم بالإرجاء ظلما وبغيا أنهم إنما تلقوا القول بعدم تكفير تارك الصلاة إنما تلقوه من المتكلمين المبتدعة، وهذا عين الكذب والافتراء على أهل السنة حقًّا الذين يأخذون عقائدهم وعباداتهم وأحكامهم من الكتاب والسنة.
ب‌- لقد حارب السلف الطائفة المنصورة البدع وأهلها وبينوا فساد عقائدهم من روافض وخوارج وجهمية ومعتزلة وصوفية وغيرهم، بينوا ذلك في كتب ورسائل عديدة، مثل: [الشريعة للآجري] و[الإبانتين] لابن بطة، و[شرح أصول اعتقاد أهل السنة] للالكائي، و[السنة لعبد الله بن أحمد] و[السنة للخلال] و[الحجة في بيان المحجة] للأصفهاني، وغيرها.
وكم لشيخ الإسلام ابن تيمية من المؤلفات في بيان أهل البدع وهدم عقائدهم، وكذلك لابن القيم وابن عبد الهادي وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ومدرسته وإلى يومنا هذا، يقوم أهل السنة ببيان التوحيد والسنة ومنهج السلف وهدم البدع وأهلها.
فلماذا لم تذكر هذه الطائفة المنصورة وتبين جهودها في بيان الحق ودحض البدع والضلالات أيها الملبس الحاقد على أهل السنة، ولماذا لم تسلك أنت وفرقتك الحدادية مسلك أهل السنة في بيان الحق واحترام أهله ودحض البدع والضلالات بدل حربكم بالباطل والفجور لأهل السنة والحق؟!!
إن لعملكم هذا لدلالات خطيرة على ضلالكم وخبث طواياكم، وإنكم مسيرون من أهل البدع والضلال، ومجندون لحرب أهل السنة والتوحيد.
ذكره لشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب من باب التمويه؛ ليشعر الناس أنه على طريقتهم ومنهجهم، وهذا من الكذب المكشوف، فهو في واد وهؤلاء الأئمة في واد آخر، فهل هؤلاء الأئمة يرمون من لا يكفر تارك الصلاة بالإرجاء.
فهذا الإمام محمد لا يكفر تارك الأركان الأربعة، ومنهجكم يقتضي الحكم عليه بأنه من غلاة المرجئة.
وهذا الإمام أحمد بن حنبل، وأبو عوانة وابن تيمية، وابن القيم، وابن عبد الوهاب وأعيان أتباعه يعذرون بالجهل.
والعذر بالجهل عند الفرقة الحدادية من الموبقات حتى إن بعض أفراد هذه الفرقة ليرمي من يعذر بالجهل بأنهم زنادقة.
5) قال هذا الحدادي الغالي والملبس:
"ومن المسائل المحدثة التي ليست من أقوال الصحابة ولا التابعين, وراجت رواجا كبيرا عند المتأخرين: الحكم على تارك الصلاة بأنه مسلم, ذهب إلى هذا عدد قليل من علماء القرن الثالث, ولم يصح هذا القول عن أحد من علماء القرن الثاني, ثم شاع الخلاف وانتشر, حين شاعت بدعة الإرجاء وانتشرت في صفوف الفقهاء والمؤلفين بعد القرون المفضلة".
أقول:
إن في هذا المقطع من قول هذا الحدادي من الباطل ما لا يجرؤ عليه إلا أهل الجهل والهوى.
فهل الصحابة والتابعون يخالفون قول الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) آيتان عظيمتان من سورة النساء.
وهل الصحابة والتابعون الذين رووا أحاديث الشفاعة ومنها: (يخرج من النار قوم لم يعملوا خيرًا قط)، ورووا قوله صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان).
هل هؤلاء الصحابة والتابعون الذين رووا هذه الأحاديث حرفوا هذه الأحاديث أو تأولوها لتوافقوا مذهب الخوارج، وقالوا بكفر هؤلاء الذين برأتهم الآيتان وأحاديث الشفاعة من الكفر، وحكمت لهم بالتوحيد والإيمان وإن كانوا من أهل الكبائر التي استحقوا بسببها دخول النار.
فهات أقوال الصحابة والتابعين في رد هذه الأحاديث أو تحريفها مع تحريف الآيتين المذكورتين.
2- لقد صح عن الإمام الزهري وهو من كبار علماء القرن الثاني عدم تكفير تارك الصلاة غير الجاحد لها، وقصر التكفير على الجاحد لوجوبها، وهذا انطلاق منه من أحاديث الشفاعة وغيرها ومن الآيتين المذكورتين.
ولا يبعد أن له نظراء من الصحابة والتابعين في عدم تكفير تارك الصلاة غير الجاحد لوجوبها؛ انطلاقا من الآيتين وأحاديث الشفاعة الواضحة في عدم تكفير من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من الإيمان، ومن أحاديث فضل التوحيد.
6) وقال هذا الحدادي الجهول:
"ومن المسائل المحدثة التي ليست من أقوال الصحابة ولا التابعين, وراجت رواجا كبيرا عند المتأخرين : الحكم على تارك الصلاة بأنه مسلم, ذهب إلى هذا عدد قليل من علماء القرن الثالث, ولم يصح هذا القول عن أحد من علماء القرن الثاني, ثم شاع الخلاف وانتشر, حين شاعت بدعة الإرجاء وانتشرت في صفوف الفقهاء والمؤلفين بعد القرون المفضلة".
أقول:
هذا الكلام من المجازفات الحدادية التي قلد فيها من سبقه من الحدادية المتهورين، وبينا بطلان هذه المجازفات فيما سلف من الردود على هؤلاء المتهورين والمعاندين على مذهب عنز ولو طارت، وسيأتي المزيد من البيان.
7) قال الجهني الحدادي:
"ولا أحد ينكر أن أكثر المصنفين في الفقه والخلاف بعد القرن الثالث هم على العقيدة الأشعرية أو العقيدة الماتريدية, وهؤلاء مرجئة في باب الإيمان, لا يرون الإعمال داخلة فيه, وعليه فتارك الصلاة ليس كافرا عندهم, وهؤلاء هم الذين أشاعوا الخلاف في هذه المسألة وأعطوه زخما واعتبارا, حتى صارت هذه المسألة من مسائل الفقه الإسلامي, يبحثها الفقهاء في مصنفاتهم, وتعرض أدلة الفريقين ويرجح بين القولين, ولشهرة هذا القول عند أتباع المذاهب الفقهية نسبوه إلى الجمهور! ونسي أغلب الناس أو تناسى أن هذه المسألة فيها إجماع سلفي, يجب الرجوع فيها إلى الإجماع الأول, لكن المرجئة لم ترفع رأسا لهذا الإجماع, لغاية في نفسها, وجلبت عليه شبهات من أدلة شرعية, استدلوا بها على أن تارك الصلاة ليس كافرا, ونسبوا القول بعدم التكفير إلى مالك والشافعي – ولم يثبت عنهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى - حتى صدَّق أكثر الناس أن المسألة فيها خلاف معتبر".
أقول:
1- إن الاختلاف بين أهل السنة في تارك الصلاة قديم قبل وجود الأشعرية والماتريدية، وليس الخلاف بينهم رحمهم الله جميعًا ناشئ عن الهوى، ولا عن تقليد الأشعرية والمرجئة كما يفتري هذا الجهول، وإنما هو ناشئ عن فهمهم لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنهم من فهم من إطلاق الكفر على تارك الصلاة أن هذا الكفر هو الكفر الأكبر، ومنهم من فهم في ضوء الأدلة أنه الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة.
فإيهام الناس بأن الخلاف في تارك الصلاة إنما هو مأخوذ عن المرجئة من الكذب والسفسطة، ومن الطعن في أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة انطلاقاً من الكتاب والسنة، فأهل السنة الذين يكفرون تارك الصلاة والذين لا يكفرونه كلهم يحاربون الإرجاء وأهله، ويضعون حدًّا فاصلًا بين أهل السنة المرجئة.
فالمرجئة لهم أقوال متفاوتة:
فمنهم من يقول: (الإيمان هو المعرفة).
ومنهم من يقول: (هو التصديق).
ومن من يقول: (هو التصديق بالقلب والقول باللسان).
وكلهم يخرجون العمل من الإيمان، ويرون أن العصاة أهل الكبائر كاملو الإيمان.
وغلاتهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنبٌ.
ومنهم من يوجب على الله إدخال العصاة الجنة.
وخالف أهل السنة المرجئة على اختلاف أقوالهم.
فقالوا: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
قال هذا كل علماء السنة في جميع الأعصار والأمصار من يكفر تارك الصلاة ومن لا يكفره، وكلمتهم واحدة في مواجهة الإرجاء وغيره من الأهواء والبدع.
وخالفهم خارجية العصر الحدادية فلم يقتنعوا بما أجمع عليه السلف من أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص؛ فقالوا: (لابد من القول إنه ينقص حتى لا يبقى منه شيء) ومن اكتفى عندهم بقول السلف: يزيد وينقص. فهو عندهم مرجئ.
وصاروا بسبب حقدهم وعداوتهم لأهل السنة يخترعون أصولاً باطلة مضادة لأصول السلف ليتوصلوا بها إلى الطعن في أهل السنة السابقين واللاحقين، وقد أسلفنا بعض أصولهم الباطلة.
8) قال الجهني الحدادي:
"ونسي أغلب الناس أو تناسى أن هذه المسألة فيها إجماع سلفي, يجب الرجوع فيها إلى الإجماع الأول, لكن المرجئة لم ترفع رأسا لهذا الإجماع, لغاية في نفسها, وجلبت عليه شبهات من أدلة شرعية, استدلوا بها على أن تارك الصلاة ليس كافراً".
أقول:
لقد نسي جمهور أهل السنة من فقهاء ومحدثين هذا الإجماع أو تناسوه لغاية في أنفسهم، ولم ينسه الحدادية الخارجية ورثة المريسي والأصم في دعاوى الإجماع.
فإن من لم يكفر تارك الصلاة عندهم مرجئ، وجهل أهل السنة الذين يكفرون تارك الصلاة، جهلوا الحكم على من لم يكفره، واهتدى إلى هذا الحكم الخوارج السابقون والخوارج اللاحقون كالحدادية شر الخلق والخليقة، والذين يقرؤون القرآن فلا يجاوز حناجرهم.
وقوله: "وجلبت عليه شبهات من أدلة شرعية, استدلوا بها على أن تارك الصلاة ليس كافرا".
أقول:
وهكذا يكون الفقه، وهكذا يكون الحكم على جمهور أهل السنة من فقهاء ومحدثين أنهم من أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابهات.
فأحاديث فضل التوحيد وأحاديث الشفاعة والأحاديث الأخرى التي استدل بها جمهور أهل السنة والحديث كلها من المتشابهات.
فمن سبقك إلى هذا الحكم على جمهور أهل السنة باتباع المتشابهات؟! ومن حكم على أدلتهم الواضحة الجلية أنها من المتشابهات؟!
أعتقد أن سلفك من الخوارج لم يخطر ببالهم هذا الحكم، وبرأ الله أهل السنة جميعًا من اتباع المتشابهات، ومن هذا المنهج الباطل الذي انتهجه الحدادية الخوارج المجازفين.
فهذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله يقول في التمهيد (23/290) -في شرح حديث عبادة بن الصامت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يَنْتَقِصْ مِنْ حَقِّهِنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِهِنَّ كَانَ حَقًّا عَلَى الله أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الله عَهْدٌ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ:
"وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشِيئَةِ الله إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا مُقِرًّا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ بِأَسْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ فِي حِينِ دُخُولِهِ فِيهِ يَكُونُ مُسْلِمًا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ بِإِقْرَارِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَعُقْدَةِ نِيَّتِهِ فَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا إِلَّا بِرَفْعِ مَا كَانَ بِهِ مُسْلِمًا وَهُوَ الْجُحُودُ لِمَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ وَاعْتَقَدَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي قَتْلِ مَنْ أَبَى مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ إِذَا كَانَ بِهَا مُقِرًّا فِي بَابِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لله".
وهو يحكي في غير هذا الموضع أن جمهور أهل السنة لا يكفرون تارك الصلاة.
قال في التمهيد (9/251) في شرح حديث ابن عمر الحياء من الإيمان بعد ذكر الاختلاف: هل الإسلام والإيمان متغايران أو هما شيء واحد؟
قال رحمه الله: "وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي التَّسْمِيَةِ وَالْأَلْقَابِ وَلَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا بِذَنْبٍ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُقِرٌّ بِهَا فَكَفَّرَهُ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي بَابِ زَيْدِ ابْنِ أَسْلَمَ عَنْ بُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ وَأَبَى الْجُمْهُورِ أَنْ يُكَفِّرُوهُ إِلَّا بِالْجَحْدِ وَالْإِنْكَارِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَالْحَمْدُ لله.
