منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > الأســــــــــــــــــــــــرة الـمـســــــــــلـــــمــــــــة

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-15-2013, 06:39 PM
أم آدم المغربية أم آدم المغربية غير متواجد حالياً
مشرفة-وفقها الله-
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 86
شكراً: 24
تم شكره 6 مرة في 6 مشاركة
افتراضي الحسام الماحق على كل مشرك ومنافق للشيخ د تقي الدين الهلالي -رحمه الله تعالى-

الحسام الماحق على كل مشرك ومنافق
للشيخ / محمد تقي الدين الهلالي
الفهرس

الفصل الأول في بيان إشراك صاحب الرسالة الإيمانية بعبادة غير الله
ذكر بعض أنواع العبادة التي يصرفها المشركون لغير الله تعالى
أمر عمر بن الخطاب بقطع شجرة الرضوان
أحاديث النهي عن البناء على القبور و العبادة عدها سداً للذريعة الموصلة إلى الشرك
الفصل الثاني في تحريم الإفتاء و القضاء بالتقليد و بيان أن التمذهب بدعة ... الخ
تبرؤ الإمام مالك رحمه الله من المقلدين المفترين عليه
الفصل الثالث في بيان أن كل بدعة ضلالة
الفصل الرابع في مسائل فرعية جاءت في رسالة البوعصامي العامي
المسألة الأولى : وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة .
المسألة الثانية : قراءة البسملة في أول سورة الفاتحة و أول كل سورة في الصلاة .
الاختلاف في الجهر بـها في الصلاة
المسألة الثالثة : قراءة القرآن و إهداء ثوابه إلى الموتى بدعة .
تنبيهات
المسألة الرابعة : التأمين و الجهر به
المسألة الخامسة : نسبة السدل إلى الإمام الشافعي .
المسألة السادسة : التوسل بالمخلوق .
توسل عمر بالعباس
عمل أهل المدينة
وصية النبي أن يطلب الاستغفار من أويس القرني
( بدعة قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة )
أحكام آية النجم
انتفاع الإنسان بعمل غيره
حقوق أهل البيت ما لهم و ما عليهم
حديث : أذكركم الله في أهل بيتي
(( القصيدة الأولى ))
(( القصيدة الثانية ))
الأبيات التسعة الأولى هي التي بقيت في حفظي من قصيدة للشيخ عمران اللنجي رحمة الله عليه و تكملتها من نظمي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
الحمد لله رب العالمين ، مالك يوم الدين ، لا إله إلا هو إياه أعبد و إياه أستعين ، و صلاته و سلامه على محمد عبده و رسوله النبي الأمين الذي أرسل رحمة للعالمين و أنزل عليه في الكتاب المبين ) يا أيها النبي حسبك الله و من اتبعك من المؤمنين (([1]) أما بعد :
فيقول العبد الفقير إلى ربه العلي الكبير ( محمد تقي الدين بن عبد القادر الهلالي ) : بعث إليّ الفقيه السيد محمد بن إبراهيم إمام (( أرفود )) رسالة أرسلت إليه من بعض المهوسين ، الفاتنين المفتونين ، و الذين طبع الله على قلوبـهم ، و زين لهم الشيطان سوء عملهم ، فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون كالذين قال الله فيهم : ] إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون . و جعلنا من بين أيديهم سداً و من خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون . و سواء عليهم أنذرتـهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون . إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرةٍ و أجرٍ كريم [([2]).
تضمنت تلك الرسالة الكاذبة الخاطئة من الإفك و البهتان و الكذب على رسول الله r ما ] تكاد السموات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا [([3]) و بعث هذا المفتون إلى مسجد أكرمهم الله بإحياء السنة من مرقدها ، و تجرأ هذا المهووس على الله تعالى ، فسمى السنن الصحيحة التي اتفق عليها الشيخان ، و تواتر العمل بـها من زمان النبي r إلى يومنا هذا سماها منكرا ، و لا غرابة في ذلك فقد روى ابن وضاح و غيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : (( كيف أنتم إذا ألبستم فتنة يهرم فيها الكبير ، و ينشأ فيها الصغير تجرى على الناس ، يحدثونـها سنة ، إذا غيرت قيل هذا منكر )) انتهى من كتاب الاعتصام للشاطبي ( ج1 ص 54 ) ، و ستأتي أحاديث أخرى في هذا المعنى إن شاء الله عندما يعرض المبتدع لإقرار البدع و استحسانـها ، و رأيت أن أقسم هذا الرد إلى فصول :


الفصل الأول
( في بيان إشراك صاحب الرسالة الإيمانية بعبادة غير الله )
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية : ] إياك نعبد و إياك نستعين [([4]) (( و العبادة في اللغة من الذلة ، يقال طريق معبد ، و بعير معبد ، أي مذلل . و في الشرع : عبارة عما يجمع كمال المحبة و الخضوع و الخوف . و قدم المفعول و هو إياك ، و كرر للاهتمام و الحصر أي لا نعبد إلا إياك و لا نتوكل إلا عليك ، و هذا هو كمال الطاعة . و الدين كله يرجع إلى هذين المعنيين .
و هذا كما قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن و سرها هذه الكلمة (( إياك نعبد و إياك نستعين )) فالأول تبرؤ من الشرك ، و الثاني تبرؤ من الحول و القوة و تفويض إلى الله عز و جل ، و هذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى ] فاعبده و توكل عليه و ما ربك بغافل عما تعملون [([5]) ] هو الرحمن آمنا به و عليه توكلنا [([6]) ] رب المشرق و المغرب لا إله إلا هو فاتخذه و كيلا [([7]) و كذلك هذه الآية الكريمة ] إياك نعبد و إياك نستعين [ )) .
يقول محمد تقي الدين : بمثل هذا فسر آية ] إياك نعبد و إياك نستعين [ جمهور المفسرين من الصدر الأول ، فحقيقة العبادة غاية الذل في غاية الخضوع ، و هي تشمل القربات التي يتقرب بـها العبد إلى الله تعالى . و منها الاستعانة المذكورة هنا ، و المراد بـها الاستعانة بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى ، و لا يدخل في الأسباب كإعطاء الأولاد ، و إنزال المطر ، و شفاء المريض لا بتعاطي العلاج بل بقول (( كن )) فيكون و إمداد الشخص بـهداية القلب و تنويره ، و تفريج الهم و الغم عنه ، و هو ما يسمى بالمدد عند المشركين الذين يزعمون أن غير الله قادر على إصلاح قلوبـهم و إمدادها بنور الإيمان و الفتوح الغيبية ، فهذا النوع من الاستعانة خاص بالله تعالى فمن استعان بغيره في مثل ذلك فهو كافر مشرك ، صارف حق الله لغير الله ، و نحن نشاهد المشركين عبدة القبور و الأضرحة و غيرها من الأمكنة التي يقدسونـها ، يطلبون من آلهتهم التي يسمونـها أولياء و سادة و صالحين نزول المطر و إعطاء الأولاد و تفريج الكروب و شفاء المريض و كشف الضر و النصر على العدو و قضاء الدين و إطالة عمر الأولاد و جعل المرأة التي تلد الإناث تلد الذكور و يتقربون إلى آلهتهم بأنواع من العبادات : بالدعاء الذي هو مخ العبادة كما ثبت في الحديث و سيأتي إن شاء الله ، و الاستغاثة و قد صرح بجوازها المشرك المفتون ، و بناء القباب على قبورهم ، أو الأمكنة التي جلسوا فيها ، و الأمكنة التي يزعم بعض المنتحلين الدجالين أنه رأى في المنام شخصاً مشهوراً عندهم بالصلاح يقول له : ابنوا لي قبة في هذا المقام و يتقربون و يتملقون لها بتقبيل العتبات و التوابيت ، و يمرغون خدودهم على القبور ، و يتمسحون بـها ، و يهتفون بالأسماء المنسوبة إليها ، و يقربون لها القرابين ، و يذبحون الذبائح ، و يحجون إليها و يطوفون ، و ينذرون لها النذور و يسمون ذلك بالوعدة ، يزعمون أن الدعاء عندها أفضل منه في المساجد . فهل هؤلاء يؤمنون بقوله تعالى : ] إياك نعبد و إياك نستعين [ و بقوله تعالى ] فاعبده و توكل عليه [ كلا والله هؤلاء ما يعرفون معنى لا إله إلا الله كما قال تعالى : ] و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هو مشركون [ .
ذكر بعض أنواع العبادة التي يصرفها المشركون لغير الله تعالى
قلت في كتابي : (( المنح السانحة في تفسير سورة الفاتحة )) ما نصه : (( ] إياك نعبد و إياك نستعين [ إياك ضمير مفعول به مقدم للفعل بعده ، و تقديم المفعول به يفيد الحصر ، أي لا نعبد غيرك و لا نستعين إلا بك . و العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الاعتقاد و الأقوال و الأفعال ، و يقال : العبادة غاية الذل في غاية الحب )) .
أقول : أرى من الواجب علي أن أذكر بعض أنواع العبادة هنا ليستعين بـها السائل على تقرير توحيد الله في نفوس التلامذة و غيرهم .
فالأول : الدعاء و هو كما في الحديث الآتي (( مخ العبادة )) أي لبابـها و خالصها ، فكل من دعوته لجلب خير أو دفع ضر فيما لا مجال للأسباب فيه كإعطاء العقيم الأولاد لا بطريقة العلاج بل بطريقة التصرف في الكون بالهمة و الحال ، و جعل المرأة التي تلد الإناث فقط تتحول إلى ولادة الذكور أو بالعكس ، أو كصد الأعداء و السباع الضارية بلا قتال ، و شفاء المريض كذلك ، و إحياء الميت و إماتة الحي و إنزال المطر و ما أشبه ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله الذي يقول للشيء (( كن )) فيكون و كل من دعوته لشيء من ذلك فقد عبدته .
و من الأدلة على ذلك في كتاب الله عز و جل – و هي كثيرة أعد منها و لا أعددها – قوله تعالى في سورة فاطر بعد ذكر الأفعال المختصة بالله في الآية إلى قوله تعالى : ] ذلكم الله ربكم له الملك و الذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم و لا ينبئك مثل خبير [([8]) و قال تعالى في سورة الأحقاف : ] قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات . ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين . و من أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة و هم عن دعائهم غافلون و إذا حشر الناس كانوا لهم أعداء و كانوا بعبادتـهم كافرين [¬(¬¬¬[9]) يفهم من آيات فاطر أن الله وحده هو المتصرف في العالم و المسير له و المدبر له و لا يشاركه في ذلك أحد ، و هو وحده رب العالمين ، له الملك ، و كل من سواه عبد فقير إليه في إيجاده و إمداده ، فلا يجوز له أن يدعو بغيره ، لأنـهم لا يملكون لهم ضراً و لا نفعاً لا قليلاً و لا كثيراً ، و لا يسمعون دعاء من دعاهم و لو سمعوا دعاءه ما استجابوا له ، و أن دعاءه لهم شرك بالله سيكفرون به يوم القيامة ، أي يتبرؤون منه .
و آيات الأحقاف تحتج على المشركين بأن الله هو الذي خلق السموات و الأرض فلا يدعى غيره و لا حجة لمن دعا غيره بل هو أضل الضالين ، و أن من دعاهم لا يستجيبون له أبداً و هم غافلون عن دعائه ، و إن كانوا أبراراً كالأنبياء و الصالحين فهم مشغولون في نعيم ، و إن كانوا ملائكة في عبادة الله يسبحون الليل و النهار لا يفترون ، و إن كانوا فجاراً فهم في العذاب المهين .
و إن الأبرار لا يرضون بدعاء من دعاهم لأنه عبادة لغير الله و سيكفرون بـهم يوم القيامة حين يحشر الناس ، يزيد ذلك وضوحاً ما أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله r : (( الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ : ] و قال ربكم ادعوني استجب لكم [([10]) )) .
الثاني : الاستغاثة قال الله تعالى في سورة الأنفال : ] إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين [([11]) ، أخرج أحمد و مسلم و أبو داود و الترمذي من حديث عمر بن الخطاب قال : (( لما كان يوم بدر نظر النبي r إلى أصحابه و هم ثلاثمائة و نيف ، و نظر إلى المشركين فإذا هم ألف و زيادة فاستقبل النبي r القبلة و عليه رداؤه و إزاره ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إن تـهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً ، فما زال يستغيث ربه و يدعوه حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه ثم قال : يا نبي الله ! كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز و جل ] إذ تستغيثون ربكم [ )) الآية ، فنحن نرى أن النبي r كان يستغيث ربه ، و أصحابه كانوا يستغيثون ربـهم كذلك و لم يستغيثوا بالنبي r لأن الاستغاثة عبادة ، و هي خاصة بالله تعالى . فمن استغاث بغيره فقد أشرك .
و روى الطبراني بإسناده عن عبادة بن الصامت أنه كان في زمان النبي r منافق يؤذي المؤمنين ، فقال بعضهم فقوموا بنا نستغيث برسول الله r من هذا المنافق ، فقال النبي r : (( إنه لا يستغاث بي ، و إنما يستغاث بالله )) .
قال شيخ الإسلام : (( الاستغاثة هي طلب الغوث ، و هو إزالة الشدة كالاستنصار طلب النصر ، و الاستغاثة طلب العون )) .
قال محمد تقي الدين : هذا كله في الاستغاثة و الاستنصار ، و الاستغاثة أي طلب الغوث و النصر و العون بطريق لا يقدر عليه إلا الله ، و طلبه خاص به كاستغاثة النبي و أصحابه بالله تعالى في غزوة بدر و استنصارهم له و استعانتهم به . أما الاستغاثة بالمخلوق في أمر يقدر عليه كاستغاثة من شبت النار في بيته برجال الإطفاء أو استغاثة من هجم عليه اللصوص أو السبع بمن ينجده أو استغاثة الإنسان بغيره أن يحمله على دابته أو سيارته أو يحمل متاعه عليها فذلك جائز ، قال تعالى في سورة القصص : ] فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه [ و قال النبي r : (( و الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه )) ، أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث طويل .
الثالث : الاستعاذة . قال الراغب : (( العوذ الالتجاء إلى الغير و التعلق به . يقال : عاذ فلان بفلان و منه قوله تعالى : ] أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين [([12]) ] و إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون [([13]) إلى أن قال : ] معاذ الله [([14]) أي نلتجئ إليه و نستنصر به حتى لا نفعل ذلك ، فإن ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه )) . انتهى .
قال محمد تقي الدين : و بـهذا تعلم أن التعوذ قريب في المعنى من الاستغاثة ، فقول الضلال عند قبور الصالحين : أنا في حماك ، أنا في رحمتك استعاذة و عبادة ، قال الشاعر :


يا من ألوذ به فيما أؤمله
لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره
و من أعوذ به فيما أحاذره
و لا يهيضون عظماً أنت جابره





