براءة الإسلام والمسلمين مما فعله الخوارج والدواعش في ليبيا من قتل للمصريين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن من عادة أهل الباطل التشابه بينهم في باطلهم وفسادهم كما قال تعالى: {تشابهت قلوبهم}.
وإن كثرة أوجه الشبه، أو عظم الأمر الذي يشابه فيه المبطل مبطلاً آخر من أكبر الدلائل على الفساد والثبور والهلاك ..
وإن هذا الأمر هو ما نشاهده من هذه الفئة المارقة التي ادعت الجهاد في سبيل الله، وخدعت الناس بالشعارات البراقة، وزعمت أنها تسعى لنصرة الإسلام ودحض الشرك وأهله ..
ولكن المتأمل في حالهم، والظاهر من قولهم وفعالهم؛ ليدل دلالة أكيدة قاطعة على أن أولئك الضلال: خوارج مارقون، وفي الأرض مفسدون، وللحق مبطلون، وفي الباطل خائضون، ولأهل الإيمان محاربون، ولليهود مشابهون، وعلى أهل السنة حاقدون، ولدول الإسلام مبغضون شانؤون، وللفساد والدمار مبادرون، وعن الصراط المستقيم لناكبون ..
سبحان الله عما يصفون، ولعنة الله عليهم أينما هم غادون ورائحون ..
ومن أوجه مشابهة أولئك المارقون لليهود الصهاينة: نقضهم للعهد والميثاق، وغدرهم بالذميين والمستأمنين ..
فمما أمر الله به المؤمنين: الوفاء بالعهد والعقد ..
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}.
وقال تعالى: {وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وإن الخيانة ونقض العهد من صفات المنافقة المخذولين ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقاً»، وذكر منها: «وإذا عاهد غدر».
ومن شيم اليهود وصفاتهم نقض العهد بل ومن صفات أهل الشرك والكفر عموماً ..
قال تعالى في سورة البقرة: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
وقال تعالى في سورة الرعد: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}
وقال تعالى في سورة البقرة: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
وهذا واقع الخوارج في ليبيا وغيرها سواء تسموا بداعش أو أنصار الشريعة أو فجر ليبيا وغير ذلك من المسميات التي لا تغطي سوآتهم وفساد عقيدتهم.
فهم يقتلون المسلمين، ويكفرونهم بالشبهات والدعاوى والأكاذيب، ولم يكتفوا بجرمهم هذا، بل خفروا ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فهؤلاء الخوارج الذين قتلوا الأقباط المصريين الذين جاؤوا للعمل في البلاد الليبية خائنون لله ورسوله وللمؤمنين، ناقضون لعهد الله ورسوله، مخفرون لذمة الله ورسوله.
فإن الأقباط لهم ذمة الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا-أَوَ قَالَ:- ذِمَّةً وَصِهْرًا» رواه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما». [الصحيحة:1374].
ومن حقهم على جميع الليبيين والمقيمين في ليبيا أن يحفظوا حقوقهم وأن لا يظلموهم وأن لا يعتدوا عليهم.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً شدة خفر ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّكُمْ إنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَة أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ». رواه مسلم.
وقد حرم الله قتل المعاهدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً». رواه البخاري في موضعين، وبوب عليه البخاري في صحيحه في موضعٍ: «بَاب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ».
فمن يخفر ذمة الله ورسوله ويقتل الأقباط الذميين والمستأمنين فهو غادر خائن لله ورسوله وللمؤمنين وهو مجرم أثيم أبعد الناس عن الجهاد في سبيل الله.
بل من يقتل الذميين المعاهدين ممن يقاتل في سبيل الطاغوت.
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً}
فهذه بعض أوجه الشبه بين الخوارج والدواعش بليبيا وأشباههم من الخوارج المارقين لليهود الكافرين.
وأوجه مشابهة هؤلاء الخوارج الأخباث الذين يَدَّعُونَ التدين والالتزام بالشرع، ويدَّعُون الجهادَ وهم بريؤون منه، وهو بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب -عليهما السلام- لليهود الصهاينة كثيرة فليعلم الناس جميعاً عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم أن هؤلاء المارقين لا يمثلون الإسلام بل هم محاربون لدين الله الحق خائنون فاجرون.
أسأل الله أن يطهر منهم البلاد، وأن يحمي من شرهم العباد، وأن يكشفهم ويعمي أبصارهم ويهلكهم ويجعلهم عبرة للحاضر والباد.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي
27/ 4/ 1436 ه