فَهَذَا مَا بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْإِيمَانِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَالْإِيمَانُ عِنْدَهُمْ جِمَاعُ الطَّاعَاتِ وَمَنْ قَصَّرَ مِنْهَا عَنْ شَيْءٍ فهو فاسق لا مؤمن ولا كافر وسواهم الْمُتَحَقِّقُونَ بِالِاعْتِزَالِ أَصْحَابَ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَمِنْهُمْ من قال في ذلك بقول الْخَوَارِجِ: الْمُذْنِبُ كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ إِلَّا أَنَّ الصُّفْرِيَّةَ تَجْعَلُهُ كَالْمُشْرِكِ وَتَجْعَلُ دَارَ الْمُذْنِبِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ دَارَ حَرْبٍ وَأَمَّا الْإبَاضِيَّةُ فَتَجْعَلُهُ كَافِرَ نِعْمَةٍ وَلَكِنَّهُمْ يُخَلِّدُونَهُ فِي النَّارِ إِنْ لَمْ يَتُبْ مِنَ الْكَبِيرَةِ وَلَا يَسْتَحِلُّونَ مَالَهُ كَمَا يَسْتَحِلُّهُ الصِّفْرِيَّةُ وَلَهُمْ ظَوَاهِرُ آيَاتٍ يُبَرْهِنُونَ بِهَا قَدْ فَسَّرَتْهَا السُّنَّةُ وَقَدْ مَضَى عَلَى مَا فَسَّرَتِ السُّنَّةَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَ شَيْئًا مِنَ الذُّنُوبِ كُفْرًا أَوْ شِرْكًا أَوْ نِفَاقًا. قَالَ: مَعَاذَ الله وَلَكِنَّا نَقُولُ: مُؤْمِنِينَ مُذْنِبِينَ.
وَلَوْلَا أَنَّ كِتَابَنَا هَذَا كِتَابُ شَرْحِ مَعَانِي السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي الْمُوَطَّأِ لَحَدَدْنَا الرَّدَّ عَلَيْهِمْ هُنَا وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَكَسْرِ أَقْوَالِهِمْ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الْآثَارِ فِي الْإِيمَانِ وَمَدَارِ الْبَابِ كُلِّهِ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْهِ أَنَبْنَا".
فهل جمهور أهل السنة مرجئة؟
وهل ابن عبد البر مرجئ.
وهل نقل هذا الكلام عن المرجئة والمتكلمين والأشاعرة؟
وهل يقدم نقله وأمثاله من أئمة السنة هذا المذهب عن جمهور أهل السنة، أو يقدم أقوال الحدادية الجهال والمحرفين المعاندين للحق وأهله؟!
9) قال الحدادي المسفسط:
"ونسبوا القول بعدم التكفير إلى مالك والشافعي – ولم يثبت عنهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى - حتى صدَّق أكثر الناس أن المسألة فيها خلاف معتبر".
أقول:
إن أكثر الناس بما فيهم المحدثون والفقهاء صدقوا بهذا القول الباطل، واهتدى الحدادية الجهلاء المسفسطون على جهلهم وضلالهم، فهم أعلم من الإمام ابن المنذر الذي لم يجد إجماعًا على كفر تارك الصلاة، وأعلم من ابن حزم، وابن القطان اللذين ألَّفا في مسائل الإجماع صغيرها وكبيرها فلم يقفوا على هذا الإجماع الذي عرفه الجهلاء.
وإنكاره أن مالكًا والشافعي يكفران تارك الصلاة وأنه سيأتي الكلام في ذلك.
ونحن نقول: هذه مكابرة، وسيأتي إبطال دعواه.
10) وقال الجهني الحدادي الخارجي:
"وعند النظر والتدقيق في هذا الخلاف, نجد أن المرجئة المعاصرة القائلين بأن تارك أعمال الجوارح لا يكفر, قد استقوت بهذا الخلاف أيما استقواء, وشغبت به على مذهب السلف في باب الإيمان, فتبين أن ما قرره وثبته وأشاعه المرجئة السلف قد أفاد منه الخلف , فالمرجئة القديمة ضربت إجماع السلف الصالح على كفر تارك الصلاة, والمرجئة المعاصرة ضربت إجماع السلف الصالح على كفر تارك العمل, والمسألتان متلازمتان".
أقول:
إن الحدادية الخوارج المعاصرة قد استقوت بقول ومنهج الخوارج الأوائل أيما استقواء وهي على منهج الخوارج السالفين في رمي أهل السنة بالإرجاء، بل على منهج المنصورية من غلاة الروافض.
وعمدة أهل السنة السابقين واللاحقين إنما هي النصوص القرآنية والنبوية لا كما يفتري الحداديون ومنهم الجهني.
وقد سبق له أن تارك الصلاة تارك عمل، فإرجافه هنا بتارك العمل إنما هو تقليد لأحد كبار القطبيين التكفيريين؛ ليقوي مذهب سيد قطب في التكفير.
11- وقال الجهني الحدادي:
"أما الإجماع على كفر تارك الصلاة فقد حكاه جابر بن عبدالله رضي الله عنهما, والحسن البصري, وأيوب السختياني, وعبدالله بن شقيق العقيلي, وإسحاق بن راهويه, ومحمد بن نصر المروزي رحمة الله عليهم، هذا فيما وقفت عليه, وواحد من هؤلاء لو حكى الإجماع لكان حجة فكيف بهم جميعا".
أقول:
لقد رد ربيع هذه الدعاوى للإجماع بالأدلة والبراهين، انظر [المقالات الأثرية]، ولا أستبعد أن هذا الرجل قد وقف على هذا الرد ولكن داءه التقليد الأعمى والعناد يحملان على تجاهل الحقائق الجلية الواضحة.
وسيأتي مناقشة أهمها، ومنها قوله: سأل مجاهد بن جبر جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ما كان يفرق بين الكفر والإيمان عندكم من الأعمال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الصلاة. تعظيم قدر الصلاة (892)، والإبانة الكبرى لابن بطة (2/672)، وإسناده حسن.
أقول:
1- لماذا لم تسق إسناد هذا القول عن جابر، أَلِأَنَّ فيه ابن إسحاق؟
2- خالف ابن إسحاق في نقل هذا القول عن جابر ما هو مشهور عن جابر، تارة يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو في [صحيح مسلم] وعند محمد بن نصر في [تعظيم قدر الصلاة] برقم (886) عن أبي سفيان عن جابر، و(887) عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا، وكذا (888) عن جابر مرفوعًا.
وقد وقف الجهني على هذه الطرق فتجاهلها.
وأورد محمد بن نصر أيضا في [تعظيم قدر الصلاة] برقم (947) قال رحمه الله:
"حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِيَ الله عَنْهُ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكُنْتُمْ تَعُدُّونَ الذَّنْبَ فِيكُمْ شِرْكًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَسُئِلَ مَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ؟ قَالَ: تَرْكُ الصَّلَاةِ.
فهذا هو الثابت عن جابر رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإجابة لمن سأله.
فرواية ابن إسحاق التي استدل بها الجهني وغيره شاذة أو منكرة، ولا يغفل النصوص الصحيحة ويتعلق بالشواذ إلا الشُّذَّاذ.
3- وقول الحسن ضعيف؛ لأنه قال: (بلغني أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم).
فهذا منقطع، أو معضل، ومن جرأة وجهل الجهني قوله: (بإسناد صحيح).
4- وقول عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) ضعيف بهذا اللفظ، وقد بينت ضعفه بالأدلة.
والصحيح عن عبد الله بن شقيق رواية إسماعيل بن علية ونصُّها عن عبدالله بن شقيق: "ما علمنا شيئًا من الأعمال قيل تركه كفر إلا الصلاة".
فهذا النص لا يدل على الإجماع من قريب ولا من بعيد، فلم ينسبه ابن شقيق لا إلى الصحابة ولا إلى غيرهم، وقد يكون واحدًا أو اثنين أو ثلاثة، وقد يكون هو القائل.
فيترك الحدادية هذا القول الثابت عن عبد الله بن شقيق ويتعلقون بما نسب إليه من القول الضعيف الشاذ؛ لأنهم شواذ.
ومما يزيد رواية بشر بن المفضل ضعفًا:
1) أن الحاكم روى بإسناده إلى قتيبة عن بشر بن المفضل عن الجريري عن عبدالله بن شقيق عن أبي هريرة رضي الله عنه: كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
انظر [المستدرك] (1/7)، قال رحمه الله:
أخبرنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا قيس بن أنيف، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بشر بن المفضل، عن الجريري، عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة، به.
وإسناده صحيح إلى بشر بن المفضل إلا قيس بن أنيف، ذكره الخليلي في [الإرشاد] (3/974)، وكذلك السمعاني في [الأنساب] (5/617).
والظاهر أنه مجهول.
وعلى كلٍّ، فهذا الأثر الذي يتعلق به الحداديون لا يثبت؛ لاضطراب بشر بن المفضل فيه، ولمخالفة إسماعيل بن علية له، وإسماعيل بن علية فوقه وأحفظ منه.
2) أن أيوب من تلاميذ الزهري، والزهري لا يكفر تارك الصلاة، ولا يبعد أن يكون الزهري قد أخذ من شيوخه من الصحابة وكبار التابعين عدم تكفير تارك الصلاة، ومالك أخذ هذا الحكم من شيخه الزهري، ولعله أخذ عن غير الزهري من شيوخه.
وأما دعوى إسحاق الإجماع فقد بينَّا ضعف هذه الدعوى في الرد على عادل الغامدي، انظر [المقالات الأثرية] (ص76-79).
وقوله: "ومحمد بن نصر المروزي رحمة الله عليهم، هذا فيما وقفت عليه, وواحد من هؤلاء لو حكى الإجماع لكان حجة فكيف بهم جميعا".
أقول:
لا تثبت هذه الدعوى في الميزان العلمي.
ومن العجب أن يُسلِك هذا الجهني العجيب محمد بن نصر فيمن يدعي الإجماع، وهو نفسه ينقل الاختلاف في تارك الصلاة.
قال رحمه الله في [تعظيم قدر الصلاة] (2/936-938):
"قَدْ حَكَيْنَا مَقَالَةَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَكْفَرُوا تَارِكَ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا، وَحَكَيْنَا جُمْلَةَ مَا احْتَجُّوا بِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ خَالَفَتْهُمْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَأَبَوْا أَنْ يُكَفِّرُوا تَارِكَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَتْرُكَهَا جُحُودًا، أَوْ إِبَاءً، وَاسْتِكْبَارًا وَاسْتِنْكَافًا، وَمُعَانَدَةً فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَارِكُ الصَّلَاةِ كَتَارِكِ سَائِرِ الْفَرَائِضِ عَنِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ، وَقَالُوا: الْأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ نَظِيرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِسَائِرِ الذُّنُوبِ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» وَ«لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ» وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» «وَالطِّيَرَةُ شِرْكٌ» «وَمَا قَالَ مُسْلِمٌ لِمُسْلِمٍ: كَافِرٌ إِلَّا بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا» وَمِمَّا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ.
قَالُوا: وَقَدْ وَافَقَنَا جَمَاعَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى مَنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ هَذِهِ الذُّنُوبِ لَا يَكُونُ كَافِرًا مُرْتَدًّا يَجِبُ اسْتِتَابَتِهِ وَقَتْلِهِ عَلَى الْكُفْرِ إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَتَأَوَّلُوا لِهَذِهِ الْأَخْبَارِ تَأْوِيلَاتٍ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلَاتِهَا. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْأَخْبَارُ الَّتِي جَاءَتْ فِي إِكْفَارِ تَارِكِ الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا احْتَمَلَهُ سَائِرُ الْأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَاحْتَجُّوا مَعَ هَذَا لِتَرْكِهِمُ الْإِكْفَارَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِأَخْبَارٍ اسْتَدَلُّوا بِهَا عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا لَا يَكْفُرُ إِذَا لَمْ يَتْرُكُهَا إِبَاءً، وَلَا جُحُودًا، وَلَا اسْتِكْبَارًا".
فهذا النقل من الإمام محمد بن نصر عن جماعة من أهل الحديث وسوقه لأدلتهم على عدم كفر تارك الصلاة كسلًا لا جحودًا يرد ما ينقله ممن يسمى إجماعًا وهو ليس كذلك.
أضف إلى ذلك ما نقله عن الشافعي وأصحابه، وعن الزهري.
قال رحمه الله في [تعظيم قدر الصلاة] (2/956-957) بعد نقله لأدلة من لا يكفر تارك الصلاة كسلًا:
"قَالُوا: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ حَتَّى تُجَاوِزَ وَقْتَهَا غَيْرَ كَافِرٍ. قَالُوا: وَفِي اتِّفَاقِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّارِكَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا مُتَعَمِّدًا يُعِيدُهَا قَضَاءً، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَكَانَ مِمَّنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ: أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي مُوَافِقِيهِمْ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَدْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الله الْأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ، يَتْرُكُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: "إِنْ كَانَ إِنَّمَا تَرَكَهَا أَنَّهُ ابْتَدَعَ دِينًا غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا هُوَ فَاسِقٌ ضُرِبَ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَسُجِنَ.
فلماذا لم يرفع الحدادية رأسًا بهذه النقول عن محمد بن نصر، والتي تدل على بطلان دعاوى الإجماع على كفر تارك الصلاة؟!