الهيض : كسر العظم بعد جبوره . قال تعالى : ] و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا [([15]) . قال القاسمي : (( روى ابن جرير عن ابن عباس قال : كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية يقول : أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثما . ففي الآية إشارة إلى ما كانوا يعتقدون في الجاهلية من أن الوديان مقر الجن . و أن رؤساءها تحمي المستعيذين من ضرر الجن ، و هكذا قال إبراهيم : كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه ، فيقول الجن ما نملك لكم و لا لأنفسنا ضرا و لا نفعا ، و قال الربيع بن أنس كانوا يقولون : فلان من الجن رب هذا الوادي فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ برب الوادي من دون الله قال : فيزيدهم ذلك رهقا ، و هو الفقر . قال ابن زيد : كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال : إني أعوذ بكبير هذا الوادي ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله و تركوهم )) انتهى . أي لأن ذلك من الشرك ، و كذا نزلت سورتا المعوذتين لتعليم الاستعاذة بالله وحده و التبرؤ من الاستعاذة بغيره ، و كذلك أذكار الاستعاذات المأثورة لأنـها للإرشاد ، لذلك روى مسلم عن خولة بنت حكيم قالت : (( من نزل منـزلاً فقال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منـزله ذلك )) .
الرابع : النذر لغير الله من الشرك لأنه عبادة يجب الوفاء به إذا كان لله . قال تعالى : ] ما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه [([16]) و قال تعالى : ] يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا [([17]) . و أخرج البخاري عن عائشة أن رسول الله r قال : (( من نذر أن يطيع الله فليطعه و من نذر أن يعصي الله فلا يعصه )) .
الخامس : الذبح و النذر لغير الله قال تعالى : ] قل إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين [([18]) . قوله سبحانه : ] و نسكي [ قال مجاهد : (( النسك الذبح في الحج و العمرة )) .
قال محمد تقي الدين : و كل ذبح قصد به التعظيم فهو عبادة لقوله تعالى : ] فصل لربك و انحر [([19]) ، جمع الله سبحانه و تعالى هاتين العبادتين و هما الصلاة و الذبح في سورة الأنعام و في سورة الكوثر و أمر نبيه r ، و في ضمنه أمر لأمته ، أن يخصوا الله تعالى بـهما كما يخصونه بسائر أنواع العبادة .
و أخرج مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب قال : (( حدثني رسول الله r بأربع كلمات و لعن الله من ذبح لغير الله )) الحديث .
السادس : الخوف بالغيب ، قال تعالى : ] إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر و أقام الصلاة و آتى الزكاة و لم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين [([20]) قال ابن كثير : (( كل عسى في القرآن فهي واجبة . )) ، قال في فتح المجيد في ص 344 : (( خوف السر و هو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أن يصيبه بما يكره قال تعالى في قوم هود إنـهم قالوا له ] إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله و اشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون [([21]) و قال تعالى : ] و يخوفونك بالذين من دونه [([22]) ، و هذا هو الواقع من عباد القبور و نحوها من الأوثان يخافونـها و يخوفون أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتـها و أمروا بإخلاص العبادة لله و هذا ينافي التوحيد و أما الخوف الطبيعي و هو الخوف من عدو أو سبع أو زلزال فليس بعبادة و لا شركاً قال تعالى : ] فأوجس في نفسه خيفة موسى [([23]) )) .
السابع : الحلف بغير الله ، أخرج الترمذي و حسنه و الحاكم و صححه عن عمر بن الخطاب أن رسول الله r قال : (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك )) ، و قد صح عن النبي r في النهي عن الحلف بغير الله أحاديث .
الثامن : التبرك بالقبور و الأمكنة التي تنسب إلى الأنبياء و الصالحين من أعظم أسباب الكفر و الشرك ، و هذا ما أدى إلى عبادة الأصنام و الأوثان . أخرج البخاري في تفسيره قوله تعالى : ] و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا [([24]) عن ابن عباس : (( صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، و هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً و سموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك و نسي العلم عبدت )) .
قال ابن كثير في تفسيره : (( و قوله تعالى : ] و قد أضلوا [ يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بـها كثيرا فإنه قد استمرت عبادتـها في القرون إلى زماننا هذا في العرب و العجم و سائر صنوف بني آدم ، و قد اتفق المحققون من أهل العلم على أن أصل عبادة الأصنام هو الغلو في الصالحين و تعظيم قبورهم و اتخاذ المساجد عليها .
و قال القرطبي : (( و إنما صور أوائلهم الصور ليتأسوا بـها و يتذكروا أفعالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم و يعبدوا الله عند قبورهم ، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم فوسوس إليهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور و يعظمونـها )) . و قال ابن القيم رحمه الله : (( و ما زال الشيطان يوحي إلى عباد القبور و يلقي إليهم أن البناء و العكوف عليها من محبة أهل القبور من الأنبياء و الصالحين ، و أن الدعاء عندها مستجاب ، ثم ينقلهم من هذه المرتبة إلى الدعاء بـها و الإقسام على الله بـها و الله أعظم من أن يقسم عليه و يسأل بأحد من خلقه .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعائها و عبادتـها و سؤالها الشفاعة من دون الله و اتخاذها أوثاناً تضاء لها القناديل و تجعل عليها الستور و يطاف بـها و يستلم و يقبل و يحج إليها و يذبح
عندها .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادتـها و اتخاذها عيداً و منسكاً ، و رأوا أن ذلك أنفع لهم في دنياهم و أخراهم ، و كل هذا قد علموه بالاضطرار من دين الإسلام و أنه مضاد لما بعث الله به رسوله r من تجريد التوحيد و أن لا يعبد إلا الله .
فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نـهى عن ذلك تنقص أهل هذه الرتب العالية و حطهم عن منـزلتهم و زعم أنه لا حرمة لهم و لا قدر ، فغضب المشركون و اشمأزت قلوبـهم كما قال تعالى في سورة الزمر : ] و إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة . و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون [([25]) و سرى ذلك في نفوس كثير من الجهال و الطغاة و كثير ممن ينتسب إلى العلم و الدين حتى عادوا أهل التوحيد و رموهم بالفظائع و نفروا الناس عنهم ووالوا أهل الشرك و عظموهم و زعموا أنـهم أولياء الله و أنصار دينه و رسوله و يأبى الله ذلك ، قال تعالى في سورة الأنفال : ] و ما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون [([26]) ، عن أبي واقد الليثي قال : خرجنا مع رسول الله r إلى حنين و نحن حدثاء عهد بكفر ، و للمشركين سدرة ( أي شجرة من السدر ) يعكفون عندها و ينوطون ( أي يعلقون ) بـها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله : اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال لهم رسول الله r : الله أكبر ! إنـها السنن قلتم – و الذي نفسي بيده – كما قالت بنوا إسرائيل لموسى ] اجعل لنا إلها كما لهم آلهة [([27]) ، قال : إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم )) رواه الترمذي و صححه )) .
قال محمد تقي الدين : تأمل أيها الموفق لاتباع كتاب الله و سنة رسوله ، المحقق لتوحيد الله هذا الحديث تجد فيه مسائل :
الأولى : أن من قل علمه و لو من أهل القرون الأولى المصاحبين لرسول الله r قد يلتبس عليه الأمر و تخفى عليه بعض أنواع الشرك فلا يعصمه من الوقوع فيه إلا الاستنارة بأنوار السنة المحمدية و الرجوع إلى كتاب الله و بيان رسوله الكريم r ، و كذلك فعل أبو واقد و أصحابه فإنـهم حين ظنوا أن التبرك بشجرة يأذن فيها رسول الله r لا بأس به و لا ينافي التوحيد و لا يتعارض مع قول (( لا إله إلا الله )) فأخبرهم النبي r مؤكداً إخبارهم بالقسم و مكبراً ، استعظاماً لذلك الأمر : أن ما سألوه هو عين ما سأله قوم موسى ، و هو الشرك الأكبر الموجب للخلود في جهنم .
الثانية : أنه لا عبرة بالأسماء و إنما العبرة بالمسميات فإنـهم لم يقولوا للنبي r : اجعل لنا إلهاً نعبده من هذه الشجرة بتعليق أسلحتنا في أغصانـها و التبرك بالجلوس عندها ، بل قالوا : اجعل لنا ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط ، فأخبرهم ، و أكد لهم أن ذلك اتخاذ لتلك الشجرة إلهاً .
الثالثة : أن العبادة غير منحصرة في السجود و الركوع و الدعاء و الاستغاثة و الاستعاذة ، بل كل قول أو عمل عظم به غير الله تعالى رجاء النفع ، و إن كان من الأماكن التي مر بـها نبي صالح ، هو عبادة لذلك المكان ، و لا ينفع عابده زعمه أنه يتبرك بمكان كان فيه نبي فضلاً عن غيره ، فتقبيل التوابيت و القبور و الطواف بـها و التمسح بـها و أخذ ترابـها للشفاء كل ذلك عبادة و شرك بالله تعالى .
الرابعة : فإن قيل : هل أشرك أبو واقد و أصحابه لما خطر ببالهم ذلك ؟ قلنا : لا ؛ لأن الله تعالى لا يؤاخذ على الخواطر و ما وسوست به النفس ما لم يعتقده الإنسان أو يتكلم به أو يعمله ، فإن قيل : لو أقدموا على ذلك و لم يسألوا النبي r هل كانوا يشركون ؟ فالجواب : أن ذلك مقتضى قول النبي r : (( قلتم و الذي نفسي بيده كما قال قوم موسى )) و لكنهم أجل – و لو كانوا حديثي عهد بكفر – من أن يقدموا على مثل ذلك أو أقل منه بلا دليل قاطع من كتاب الله و سنة رسوله ، فليعتبر بذلك الذين يسمون أنفسهم علماء و يبيحون اتخاذ المواسم و الأعياد عند القبور والقباب ، و يحضرونـها بأنفسهم ، و يأكلون من القرابين التي تذبح عندها ، و هي مما أهل لغير الله به و يشاركون العوام في الابتهال و التضرع للأوثان فبعدا للقوم الظالمين فما تركوا للجهال إذن !! .
الخامسة : من أعلام نبوته قوله (( إنـها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم )) ، أي لتتبعن طريقهم في بدعهم و معاصيهم و شركهم و كفرهم ، فتعوذ بالله من العصيان بعد الطاعة ، و من الخذلان و عمى البصيرة .
قال الحافظ أبو عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بابن أبي شامة في كتاب البدع و الحوادث : (( و من هذا القسم أيضاً ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشياطين للعامة تخليق الحيطان و العمد ، و إسراج مواضع مخصوصة في كل بلد ، يحكي لهم حاك أنه رأى في منامه بـها أحداً ممن اشتهر بالصلاح و الولاية فيفعلون ذلك و يحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله و سننه ، و يظنون أنـهم مقربون بذلك ، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبـهم فيعظمونـها ، و يرجون الشفاء لمرضاهم و قضاء حوائجهم بالنذر لها ، و هي من عيون و شجر و حائط و حجر ، و في مدينة دمشق مواضع متعددة كمدينة الحمى خارج باب (( توما )) ، و العمود المخلق داخل باب الصغير ، و الشجرة الملعونة ، خارج باب النصر في نفس قارعة الطريق ، سهل الله قطعها و اجتثاثها من أصلها فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث )) انتهى .
و ذكر ابن القيم رحمه الله مثل ما ذكره أبو شامة ثم قال : (( فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله و لو كانت ما كانت و يقولون : إن هذا الحجر و هذه الشجرة و هذه العين تقبل النذر ، أي تقبل العبادة من دون الله فإن النذر عبادة و قربة يتقرب بـها الناذر إلى المنذر له ، و حديث أبي واقد أيضاً رواه أحمد و أبو يعلى و ابن أبي شامة و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و الطبراني .
و في مغازي ابن إسحاق من زيادة يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا أبو العالية قال : لما فتحنا (( تستر )) و جدنا في بيت مال (( الهرمزان )) سريراً عليه رجل ميت ، عند رأسه مصحف فأخذنا المصحف فحملناه إلى (( عمر )) فدعا له كعباً فنسخه بالعربية فأنا أول رجل قرأه من العرب قرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلت لأبي العالية ما كان فيه قال : سيرتكم و أموركم و لحون كلامكم و ما هو كائن بعد قلت : فماذا صنعتم بالرجل ؟ قال : حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة فلما كان الليل دفناه و سوينا القبور كلها لنعميه على الناس ، قلت : و ما يرجون منه قال : كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره يستمطرون فقلت : من كنتم تظنون الرجل ؟ قال : رجل يقال له (( دانيال )) : فقلت منذ كم وجدتموه مات ؟ قال : منذ ثلاثمائة سنة . قلت : ما كان تغير منه شيء ؟ قال : لا إلا شعيرات من قفاه )) قال ابن القيم رحمه الله : (( ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون و الأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره حتى لا يعثر عليه ، و لم يبرزوه للدعاء عنده و التبرك به ، و لو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف و لعبدوه من دون الله )) .
قال محمد تقي الدين : نشرت جريدة (( العلم )) الاستقلالية المشهورة قبل بضع سنين مقالاً لمعلمة فاضلة اسمها (( خديجة النعيمي )) أنـها كانت تسير مع نسوة فمررن بمكان فيه حجارة ، قد وضع بعضها على بعض كوما فقالت رفيقاتـها : (( نتاع الله لله يا للاحمارة )) … فأنكرت عليهن و قالت لهن : (( أفي الحمير أولياء ؟ )) فقلن : (( نعم ! إن لها بركة مشهودة )) ، و رجت (( خديجة النعيمي )) في ذلك المقال العلماء ليؤدوا ما فرض عليهم و يعلموا الناس السنة الصحيحة ، و ينقذوهم من الشرك و الضلال ، فأجبت دعوتـها و نشرت في صحيفة (( العلم )) عدة من المقالات بينت فيها الحق من الباطل و أقمت فيها الحجة على أن ذلك و أمثاله من الشرك الأكبر ، و ما رأيت أحداً استجاب لدعوتـها غيري ، و ما أحسن قول الشاعر :


لقد أسمعت لو ناديت حياً
و لو ناراً نفخت بـها أضاءت
و لكن لا حياة لمن تنادي
و لكن أنت تنفخ في رماد





و هذا بالنسبة إلى من يسمون أنفسهم علماء فقليل منهم من يؤدي واجبه و يصدع بالحق . أما العوام فإنـهم أقرب إلى الخير فكثير منهم إذا عرفوا الحق تمسكوا به ، فسكوت هؤلاء المنافقين من العلماء أفضى بالناس إلى عبادة الحمير .
أما صاحب هذه الرسالة الوقحة فلم يقتصر على السكوت و لو اقتصر عليه لكان شيطاناً أخرس كما جاء في الخبر و لكنه فضل أن يكون شيطاناً ناطقاً فسيرى في هذا الجواب إن شاء الله شهاباً ثاقباً .
أمر عمر بن الخطاب بقطع شجرة الرضوان
قال القاسمي في تفسيره : (( قال الحافظ في (( الفتح )) روى ابن سعد بإسناد صحيح (( فقطعت )) . و قال ابن وضاح سمعت عيسى بن يونس يقول : أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي r فقطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة .
و في فتح المجيد : (( قال المعرور بن سويد : صليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطريق مكة صلاة الصبح ثم رأى الناس يذهبون مذاهب فقال : أين يذهب هؤلاء فقيل يا أمير المؤمنين ! مسجد صلى فيه النبي r فهم يصلون فيه فقال إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا كانوا يتتبعون آثار أنبيائهم و يتخذونـها كنائس و بيعا ، فمن أدركته الصلاة في المساجد فليصل و من لا فليمض و لا يتعمدها .
قال صاحب فتح البيان في تفسير سورة الفتح : (( و في الصحيح عن ابن عمر أن الشجرة أخفيت ، و الحكمة في ذلك أن لا يحصل الافتتان بـها لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم الجهال لها حتى ربما اعتقدوا أن لها قوة نفع أو ضر كما نشهده الآن فيم دونـها ، و لذلك أشار ابن عمر بقوله كان خفاؤها رحمة من الله ، كذا في فتح الباري )) ، ثم ذكر صاحب فتح البيان الحديث المتقدم عن نافع في قطع الشجرة و قال : أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه .

أحاديث النهي عن البناء على القبور و العبادة عدها سداً للذريعة الموصلة إلى الشرك

1- في الصحيحين عن عائشة عن أم سلمة و أم حبيبة ذكرتا للنبي r كنيسة رأتاها بأرض الحبشة و ما فيها من الصور فقال : (( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً و صوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله )) .
قال شيخ الإسلام : (( فهؤلاء جمعوا بين فتنتين ، فتنة القبور و فتنة التماثيل ، و هذه العلة التي لأجلها نـهى الشارع r عن اتخاذ المساجد على القبور ، و هي التي أوقعت كثيراً من الأمم إما في الشرك الأكبر أو في ما دونه من الشرك ، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل الصالحين ، و تماثيل يزعمون أنـها طلاسم الكواكب و نحو ذلك ، فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك لقبة أو حجر ، و لهذا تجد أهل الشرك يتضرعون و يخضعون و يعبدون القبور بقلوبـهم عبادة لا يفعلونـها في بيوت الله وقت السحر ، و منهم من يسجد لها و أكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها و الدعاء ما لا يرجونه في المساجد فلأجل هذه المفسدة حسم النبي r مادتـها حتى نـهى عن الصلاة في المقبرة مطلقاً و إن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد ، كما نـهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس و غروبـها لأنـها أوقات يقصد فيها المشركون الصلاة للشمس فنهى أمته عن الصلاة حينئذٍ و إن لم يقصدوا ما قصده المشركون سداً للذريعة ، و أما إذا قصد الرجل الصلاة عند القبور متبركاً بالصلاة في تلك البقعة فهذا عين المحادة لله و لرسوله و المخالفة لدينه و ابتداع دين لم يأذن به الله ، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالضرورة من دين الرسول r أن الصلاة عند القبور منهي عنها ، و أنه r لعن من اتخذها مساجد ، فمن أعظم المحدثات و أسباب الشرك الصلاة عندها و اتخاذها مساجد و بناء المساجد عليها . و قد تواترت النصوص عن النبي r بالنهي عن ذلك و التغليظ فيه . و قد صرح عامة الطوائف بالنهي عن بناء المساجد عليها متابعة منهم للسنة الصحيحة الصريحة . و صرح أصحاب أحمد و غيرهم من أصحاب مالك و الشافعي بتحريم ذلك ، و طائفة أطلقت الكراهية و الذي ينبغي أن تحمل عليه كراهة التحريم إحساناً للظن بالعلماء و أن لا يظن أنـهم يجيزون فعل ما تواتر عن رسول الله r لعن فاعله و النهي عنه )) انتهى .

2- في الصحيحين عن عائشة أيضاً قالت : (( لما نزل برسول الله r طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بـها كشفها فقال و هو كذلك : لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا و لولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا )) .
قال في فتح المجيد : (( قوله (( لما نزل )) هو بضم النون و كسر الزاي أي نزل به ملك الموت و الملائكة الكرام عليهم السلام . قوله (( طفق )) بكسر الفاء و فتحها و الكسر أفصح ، و به جاء القرآن و معناه : جعل . قوله (( خميصة )) بفتح المعجمة و الصاد المهملة كساء له أعلام . قوله (( فإذا اغتم بـها )) أي تضايق نفسه بسببها . قوله : (( لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) يبين أن من فعل ذلك حل عليه من اللعنة ما حل على اليهود و النصارى . قوله : (( يحذر ما صنعوا )) الظاهر أنه من كلام عائشة لأنـها فهمت من قول النبي r تحذير أمته من هذا الصنيع الذي كانت تفعله اليهود و النصارى في قبور أنبيائهم فإنه من الغلو في الأنبياء و من أعظم الوسائل إلى الشرك ، و من غربة الإسلام أن هذا الذي لعن الرسول r فاعليه تحذيراً لأمته أن يفعلوه معه r و مع الصالحين من أمته ، قد فعله الخلق الكثير من متأخري هذه الأمة و اعتقدوه قربة من القربات و هو من أعظم السيئات و المنكرات ، و ما شعروا أن ذلك محادة لله و لرسوله r . قال القرطبي في معنى هذا الحديث : (( و كل ذلك لقطع الذريعة المؤدية إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام )) انتهى . إذ لا فرق بين عبادة القبر و من فيه و عبادة الصنم ، و تأمل قول الله تعالى في يوسف بن يعقوب حيث يقول : ] و اتبعت ملة آبائي إبراهيم و إسحاق و يعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [ نكرة في سياق النفي تعم كل شرك .
قوله : (( و لو لا ذلك )) أي ما كان يحذر من اتخاذ قبر النبي r مسجداً ، لأبرز قبره و جعل مع قبور الصحابة الذي كانت قبورهم في البقيع . قوله : (( غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً )) روي بفتح الخاء و ضمها ، فعلى رواية الفتح يكون هو الذي خشى ذلك r و أمرهم أن يدفنوه في المكان الذي قبض فيه ، و على رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض الأمة فلم يبرزوا قبره خوفاً على الأمة أن يقع بعضها في هذا الخطر الذي نـهى عنه الرسول و حذر من فعله .
قال القرطبي : (( و لهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي r فأغلقوا حيطان تربته ، و سدوا المداخل إليها و جعلوها محدقة بقبره r ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة لتوجه المصلين ناحيته فتصور الصلاة بصورة العبادة فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين و حرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره )) )) انتهى .
3- أخرج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله قال سمعت النبي r قبل أن يموت بخمس و هو يقول : (( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا ، و لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا . ألا و إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنـهاكم عن ذلك )) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله بعد إيراد هذا الحديث : (( فقد نـهى عنه في آخر حياته ، ثم إنه لعن و هو في مرض الموت من فعله و الصلاة عند القبور من ذلك و إن لم يبن مسجد ، و هو معنى قولها ( أي السيدة عائشة ) (( خشي أن يتخذ مسجدا )) فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا ، و كل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا ، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال r : (( جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا )) )) انتهى .
قال محمد تقي الدين : في هذا الحديث دليل على أن أبا بكر الصديق هو أفضل أصحاب رسول الله r و هو الذي يستحق أن يكون خليفة بعده .
قال العلماء : الخلة أعلى درجة من المحبة ، و لذلك صرح النبي r بالمحبة لأبي بكر و ابنته عائشة و عمر بن الخطاب و معاذ بن جبل ، و أبى أن يتخذ أحدا من أهل الأرض خليلا . و الله سبحانه و تعالى يحب التوابين و يحب المتطهرين ، و يحب الصالحين المتواضعين للمؤمنين ، الأشداء على أعداء الإسلام كما قال في سورة المائدة : ] يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم و يحبونه . أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله و لا يخافون لومة لائم [([28]) و مع ذلك لم يتخذ أحداً من خلقه خليلاً إلا إبراهيم و محمداً صلوات الله و سلامه عليهما و إلى تفوق مرتبة الخلة على المحبة يشير قول الشاعر :


قد تخللت مسلك الروح مني و بـذا سمي الخليل خليلا


4- أخرج أحمد و أبو حاتم و ابن حبان في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله r : (( إن من شرار الناس من تدركهم الساعة و هم أحياء و الذين يتخذون القبور مساجد )) .
قال صاحب فتح المجيد : (( قوله (( و الذين يتخذون القبور مساجد )) ، معطوف على اسم ( إن ) في محل نصب على نية تكرار العامل ، أي و إن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد أي بالصلاة عندها و إليها ، و بناء المساجد عليها ، و تقدم في الأحاديث الصحيحة أن هذا من عمل اليهود و النصارى ، و أن النبي r لعنهم على ذلك تحذيراً لأمته أن يفعلوا ذلك مع نبيهم و صالحيهم مثل اليهود و النصارى ، فما رفع أكثرهم بذلك رأساً ، بل اعتقدوا أن هذا الأمر قربة إلى الله و هو مما يبعدهم من الله و يطردهم من رحمته و مغفرته . و العجب أن أكثر من يدعي العلم ممن هو من هذه الأمة لا ينكرون ذلك ، بل ربما استحسنوه و رغبوا في فعله ، فلقد اشتدت غربة الإسلام و عاد المعروف منكراً و المنكر معروفاً ، و السنة بدعة و البدعة سنة ، نشأ على هذا الصغير و هرم عليه الكبير )) .
قال محمد تقي الدين : و مع ذلك كله لا نيأس من وجود طائفة قائمة بنصرة الحق ثابتة عليه مبلغة له ، منصورة به لا يضرها من خالفها و لا من عاداها إلى يوم القيامة ، لأن النبي r بشرنا بذلك لما أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله r : (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون )) .
قال يزيد بن هارون و أحمد بن حنبل : إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ؟ و قال ابن المبارك و علي بن المديني و أحمد بن سنان و البخاري و غيرهم (( إنـهم أهل الحديث )) .
و قد ظن هذا المشرك أن الجو قد خلا له فصار يبعث بالرسائل إلى اتخاذ الأولياء من دون الله و ينهاهم عن اتباع سنة رسول الله ، ألا ساء ما سولت له نفسه :
خلا لك الجو فبيضي و اصفري و نقري ما شئت أن تنقري
لابد من أخذك يوماً فاحذري

و ما أحسن ما قال بعضهم :


دعاني لشب الحرب بيني و بينه
فلما أبى ألقيت فضل عنانه
فكان صريع الخيل أول وهلة
فقلت له لا لا هلم إلى السلم
إليه فلم يرجع بحزم و لا عزم
فبعدا له مختار جهل على علم





5- روى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله r قال : (( اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجد )) .
و له شاهد عند أحمد بسنده عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه : (( اللهم لا تجعل قبري و ثناً لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد )) و قد استجاب الله دعاء رسوله r ، و في ذلك يقول ابن القيم رحمه الله :


و دعا بأن لا يجعل القبر الذي
فأجاب رب العالمين دعاءه
حتى غدت أرجاؤه بدعائه
قد ضمه وثنا من الأوثان
و أحاطه بثلاثة الجدران
في عزة و حماية و صيان





و دل الحديث على أن قبر النبي r لو عبد كان وثنا ، لكن حماه الله بما حال بينه و بين الناس فلا يوصل إليه . و دل الحديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من القبور و التوابيت التي عليها . و قد عظمت الفتنة بالقبور بتعظيمها و عبادتـها .

6- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : (( لا تجعلوا قبري عيدا و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )) رواه أبو داود بإسناد حسن ، رواته ثقات . و عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي r فيدخل فيها فيدعو فنهاه و قال : ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله r قال : (( لا تتخذوا قبري عيدا و لا بيوتكم قبورا و صلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم )) رواه الضياء في المختارة و رواه أبو يعلى و القاضي إسماعيل .
و قال سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن صالح قال : رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عند القبر فناداني و هو في بيت فاطمة يتعشى فقال : هلم إلى العشاء فقلت : لا أريده فقال : ما لي رأيتك عند القبر فقلت سلمت على النبي r فقال : إذا دخلت المسجد فسلم ، ثم قال : إن رسول الله قال : (( لا تتخذوا قبري عيدا و لا تتخذوا بيوتكم مقابر و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم . لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) ما أنتم و من بالأندلس إلا سواء . و قال سعيد أيضاً : حدثنا حبان بن علي حدثنا محمد بن عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال : قال رسول الله r : (( لا تتخذوا قبري عيدا و لا بيوتكم قبورا ، و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني )) .

في هذا الحديث فوائد :





الأولى : أمر النبي r أمته أن يجعلوا بعض عبادتـهم كالصلاة و الدعاء و قراءة القرآن في بيوتـهم ، هذا في غير الفرائض الخمس ، أما هي فالأفضل أن تكون في المساجد إجماعاً .

الثانية : تشبيه النبي r البيت الذي لا يصلى فيه و لا يقرأ فيه القرآن بالمقبرة دليل مفهومه النهي عن الصلاة و قراءة القرآن في المقابر ، و قد مر التصريح بذلك في الأحاديث السابقة .

الثالثة : نـهى النبي r أمته عن اتخاذ قبره عيدا يحج الناس إليه كالمسجد الحرام و منى و مزدلفة و عرفات فإنـها أعياد مكانية يعود الناس إليها في كل عام . و الأعياد الزمانية هي التي تعود على الناس كعيد الأضحى و عيد الفطر . و من المعلوم أن الرحال لا تشد إلى بقعة لفضل فيها إلا إلى ثلاثة مساجد ، المسجد الحرام ، و مسجد النبي و المسجد الأقصى .

الرابعة : إخبار النبي r أن صلاة المصلين و سلام المسلمين عليه يوصلهما الله إليه ، و إن كان المصلي في أقصى مشارق الأرض و مغاربـها فلا فرق بين بعيد و قريب ، و لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب : (( ما أنتم و من بالأندلس إلا سواء )) ، يعني أن من سلم على النبي r و هو ملتصق بحائط حجرته الشريفة أو في مسجده كمن سلم عليه في الأندلس .

الخامسة : إذا امتنع تحري الدعاء عند حجرة النبي r فامتناعه عند قبور الصالحين أولى . و قد تقدم لعن من يفعله على لسان النبي r و كون فاعله من شرار الخلق عند الله ، و اشتداد غضب الله عليهم فليبؤ بإثم ذلك كل من دعا إلى ضلالة كمرسل الرسالة المنكرة إلى إمام مسجد أرفود ، يدعوهم فيها إلى الشرك و ترك سنة النبي r كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .

السادسة : قال شيخ الإسلام رحمة الله عليه عقب تخريج هذا الحديث : (( فانظر إلى هذه السنة كيف أن مخرجها أهل المدينة و أهل البيت الذين لهم من رسول الله r قرب النسب و قرب الدار ، لأنـهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط )) انتهى .

السابعة : عن ابن عباس قال : (( لعن رسول الله r زائرات القبور و المتخذين عليها المساجد و السرج )) رواه أهل السنن الثلاثة ( أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ) و رواه أحمد و الترمذي و صححه من حديث أبي هريرة ، و رواه ابن ماجة من حديث عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه .

و فيه مسائل :
الأولى : لعن النبي r لزائرات القبور يقتضي تحريم زيارة القبور على النساء مطلقاً ، و في الباب أحاديث متعددة ، و قد اختلف الأئمة في ذلك ، و الحق مع القائلين بالتحريم .

الثانية : لعن النبي r لمن يبني مسجداً أو غيره على قبر كيفما كان ذلك القبر . و قد تقدمت الأحاديث في ذلك بما فيه الغنية .

الثالثة : لعن النبي r لكل من يوقد سراجاً أو شمعة أو نحوهما على قبر تعظيماً له ، و كذلك من يعظمه بإهداء الأموال إليه و التصدق لوجه صاحبه إلى غير ذلك مما يفعله المشركون لآلهتهم و أوليائهم الذين اتخذوهم من دون الله و لنقتصر على هذا القدر في الرد على ما جاء في رسالة المفتون من إباحة الشرك و الترغيب فيه .