http://www.sahab.net/forums/index.ph...attach_id=2149
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-02-2014, 05:22 PM
أبو محمد مصطفى المصري أبو محمد مصطفى المصري غير متواجد حالياً
طالب في معهد البيضـاء العلميـة -وفقه الله-
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 107
شكراً: 9
تم شكره 10 مرة في 10 مشاركة
افتراضي

جزاك الله خيراً
وحفظ الله فضيلة الشيخ الوالد / ربيع بن هادي المدخلي
__________________
مدونة أصول السنة

وأصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 08-18-2014, 09:49 AM
أبو عثمان زين الدين الباتني أبو عثمان زين الدين الباتني غير متواجد حالياً
زائر
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 365
شكراً: 0
تم شكره 26 مرة في 25 مشاركة
افتراضي

الحلقة الثانية

وقفات مع تلبيسات وجهالات عبد الحميد الجهني في مقاله [كشف الخفاء عن مسألة محدثة استقوى بها الإرجاء]



بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الحافظ الحجة محمد بن نصر المروزي (ت 294):

"قَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ الله تَعَالَى وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ وَإِيجَابِ الْوَعْدِ بِالثَّوَابِ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَالتَّغْلِيظِ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَنْ ضَيَّعَهَا، وَالْفَرَقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْمَالِ فِي الْفَضْلِ وَعِظَمِ الْقَدْرِ، ثُمَّ ذَكَرْنَا الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِكْفَارِ تَارِكِهَا وَإِخْرَاجِهِ إِيَّاهُ مِنَ الْمِلَّةِ وَإِبَاحَةِ قِتَالِ مَنِ امْتَنَعَ مِنْ إِقَامَتِهَا، ثُمَّ جَاءَنَا عَنِ الصَّحَابَةٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِئْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافَ([1]) ذَلِكَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنِ الصَّحَابَةٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ فِي إِكْفَارِ تَارِكِهَا وَإِيجَابِ الْقَتْلِ عَلَى مَنِ امْتَنَعَ مِنَ إِقَامَتِهَا".

أقول:

وأهل السنة السابقون واللاحقون المكفرون لتارك الصلاة وغير المكفرين يعظمون قدر الصلاة ويؤمنون بمكانتها، ويشيدون لها المساجد؛ إعظامًا لقدرها، ويحكمون على تاركها بالفسق، والقتل، وشدة الإثم، ولا يقبلون له شهادة ولا رواية.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة (ص13):

"لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدا من اعظم الذنوب وأكبر الكبائر وأن اثمه ثم الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة ثم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره".

تأمل قول الإمام محمد بن نصر رحمه الله:

"ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي تَأْوِيلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنِ الصَّحَابَةٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ فِي إِكْفَارِ تَارِكِهَا وَإِيجَابِ الْقَتْلِ عَلَى مَنِ امْتَنَعَ مِنَ إِقَامَتِهَا".

انظر إلى هذا الإمام كيف يصف المختلفين في تارك الصلاة بأنهم من أهل العلم، ولم يقل أهل السنة والمرجئة كما يقول الحداديون القطبيون.

ثم إنه يرى أن الاختلاف بين أهل العلم بعد النبي والصحابة.

وهذا يدل أن هذا الاختلاف وقع بين أهل العلم من عهد التابعين، وممن ذكر الزهري وهو من التابعين فيمن لا يكفر تارك الصلاة وعدم ذكره لغير الزهري([2]) من التابعين لا ينفي وجود من يشارك الزهري من التابعين ممن لا يكفر تارك الصلاة.

ثم انظر إلى عدل وإنصاف أهل السنة جميعًا، واحترام بعضهم لبعض حيث يحكي الطرفان هذا الاختلاف ويسوق كل طرف أدلته.

ولا يطعن بعضهم في بعض؛ لأن كل طرف يدرك أن الطرف الذي يخالفه مجتهد يريد الحق، وأنه ليس عنده هوى وإنما يعتمد على نصوص من الكتاب والسنة.

قارن بين منهج علماء السنة ومنهج الخوارج الحدادية تجدهم أشد على أهل السنة وأفجر في خصومتهم لأهل السنة من الخوارج السابقين.