الفصل الثاني
( في تحريم الإفتاء و القضاء بالتقليد و بيان أن التمذهب بدعة و أن من عجز عن أخذ الحكم من الكتاب و السنة يجوز له أن يقلد عالما من علماء زمانه يسأله مشافهة عما جاء عن الله و رسوله في تلك المسألة و لا يلتزم شخصا بعينه و لا جماعة بأعيانـها )
اعلم أيها الطالب للحق المتبرئ من الشرك و البدعة و أهلهما ! أن الله أرسل رسوله محمداً r بالهدى و دين الحق بشيراً و نذيراً ، لينذر من كان حياً و يحق القول على الكافرين ، فبلغ الرسالة و لم يخص بـها أحداً دون أحد و أدى الأمانة على أكمل وجه ، و جاهد في الله حق جهاده و عبد الله حتى أتاه اليقين ، صلوات الله و سلامه عليه و على آله و أصحابه العدول الثقات الذين هم أغزر هذه الأمة علماً ، و أقومها سبيلاً ، و أطهرها قلوباً و أتقاها لله ، اختارهم الله لصحبة نبيه و قال فيهم : ] كنتم خير أمة أخرجت للناس [([29]) ، و أمر كل من بعدهم باتباعهم فقال تعالى في سورة التوبة : ] و السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و أعد لهم جنات تجري من تحتها الأنـهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم [([30]) .
و قال تعالى حاثاً عباده على اتباع رسوله في سورة آل عمران : ] قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم و الله غفور رحيم [([31]) و قال تعالى في سورة الأعراف : ] و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل [ إلى أن قال : ] فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون [([32]) و قال تعالى في سورة الأعراف : ] اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون [([33]) و الآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصى .
ثم تحمل الرسالة بعد الصحابة الكرام التابعون ، و رعوها حق رعايتها و كانوا أحق بـها و أهلها ، ثم حملها تابعوهم من الأئمة المجتهدين و الحفاظ المبرزين نفوا عنها تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين . و لم يكن في تلك القرون المفضلة تشدد في الدين ، و لا تمذهب ، و لا تحزب ، و لا تعصب ، بل كانوا عباد الله إخوانا ، و على طاعته أعوانا ، و كان العامي في تلك العصور إذا عنت له مسألة سأل من يصادفه من العلماء ، فكان الواحد يسأل في مسألة أحد الخلفاء الراشدين ، و في الأخرى عبد الله بن عباس ، و في الثالثة عبد الله بن مسعود ، و في الرابعة عبد الله بن عمر و في الخامسة جابر بن عبد الله . و هكذا و لم يتخذ أحد منهم رجلاً بعينه يخص بالسؤال و الاتباع دون غيره كأنه نبي مرسل . حاشاهم من ذلك ، و إنما حدث ذلك بعد القرون المفضلة أي في القرون المذمومة على لسان رسول الله r .
و سأذكر هنا نبذة يسيرة من البراهين التي تثلج الصدور و ترفع الحجب و الستور ، و من لم يجعل الله له نوراً فما له من نور .
الأول : كل من اتخذ رجلاً غير النبي r حجة يحلل به ، و يحرم به ، دون أن يسأله عن دليل ما أفتى به ، تحسيناً للظن به ، و اعتقاداً منه أنه لا يخطئ حكم الله أبداً ، فقد اتخذ ذلك الشخص رباً دون الله . و إليك برهانه : قال حافظ المغرب الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري الذي شرح الموطأ ثلاثة شروح في كتابه جامع بيان العلم و فضله ما نصه : (( قد ذم الله تبارك و تعالى التقليد في غير موضع في كتابه فقال : ] اتخذوا أحبارهم و رهبانـهم أرباباً من دون الله [([34]) )) و روى عن حذيفة و غيره قالوا : (( لم يعبدوهم من دون الله و لكن أحلوا و حرموا عليهم فاتبعوهم )) .
قال عدي بن حاتم : (( أتيت رسول الله r و في عنقي صليب فقال يا عدي ألق هذا الإثم من عنقك و انتهيت إليه و هو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية : ] اتخذوا أحبارهم و رهبانـهم أرباباً من دون الله [([35]) قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لم نتخذهم أرباباً . قال : بلى ، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه و يحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه فقلت : بلى فقال : تلك عبادتـهم )) .
قال محمد تقي الدين : و روى الإمام ابن عبد البر آثاراً في هذا المعنى ، و بيان ذلك أن الحكم الشرعي لا يجوز أن يكون لأحد إلا لله فهو كالصلاة و الصيام و سائر العبادات فمن جعله لغير الله فقد أشرك و قال تعالى في سورة الشورى : ] أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله [([36]) و قال تعالى في سورة المائدة : ] و أن احكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم و احذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبـهم و إن كثيراً من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون [([37]) و قال تعالى في سورة الشورى : ] و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [([38]) و لا حجة في قول أحد كائناً من كان إلا في كلام الله و كلام رسوله لأنه معصوم . قال تعالى في سورة النجم : ] و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [([39]).
و اعلم أن ما فرضه الله على أصحاب رسول الله r و سائر القرون المفضلة هو الذي فرضه الله على سائر المسلمين إلى يوم القيامة ، و ما ابتدع بعدهم في الدين فهو ضلال لا يقبله الله و لا يرضاه رسوله r أبداً ، فالتفرق إلى مذاهب و طرائق و شيع أو فرق كله ضلال و سيأتي بيان ذلك إن شاء الله .
ثم قال الإمام ابن عبد البر في باب فساد التقليد (( و قال عز و جل : ] و كذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مقتدون . قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم [ فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء : ] فقالوا إنا بما أرسلتم به كافرون [([40]) و في هؤلاء و مثلهم قال الله عز و جل : ] إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون [([41]) و قال : ] إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا و رأوا العذاب و تقطعت بـهم الأسباب و قال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار [([42]) و قال عز و جل عائباً لأهل الكفر و ذاماً لهم : ] ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين [ ([43]) و قال : ] إنا أطعنا سادتنا و كبراءنا فأضلونا السبيل [([44]) و مثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء و الرؤساء .
و قد احتج العلماء بـهذه الآيات في إبطال التقليد و لم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بـها ، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما و إيمان الآخر و إنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل رجلاً فكفر و قلد آخر فأذنب ، فقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ ، وجهها كان كل واحد ملوماً على التقليد بغير حجة لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضاً و إن اختلفت الأنام فيه )) .
ثم قال : (( و قد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا ، و في ثبوت إبطال التقليد أيضاً . فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها و هي الكتاب و السنة ، أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك .
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله r يقول : (( إني لأخاف عليكم من زلة العالم ، و من حكم جائر و من هوى متبع )) . و بـهذا الإسناد عن النبي r أنه قال : (( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بـهما كتاب الله و سنة رسوله )) )) .
ثم روى بسنده إلى عمر بن الخطاب قال : (( ثلاث يهدمن الدين : زلة عالم ، و جدال منافق بالقرآن ، و أئمة مضلون )) ، ثم روى بسنده إلى معاذ بن جبل قال : (( الله حكم قسط ، هلك المرتابون ، إن وراءكم فتنا : يكثر المال و يفتح القرآن حتى يقرأه المؤمن و المنافق ، و المرأة و الصبي ، و الأسود و الأحمر ، فيوشك أحدهم أن يقول : قد قرأت القرآن فيما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع لهم غيره ، فإياكم و ما ابتدع فإن كل بدعة ضلالة ، و إياكم و زيغة الحكيم ؟ قال : هي الكلمة تروعكم و تنكرونـها و تقولون ما هذه ؟ فاحذروا زيغته و لا تصدنكم عنه ، فإنه يوشك أن يفئ و أن يراجع الحق ، و أن العلم و الإيمان مكانـهما إلى يوم القيامة . فحسن ابتغاؤهما و وجودهما )) .
ثم بعد ذكر آثار عديدة عن الصحابة في هذا المعنى ، قال الإمام أبو عمر ما نصه : (( و إذا صح و ثبت أن العالم يزل و يخطئ لم يجز لأحد أن يفتي أو يدين بقول لا يعرف وجهه )) .
قال محمد تقي الدين : (( المراد بالوجه ، الدليل من كتاب الله و سنة رسوله ، فجميع المسائل التي موه بذكرها المفتون (( البوعصامي )) باطلة ، لأنه لا يعرف دليلاً و لا يهتدي سبيلاً ، و لا يحل له الإفتاء أبداً و إلا كان داخلاً في قوله تعالى في سورة الأعراف : ] قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون [([45]) .
ثم أنشد أبو عمر للحسين بن علي من أئمة آل البيت رضوان الله عليهم قال :






تريد تنام على ذي الشبه
فجاهد و قلد كتاب الإله
فقد قلد الناس رهبانـهم
و للحق مستنبط واحد
ففيما أرى عجب غير أن
و علك إن نمت لم تنتبه
لتلقى الإله إذا مت به
و كل يجادل عن راهبه
و كل يرى الحق في مذهبه
بيان التفرق من أعجبه








ثم قال أبو عمر : (( و ثبت عن النبي r ما ذكرناه في كتابنا هذا أنه قال : تذهب العلماء ثم يتخذ الناس رؤساء جهالا ، يسألون فيفتون بغير علم فيضلون و يضلون ، و هذا كله نفي للتقليد لمن فهمه و هدي لرشده .
حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد ابن عثمان و سعيد بن حمير قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا سفيان بن عيينة قال : (( اضطجع ربيعة مقنعاً رأسه و بكى فقيل له ما يبكيك ؟ فقال : رياء ظاهر و شهوة خفية ، و الناس عند علمائهم كالصبيان في حجور أمهاتـهم ما نـهوهم عنه انتهوا ، و ما أمروهم ائتمروا و قالوا لا تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره . و قال عبد الله بن المعتز : (( لا فرق بين بـهيمة تنقاد و بين إنسان يقلد )) و هذا كله لغير العامة ، فإن العامة لا بد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنـزل بـها لا تتبين موقع الحجة لعدم الفهم لأن العلم درجات لا سبيل إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها ، و هذا الحائل بين العامة و بين طلب الحجة و الله أعلم .
و لم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، و أنـهم المرادون بقول الله تعالى : ] فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [([46]) و أجمعوا أن الأعمى لابد له من تقليد غيره ممن يثق بمعرفته بالقبلة – إذا أشكلت عليه – فكذلك من لا علم و لا بصر له بمعنى ما يدين به ، لا بد له من تقليد غيره ، و كذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا ، و ذلك – و الله أعلم – لجهلها بالمعاني التي فيها يجوز التحليل و التحريم ، و القول في العلم .
و قد نظمت في التقليد و موضعه أبياتا رجوت في ذلك جزيل الأجر لما علمت أن من الناس من يسرع إلى حفظ المنظوم و يتعذر عليه المنثور و هي من قصيدة لي :



يـا سائلي عن موضع التقليد خذ
و اصغ إلى قولي و دن بنصيحتي
لا فرق بين مقلد و بـهيمة
تبا لقاض أو لمفت لا يرى
فـإذا اقتديت فبالكتاب و سنة الـ
ثم الصحابة عند عدمك سنة
و كذلك إجماع الذين يلونـهم
إجماع أمتنا و قول نبينا
و كذا المدينة حجة إن أجمعوا
و إذا الخلاف أتى فدونك فاجتهد
و على الأصول فقس فروعك لا تقس
و الشر ما فيه فديتك أسوة
من الجواب بفهم لب حاضر
و احفظ علي بوادري و نوادري
تنقاد بين جنادل و دعائر
عللا و معنى للمقال السائر
مبعوث بالدين الحنيف الطاهر
فأولاك أهل نـهى و أهل بصائر
من تابعيهم كابرا عن كابر
مثل النصوص لدى الكتاب الزاهر
متتابعين أوائلا بأواخر
و مع الدليل فمل بفهم وافر
فرعا بفرع كالجهول الحائر
فانظر و لا تحفل بزلة ماهر




)) .
ثم روى بسنده إلى أبي هريرة قال : قال رسول الله r : (( من أفتى بفتيا عن غير تثبت فإنما إثمها على من أفتاه )) .
أقول : و هذا المفتون قد أفتى في صحيفته الكاذبة الخاطئة في مسائل كثيرة بدون تثبت و لا دليل فهو يتحمل إثمها . و قد احتج جماعة من الفقهاء و أهل النظر على من أجاز التقليد بحجج نظرية عقلية ، فأحسن ما رأيت من ذلك قول المزني رحمه الله تعالى : (( يقال لمن حكم بالتقليد : هل لك حجة فيما حكمت به ؟ فإن قال : نعم . أبطل التقليد ، لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد و إن قال : حكمت فيه بغير حجة قيل له : فلم أرقت الدماء و أبحت الفروج و أتلفت الأموال ، و قد حرم الله ذلك إلا بحجة ؟ قال عز و جل : ] إن عندكم من سلطان بـهذا [([47]) أي من حجة بـهذا قال : فإن قال : أنا أعلم أني قد أصبت و إن لم أعرف الحجة لأني قلدت كبيراً من العلماء ، و هو لا يقول إلا بحجة خفيت علي ، قيل له : إذا جاز لك تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عليك وجب عليك أن تقلد معلم معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت على معلمك ، فإن قال : نعم ، ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه و كذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله r و إن أبى ذلك نقض قوله ، و قيل له : كيف تجوز تقليد من هو أصغر و أقل علماً و لا تجوز تقليد من هو أكبر و أكثر علماً ؟ و هذا متناقض . فإن قال : لأن معلمي و إن كان أصغر فقد جمع علم من هو فوقه إلى علمه فهو أبصر بما أخذ و أعلم بما ترك ، قيل له : و كذلك من تعلم من معلمك فقد جمع علم معلمك و علم من فوقه إلى علمه ، فيلزمك تقليده و ترك تقليد معلمك . و من جهة أخرى أنت أولى أن تقلد نفسك من معلمك لأنك جمعت علم معلمك و علم من فوقه إلى علمك و مقتضى هذا جعل الأصغر و من يحدث صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله r و كذلك الصحابي عنده يلزمه تقليد التابعي و التابعي لمن هو دونه ، و كفى بقول يؤول إلى هذا قبحاً و فساداً )) .
قال أبو عمر : (( و قال أهل العلم و النظر : حد العلم : التبيين و إدراك المعلوم على ما هو عليه ، فمن بان له الشيء فقد علمه ، قالوا : و المقلد لا علم له و لم يختلفوا في ذلك . و من ها هنا قال البحتري :
عـرف العـالمون فضـلك بالعلـ ــم و قـال الجهـال بالتـقليـد

و قال أبو عبد الله بن خويز منداد البصري المالكي : (( التقليد معناه في الشرع الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه ، و ذلك ممنوع منه في الشريعة ، و الاتباع ما ثبتت عليه حجة )) و قال في وضع آخر من كتابه : (( كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قوله لدليل يوجب ذلك فأنت مقلده ، و التقليد في دين الله غير صحيح و كل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه ، و الاتباع في الدين مسوغ و التقليد ممنوع )) )) .

تبرؤ الإمام مالك رحمه الله من المقلدين المفترين عليه
قال الإمام ابن عبد البر في كتابه المذكور : (( حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو عبد الله ابن محمد بن أحمد القاضي المالكي ، حدثنا موسى بن إسحق ، قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال أخبرنا معن بن عيسى قال سمعت مالك بن أنس يقول : (( إنما أنا بشر أصيب و أخطئ فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب و السنة فخذوه و كل ما لم يوافق الكتاب و السنة فاتركوه )) انتهى .
و قد كتب الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن قيم الجوزية في هذا المعنى ، و هو الرد على المقلدين الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا ، الكثير الطيب في كتابه (( إعلام الموقعين )) و من أهم ذلك المناظرة العظيمة التي عقدها في المجلد الثاني بثمانين وجهاً . يكفي المؤمن الصادق إذا كان من أهل العلم وجه واحد ليتوب إلى الله من تمذهبه و تعصبه ، و يتبع كتاب الله و سنة رسوله ، و لا يتسع المجال في هذه الرسالة المختصرة لذكر شئ من ذلك ، غير أني أذكر عبارة من ذلك قليلة الألفاظ كثيرة المعاني . قال رحمه الله و أجزل ثوابه : (( يا لله العجب ! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله r و مذاهب التابعين و تابعيهم إلا أربعة أنفس و هذه بدعة قبيحة )) أ.هـ .
و قال الإمام صالح بن محمد بن نوح الفلاني في كتابه (( إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين و الأنصار و تحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى و الأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية و العصبية بين فقهاء الأعصار )) بعد نقله ما مر من كلام ابن عبد البر و أكثر منه كلاما ، ما نقله عن (( سند بن عنان )) شارح مدونة سحنون جاء فيه : (( و أما التقليد فلا يرضاه رجل رشيد ، و لسنا نقول إنه حرام على كل فرد بل نوجب معرفة الدليل ، و أقاويل الرجال ، و نوجب على العامي تقليد العالم )) ثم قال (( سند )) بعد ذكره الخلاف في تقليد الميت ما نصه : (( و إنما نقول نفس المقلد ليست على بصيرة ، و لا يتصف من العلم بحقيقة ، إذ ليس التقليد بطريق إلى العلم بوفاق أهل الآفاق ، و إن نازعنا في ذلك برهانه فنقول : قال الله تعالى : ] فاحكم بين الناس بالحق [([48]) و قال : ] لتحكم بين الناس بما أراك الله [([49]) و قال : ] و لا تقف ما ليس لك به علم [([50]) و قال : ] و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون [([51]) و معلوم أن العلم هو معرفة المعلوم على ما هو به ، فنقول للمقلد : إذا اختلفت الأقوال و تشعبت المذاهب من أين تعلم صحة قول من قلدته دون غيره ، أو صحة قولة له على قولة أخرى ، و لن يبدي كلاماً في قول إلا انعكس عليه في نقيضه ، خاصة إذا عرض له ذلك في قولة لإمام مذهبه الذي قلده ، و قولة تخالفها لبعض أئمة الصحابة )) .
و قال الإمام الشاطبي في الاعتصام من جملة كلام طويل في رد التقليد ما نصه ( ج3 ، ص 301 ) : (( و من معنى كلام مالك : ما كان كلامي موافقاً للكتاب و السنة فخذوا به ، و ما لم يوافق فاتركوه ، هذا معنى كلامه دون لفظه )) .
قال محمد تقي الدين : يرحم الله أبا إسحق ما أعظم ورعه فإنه لما لم يذكر لفظ مالك نبه على أنه رواه بالمعنى ، و نص كلام مالك هو ما تقدم مسنداً من رواية ابن عبد البر ، و عندي من النقول عن الأئمة و نصوص الكتاب و السنة في إبطال التقليد و التمذهب ما يضيق عنه الوقت فلذلك اكتفي بـهذا القدر .

الفصل الثالث
( في بيان أن كل بدعة ضلالة )
اعلم أن الإمام أبا إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي الغرناطي رحمة الله عليه ألف كتاباً سماه (( الاعتصام )) أقام فيه الحجج الدامغة و البراهين القاطعة على أن البدع – كلها – إذا كانت في الدين ضلالة ، و هي شر من أكبر الكبائر ، و بَيَّن انقسامها إلى إضافية و حقيقية و بين أن حكمها واحد ، فكل من قرأه و تمسك بعد ذلك ببدعة ، فلا يخلو : إما يكون جاهلاً بفهم معناه ، أو منافقاً يبغض ما جاء به الرسول r و يدعي الإسلام ، تستراً لأغراض دنيوية خسيسة ، و لا يتسع وقتي لنقل كثير منه و إنما أقتصر على قليل ، و لكنه كاف شاف لكل من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
قال الشاطبي في الرد على القرافي و شيخه ابن عبد السلام اللذين زعما أن البدع تعتريها الأحكام الخمسة ( ج1،ص 147 ) فمثلا للواجب : بتدوين القرآن و الشرائع إذا خيف عليها الضياع ، و مثلا للندوب : بصلاة التراويح ، و مثلا للمكروه : بتخصيص الأيام الفاضلة بنوع من العبادة ، و مثلا للمباح : باتخاذ المناخل للدقيق .
قال الشاطبي في الرد عليها : (( و الجواب أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي ، بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع و لا من قواعده إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة ، و لكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بـها أو المخير فيها ، فالجمع بين تلك الأشياء المبتدعة و بين الأدلة التي تدل على وجوبـها أو ندبـها أو إباحتها جمع بين متنافيين .
أما المكروه منها و المحرم فمسلم من جهة كونـها بدعة لا من جهة أخرى ، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة لإمكان أن يكون معصية كالقتل و السرقة و شرب الخمر و نحوها فلا بدعة يتصور فيها التقسيم البتة ، إلا الكراهية و التحريم حسبما ذكر في بابه ، فما ذكره القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع فصحيح . و ما قسمه فيها غير صحيح ، و من العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ، و مع معرفته بما يلزمه في خرق الإجماع ، و كأنه إنما اتبع في هذا التقسيم شيخه من غير تأمل ، فإن ابن عبد السلام ظاهر منه أنه سمى المصالح المرسلة بدعاً ، لأنـها لم تدخل بأعيانـها تحت النصوص المعينة ، و لكنها تلائم قواعد الشرع . فمن هنالك جعل القواعد هي الدالة على استحسانـها مع تسميته لها بلفظ البدع ؛ و استحسانـها من حيث دخولـها تحت القواعد ، و لما بني على اعتماد تلك القواعد استوت عنده مع الأعمال الداخلة تحت النصوص المعينة ، و صار من القائلين بالمصالح المرسلة و سماها بدعاً في اللفظ كما سمى عمر الجمع في قيام رمضان في المسجد بدعة ، و كما سيأتي إن شاء الله .
أما القرافي فلا عذر له في نقل تلك الأقسام على غير مراد شيخه و على غير مراد العلماء لأنه خالف الكل في ذلك التقسيم فصار مخالفاً للإجماع )) .
ثم قال أبو إسحاق : (( و أما قسم المندوب فليس من البدع بحال و تبيين ذلك بالنظر في الأمثلة التي مثل لها بصلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد ، فقد قام بـها رسول الله r في المسجد و اجتمع الناس خلفه .
فخرجه أبو داود عن أبي ذر قال : (( ضمنا مع رسول الله r رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلنا : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ، قال : قال رسول الله r : (( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام الليل )) قال : فلما كانت الرابعة لم يقم فلما كانت الثالثة جمع أهله و نساءه و الناس ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح قلت : و ما الفلاح ! قال : السحور ، ثم لم يقم بنا بقية الشهر )) و نحوه في الترمذي و قال فيه حسن صحيح . لكنه r لما خاف افتراضه على الأمة أمسك عن ذلك . ففي الصحيح عن عائشة : (( أن رسول الله r صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا الليلة الثالثة و الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله r فلما أصبح قال : (( قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إلا أني خشيت أن يفرض عليكم )) و ذلك في رمضان )) . و خرجه مالك في الموطأ .
فتأملوا ! ففي هذا الحديث ما يدل على أنـها سنة ، فإن قيامه أولاً بـهم دليل على صحة القيام في المسجد في رمضان ، و امتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقاً ، لأن زمانه كان زمان تشريع و وحي ، فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس الإلزام ، فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله r رجع الأمر إلى أصله و قد ثبت الجواز فلا ناسخ له ، و إنما لم يقم بذلك أبو بكر لأحد أمرين ، إما لأنه رأى قيام الناس آخر الليل و ما هم به عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام أول الليل ، ذكره الطرطوشي ، و إما لضيق زمانه عن النظر في هذه الفروع ، مع شغله بأهل الردة و غير ذلك مما هو أوكد من صلاة التراويح .
فلما تمهد الإسلام في زمان عمر و رأى الناس في المسجد أوزاعاً كما جاء في الخبر قال : لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان أمثل ، فلما تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل ، و لقد اتفق السلف على صحة ذلك و إقراره ، و الأمة لا تجمع على ضلالة ، و قد نص الأصوليون أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي .
فإن قيل : فقد سماها عمر بدعة و حسنها بقوله : (( نعمت البدعة هذه )) و إذا ثبتت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع .
فالجواب : إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله r و اتفق أنـها لم تقع في زمن أبي بكر ، لا لأنـها بدعة حقيقية فمن سماها بدعة بـهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي ، و عند ذلك لا يجوز أن يستدل بـها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم عنه ، لأنه نوع من تحريف الكلام عن مواضعه ، فقد قالت عائشة : (( إن كان رسول الله r ليدع العمل و هو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم )) )) .
ثم قال أبو إسحاق في القسم الخامس و هو المباح : (( و ذكر في قسم المباح مسألة المناخل و ليست في الحقيقة من البدع ، بل هي من باب التنعم ، و لا يقال فيمن تنعم بمباح إنه قد ابتدع )) .
و في حاشية الاعتصام قال بعض العلماء : (( البدعة اللغوية تعتريها الأحكام الخمسة ، و تنقسم إلى حسنة و سيئة ، و أما البدعة الشرعية فلا تكون إلا سيئة )) .
قال محمد تقي الدين : و العجب من القرافي كيف نقل إجماع المالكية و غيرهم من أئمة السلف على أن البدعة كلها ضلالة ثم خرق إجماعهم و استحسن بعضها ، و قد رأيت الرد المفحم الذي رد به الإمام الشاطبي و أزيد ذلك وضوحاً فأقول : قال الشاطبي في الاعتصام : (( قال مالك رحمه الله : (( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً r خان الرسالة لأن الله يقول : ] اليوم أكملت لكم دينكم [([52]) و ما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم دينا )) )) .
و هذا الكلام المحكم يقطع دابر المبتدعين فقد تضمن الاحتجاج بالكتاب و السنة و الإجماع ، أما الكتاب فكما قال مالك رحمه الله : لم ينتقل الرسول الكريم من هذه الدار الفانية حتى أكمل الله الدين و بلغه الرسول البلاغ المبين ، فمن استحسن شيئاً من البدع فإما يزعم أن النبي r انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن يكمل الله الدين و يتم النعمة أو يزعم أن النبي r خان الرسالة بكتمان بعض ما أمر بتبليغه ، مع أنه لو زعم ذلك واقعاً لا ينفعه زعمه .
أما الأول : فإذا لم يكمل الله الدين فمن ذا الذي يكمله ؟
قال تعالى : ] فماذا بعد الحق إلا الضلال [([53]) و كل شيء من الدين ليس من الله فهو من الشيطان ، و لا يدين به إلا من يعبد الشيطان . قال تعالى في سورة يس : ] ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم و لقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون [([54]).
أما الثاني : فمن زعم أن محمداً r كتم شيئاً أمره الله بتبليغه فهو كافر إجماعاً . و إذا كتم الرسول r شيئاً من الدين ، حاشاه من ذلك ، فمن ذا الذي يستطيع أن يتلقى وحياً و يبلغه بعده ، و قد ختم الله الرسالة به صلوات الله و سلامه عليه ، و هكذا تدحض حجة المبتدعين ، فقطع دابر القوم الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين .
و قد بدا لي أن أرد على القرافي و من تبعه بطريقتي الخاصة فأقول : زعمه أن جمع القرآن بدعة واجبة باطل لأنه كان مجموعاً في زمان النبي r في العسب و اللخاف ، أي الحجارة البيض المصفحة ، و في صدور الرجال ، و كان النبي r إذا نزلت عليه الآية و الآيات دعا أحد كتاب الوحي فأمره أن يكتبها في موضعها ، فلما توفي صلوات الله و سلامه عليه بقي القرآن مجموعاً في بيت عائشة ، فأخذه أبو بكر الصديق منها ، و أمر بجمعه في كتاب واحد . و لا فرق بين الجمعين و لا بين الكتابين فأين الإحداث و أين الابتداع ؟ .
أما الشاطبي فجعل هذا من المصالح المرسلة التي فهمها أصحاب رسول الله r من نصوص القرآن و السنة ، و لو فرضنا أن أصحاب رسول الله r برئاسة أبي بكر الصديق أحدثوا في الدين أمراً – و حاشاهم من ذلك – فهل يستطيع المبتدع أن يبعثهم من مراقدهم و يأمرهم أن يجمعوا على بدعته حتى يتم له الاحتجاج ؟ أم يريد أن يقيس برأيه الفاسد بدعه الخبيثة على ما فعله أصحاب رسول الله r ؟ فيقال له : بفيك الحصى و الجنادل([55]) . إن القياس لا يكون إلا على أمر ثبت بنص من نصوص الكتاب و السنة ، و نصوصها كلها تغبر في وجهك ، و لا يقيس إلا مجتهد و أنت مقلد أعمى ، بل بـهيمة تقاد ، كما تقدم من كلام أبي عمر بن عبد البر .
أما تمثيلهم للقسم الثاني ، و هو المحرم بأخذ المكوس فهو عجيب ، لأن البدعة هي أن يتقرب المبتدع إلى الله بزعمه بأمر محدث حقيقة أو شكلاً ، و لم يوجد أحد في الإسلام ، و إن كان أجهل الجاهلين و أظلم الظالمين ، يدعي أن الغصب و أخذ المكوس قربة إلى الله ، كيف و هو محرم بالنصوص القاطعة و هو من أكبر الكبائر بالإجماع ، فهذا يكون الإفلاس .
أما تمثيلهم للثالث بصلاة التراويح ، فقد أثبت الشاطبي أنـها سنة فعلها النبي r ثم تركها خوف أن تفرض ، فلما توفي و تم التشريع جمع عمر الناس على قارئ واحد ، و تسمية ذلك بدعة هي تسمية لغوية و يقال فيه ما تقدم من نفي القياس و يزاد عليه أن القياس لا يكون في العبادات أصلاً كما حققه الإمام الشاطبي ، و برهان ذلك حديث عائشة في الصحيحين مرفوعاً : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) فدخل في ذلك البدع الحقيقية ، كالتقرب إلى الله بالرقص ، و قرع الطبول و نحو ذلك ، و البدع الإضافية كالاجتماع على الذكر بلسان واحد ، و قراءة القرآن كذلك ، و ما أشبه ذلك و هو كثير .
و تمثيلهم للرابع بتخصيص الأيام الفاضلة بعبادة من أوضح ما دلت عليه النصوص فهو بدعة
إضافية .
و تمثيلهم للخامس باتخاذ المناخل ، فهو عجيب أيضاً إذ لا ينوي أحد التقرب إلى الله تعالى بطحن الحب و لا بنخله و خبزه و لا أكله ، و إنما ذلك أمر أباحه الله فمن شاء أن يأكله منخولاً أو غير منخول فلا حرج في ذلك .
قال تعالى في سورة الأعراف : ] قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة [([56]) و في صحيح مسلم أن النبي r لما قدم المدينة وجدهم يلقحون النخل فقال : (( ما هذا ؟ )) فقالوا شيء نأخذه من الذكر و نجعله في الأنثى يصلح عليه التمر فقال : (( ما أراه ينفع )) ، فتركوا التلقيح ففسد التمر و صار شيصاً فأخبروه بذلك فقال : (( إذا حدثتكم عن الله فخذوا به فإني لا أكذب على الله ، و أنتم أعلم بأمور دنياكم )) أو كما قال عليه الصلاة و السلام فأمور الدنيا ليست فيها بدعة .
(( و عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي r قال : (( إن الله فرض فرائض فلا تعتدوا ، و حد حدوداً فلا تقربوها ، و حرم أشياء فلا تنتهكوها ، و سكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها )) . حديث حسن رواه الدارقطني )) انتهى من كتاب الأربعين للنووي .
و أخرج البزار في مسنده و الحاكم من حديث أبي الدرداء أن النبي r قال : (( ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، و ما حرم فهو حرام ، و ما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً . ثم تلا هذه الآية : ] و ما كان ربك نسيا[([57]) و قال الحاكم صحيح الإسناد . و قال البزار إسناده صالح .
قال محمد تقي الدين : لو أن المبتدعين تأملوا هذا الحديث و أخلصوا لله لم يبتدعوا في دين الله ، و لكن طبع الله على قلوبـهم و أصمهم و أعمى أبصارهم . و المقصود هنا أن كل شيء لم ينص الكتاب و السنة على تحريمه و لا على تحليله فقد عفا الله عنه و هو مباح لأن الله لا ينسى شيئاً و رسوله r لا يكتم شيئاً .
الفصل الرابع
في مسائل فرعية جاءت في رسالة البوعصامي العامي
قال محمد تقي الدين : ليس علينا أن نجيب عن المسائل الفرعية التي ذكرها المفتون الفتان ، لأنه لا يجوز له الإفتاء و الانتقاد لأنه : عامي ، جاهل ، مقلد ، كما تقدم في الفصل الثاني . و لكننا نتبرع بالجواب عن تلك المسائل رغبة في إفادة من يقرأ هذا الكتاب .