وانظر إلى هذا الحدادي يعترف هنا أن الخلاف حدث بعد عصر الصحابة.

وانظر إلى قوله (ص1) من مقاله هذا: "فإن من غربة السنة في هذا الزمن المتأخر أن بعض المسائل التي أجمع عليها السلف الصالح من الصحابة والتابعين , صار الخلاف فيها خلافا معتبرا".

فهل يدرك هذا الجاهل أنه يتكلم بغير علم وأنه يخالف محمد بن نصر وغيره من العلماء، وأنه يطعن في أهل السنة حقًّا بغيًا منه وعدوانًا؟!

وليس له سلف في هذا الطعن إلا الخوارج وغلاة الروافض وهم المنصورية الذين يقولون في أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة تكاسلًا بأنهم مرجئة، ويقولون: هذا يؤدي إلى أن الإيمان قول بلا عمل.

انظر [البرهان في عقائد أهل الإيمان] لأبي الفضل السكسكي اليمني (ص94-96).

فهؤلاء هم سلف الحدادية، ولاسيما المنصورية الرافضية.

وأهل السنة السابقون واللاحقون بريئون من هذه الفرقة الحدادية ومن أقوالها الباطلة وأصولها الفاسدة القائمة على البغي والجهل والهوى القاتل.

قال الجهني الحدادي (ص5):

"فهذا الذي أريد أن يعرفه طالب العلم المتبع للسنة أن هذه المسألة محدثة, لم يعرفها السلف الأولون, أي الحكم على تارك الصلاة بأنه مسلم, شهد بهذا الحافظ محمد بن نصر وهو منقطع النظير في اطلاعه على الأقوال والمذاهب, حتى قال ابن حزم الظاهري في بعض تواليفه: أعلم الناس من كان أجمعهم للسنن, وأضبطهم لها, وأذكرهم لمعانيها, وأدراهم بصحتها, وبما أجمع الناس عليه مما اختلفوا فيه".

أقول:

1) إن الحدادية ليسوا من أهل السنة، بل هم من أعداء أهل السنة السابقين واللاحقين، ومن أشد المحاربين لهم ولمنهجهم وأصولهم.

2) هذه المسألة لا يجوز أن يطلق عليها أنها محدثة؛ لأن هذا وصف لها ولأهلها بأنهم مبتدعة، وأن القول بعدم تكفير تارك الصلاة بدعة ضلالة، فهذا الوصف لها إنما هو من أقوال الخوارج والمنصورية من الروافض وهم سلف الحدادية.

3) لا ندري ما هو مراد هذا الحدادي بقوله: "لم يعرفها السلف الأولون"، أهم الصحابة فقط، أم معهم التابعون ومن بعدهم من أهل القرون المفضلة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ)؟

وهل أهل القرن الثالث والطائفة المنصورة التي لا تزال على الحق إلى أن يأتي وعد الله يعدون من السلف، أو هم من الفرق الضالة؟

4) نقل هذا الحدادي إشادةَ ابن حزم بالإمام محمد بن نصر لغرض باطل ليثبت تبديع من قال من أهل السنة بعدم تكفير تارك الصلاة وهم جمهور أهل السنة من فقهاء ومحدثين.

وقال الحدادي المسفسط في (ص12):

"ولله در السلف! ما أعظم فقههم وعلمهم, حيث أجمعوا على أن الإيمان قول وعمل, فكان لابد أن يجمعوا على أن تارك الصلاة كافر, وهو الإجماع الصحيح الثابت عنهم, وإلا تناقضوا بين قولهم في الإيمان, وقولهم في الصلاة. وهذا الذي تسعى إليه المرجئة المعاصرة: إثبات أن السلف اختلفوا في حكم تارك الصلاة لتضرب من خلاله إجماعهم على أن الإيمان قول وعمل لا يصح الإيمان إلا بهما".

أقول:

1- إن دعوى هذا الإجماع لا تثبت على محك النقد، ولقد بينا بطلان دعوى الإجماع بما يقنع ذوي الدين والعقل والمروءة بالأدلة الواضحة الجلية، وعلى منهج السلف في نقد الأحاديث والآثار وبيان صحيحها من ضعيفها من موضوعها، أما أهل الجدال بالباطل فلا تنفعهم الأدلة والبراهين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يريد هذا الجهول أن يرمي جمهور أهل السنة بمخالفة الإجماع الثابت ومخالفة الإجماع الثابت كفر، فجمهور أهل السنة كفار على تقرير هذا الجهول الظالم.

2- إذا كان يلزم من عدم تكفير تارك الصلاة نقض القول بأن الإيمان قول وعمل عند هذا المبطل، فيلزم أيضًا منه أن القول بعدم تكفير تارك الزكاة والصيام والحج وما بعدها من الأعمال مناقضة لهذا القول.

3- وقوله: "وهذا الذي تسعى إليه المرجئة المعاصرة: إثبات أن السلف اختلفوا في حكم تارك الصلاة لتضرب من خلاله إجماعهم على أن الإيمان قول وعمل لا يصح الإيمان إلا بهما".

أقول:

كذبت وقوَّلتَ أهل السنة بما لم يخطر ببالهم، وطعنك هذا يتناول جماهير أهل السنة ويخرجهم من دائرة السنة وأهلها، فأنت وحزبك لا ترقبون في أهل السنة إلًّا ولا ذمة، فترمونهم بالفواقر.

وقال هذا الحدادي الجهول (ص13):

"فنصيحتي لك أيها السني, إذا قال لك المرجئ المعاصر: ما تقول في تارك الصلاة تهاونا وكسلا؟

فاعلم أن له قصدا من ذلك, فاقطع عليه طريق التشغيب وقل له:

هو كافر بالكتاب والسنة والإجماع والقياس. والخلاف في هذه المسألة خلاف محدث لا قيمة لها([3]) عندي, وإن ذهب إليه من ذهب من المتأخرين.

فإنك إن سلمت له بصحة هذا الخلاف واعتباره, ردك إلى مذهبه الإرجائي, أو انتزع منك اقرارا بصحة ما هو عليه من الإرجاء. أو أوقعك في التهافت".

أقول:

1) هل الحدادية الخوارج الغلاة من أهل السنة حتى تقدم لهم هذه النصيحة السوفسطائية؟

وهل أهل السنة بحاجة إلى أن يسألوا أحدًا من الحدادية الجهلاء والخوارج؟

2) وقولك: "قل هو كافر بالكتاب والسنة والإجماع".

أقول:

تردادك لدعوى الإجماع يصدق عليه تكذيب الإمام أحمد لأمثال المريسي والأصم وأمثالهما في دعاواهم الإجماع.

"ومما يدفع دعوى الإجماع قول شيخ الإسلام رحمه الله: وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف". مجموع الفتاوى (20/ 97).

وفي الكتاب (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) في آيتين، فهذا من الأدلة على أن تارك الصلاة ليس بكافر؛ لأنه ليس بمشرك يعبد الأنداد مع الله.

وأما السنة ففيها إطلاق الكفر على تارك الصلاة، وإطلاق الكفر على أعمال أخرى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).

و(من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن قال: مطرنا بنوء كذا. فهو كافر بالله مؤمن بالكوكب).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (شارب الخمر كعابد الوثن).

والخوارج يكفرون هذه الأصناف وهم أسلافك فاصدع بقولهم وإلا تكون على منهجك الباطل مخالفا للكتاب والسنة وإجماع الخوارج.

أما أهل السنة فيطلقون الكفر على هذه الأصناف وعلى تارك الصلاة ويقولون إنه كفر دون كفر.

ويمنعهم من إطلاق الكفر الأكبر الكتاب والسنة.

أما القرآن فمنه الآيتان السابق ذكرهما.

وأما السنة فأحاديث الشفاعة، ومنها:

1- حديث أبي سعيد الخدري المتفق عليه وفيه الشفاعة لأصناف من أهل النار من هذه الأمة:

الأول: المصلون الصائمون القائمون بالحج.

فهؤلاء مع قيامهم بهذه الأركان دخلوا النار بذنوبٍ أوبقتهم فمن لا يقوم بهذا أشد منهم عذابًا وأشد.

والصنف الثاني: من في قلبه مثقال دينار من خير.

الثالث: من في قلبه مثقال ذرة من خير.

والصنف الرابع: من لم يعملوا خيرًا قط، يخرجهم الله أرحم الراحمين من النار بمحض رحمته.

2- وحديث أنس المتفق، وفيه الشفاعة لعدد من الأصناف ومنهم:

(من في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان).

هؤلاء يخرجون من النار بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما في قلوبهم من الإيمان.

وصنف رابع يشفع فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من قال قال: لا إله إلا الله. مخلصًا فيها، فيقول الله له: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله.

3- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا).

أخرجه الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، والبغوي في شرح السنة.

4- حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه، أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا).

5- وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والطبراني وفيه: (وأُعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا).

6- وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وفيه: (فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن يشهد أن لا إله إلا الله) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وعنه المنذري في [الترغيب والترهيب]، والهيثمي في [مجمع الزوائد].

7- حديث أبي ذر رضي الله عنه، وفيه: (واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي في القيامة وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئا) أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبزار في مسنده.

8- وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه: (وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل الشفاعة، وإني اختبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والرُّوياني في مسنده، وصححه ابن كثير.

9- وحديث آخر لأبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال: بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) قلت: وإن زنى وإن سرق. قال: (وإن زنى وإن سرق). متفق عليه.

10- وحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وفيه: (من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار).

أخرجه الترمذي في [باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله] وقال: "حسن صحيح غريب من هذا الوجه".

فهذه الأحاديث منعت جمهور أهل السنة من تكفير تارك الصلاة، وقولهم هو الراجح؛ لأنه يجمع بين الأدلة كلها ولا يأخذ بعضها ويدع البعض الآخر.

وقال الترمذي: "وقد روي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فقال: إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض".

فتعقبه بقوله: "ووجه هذا الحديث عند أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار".