المسألة الأولى : وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة .
قال مالك في الموطأ : (( (( وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة )) حدثني يحيى عن عبد الله بن أبي المخارق البصري أنه قال : (( من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ، و وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة ، يضع اليمنى على اليسرى ، و تعجيل الفطر ، و تأخير السحور )) .
و حدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهيل بن سعد أنه قال : (( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينهى عن ذلك )) )) . انتهى .
قال محمد تقي الدين : ألف الإمام مالك رحمه الله كتاب الموطأ و درسه ستين سنة و تواتر عنه كل ما فيه . فكل قول ينسب إليه خلاف ما في الموطأ فإما أن يتفق الرواة عنه لذلك القول و إما أن يختلفوا عنه ، فإن اتفقوا و ذلك محال فرواية الموطأ مقدمة على اتفاقهم ، لأن رواته أكثر و أحفظ و لأنه كتبه بيده ، و هو متواتر عنه . فيرد كل ما خالفه و أما إذا اختلفوا فلا يحل لأحد أن ينسب إليه شيئاً مما اختلفوا فيه إلا إذا عرف التاريخ . فحينئذ يمكنه أن ينسب إليه آخر القولين أو الأقوال و حينئذ تتعارض تلك الرواية مع ما في الموطأ إن كانت مخالفة له فتسقط ، و يقدم عليها ما في الموطأ .
و الآن نذكر ما قال الأئمة في المسألة :
عن وائل بن حجر أنه رأى النبي r (( رفع يديه حين دخل في الصلاة و كبر ثم التحف بثوبه ، ثم وضع اليمنى على اليسرى ، فلما أراد أن يركع أخرج يديه ثم رفعهما و كبر فركع ، فلما قال سمع الله لمن حمده رفع يديه ، فلما سجد سجد بين كفيه )) . رواه أحمد و مسلم .
و في رواية لأحمد و أبي داود : (( ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى و الرسغ و الساعد )) .
و عن ابن مسعود أنه (( كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى ، فرآه النبي r فوضع يده اليمنى على اليسرى )) . رواه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
قال الشوكاني في النيل : (( جاء عن النبي r في وضع اليمنى على اليسرى عشرون حديثاً عن ثمانية عشر صحابياً و تابعياً )) .
و قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : (( قال أبو عمر : (( لم يرد فيه خلاف عن النبي r يعني لم يرو أحد عن النبي r سدل اليدين لا في حديث صحيح و لا ضعيف )) .
قال صاحب كتاب (( المتوني و البتار )) : (( فإن وضع اليمين على الشمال في الصلوات كلها فرضاً و نفلاً هو مذهب مالك و قوله الذي لم يقل غيره و لا نقل أحد عنه سواه و هو المذكور في الموطأ الذي ألفه بيده و قرئ عليه طول عمره و رواه عنه الآلاف من تلامذته و أصحابه ، و استدل عليه بالحديث الصحيح الذي نقله عنه رواة الفقه و حملته من أصحابه المدنيين كمطرف بن عبد الله و عبد الملك ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشوني و عبد الله بن نافع المخزومي و أصحابه المصريين كأشهب بن عبد العزيز و عبد الله بن عبد الحكم و أصحابه العراقيين كمحمد بن عمر الواقدي و غيره ، و هو مقتضى رواية على بن زياد التونسي عن أصحابه القيروانيين و هو الذي نقله ابن المنذر الإمام الحافظ الذي تصدر لنقل المذاهب بالأسانيد الصحيحة و الطرق المتعددة عن الأئمة المجتهدين ، و هو الذي لم ترد السنة المطهرة و الأحاديث النبوية إلا به عن سيد المرسلين r و على آله الطاهرين )) أ. هـ.
قال محمد تقي الدين : قد تبين لك أن مذهب النبي r و مذهب مالك هو وضع اليمنى على اليسرى بلا شك ، و ليس مقصودنا أن ثبوت هذه السنة و مشروعيتها لجميع المسلمين يتوقف على رواية مالك لها أو عمله بـها فإن الذي أوجب الله على جميع المسلمين قبل وجود مالك و في زمان صباه و جهله و في زمان علمه و إمامته هو اتباع رسول الله r و هو الواجب على جميع المسلمين إلى يوم القيامة و لم يجعل الله حجة على أحد من الناس – رجلاً بعينه – إلا رجلاً واحداً ، هو محمد رسول الله ، فمن اتبعه نجا و إن لم يسمع بمذهب أصلاً ، و من خالفه هلك و شقي و لا ينقذه زعمه أنه يتمسك بمذهب مالك لأن مالكاً قد تبرأ منه كما تقدم في كلام ابن عبد البر .
و مالك و غيره من أئمة أهل السنة ينقلون لنا سنة رسول الله r فنقلناها منهم إذا صحت بالقبول و نعمل بـها و نترحم عليهم و لا نفضل أحداً منهم على أحد ، و الذي نسأل عنه في قبورنا و في الحشر هو محمد رسول الله r و إنما سقنا رواية وضع اليمنى على اليسرى عن مالك و أصحابه ليتبين جهل المفتون و جهل متبوعه (( الجكني )) المبتدع .
و العجب من (( البوعصامي )) العامي ، بل العمي ، كيف تجرأ و زعم أن الحديث الثاني من حديث الموطأ منسوخ ، فهذا افتراء لم يسبقه إليه أحد إلا (( الجكني )) و هما كاذبان خاطئان فلعنة الله على الكاذبين .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح الحديث المشار إليه (( كان الناس يؤمرون )) : (( هذا حكمه حكم الحديث المرفوع لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي r ، قال البيهقي : لا خلاف في ذلك بين أهل النقل ، قال النووي في شرح مسلم : و هذا حديث صحيح مرفوع )) .
و صدق رسول الله r إذ قال : (( إذا لم تستح فافعل ما شئت )) و ما أحسن قول الشاعر:


إذا لم تخش عاقبة الليالي
فلا و الله ما في العيش خير
و لم تستح فاصنع ما تشاء
و لا الدنيا إذا ذهب الحياء





و لو أن هذا العامي العمي رجع إلى حاشية ابن الحاج على (( ميارة الصغير )) لوجد فيها بعد حكاياه الفاسدة الكاسدة المتناقضة التي تكره العمل بسنة النبي r و هي المكروهة ، لوجد فيها ما نصه :
و في القبض ثلاثة أقوال أخر :
أحدها : الاستجابة مطلقاً و هو قول مالك في رواية مطرف و ابن الماجشون عنه في (( الواضحة )) و قول المدنيين من أصحابنا و اختاره غير واحد من المحققين كاللخمي و ابن العربي و ابن عبد البر و ابن رشد و ابن عبد السلام ، و عده ابن رشد في المقدمات من فضائل الصلاة ، و تبعه عياض في قواعده و نسبه في الإكمال للجمهور ، و به قال أئمة المذاهب : الشافعي و أبو حنيفة و أحمد و سفيان الثوري و إسحاق بن راهوية و أبو ثور و داود بن علي و أبو جعفر الطبري و غيرهم .

الثاني : إباحة القبض فيهما ، و هو قول مالك في سماع العرينيين و قول أشهب في رسم شك في طوافه من سماع ابن ابن القاسم من جامع العتبية .

الثالث : منعه فيهما حكاه الباجي ، و تبعه ابن عرفة و هو من الشذوذ بمكان ، قال الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد المسناوي في رسالة في القبض : (( و إذا تقرر الخلاف في أصل القبض كما ترى وجب الرجوع إلى الكتاب و السنة كما قال تعالى : ] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول [ و قد وجدنا سنة رسول الله r قد حكمت بمطلوبية القبض في الصلاة بشهادة ما في الموطأ و الصحيحين و غيرهما من الأحاديث السالمة من الطعن ، فالواجب الانتهاء إليها و الوقوف عندها و القول بمقتضاها )) أ.هـ.
المسألة الثانية : قراءة البسملة في أول سورة الفاتحة و أول كل سورة في الصلاة .
أنقل الجواب من كتابي (( المنح السانحة في تفسير سورة الفاتحة )) : (( القول الصحيح الراجح الذي ينبغي لكل مسلم يحتاط لدينه و يتبع الرسول r بريئاً من العصبية الجاهلية ، و هي الاحتجاج بعمل الآباء و الأجداد ، أن يقرأ البسملة مع الفاتحة في كل ركعة ، يجهر بـها في الجهرية و يسر بـها في السرية . و سأقتصر على ما يشفي و يكفي من الأدلة لأنـها كثيرة جداً يضيق الوقت عن استيفائها .
البسملة آية من الفاتحة ، و من كل سورة في القرآن على الراجح
أخرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس أن رسول الله r كان لا يعرف فصل السورة ، و في رواية انقضاء السورة ، حتى ينـزل عليه (( بسم الله الرحمن الرحيم )) و أخرجه الحاكم في المستدرك و قال صحيح على شرط الشيخين ، و أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن أم سلمة أن رسول الله r قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة و عدها آية و في إسناده عمر بن هروة البلخي و فيه ضعف ، و روى الدارقطني من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله r : (( إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين ، فاقرؤوا (( بسم الله الرحمن الرحيم )) فإنـها أم القرآن و أم الكتاب و السبع المساني ، و بسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتـها ))([58]) ، و قال إسناد رجاله كلهم ثقات ، و رواه البخاري في التاريخ . قال البيهقي : (( أحسن ما احتج به أصحابنا في أن البسملة من القرآن و أنـها من فواتح السور سوى براءة ما رويناه من جمع الصحابة كتاب الله عز و جل في المصاحف و أنـهم كتبوا فيها البسملة على رأس كل سورة سوى براءة ، فكيف يتوهم متوهم أنـهم كتبوا مائة و ثلاث عشرة آية ليست من القرآن ، و قد علمنا بالروايات الصحيحة عن ابن عباس أنه كان يعد البسملة آية من الفاتحة و يقول : (( انتزع الشيطان منهم خير آية في القرآن )) ، رواه الشافعي .
الاختلاف في الجهر بـها في الصلاة
كما وقع الخلاف في إثباتـها وقع الخلاف في الجهر بـها في الصلاة ، و قد أخرج النسائي في سننه و ابن خزيمة و ابن حبان في صحيحيهما و الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة و قال بعد أن فرغ : (( إني لأشبهكم صلاة برسول الله r )) ، و صححه الدارقطني و الخطيب و البيهقي و غيرهم ، و روى أبو داود و الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله r كان يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم . قال الترمذي : و ليس إسناده بذلك ، و قد أخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس بلفظ كان رسول الله r يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قال صحيح ، و أخرجه البخاري في صحيحه عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله r فقال : (( كانت قراءته مداً ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد بسم الله ، و يمد الرحمن ، و يمد الرحيم )) .
و أخرج أحمد في المسند و أبو داود في السنن و ابن خزيمة في صحيحه و الحاكم في مستدركه عن أم سلمة أنـها قالت : (( كان رسول الله r يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . مالك يوم الدين )) و قال الدارقطني : (( إسناده صحيح و بـهذا قال من الصحابة أبو هريرة و ابن عباس و ابن عمر و ابن الزبير ، و من التابعين فمن بعدهم سعيد بن جبير و أبو قلابة والزهري و عكرمة و عطاء و طاووس و مجاهد و علي بن الحسين و سالم بن عبد الله و محمد بن كعب القرظي و ابن سيرين و ابن المنكدر و نافع مولى ابن عمر و زيد بن أسلم و مكحول و غيرهم )) . انتهى من فتح البيان للإمام صديق حسن القنوجي .
قال محمد الطالب بن حمدون بن الحجاج([59]) في حاشيته على شرح (( ميارة الصغير )) على منظومة ابن عاشر : (( و ذكر ابن عرفة في البسملة أربعة أقوال ، فقال : (( و في كراهة البسملة و استحبابـها في الفرض و وجوبـها أربع لا بأس بـها ، ([60]) و ابن رشد عن ابن مسلمة و المازري عن ابن نافع مع عياض عن ابن مسلمة و أبي عمرو عن نافع و الورع قراءتـها للخروج من الخلاف قاله القرافي و غيره ، و كان المازري يبسمل سراً فقيل له في ذلك فقال : مذهب مالك قولاً واحداً على أن من يبسمل بطلت صلاته و صلاة يتفقان على صحتها خير من صلاة يقول أحدهما ببطلانـها .
أقول : و مثل هذا يقال في الفاتحة بالنسبة للمأموم ، فإن مذهب الشافعي و البخاري و جماعة من التابعين قولاً واحداً على أن من ترك و لو حرفاً منها و لو في ركعة واحدة بطلت صلاته ، و مذهب مالك قولاً واحداً على أن من قرأها خلف الإمام لم تبطل صلاته ، و صلاة يتفق الأئمة على صحتها خير من صلاة يقول بعضهم ببطلانـها ، و إلى مشروعية قراءتـها خلف الإمام ذهب بعض المالكية )) .
المسألة الثالثة : قراءة القرآن و إهداء ثوابه إلى الموتى بدعة .
قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تفسير قوله تعالى في سورة النجم : ] و أن ليس للإنسان إلا ما سعى . و أن سعيه سوف يرى[([61]) (( ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم و موسى فقال : ] أن لا تزر وازرة وزر أخرى [([62]) أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله منها أحد كما قال : ] و إن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء و لو كان ذا قربى [([63]) و ] أن ليس للإنسان إلى ما سعى [ أي كما لا يحمل عليها وزر غيرها كذلك لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه .
و من هذه الآية استنبط الشافعي رحمه الله و من تبعه أن القراءة لا يحصل ثواب إهدائها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم و لا كسبهم ، و لهذا لم يندب إليه رسول الله r أمته و لا حثهم عليه و لا أرشدهم إليه بنص و لا إيماء ، و لم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة و لو كان خيراً لسبقونا إليه ، و باب القربات يقتصر فيه على النصوص و لا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة و الآراء . فأما الدعاء و الصدقة فمجمع على وصولهما و منصوص من الشارع عليهما .
و أما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : (( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ولد صالح يدعو له ، أو صدقة جارية من بعده ، أو علم ينتفع به )) ، فهذه الثلاثة في الحقيقة هي من سعيه و كده و عمله كما جاء في الحديث : (( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، و أن ولده من كسبه )) ، و الصدقة الجارية كالوقف و نحوه هي من آثار عمله ووقفه ، و قد قال تعالى : ] إنا نحن نحيي الموتى و نكتب ما قدموا و آثارهم [([64]) الآية . و العلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضاً من سعيه و عمله و ثبت في الصحيح (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء )) ، و قوله تعالى : ] و أن ليس للإنسان إلا ما سعى . و أن سعيه سوف يرى [ أي يوم القيامة كقوله تعالى : ] و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المؤمنون و ستردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون [([65]) أي فيخبركم به و يجزيكم عليه الجزاء الأوفى أي الأوفر )) انتهى .
قال محمد تقي الدين : و من ذلك تعلم أن ما زعمه (( البوعصامي )) العامي من أن عمر رضي الله عنه أوصى بقراءة الفاتحة و خاتمة البقرة ( كذا ) و عزاه إلى (( المشارق ))([66]) كذب و افتراء على عمر ، و حقه أن يعزى إلى المغارب لا إلى المشارق لبطلانه فهو غارب و ليس بشارق . فمن رواه ؟ و أين إسناده ؟ و من صححه أو حسنه ؟ ، و هل كتاب المشارق على فرض صحة نسبته إليه قرآن لا يحتاج إلى سنده ، أو أحد الصحيحين ، أو أحد الكتب الستة و ما يقاربـها ؟ ، فهذا يكون الإفلاس و الالتجاء إلى بنيان الطريق .
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
------------------
يقـولون أقوالاً و لا يعلمونـها إذا قيل هاتـوا حققوا و لم يحققوا

] فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم . إن الله لا يهدي القوم الظالمين [([67]) ثم وقفت على الأثر الذي عزاه (( البوعصامي )) إلى عمر بن الخطاب جهلاً منه أو ممن نقل عنه ، وجدته مروياً عن عبد الله بن عمر ، رواه الخلال في جامعه بإسنادين كلاهما يدور على عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عن عبد الله بن عمر أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة و خاتمتها .
قال في الهدي النبوي : (( عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج شامي عن أبيه ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل الحلبي ، و في هذا الإسناد أيضاً الحسن بن أحمد بن الحكم دعي بالوراق لملازمته محمد بن إسماعيل الوراق ، لا يعرف و قد روى عن محمد بن إسماعيل هذا خبراً منكراً متنه : (( اليمين الفاجرة تعقم الرحم )) و في إسناده أيضاً محمد بن قدامة الجوهري اللؤلؤي أبو جعفر البغدادي قال ابن معين : ليس بشيء و قال أبو داود : ضعيف لم أكتب عنه شيئاً )) .
أقول : و من ذلك تعلم أن هذا الأثر لا يصح عن ابن عمر ، و لو فرضنا صحته فليس فيه حجة لأن قول الصحابي الواحد أو فعله ليس بحجة و إن لم يخالف الإجماع و السنة ، فكيف و قد خالفهما .
و الاقتداء بالنبي r في أفعاله و أقواله و تروكه فرض على كل مسلم في الأوامر و التروك . أما في الأفعال فإن لم يكن من خصائصه r فهو سنة يثاب من فعله و لا يأثم من تركه ، أما الأوامر و التروك فلا يسع أحد مخالفتها ، و من فعل التروك فقد ابتدع في دين الله ، فهو في النار بنص حديث رسول الله r ، و العبادات لا مجال فيها للرأي و القياس ، و إنما تؤخذ من هدي رسول الله r و قد تقدم الكلام على ذلك في الفصل الثالث .
و قال الإمام الحافظ شمس الدين ابن القيم في كتاب (( الروح )) : (( و في النسائي و غيره من حديث معقل بن يسار المزني عن النبي r أنه قال : (( اقرؤوا (( يس )) على موتاكم )) )) .
قال في الهدي : حديث معقل بن يسار المزني ، رواه أيضاً أبو داود و ابن ماجة و أحمد و لفظه (( يس قلب القرآن . لا يقرأها رجل يريد الله و الدار الآخرة إلا غفر له ، و اقرؤوها على موتاكم )) و رواه أيضاً ابن حبان و صححه و أعله ابن القطان بالاضطراب و بكونه موقوفاً على معقل بن يسار ، و بجهالة حال أبي عثمان و أبيه المذكورين في الإسناد و قد رأيت الذهبي يحمل الحكم عليه بما يلي :(( أبو عثمان يقال : اسمه سعد عن أبيه معقل بن يسار المزني بحديث (( اقرؤوا يس على موتاكم )) لا يعرف أبوه و لا هو ، و لا روى عنه سليمان التيمي )) و جاء في التهذيب ( ج 12 ص 165 ) (( اسمه هرم بن نسيب و قيل هرم بن نصيب([68]) )) و قال الدارقطني : هذا حديث ضعيف الإسناد مجهول المتن ، و لا يصح في الباب حديث ، و لذلك كره مالك و أصحابه قراءة القرآن عند الميت و بعد موته و على قبره و هو الحق .
و الكراهة هنا كراهة تحريم لأن كل بدعة ضلالة و كل ضلالة حرام فعلها . و على تقدير ثبوته فالمراد به من حضره الموت لا من مات و قضى نحبه .
قال ابن القيم عقب إيراد الحديث المتقدم الذكر : (( و هذا يحتمل أن يراد به قراءتـها على المحتضر عند موته مثل قوله (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )) و يحتمل أن يراد به القراءة عند القبر .
و الأول أظهر لوجوه :
الأول : أنه نظير قوله (( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله )) .
و الثاني : انتفاع المحتضر بـهذه السورة ، لما فيها من التوحيد و المعاد و البشرى بالجنة لأهل التوحيد و غبطة من مات بقوله : ] يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي و جعلني من المكرمين [([69]) فتستبشر الروح بذلك فتحب لقاء الله و يحب الله لقاءها ، فإن هذه السورة قلب القرآن و لها خاصية عجيبة في قراءتـها عند المحتضر ، و قد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي قال : كنا عند شيخنا أبي الوقت عبد الأول و هو في السياق ، و كان آخر عهدنا به أنه نظر إلى السماء و ضحك و قال : يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي و جعلني من المكرمين ، و قضى .
الثالث : أن هذا علم الناس و عادتـهم قديماً و حديثاً يقرؤون (( يس )) عند المحتضر .
الرابع : أن الصحابة لو فهموا من قوله r : (( اقرؤوا على موتاكم )) قراءتـها ، لما أخلوا بـها و كان ذلك أمراً معتاداً مشهوراً بينهم .
الخامس : أن انتفاعه باستماعها و حضور قلبه و ذهنه عند قراءتـها في آخر عهده بالدنيا هو المقصود ، و أما قراءتـها عند قبره فإنه لا يثاب على ذلك ، لأن الثواب إما بالقراءة أو بالاستماع و هو عمل انقطع عن الميت )) و قال في زاد المعاد : (( و لم يكن من هديه r أن يجتمع للعزاء و يقرأ له القرآن لا عند قبره و لا غيره ، و كل هذا بدعة حادثة مكروهة )) و قال القاسمي في تفسيره : (( ] أن لا تزر وازرة وزر أخرى [ أي لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها ، بل كل آثمة فإن إثمها عليها ، و قال القاشاني : لأن العقاب يترتب على أفعال مظلمة رسخت في النقص بتكرار الأباطيل و الأقاويل السيئة التي هي الذنوب ، و كذلك الثواب إنما يترتب على أضدادها من فعل الفضائل كما قال تعالى :] و أن ليس للإنسان إلا ما سعى [ أي إلا سعيه و كسبه )) .
تنبيهات
الأول : قال ابن جرير : (( إنما عنى بقوله : ] أن لا تزر وازرة وزر أخرى [ الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة يقول : ألم يخبر قائل هذا القول و ضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى و إبراهيم : مكتوب لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها ، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى . أي و أنه لا يجازى عامل إلا بعمله خيراً كان أم شراً )) انتهى .
و ظاهر السياق يشعر بنـزول الآيات رداً على ما كانوا يتخرصونه و يتمنونه و يتحكمون فيه على الغيب لجاجاً و جهلاً ، و مع ذلك مفهومها الشمولي جلي .
الثاني : قال السيوطي في الإكليل : (( استدل به على عدم دخول النيابة في العبادات عن الحي و الميت ، و استدل به الشافعي على أن ثواب القراءة لا يلحق الأموات .
قال خليل في مختصره عاطفاً على المكروهات : و قراءة عند موته و بعده و على قبره . قال الزرقاني : لأن القصد بزيارته تدبر ما وقع له و ما هو فيه ، و القراءة يطلب فيها التدبر و لا يجتمع التدبران غالباً . قال بناني : و نص التوضيح في باب الحج : مذهب مالك كراهة القراءة على القبر ، و نقله ابن جمرة في شرح مختصر البخاري ، و علله بمثل ما تقدم عن الزرقاني ، ثم قال بناني : فقول الزرقاني أن الأمر صريح في الكراهة مطلقاً )) .
أقول : و تحمل الكراهة هنا على كراهة التحريم و هو مقتضى شدة مالك و تمسكه بالسنة و إنكاره للبدعة و غلظته على المبتدعين كما تقدم عنه .
المسألة الرابعة : التأمين و الجهر به
قال محمد تقي الدين : إعلم أن التأمين في الصلاة عند نـهاية الفاتحة فرض على كل مصل سراً و جهراً في الجهرية لقول النبي r : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) أخرجه البخاري في صحيحه من حديث مالك بن الحويرث ، و قد روى الأئمة في التأمين سبعة عشر حديثاً و ثلاثة آثار أقتصر على ذكر بعضها :
1- عن أبي هريرة أن رسول الله r قال : (( إذا أمَّن الإمام فأمنوا ، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )) .
2- عن ابن شهاب : (( كان رسول الله r يقول : آمين )) روى([70]) الجماعة إلا أن الترمذي لم يذكر قول ابن شهاب .
3- و في رواية : (( إذا قال الإمام : غير المغضوب عليهم و لا الضالين ، فقولوا آمين ، فإن الملائكة تقول آمين و إن الإمام يقول آمين ، فمن وافق تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )) رواه أحمد و النسائي .
4- عن أبي هريرة قال : (( كان رسول الله r إذا تلا ] غير المغضوب عليهم و لا الضالين [ قال : آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول )) . رواه أبو داود و ابن ماجة و قال : (( حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بـها المسجد )) .
5- عن وائل بن حجر قال : (( سمعت النبي r قرأ ] غير المغضوب عليهم و لا الضالين [ ، فقال آمين يمد بـها صوته )) . رواه أحمد و أبو داود و الترمذي .
قال الشوكاني في (( نيل الأوطار على منتقى الأخبار )) بعد ذكر الأحاديث الواردة في هذا الباب ما نصه : (( و قوله (( فقال : آمين يمد بـها صوته )) و الحديث يدل على مشروعية التأمين للإمام و الجهر و مد الصوت به .. قال الترمذي و به قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي r و التابعين و من بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين و لا يخفيه و به يقول الشافعي و أحمد و إسحق ، و استدلوا على مشروعية الجهر به بحديث عائشة مرفوعاً عند أحمد و ابن ماجة و الطبراني بلفظ : (( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام و التأمين )) ، و حديث ابن عباس عند ابن ماجة بلفظ قال : قال رسول الله r : (( ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين ، فأكثروا من قول آمين )) )) .
و قال محمد تقي الدين : و ذهب مالك إلى أن الإمام لا يؤمن في الجهرية ؛ إذ لم يبلغه شيء من تلك الأحاديث فله أجر واحد و لا لوم عليه ، و إنما اللوم و الإثم على من بلغه حديث رسول الله r في غاية الوضوح و الصحة و عمل به الصحابة و التابعون و أكثر الأئمة المجتهدين ، ثم ركب رأسه و تعمد معصية الرسول r و لم يقتصر على ذلك حتى أخذ ينهى الناس عن اتباع سنة رسول الله ، و يكتب ذلك من بلد إلى بلد و لم يقتصر على إضلال من عنده من الناس ، فهكذا تكون الجرأة و الوقاحة و قلة الحياء من الله و من الناس .
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة فأقـد منـها حـافراً للأدهم

المسألة الخامسة : نسبة السدل إلى الإمام الشافعي .
أقول : إن الشافعي و أتباعه كلهم يضعون أيمانـهم على شمائلهم من زمانه إلى يومنا هذا . يعرف ذلك و يشهد به العلماء و العامة حتى صبيان المدارس الابتدائية ، فكيف تجرد هذا (( البوعصامي )) من كل علم و عقل و أتى بـهذه الكذبة الفظيعة التي يجزيه الله عنها في الدنيا و الآخرة إن لم يتب ، و نحن نسوق كلام الشافعي ليتبين كذب هذا المفتون و افتراءه على الأئمة كما افترى على الله .
قال المزني في مختصر لكتاب (( الأم )) ما لفظه : (( قال الشافعي : و إذا أحرم إماماً أو وحده نوى صلاته في حال التكبير لا قبله و لا بعده و لا يجزئه إلا قوله ، الله أكبر أو الله الأكبر ، فإن لم يحسن بالعربية كبر بلسانه ، و كذلك الذكر و عليه أن يتعلم ، و لا يكبر إن كان إماماً حتى تستوي الصفوف خلفه و يرفع يديه إذا كبر حذو منكبيه ، و يأخذ كوعه الأيسر بكفه اليمنى و يجعلها تحت صدره )) انتهى .
المسألة السادسة : التوسل بالمخلوق .
اعلم أن التوسل هو ابتغاء الوسيلة أي السبب الموصل إلى المطلوب قال الله تعالى في سورة المائدة : ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة و جاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون [([71]) و قال تعالى في سورة الإسراء : ] أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربـهم الوسيلة أيهم أقرب و يرجون رحمته و يخافون عذابه . إن عذاب ربك كان محذورا [([72]) و المراد بالتوسل إلى الله تعالى : الأعمال الصالحة التي يتقرب بـها إلى الله تعالى كما في الحديث القدسي : (( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بـها ، و رجله التي يمشي بـها ، و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه )) رواه البخاري من حديث أبي هريرة .
فالإقسام على الله بالمخلوق حرام ، و هو جهل من فاعله لأن هذا المقسم إما أن يقسم بأجسام المخلوقين و ذلك جهل و ضلال و باطل ، إذ لا يتقرب إلى الله بأجسام عباده ، إذ لا علاقة لأجسامهم بما يريده الله من ذلك التوسل ، و هو الإيمان و الأعمال الصالحة .
و إما أن يتوسل إلى الله بأعمالهم فهو جهل أيضاً و ضلال ؛ لأن أعمالهم لهم ، لا يصل إليه منها شيء إلا ما أذن الله فيه كالدعاء ، و أعماله له ، لا يصل إليهم منها شيء إلا ما خصص كالدعاء و الصدقة بشرطهما إذا صنعا بقصد إيصال الخير إلى من مات موحداً لله و متبعاً للرسول r و لا يجوز الدعاء و لا الصدقة على من مات مشركاً بالله .
و يتوسل إلى الله تعالى أيضاً بأسمائه الحسنى ؛ قال تعالى في سورة الأعراف :] و لله الأسماء الحسنى فادعوه بـها و ذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون [([73]).
و أما التوسل إلى الله تعالى بالعمل المتعلق بالنبي r و أصحابه و سائر المؤمنين إذا كان مشروعاً فهو من خير الوسائل ، فمن توسل إلى الله تعالى بمحبة النبي r و طاعته و اتباعه و توقيره و الدفاع عن سنته و تعظيم ما جاء به فقد أحسن و هو جدير بالقبول ، و كذلك التوسل بمحبة المؤمنين و إعانتهم و قضاء حاجاتـهم و الإحسان إليهم و الدفاع عنهم و توقير كبيرهم و رحمة صغيرهم فذلك من أفضل الأعمال عند الله و في تلك الحال يكون الإنسان متوسلاً إلى الله بعمله ، و قد علمنا النبي r أن نتوسل إليه بأعمالنا كما في حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فتوسل كل واحد منهم إلى الله فاستجاب الله دعاءهم و لم يقل لنا أقسموا على الله بنبي أو ملك أو صالح .
قال العلامة المحقق بشير السهسواني في كتابه (( صيانة الإنسان )) بعد ما ذكر أنواع التوسل المشروعة ص 201 ، و قد أ شرت إلى بعضها فيما سبق :(( و السابع أن يقول : اللهم أسألك بحق فلان عبدك أو بجاهه أو حرمته أو نحو ذلك ، فعن العز بن عبد السلام و من تبعه عدم الجواز إلا بالنبي r ، و عند الحنابلة في أصح القولين أنه مكروه كراهة تحريم ، و نقل القدوري و غيره من الحنفية عن أبي يوسف أنه قال : قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به .
و في جميع متونـهم أن قول الداعي المتوسل بحق الأنبياء و الأولياء و بحق البيت و المشعر الحرام مكروه كراهة تحريم ، و هو كالحرام في العقوبة بالنار عند محمد . و عللوا ذلك كلهم بقولهم : إنه لا حق لمخلوق على الخالق ))
ثم قال في صفحة 205 : (( قال ابن بلدجي في شرح المختار : و يكره أن يدعو الله إلا به و لا يقول أسألك بملائكتك أو بأنبيائك أو نحو ذلك لأنه لا حق للمخلوق على خالقه )) .
ثم في صفحة 206 : (( الثامن : أن يسأل الله و يدعوه عند قبور الصالحين معتقداً أن الدعاء عند القبور مستجاب و نقل الحافظ أحمد بن عبد الحليم الحرّاني في المبسوط و هو من أشهر كتب المالكية الكبرى عن الإمام مالك رحمه الله كراهة التوسل بالمخلوق ، يعني بذوات الأنبياء و الصالحين و نقل ذلك في كتاب التوسل و الوسيلة له ، و أدعية الكتاب و السنة الصحيحة ليس فيها توسل إلا بأسماء الله الحسنى و صفاته و العمل الصالح ، ففيها غنية عن الأدعية المبتدعة التي تنحو منحى الشرك و
الوثنية )) .