أقول:

الظاهر أن إجابة الزهري إنما بناها على السؤال بنص هذا الحديث الذي ظاهره أن من قال لا إله إلا الله. دخل الجنة، ولو ارتكب قائلها الكبائر، ولا يدخل النار بذنوبه.

ولو أراد رحمه الله غير هذا، فكلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله رحمه الله: "إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض".

يرده أن هذه الأحاديث غالبها أو كلها بعد نزول الفرائض ولاسيما أحاديث أبي هريرة، وأبي ذر، وأبي موسى، وعبد الله بن عمرو.

11- حديث أبي هريرة في غزوة تبوك، ومنه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة) أخرجه مسلم.

12- وحديث عبد الله بن عمرو عن صاحب البطاقة والسجلات، انظر (ص15) من أحاديث الشفاعة.

ثم نقول لمن يتعلق بهذا القول كالخوارج: ما تقولون في أحاديث فضل التوحيد، وأحاديث الشفاعة التي ذكرنا بعضها؟

فإن قالوا: هي صحيحة ونقول بمضامينها ودلالاتها.

فنقول: يجب أن تنضموا إلى أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة؛ فإن هذه الأحاديث واضحة في أنه يخرج من النار من لم يعمل خيرًا قط، وأنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال خردلة من إيمان.

وهي واضحة في أنهم يخرجون من النار بما عندهم من الإيمان الضعيف إلى نهاية الضعف، ثم بما عندهم من التوحيد.

ودعوا دعاوى الإجماع التي مؤداها التنكر لهذه الأحاديث والطعن في جمهور أهل السنة بما فيهم الشافعي.

ومالك، وأحمد، بل على قول شيخ الإسلام يتناول هذا الطعن الصحابة والتابعين الذين لا يكفرون تارك الصلاة.

ثم إن الذي يأخذ بهذه الأحاديث هو آخذ بأحاديث تكفير تارك الصلاة؛ لأنه يقول بأن تارك الصلاة يستحق القتل في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.

ويقول: يوصف بالكفر الذي لا يخرجه من الإسلام.

وهذا ليس بقول غريب، فكثير من أصناف العصاة أطلق عليهم الكفر، فحمل هذا على الكفر الأصغر الذي لا يخرج من دائرة الإسلام، فكذا يقال في تارك الصلاة، وهذا هو المنهج الصحيح الذي يجمع بين أحاديث فضل التوحيد وأحاديث الشفاعة وبين الأحاديث التي يطلق فيها الكفر على أهل الكبائر.

فالراجح أن تحمل النصوص في تكفير تارك الصلاة على الكفر الأصغر الذي لا يخرج من ملة الإسلام كما حملت النصوص في تكفير الأصناف الأخرى على الكفر الأصغر.

هذا مع احترام أهل السنة بعضهم لبعض، فالذين يكفرون تارك الصلاة لا يطعنون في إخوانهم أهل السنة الذين لا يكفرونه؛ لأنهم يرون أن لهم الأدلة الكثيرة التي تمنعهم من تكفير تارك الصلاة، وكلهم مجتهدون، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد.

وهذا المنهج الصحيح لا يؤمن به الخوارج ولا الروافض، والحدادية تسير على منهج هؤلاء الضالين.

هذه حجج وبراهين أهل السنة الذين لا يكفرون تارك الصلاة، وهذا منهجهم في هذا الباب وغيره من أبواب الدين.

وليسوا مقلدين للأشاعرة أهل الكلام كما يقوله أهل الإفك الحاقدين على أهل السنة.

وقال الحدادي في (ص13):

"فإن قال لك: قد ذهب إلى عدم تكفير تارك الصلاة مالك والشافعي وأحمد في رواية.

فقل له: بيني وبينك الأسانيد, فأين الإسناد عن مالك أو عن الشافعي, وهذه كتب مالك والشافعي ليس فيها شيء من ذلك, وأما الإمام أحمد رحمه الله فهو أبعد الثلاثة عن هذا القول لكثرة الروايات عنه في كفر تارك الصلاة".

أقول:

1) في هذا الكلام تكذيب لأئمة السنة الذين ينقلون عن هؤلاء الأئمة أنهم لا يكفرون تارك الصلاة، ينقلون هذا عن جمهور أهل السنة وعن أهل الحديث، وعن هؤلاء الأئمة الثلاثة، وهذا التكذيب لا يصدر إلا عن جهول لا يقيم وزنًا لأهل السنة ولا لأدلتهم ولا لعلمائهم إذا خالفوا جهله وهواه.

2) هات إسنادك إلى الإمام مالك أنه يكفر تارك الصلاة، وهات المصادر التي تنقل عن مالك تكفير تارك الصلاة، وما هي كتب مالك التي تنص على تكفير تارك الصلاة؟

وها هو الإمام مالك يورد حديثًا يدل على عدم تكفير تارك الصلاة.

ألا وهو حديث عبادة بن الصامت الذي أورده في [الموطأ] (1/123) في كتاب صلاة الليل – باب الأمر بالوتر.

قال رحمه الله: وعن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول: إن الوتر واجب. فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس صلوات كتبهن الله عز و جل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة).

فلو كان مالك يرى كفر تارك الصلاة لبين مذهبه هنا.

وإذن فإيراده وعدم الاعتراض عليه من الأدلة على أنه لا يرى كفر تارك الصلاة.

1- وقال ابن عبد البر في كتاب [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد] (23/290) في شرح هذا الحديث بعد كلامه على رجال الإسناد وتبيين صحة هذا الحديث، قال:

"وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ المُفْتَرَضَاتِ خَمْسٌ لَا غَيْرَ وَهَذَا مَحْفُوظٌ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ مِنَ المُسْلِمِينَ فِي مَشِيئَةِ الله إِذَا كَانَ مُوَحِّدًا مُؤْمِنًا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا مُقِرًّا وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ بِأَسْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّ المُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ فِي حِينِ دُخُولِهِ فِيهِ يَكُونُ مُسْلِمًا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ بِإِقْرَارِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَعُقْدَةِ نِيَّتِهِ فَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا إِلَّا بِرَفْعِ مَا كَانَ بِهِ مُسْلِمًا وَهُوَ الْجُحُودُ لِمَا كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهِ وَاعْتَقَدَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ".

ولو كان ابن عبد البر الإمام الفحل يعلم أن مالكًا يكفر تارك الصلاة لبين ذلك وصرح به.

2- وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله في [التمهيد] (4/230-231) بعد أن ذكر قول الذين يكفرون تارك الصلاة وأدلتهم على كفره وقتله، قال:

"وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَانٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ الْإِمَامُ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ صَلِّ فَإِنْ قَالَ لَا أُصَلِّي سُئِلَ فَإِنْ ذَكَرَ عِلَّةً تَحْبِسُهُ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ أَبَى مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا قَتَلَهُ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يُسْتَتَابُ مَا دَامَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَائِمًا يُسْتَتَابُ فِي أَدَائِهَا وَإِقَامَتِهَا فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَوَرِثَهُ ورثته وهذا قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَمَذْهَبُهُمْ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ".

ثم قال:

"وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ المُرْسَلِينَ وَأَبَى أَنْ يُصَلِّيَ قُتِلَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَكِيعٍ.

وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ هَذَا المَذْهَبَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْتَحَلَّ دِمَاءَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقَالَ: وَالله لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ. فَقَاتَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فِي جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَرَاقَ دِمَاءَهُمْ لِمَنْعِهِمُ الزَّكَاةَ وَإِبَايِتِهِمْ مِنْ أَدَائِهَا، فَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَبَى مِنْ إِقَامَتِهَا كَانَ أَحْرَى بِذَلِكَ".

فهو هنا ينص على مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله وغيرهما، وساق أدلتهم على عدم تكفيره.

فهل جهال الحدادية أعلم من هذا الإمام وأمثاله الذين ينصون على مذهب الإمامين مالك والشافعي وغيرهما بأنهم لا يكفرون تارك الصلاة، ومع ذلك يرون وجوب قتله وأنهم يرون أن ورثته المسلمين يرثونه.

3- وقال ابن عبد البر رحمه الله في (4/238):

"وَقَدْ رَأَى مَالِكٌ اسْتِتَابَةَ الْإِبَاضِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ فَإِنْ تَابُوا والا قتلوا ذكر ذلك إسماعيل الْقَاضِي عَنْ أَبِي ثَابِتٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ثَابِتٍ هَذَا رَأْيُ مَالِكٍ فِي هَؤُلَاءِ حَسْبُ؟ قَالَ: بَلْ فِي كُلِّ أَهْلِ الْبِدَعِ. قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا رَأَى مَالِكٌ ذَلِكَ فِيهِمْ لِإِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ أَعْظَمُ إِفْسَادًا مِنَ الْمُحَارِبِينَ؛ لِأَنَّ إِفْسَادَ الدِّينِ أَعْظَمُ مِنْ إِفْسَادِ الْمَالِ لَا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَهَذَا مَالِكٌ يُرِيقُ دِمَاءَ هَؤُلَاءِ وَلَيْسُوا عِنْدَهُ كُفَّارًا فَكَذَلِكَ تَارِكُ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ قَتْلُهُ لَا مِنْ جِهَةِ الكفر".

وفي هذا المقطع ينص على أن مالكًا لا يكفر الإباضية والقدرية ولا تارك الصلاة، وأنه يرى قتلهم، فهل ينطلق ابن عبد البر من منهج الأشاعرة والمتكلمين؟!

ومن أئمة السنة المالكية: الإمام سحنون، والإمام ابن أبي زيد القيرواني، يقولان وينقلان عن العلماء القول بعدم كفر تارك الصلاة مع إقراره بوجوبها:

سئل الإمام ابن أبي زيد القيرواني (310-386) عن تارك الصلاة عمدا، وهو مُقرٌّ بها، هل يُزوج مسلمة، وتؤكل ذبيحته؟

فأجاب: «أتى عظيما من الكبائر، ولايُخرجه ذلك من الإسلام، وتؤكل ذبيحته، ويُصلى عليه، ويورث ويُناكح، وهو قول مالك وشعبة خلافا لابن حبيب، فإنه يُكفِّره, وقد أفرط في القول, وإن كان روى عنه عليه أفضل وأشرف السلام: (ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة), فلم يحمله العلماء على كفر الحجة, واحتجوا بحديث عبادة بن الصامت وفيه: (أنه ليس له عند الله عمل؛ إن شاء عذَّبه وإن شاء أدخله الجنة) الحديث, فلو كان كافرا لحرَّم الجنة عليه لأنها محرمة عليهم».

المصدر: فتاوى ابن أبي زيد القيرواني (ص:104) ط. دار الغرب الإسلامي.

وله فتاوى أخرى بهذا المعنى.

و سئل الإمام أبو عبد الله محمد بن سحنون (202هـ-256هـ) كما في «فتاوى ابن سحنون» (ص438–439) عن تارك الصلاة من غير عذر وما حكمه؟

قال -رحمه الله-: "ذلك على وجهين:

إذا جحد وجوبها وقال: ليست بواجبة عليّ ولا على أحد، أو أنكر وجوب الوضوء أو الصوم أو الزكاة، أو جحد فرضاً من فرائض الإسلام أي فرض كان، فحكمه حكم المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب وتمادى على جحده قُتل كفراً.

واختلف في ماله، فقيل: يكون في بيت مال المسلمين إن كان بيت المال صالحاً, وإن كان ظلوماً غشوماً فيفرق بين الفقراء والمساكين.

وقيل: ماله لورثته من المسلمين.

وإن ترك الصلاة تهاوناً بها وعجزاً وتفريطاً، وهو مقر بوجوبها، فإنه يؤدب ويعاقب عقوبة شديدة ؛ لأن ترك الصلاة من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب عند الله تعالى، وهذا إذا أقر بوجوبها ووعد بفعلها.

وإذا أقر بوجوبها وامتنع من أدائها، وقال: لا أصلي، فإنه يُنظر إلى خروج الوقت الذي أمر فيه بالصلاة، فإن لم يصلها قُتل، واختلف في قتله:

فقيل: يقتل حدّاً ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه ورثته المسلمون، لأنه مؤمن عاص، وعليه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين. ([4])

وقيل: يقتل كفراً ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ويكون ماله لبيت مال المسلمين، وهو قول ابن حبيب وجماعة من التابعين، وسندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين العبد المؤمن والكافر ترك الصلاة)، ظاهر الحديث على أي وجه تركها، وقال جمهور العلماء: معنى الحديث: إذا تركها جاحداً لوجوبها».

المصدر: فتاوى ابن سحنون، محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي القيرواني المالكي، دار النشر:دار ابن القيم-الرياض، دار ابن عفان- مصر، ط1، 1432هـ/2011م.

وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ابن سحنون [202هـ-256هـ] بالإمامة وعده قريباً من طبقة الائمة الشافعي وأحمد وابن راهويه كما في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص/512-513).

وقال الجهني الحدادي المكابر (ص13-14):

"وأما الشافعي رحمه الله فقد نقل عنه تلميذه المزني – وهو أعلم الناس به – القول بكفر تارك الصلاة.

قال المزني في "المختصر" ص53: قال الشافعي: "يقال لمن ترك الصلاة حتى يخرج وقتها بلا عذر: لا يصليها غيرك, فإن صليت وإلا استتبناك, فإن تبت وإلا قتلناك كما يكفر فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك. وقد قيل يستتاب ثلاثا فإن صلى فيها، وإلا قتل وذلك حسن إن شاء الله".

أقول:

1- إن كلام الشافعي هنا يدل على عدم تكفيره لتارك الصلاة؛ لأنه لم ينص على كفره وإنما على استتابته؛ فإن تاب وإلا قتل.

2- وقوله: "كما يكفر فنقول: إن آمنت وإلا قتلناك".

يريد بهذا القول قياس قتل تارك الصلاة على قتل المرتد، ولا يريد بهذا كفر تارك الصلاة؛ فقد غاير بينهما، فذاك يقتل لأنه تارك للصلاة وهذا يقتل لأنه مرتد كافر بالإسلام.([5])

3- يوضحه أن الإمام الشافعي رحمه الله قاس قتل تارك الصلاة على قتال مانعي الزكاة محتجًّا بقتال أبي بكر لمانعي الزكاة.

ففي [الأم] (1/255):

"[الْحُكْمُ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ]

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قِيلَ لَهُ لِمَ لَا تُصَلِّي؟ فَإِنْ ذَكَرَ نِسْيَانًا قُلْنَا فَصَلِّ إذَا ذَكَرْت، وَإِنْ ذَكَرَ مَرَضًا قُلْنَا: فَصَلِّ كَيْفَ أَطَقْت قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِيًا. فَإِنْ قَالَ: أَنَا أُطِيقُ الصَّلَاةَ، وَأُحْسِنُهَا، وَلَكِنْ لَا أُصَلِّي وَإِنْ كَانَتْ عَلَيَّ فَرْضًا. قِيلَ لَهُ: الصَّلَاةُ عَلَيْك شَيْءٌ لَا يَعْمَلُهُ عَنْك غَيْرُك، وَلَا تَكُونُ إلَّا بِعَمَلِك فَإِنْ صَلَّيْت، وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك فَإِنْ تُبْت، وَإِلَّا قَتَلْنَاك فَإِنَّ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَالْحُجَّةُ فِيهَا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ، لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يَذْهَبُ فِيمَا أَرَى، وَاَلله تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلُوا مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ إذْ كَانَتْ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَنَصَبَ دُونَهَا أَهْلُهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ طَائِعِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مَقْهُورِينَ عَلَيْهَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ كَارِهِينَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ بِزَكَاةٍ أَوْ دَيْنٍ كَارِهِينَ أَوْ غَيْرَ كَارِهِينَ فَاسْتَحَلُّوا قِتَالَهُمْ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْقَتْلِ فَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ تَارِكُهَا فِي أَيْدِينَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنَّا فَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الصَّلَاةِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ يَدَيْهِ مِثْلُ اللُّقَطَةِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْمَالِ.

قُلْنَا: إنْ صَلَّيْت، وَإِلَّا قَتَلْنَاك، كَمَا يَكْفرُ، فَنَقُولُ: إنْ قَبِلْت الْإِيمَانَ، وَإِلَّا قَتَلْنَاك إذْ كَانَ الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلِك، وَكَانَتْ الصَّلَاةُ، وَالْإِيمَانُ مُخَالِفَيْنِ مَعًا مَا فِي يَدَيْك، وَمَا نَأْخُذُ مِنْ مَالِك لِأَنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ مِنْك فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَرِهْت.([6]) فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ أَنَّهُ تَرَكَ الصَّلَاةَ سُئِلَ عَمَّا قَالُوا فَإِنْ قَالَ: كَذَبُوا، وَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَ: نَسِيت صُدِّقَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ صَلَّى جَالِسًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ قَالَ: أَنَا مَرِيضٌ أَوْ تَطَوَّعْت صُدِّقَ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ قِيلَ يُسْتَتَابُ تَارِكُ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى حَسَنٌ؛ فَإِنْ صَلَّى فِي الثَّلَاثِ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ إذَا أُمِرَ بِهَا، وَقَالَ: لَا أُصَلِّيهَا فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَضْرِبُهُ وَأَحْبِسُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَحْبِسُهُ، وَلَا أَضْرِبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَضْرِبُهُ، وَلَا أَحْبِسُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ".

انظر إلى قوله: [الْحُكْمُ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ] ولم يقل: الحكم في المرتد.

ثم انظر كيف استدل الإمام الشافعي هنا على قتل تارك الصلاة بقول أبي بكر رضي الله عنه في مانعي الزكاة: "لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ، لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ".

ثم ساق دليل أبي بكر وهو قول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.

وانظر قوله: "وَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ".

ثانيًا: قاس الإمام الشافعي مرة أخرى قتل تارك الصلاة على قتل المرتد، فقال: "كَما يَكْفرُ، فَنَقُولُ: إنْ قَبِلْت الْإِيمَانَ، وَإِلَّا قَتَلْنَاك إذْ كَانَ الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَوْلِك".

ولم يقل لتارك الصلاة: إن قبلت الإيمان وإلا قتلناك. إذ لا يكون الإيمان إلا بقولك؛ لأنه عنده مسلم غير كافر، وهذا كلام واضح جلي في تفريقه بين المرتد عن الإسلام وبين تارك الصلاة.

وانظر إلى قول هذا الإمام: "وَقَدْ قِيلَ يُسْتَتَابُ تَارِكُ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ الله تَعَالَى حَسَنٌ؛ فَإِنْ صَلَّى فِي الثَّلَاثِ، وَإِلَّا قُتِلَ".

وهؤلاء الذين حكى كلامهم لا يبعد أنهم من السابقين له.

فحكم عليه بعد الاستتابة ثلاثًا بالقتل ولم يحكم عليه هو وغيره بالكفر والردة، وهذا واضح جلي عند من يعقل ويدرك معنى هذا الكلام.

ثم حكى الإمام الشافعي خلاف من خالفه في قتل تارك الصلاة، فقال:

"وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ إذَا أُمِرَ بِهَا، وَقَالَ: لَا أُصَلِّيهَا فَقَالَ: لَا يُقْتَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَضْرِبُهُ وَأَحْبِسُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَحْبِسُهُ، وَلَا أَضْرِبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا أَضْرِبُهُ، وَلَا أَحْبِسُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ".

فلم يقل: كيف تقولون هذه الأقوال فيمن هو كافر كافر بالله، ولم يحكم على أهل هذه الأقوال بالإرجاء، كيف وفي القائلين بعدم قتله الإمام الزهري!.

ثم استمر الإمام الشافعي في نقاش من لا يرى قتل تارك الصلاة نقاشًا علميًّا ولو كان الشافعي يرى كفره لقال: كيف تجادلون في قتل كافر مرتد.

وأقول:

لقد تجلى للقارئ النبيل أن الشافعي من أبعد الناس عن تكفير تارك الصلاة وأنه مع عدم تكفيره له يرى استتابته فإن تاب وصلى وإلا وجب قتله.

ومما يؤكد أن الإمام الشافعي لا يرى كفر تارك الصلاة وبعده عن ذلك قوله في [الأم] (1/69):

"ذَكَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وَلَمْ يَذْكُرْ الرُّشْدَ الَّذِي يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ النِّكَاحِ وَفَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْجِهَادَ فَأَبَانَ رَسُولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ عَلَى مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِأَنْ «أَجَازَ ابْنَ عُمَرَ عَامَ الْخَنْدَقِ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَرَدَّهُ عَامَ أُحُدٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً» فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ الْحُلُمَ وَالْجَارِيَةُ الْمَحِيضَ غَيْرَ مَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمَا، أَوْجَبْتُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةَ وَالْفَرَائِضَ كُلَّهَا، وَإِنْ كَانَا ابْنَيْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَآمُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهَا فَإِذَا لَمْ يَعْقِلَا لَمْ يَكُونَا كَمَنْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَأُؤَدِّبُهُمَا عَلَى تَرْكِهَا أَدَبًا خَفِيفًا وَمَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِعَارِضِ مَرَضٍ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 197] وَقَوْلِهِ {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} [الرعد: 19] وَإِنْ كَانَ مَعْقُولًا لَا يُخَاطَبُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إلَّا مَنْ عَقَلَهُمَا".

انظر إلى قول هذا الإمام: "فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ الْحُلُمَ وَالْجَارِيَةُ الْمَحِيضَ غَيْرَ مَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمَا، أَوْجَبْت عَلَيْهِمَا الصَّلَاةَ وَالْفَرَائِضَ كُلَّهَا".

ثم انظر إلى قوله: "وَأُؤَدِّبُهُمَا عَلَى تَرْكِهَا أَدَبًا خَفِيفًا".

فمن هذا واقعه وموقفه من تارك الصلاة هنا وهناك، فكيف تصح دعوى من يقول: إنه يكفر تارك الصلاة.

وبعد ظهور واتضاح مذهب هذا الإمام من نص كلامه في عدم تكفيره لتارك الصلاة فمن ينسب إليه أنه يكفره فهو مكابر معاند كمن ينكر ظهور الشمس في كبد السماء.

وقال الجهني الحدادي:

"فإن قيل: إن محمد بن نصر قد نسب إلى الشافعي القول بعدم التكفير.

فالجواب: أن محمد بن نصر لم يذكر إسناده إلى الشافعي. فإسناده إلى الشافعي مجهول, ولا يترك الشيء المعلوم للشيء المجهول. بل قال الفقهاء "المجهول كالمعدوم".

أقول:

مسكين هذا الحدادي، يبالغ في الإشادة بالإمام محمد بن نصر وبمكانته العظيمة، فإذا قال قولًا حقًّا وثابتًا نسي وتجاهل تلك المكانة.

فانظر إليه كيف يطعن في نقله الحق لمذهب الإمام الشافعي في تارك الصلاة والذي ما قاله إلا عن علم، فيحكم هذا الجهول بأنه ليس للإمام محمد بن نصر إسناد إلى الشافعي، بل إسناده مجهول، والمجهول عند الفقهاء كالمعدوم.

وهنا يعتد بكلام الفقهاء الذين يطعن فيهم وأنهم إنما تلقوا الحكم بعدم تكفير تارك الصلاة من المبتدعة الأشاعرة المرجئة.

فغلب هواه الآن حكمه السابق عليهم في عدم قبول كلامهم إلى قبول كلامهم في مثل إسناد محمد بن نصر إلى الإمام الشافعي.

وهاك ما يدحض هذا الهراء والخرص تجاه محمد بن نصر رحمه الله ونقله لمذهب الإمام الشافعي في عدم تكفيره لتارك الصلاة:

قال الحافظ الذهبي في ترجمته في [سير أعلام النبلاء] (14/33-34):

مُحَمَّدُ بنُ نَصْر بنِ الحَجَّاجِ المَرْوَزِيُّ الإِمَامُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ.

مَوْلِدُهُ بِبَغْدَادَ، فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ، وَمَنْشَؤُهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَمَسْكَنُهُ سَمَرْقَنْدُ. كَانَ أَبُوْهُ مَرْوَزِيّاً، وَلَمْ يُرْفَعْ لَنَا فِي نَسَبِهِ.

ذَكَرَهُ الحَاكِمُ، فَقَالَ: إِمَامُ عَصْرِهِ بِلاَ مُدَافعَةٍ فِي الحَدِيْثِ.

سَمِعَ بِخُرَاسَانَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى التَّمِيْمِيِّ، وَأَبِي خَالِدِ يَزِيْدَ بنِ صَالِحٍ، وَعُمَرَ ابنِ زُرَارَةَ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ المَرْوَزِيّ، وَإِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وعلي ابن حجر. وبالري: محمد بن مهران الحمال، ومحمد بن مقاتل وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْدٍ، وَطَائِفَةٍ. وَبِبَغْدَادَ: مُحَمَّدَ بنَ بكار ابن الرَّيَّانِ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيّ، وَالطَّبَقَة. وَبِالبَصْرَة: شَيْبَانَ بنَ فَرُّوخٍ، وَهُدْبَةَ بنَ خَالِدٍ، وَعبدَالواحدِ بنَ غِيَاثٍ، وَعِدَّةً. وَبَالكُوْفَةِ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَهَنَّاد، وَابنَ أَبِي شَيْبَةَ، وَطَائِفَةً. وَبَالمَدِيْنَةِ: أَبَا مُصْعَبٍ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ المُنْذِرِ الحِزَامِيّ، وَطَائِفَةً. وَبَالشَّامِ: هِشَامَ بنَ عَمَّارٍ، وَدُحَيْماً.

قُلْتُ: وَبِمِصْرَ مِنْ: يُوْنُسَ الصَّدَفيِّ، وَالرَّبِيْعِ المُرَادِيِّ، وَأَبِي إِسْمَاعِيْلَ المُزَنِيّ، وَأَخَذَ عَنْهُ كُتُبَ الشَّافِعِيّ ضَبْطاً وَتفَقُّهًا. وَكَتَبَ الكَثِيْرَ، وَبَرَعَ فِي عُلُومِ الإِسْلاَمِ، وَكَانَ إِمَاماً مُجْتَهِداً عَلاَّمَةً، مِنْ أَعْلَمِ أَهْلِ زَمَانِهِ بِاخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونَ مِثْلَهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: حَدَّثَ عَنْ: عَبْدَانَ بنِ عُثْمَانَ. ثُمَّ سمَّى جَمَاعَةً، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام.

قُلْتُ: يُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ أَعْلَم الأَئِمَّةِ بِاخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ عَلَى الإِطلاَقِ" حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجِ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ شَكَّر، وَأَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ، وَأَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، وَأَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْه، وَوَلَدُهُ إِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدِ بنِ نصرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ السَّمَرْقَنْدِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم".

وترجم له الأسنوي في [طبقات الشافعية] (2/372) فقال في ترجمته: "وتفقه بمصر على أصحاب الشافعي".

أقول:

وعلى رأسهم المزني.

وذكره الحافظ ابن الصلاح في [طبقات الفقهاء الشافعية] (1/277/ 282) فقال:

"مُحَمَّد بن نصر أَبُو عبد الله الإِمَام الْمروزِي، صَاحب التصانيف الجَمَّة، أحد من استبحر فِي علمي الْفِقْه والْحَدِيث، وَجمع بَين فضيلتي الْإِمَامَة والديانة.

وَهُوَ صَاحب اخْتِيَار، وَرُبمَا تذرع متذرع بِكَثْرَة اختياراته المُخَالفَة لمَذْهَب الشَّافِعِي إِلَى الْإِنْكَار على الْجَمَاعَة العادين لَهُ فِي أَصْحَابنَا، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، لِأَنَّهُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَة ابْن خُزَيْمَة، والمزني، وَأبي ثَوْر قبله، وَغَيرهم، فَلَقَد كثرت اختياراتهم المُخَالفَة لمَذْهَب الشَّافِعِي، ثمَّ لم يخرجهم ذَلِك عَن أَن يَكُونُوا فِي قبيل أَصْحَاب الشَّافِعِي معدودين، وبوصف الاعتزاء إِلَيْهِ موصوفين".

فهذا ابن الصلاح يعد محمد بن نصر في أصحاب الشافعي الذين لهم اختيارات، أليس من هذا حاله أعلم بمذهب الشافعي ممن يخالفه كالطحاوي؟!

وقال في (ص280): "سمع بخراسان يحيى بن يحيى".

وقال النووي في [تهذيب الأسماء واللغات] (1/92-93) في طليعة ترجمة

محمد بن نصر:

"من أصحابنا أصحاب الوجوه، مذكور في الروضة في الوصية في ركن الصيغة، وفى كتاب الصداق في باب تشطره في مسألة من أصدقها حليًا فكسرته. هو الإمام البارع العلامة في فنون العلم، أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي الفقيه الشافعي.

روينا في تاريخ بغداد عن الخطيب، قال: محمد بن نصر المروزي، أبو عبدالله الفقيه، صاحب التصانيف الكثيرة، والكتب الجمة، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل إلى سائر الأمصار في طلب العلم، واستوطن سمرقند.

وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام".

ثم ذكر في ترجمته ثناء العلماء عليه كالخطيب وغيره.

فهل يؤخذ بكلام هؤلاء العلماء الصادقين العالمين بمحمد بن نصر وبصلته القوية بمذهب الإمام الشافعي ومعرفته به أكثر من الطحاوي؟

وقال الجهني الحدادي المكابر:

"فإن أبت المرجئة المعاصرة إلا الاعتماد على كلام محمد بن نصر, فيما نسبه إلى الإمام الشافعي, فيقال لهم : هذا الحافظ الطحاوي, معاصر لمحمد بن نصر, وأقرب منه إلى الشافعي, حيث أخذ فقه الشافعي عن خاله المزني تلميذ الشافعي, ينقل في كتابه "شرح مشكل الآثار 205/8" عن الشافعي القول بكفر تارك الصلاة . وليس ما عزاه ابن نصر بأولى مما عزاه الطحاوي, بل هذا أولى وأقرب, فإن الطحاوي كان شافعيا أول أمره, ثم تحول حنفيا . وهو ينقل قول الشافعي عن المزني صاحب الشافعي.

أقول:

1) لم ينقل الطحاوي مذهب الشافعي في هذه المسألة عن المزني، فهذا من كيس هذا الحدادي.

2) لقد أخطأ الطحاوي في نسبة تكفير تارك الصلاة إلى الإمام الشافعي؛ لأن قوله هذا يخالف نص الشافعي نفسه في عدم كفر تارك الصلاة في موضعين من كتاب [الأم] كما أسلفنا، ويخالف أقوال العلماء الذين هم أعرف بمذهب الشافعي منه.

3) ومحمد بن نصر أعلم منه بمذهب الشافعي؛ فإنه أخذ فقه الشافعي عن أصحابه ولاسيما المزني، وقد سلف عن الذهبي أن محمد بن نصر أخذ العلم بمصر من يونس الصدفي والربيع المرادي وأبي إسماعيل المزني، وأخذ عنه كتب الشافعي ضبطًا وتفقهًا، وهؤلاء أصحاب الشافعي ولاسيما المزني الذي أخذ عنه ابن نصر على وجه العموم أولا وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بمذهب الشافعي، فسقطت أراجيف هذا الحدادي.

فتبين واتضح للقارئ مذهب الشافعي في عدم تكفيره لتارك الصلاة، فهل يلتفت عاقل منصف إلى تخرصات الجهلاء ومكابراتهم ويترك كلام العلماء الثقات؟!

وقال الجهني المتهور في (ص15):

"هذا, ولم يزل أصحاب الشافعي من علماء الحديث على مذهب السلف في هذه المسألة, فهذا الحافظ الكبير أبو عوانة الاسفراييني, صاحب المستخرج على صحيح مسلم, قال عنه الذهبي في " سير أعلام النبلاء " : وكان رحمه الله, أول من أدخل إسفرايين مذهب الشافعي وكتبه, حملها عن الربيع المرادي والمزني . انتهى.

عقد أبو عوانة بابا في كتابه " المستخرج على صحيح مسلم 63/1 " في كتاب الإيمان قال فيه : باب : أفضل الأعمال, والدليل على أن الإيمان قول وعمل, وأن من ترك الصلاة فقد كفر, والدليل على أنها أعلى الأعمال إذ تاركها يصير بتركها كافرا . اهـ

فهذا هو مذهب الشافعي وأصحابه, لخصها([7]) أبو عوانة في هذا التبويب الفريد, وهو حتما لا يروق للمرجئة, لأنه ربط بين الإيمان والصلاة . وجعل مسألة ترك الصلاة في كتاب الإيمان".

أقول:

1- إن من المجازفة قول هذا الحدادي: "هذا, ولم يزل أصحاب الشافعي من علماء الحديث على مذهب السلف في هذه المسألة".

فَسَمِّ لنا أصحاب الشافعي هؤلاء، واذكر لنا أقوالهم من مصادرها وأثبت نسبتهم إلى الإمام الشافعي؛ فإن عجزت فلأهل السنة أن يكذبوك، والظاهر أنه اخترع هذا الكلام لما وجد أبا عوانة يكفر تارك الصلاة.

2- إن أصحاب الشافعي لهم اجتهادات واختيارات كثيرة يخالفون فيها الإمام الشافعي وتسمى بالوجوه عند فقهاء الشافعية ومنهم أبو عوانة، فهو وإن درس كتب الشافعي فإنه ليس من أهل التقليد الأعمى، بل هو كفحول علماء الحديث لا يجيزون التقليد، ويوجبون على القادر على الاجتهاد أن يجتهد، فانطلاق أبي عوانة في هذه المسألة من باب الاجتهاد، ومن هنا خالف الإمام الشافعي في مسألة تارك الصلاة.

3- وقول الحدادي: "فهذا هو مذهب الشافعي وأصحابه, لخصها أبو عوانة في هذا التبويب".

أقول:

وهذه كذبةٌ صلعاء تدل على جرأة هذا الرجل على التفوه بالباطل، فهل قال أبو عوانة هذا قول الشافعي وأصحابه؟ حاشا أبا عوانة أن يقول هذا القول على الشافعي وهو ممن يعلم أن الشافعي ومعظم أصحابه لا يكفرون تارك الصلاة.

يا هذا، أرحنا أنت وأصحابك من كثرة الكذب والعناد والمكابرة، فالشافعي نفسه نص على عدم تكفير تارك الصلاة، فماذا تريدون بعد هذا؟!

وهاك عددًا من علماء المذاهب الشافعية والمالكية والحنابلة ينقلون عن الشافعي أنه من العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة.

وقد تقدم نقل ابن عبد البر لذلك.

وهذا الإمام ابن قدامة ينقل أقوال العلماء في تارك الصلاة في كتابه [المغني] (2/329-232)، ونقل الإجماع على تكفير الجاحد لوجوبها، ثم نقل كلام العلماء في تارك الصلاة كسلًا وتهاونًا وأنه يدعى إلى فعلها ويخوف بالقتل؛ فإن صلى وإلا قتل بالسيف، ونقل قول من يكفرونه وأدلتهم ومن لا يكفرونه وأدلتهم.

ثم قال:

"وبهذا قال مالك وحماد بن زيد والشافعي، وقال الزهري: يضرب ويسجن. وبه قال أبو حنيفة".

ثم قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني:

"وإن تركها تهاونًا أو كسلًا دُعي إلى فعلها، وقيل له: إن صليت وإلا قتلناك. فإن صلى، وإلا وجب قتله، ولا يُقتل حتى يحبس ثلاثًا، ويُضيّق عليه فيها، ويُدعى في وقت كل صلاة إلى فعلها، ويُخوف بالقتل؛ فإن صلى وإلا قتل بالسيف.

وبهذا قال مالك، وحماد بن زيد، ووكيع، والشافعي.

وقال الزهري: يُضرب ويُسجن، وبه قال أبو حنيفة قال: ولا يقتل؛ لأن النبي ﷺ قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق» متفق عليه.

وهذا لم يصدر منه أحد الثلاثة، فلا يحل دمه، وقال النبي ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» متفق عليه.

ولأنه فرع من فروع الدين، فلا يقتل بتركه، كالحج، ولأن القتل لو شرع لشرع زجرًا عن ترك الصلاة، ولا يجوز شرع زاجر يمنع تحقق المزجور عنه، والقتل يمنع فعل الصلاة دائمًا، فلا يشرع؛ ولأن الأصل تحريم الدم، فلا تثبت الإباحة إلا بنص، أو معنى نص، والأصل عدمه".

ثم ساق أقوال وأدلة من يكفره ومنهم الإمام أحمد.

ثم قال رحمه الله:

"والرواية الثانية([8]): يُقتل حدًّا مع الحكم بإسلامه، كالزاني المُحصَن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة، وأنكر قول من قال: إنه يكفر. وذكر أن المذهب على هذا، لم يجد في المذهب خلافًا فيه".

وقال النووي رحمه الله في المجموع (3/15-20):

(فَرْعٌ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تكا سلا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا: فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يُكَفَّرُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكَفَّرُ وَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ شيء وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالمُزَنِيُّ([9]): لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَكَذَا الرواية "الشرك والكفر بالواو"... .

وذكر أدلة من يكفره وأدلة من لا يكفره.

وأما الإمام أحمد رحمه الله فله أقوال في تارك الصلاة، تارة يكفره وتارة لا يكفره، وفحول أصحابه يرجحون عدم التكفير ولاسيما ابن بطة؛ فإنه يذكر أنه لا يصح عنه إلا عدم التكفير، هذا معنى كلامه.

ومنهم الإمام ابن قدامة كما في المغني، وشمس الدين أبو الفرح بن قدامة صاحب الشرح الكبير.

فمن أقوال الإمام أحمد رحمه الله ما رواه عنه مسدد في رسالته:

"والإيمان قول وعمل يزيد وينقص: زيادته إذا أحسنت، ونقصانه: إذا أسأت. ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم، أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجلّ جاحدًا بها؛ فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه". [طبقات الحنابلة] (1/343)، نشر دار المعرفة.

وكتبه

ربيع بن هادي عمير

13/شوال/1435هـ



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) وهذا الكلام ليس فيه دعوى إجماع الصحابة ولا يبعد أن الصحابة رضي الله عنهم الذين رووا أحاديث فضل التوحيد وأحاديث الشفاعة أن يكونوا ممن لا يكفر تارك الصلاة.

([2]) قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة (ص14) خلال كلامه عن تارك الصلاة وقتله:

"وقال ابن شهاب الزهري: وقال ابن شهاب الزهري وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وابو حنيفة وداود بن علي والمزاني يحبس حتى يموت أو يتوب ولا يقتل".

وساق أدلتهم على عدم قتله.

وهذا يفيد أن سعيد بن المسيب وهو من كبار التابعين لا يكفر تارك الصلاة وكذلك من ذكر بعده.

([3]) كذا.

([4]) تأمل قوله هذا مع قول شيخ الإسلام: وتكفير تارك الصلاة؛ فإن فيهما ردًّا لدعاوى الإجماع، وسواء رجحنا قول الإمام سحنون أو كلام شيخ الإسلام فإنهما مع ذلك يشتركان في إثبات الخلاف في تارك الصلاة من عهد الصحابة والتابعين.

وهذا يبطل أراجيف الحدادية بالإجماع، وأراجيفهم بالطعن والإرجاء.

فإن أصروا على هذين الأمرين تبين طعنهم جليًّا في الصحابة الذين لا يكفرون تارك الصلاة، والتابعين ومن بعدهم من أهل السنة.

([5]) وبهذا القول يقول المزني رحمه الله عند من يعقل ويفهم كلام العلماء على وجهه الصحيح.

([6]) انتهى كلام هذا الإمام عن المرتد ثم عاد إلى الكلام عن تارك الصلاة.

([7]) كذا.

([8]) أي: الرواية الثانية عن الإمام أحمد، وهي قوله بعدم تكفير تارك الصلاة.

([9]) انظر إلى عد الثوري الإمام المزني من العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة.
http://www.sahab.net/forums/index.ph...attach_id=2190
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:48 AM.


powered by vbulletin