توسل عمر بالعباس
قال السهسواني في ص 207 : (( المراد بالاستسقاء بالعباس و التوسل به الوارد في حديث أنس هو الاستسقاء بدعاء العباس على طريقة معهودة في الشرع و هي أن يخرج بمن يستسقي به إلى المصلى فيستسقي ، و يستقبل القبلة داعياً و يحول رداءه و يصلي ركعتين أو نحوه من هيئات الاستسقاء التي وردت في الصحاح ، و الدليل عليه قول عمر : (( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا )) ، ففي هذا القول دلالة واضحة على أن التوسل بالعباس كان مثل توسلهم بالنبي r و التوسل بالنبي r لم يكن إلا بأن يخرج النبي r و يستقبل القبلة و يحول رداءه و يصلي ركعتين أو نحوه من الهيئات الثابتة للاستسقاء ، و لم يرد في حديث ضعيف فضلاً عن الحسن أو الصحيح أن الناس طلبوا السقيا و الدعاء و الصلاة و غيرهما بغير ما ثبت بالأحاديث و من يدعي وروده فعليه
الإثبات .
إذا ثبت هذا فاعلم أن الاستسقاء و التوسل على الهيئات التي وردت في الصحاح للاستسقاء لا يمكن إلا بالحي لا بالميت ، فالقول بإمكان الاستسقاء بالنبي r من أبطل الأباطيل )) انتهى .

عمل أهل المدينة
اعلم أنه لا حجة إلا في كتاب الله و سنة رسوله r لقوله تعالى في سورة النساء : ] فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر [([74]) أما الإجماع فهو داخل فيهما إذ لا بد له من دليل منهما أو من أحدهما ، و كذلك القياس عند من يقول به لا بد أن يكون مبنياً على دليل من الكتاب و السنة ، و لا حجة في إجماع أهل بلد من البلدان عند جماهير الأئمة ، و اختلف المالكية في عمل أهل المدينة فأنكره بعضهم و أثبته بعضهم مطلقاً ، و المحققون منهم فصلوا فقالوا : إن كان في المنقولات و كان في زمن الصحابة و التابعين ، و كذلك في الأمور العملية كالمد و الصاع مثلاً ، و عدم زكاة الخضر فهو مقدم على خبر الواحد ، لأن نقل جماعة مقدم على نقل واحد ، لأنه حينئذٍ من قبيل الشاذ ، أما في الاجتهادات فخبر الواحد مقدم عليه ، و إذا لم يوجد خبره فهل يحتج به قولاً ، انظر إعلام الموقعين و نصه : (( قال القاضي عبد الوهاب : و قد اختلف أصحابنا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه ليس بحجة أصلاً ، و أن الحجة هي إجماع أهل المدينة من طريق النقل ، و لا يرجح به أيضاً أحد الاجتهادين على الآخر .
و هذا قول أبي بكر و أبي يعقوب الرازي و القاضي أبي بكر ابن منتاب و الطيالسي و القاضي أبي الفرج و الشيخ أبي بكر الأبـهري ، و أنكروا أن يكون هذا مذهباً لمالك ، و لأحد أصحابه )) انتهى .
أقول : و تقديم القاضي عبد الوهاب لهذا القول يقتضي أنه الراجح عنده ، و قد أسرف الجهال في الاحتجاج بعمل أهل المدينة ، و لم يميزوا المسائل التي ورد أنـها من عمل أهل المدينة و هي المسائل التي لم يرد فيها شيء ، غاية الأمر أن مالكاً قد قال فيها قولاً باجتهاده و ليس بمعصوم ، إذ المعصوم واحد هو رسول الله r على أن المتبعين لرسول الله r و للصحابة و التابعين هم المتبعون لمالك في الحقيقة لأن مالكاً نـهى عن اتباع قوله ، إذا خالف الدليل ، فمن اتبعه في تلك الحال فقد عصى الله و رسوله و عصى مالكاً نفسه و أطاع الشيطان .
و سأورد هنا مسائل خالف فيها مالك نفسه أهل المدينة و المنقول المحقق عن الصحابة و التابعين مع قيام الدليل على صحته ، و أورد بعض المسائل التي عمل بـها النبي r و أصحابه و التابعين و مالك نفسه ، ثم تركها بعض المنتسبين إلى مذهبه اعتماداً على بعض الأقوال الضعيفة السخيفة المنقولة عن مالك هم ادعوا أن مالكاً ترك العمل بذلك لمخالفته لعمل أهل المدينة .
المسألة الأولى : رفع اليدين عند الركوع و الرفع منه
رواه مالك في حديث ابن عمر عن النبي r و لا شك أنه عمل به لأن مقامه أجل من أن يروي عن النبي r حديثاً صحيحاً و لا يعمل به ، و لم يقل في الموطأ أن العمل على خلافه كما قال ذلك في حديث : (( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا )) .
قال ابن القيم في (( الإعلام )) : (( انظر إلى العمل في زمان رسول الله r و الصحابة خلفه ، و هم يرفعون أيديهم في الصلاة في الركوع و الرفع منه ، ثم العمل في زمان الصحابة بعده حتى كان عبد الله بن عمر إذا رأى من لا يرفع يديه حصبه و هو عمل كأنه رأي عين .
و جمهور التابعين يعمل به في المدينة و غيرها من الأمصار كما حكاه البخاري و محمد بن نصر المروزي و غيرهما عنهم ثم صار العمل بخلافه )) .
قال محمد تقي الدين : فعبد الله بن عمر هو إمام أهل المدينة في آخر زمان الصحابة و في وسط زمان التابعين ، و قد علمت أنه كان يعاقب من لا يرفع يديه يرميه بالحصباء ، فلا شك أنه كان يعتقده فرضاً إذ لا عقاب على ترك مستحب ، و لو سئل سفيه آخر الزمان لماذا لا ترفع يديك عند الركوع و الرفع منه ، لقال قلدت في ذلك مالكاً فقد نقل لي أنه كان لا يرفع ، فإن قيل له هذا كتابه الموطأ الذي ألفه بيده و درسه ستين سنة ليس فيه إلا الرفع . يقول : لا عمل على الموطأ ، فلعل مالكاً رواه عن النبي r و ترك العمل به لأنه خلاف عمل أهل المدينة ، فقال له : كذبت فعمل النبي r و عمل أهل المدينة في أفضل عصورها الرفع .
المسألة الثانية : دعاء الاستفتاح بعد التكبير
قال ابن القيم في الإعلام : (( فانظر العمل في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في جهره بالاستفتاح في الفرض في مصلى النبي r و عمل الصحابة به ، ثم ترك العمل به في زمان مالك بوصل التكبير بالقراءة من غير دعاء و لا تعوذ )) .
أقول : فهذا عمل أهل المدينة ، جهر به الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في مسجد رسول الله r و قد صح الحديث عن النبي r بذلك ، و في الأزمنة المتأخرة نسب مالك إلى تركه ، فعصى المقلدون الله و رسوله و عمر بن الخطاب و أصحاب رسول الله r و التابعين و عمل أهل المدينة المحقق في أفضل عصورها ، و تركوا دعاء الاستفتاح و التعوذ و البسملة .
المسألة الثالثة : العمل بخيار المجلس
قال ابن القيم : (( انظر العمل في زمان الصحابة كعبد الله بن عمر في اعتبار خيار المجلس و مفارقته لمكان التبايع ليلزم العقد ، و لا يخالفه في ذلك صحابي ، ثم العمل به في زمان التابعين و إمامهم و عالمهم سعيد بن المسيب يعمل به و يفتي به و لا ينكره عليه منكر ، ثم صار العمل في زمان ربيعة و سليمان بن بلال بخلاف ذلك .
روى مالك في الموطأ عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله r قال : (( المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار )) ، قال مالك : و ليس لهذا عندنا حد معروف و لا أمر معمول به فيه )) .
قال السيوطي في شرح الموطأ : (( قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت عن النبي r و أنه أثبت ما نقل العدول ، و أكثرهم استعملوه و جعلوه أصلاً من أصول الدين في البيوع و رده مالك و أبو حنيفة و أصحابـهما ، و لا أعلم أحداً رده غير هؤلاء .
قال بعض المالكيين : دفعه مالك لإجماع أهل المدينة ، و ذلك عنده أقوى من خبر الواحد ، و قال بعضهم لا تصح هذه الدعوى لأن سعيد بن المسيب و بن شهاب روي عنهما منصوصاً العمل به ، و هما أجل فقهاء أهل المدينة ، و لم يرو عن أحد من أهل المدينة نصاً ترك العمل به إلا عن مالك و ربيعة ، و قد كان ابن أبي ذئب و هو من فقهاء أهل المدينة في عصر مالك ، ينكر على مالك اختياره ترك العمل به حتى جرى منه في مالك قول خشن حمله عليه الغضب لما يستحسن مثله منه ، فكيف يصح لأحد أن يدعي إجماع أهل المدينة عليه في هذه المسألة )) انتهى .
قال محمد تقي الدين : خيار المجلس ثابت عن النبي r و عن الصحابة و التابعين في المدينة فنحن نعمل به و نرد كلام مالك و شيخه ربيعة و محتسب المدينة في ذلك الزمان سليمان بن بلال ، و قد ثبت لك أن عمل أهل المدينة لا يستقر على حال بل يختلف باختلاف الأزمنة و الولاة فلا يحل لأحد أن يرد حديث النبي r و عمل الصحابة و التابعين من أهل المدينة و غيرهم لعمل ثلاثة رجال جاءوا من بعدهم و لم يأمرنا الله باتباعهم ، حتى و لو لم يخالفوا حديث النبي r و عمل أهل المدينة من الصحابة و التابعين و من تبعهم في عصر مالك كالإمام ابن أبي ذئب ، و لو شئت أن أنقل مسائل أخرى من هذا القبيل ، لضاق المقام على نقلها ، و فيما ذكرته كفاية لمن يعرف الرجال بالحق ، أما من يعرف الحق بالرجال فهو ضال مضل فلا كلام معه .

وصية النبي r أن يطلب الاستغفار من أويس القرني
قال محمد تقي الدين : و أي حجة لهذا المفتون في هذا الخبر فإننا نبيح طلب الدعاء من الحي سواء أكان الطالب أعلى من المطلوب منه الدعاء مرتبة أو مساوياً أو أدنى منه ، فمثال الأعلى : طلب النبي r الدعاء من عمر حين استأذنه في العمرة ، و طلب عمر الدعاء من أويس ، و عمر أعلى منه بدرجات لا تحصى . بل أمرنا الله و رسوله r أن نصلي على النبي r و نسأل له الوسيلة ، و هي أعلى درجة في الجنة ، و الصلاة دعاء للنبي r و هذه حجة على المفتون . إذ لو كان الدعاء يطلب من الملائكة أو الأنبياء في حياتـهم البرزخية ، أو الصحابة أو الصالحين و الشهداء لما طلب عمر الدعاء من أويس ، و كذلك استسقاء عمر بالعباس حجة على الخصم ؛ لأن العباس كان حياً و قد صلى معهم صلاة الاستسقاء و سأل الله ، فلم يستسق عمر بجسم العباس و إنما استسقى بدعاء العباس ، و لم يستسق بالنبي r لا هو و لا غيره من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة و السلام ، و هو إجماع تركي ، و الإجماع على الترك حجة كالإجماع على العمل إذا ثبت بشرطه ، فإيراده للخبرين بحثٌ عن حتفه بظلفه ، يخربون بيوتـهم و أيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار .
و أما زعمه أنـهم كانوا يأخذون تراب حمزة للتبرك فهذا كلام فاسد لفظاً و معنى . فمن هؤلاء الذين يأخذون التراب للتبرك ؟ و لِمَ لم يذكرهم المفتون ؟ و ما معنى تراب حمزة ؟ تراب مزرعته ؟ أو تراب
قبره ؟ .
الذي يقتضيه حال من ينصر الشرك و عبادة القبور أنه يريد به تراب قبره و لكنه لم يذكره ، و إذا كان التبرك بالأتربة جائزاً فكيف تركوا تراب قبر حمزة ؟ و في أي زمان كان ذلك ؟ .
أما في زمان الصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين فحاشاهم من ذلك . كيف و قد تقدم عنهم من حماية حمى التوحيد بإخفاء مدفن (( دانيال )) و قطع شجرة بيعة الرضوان ، ما يعلي الله به درجاتـهم و يبرئهم من كل مشرك منافق ، و إن كان يريد أهل الأزمنة المتأخرة فقد كانت على قبر حمزة قبة عظيمة ، و كان الناس يحجون إليها في كل سنة من الآفاق حتى من مصر ، فاتخذوها وثناً ، فأراد الله تعالى أن يطهر قبر حمزة سيد الشهداء من رجسهم فوفق المجاهدين من رجال حزبه المفلحين فهدموها و قلعوا الرخام حتى صار القبر كما كان على عهد رسول الله r و على ذلك فما كان يمكن لأحد أن يأخذ تراباً من القبر إن لم يكن هنالك تراب ، و إنما كان هناك رخام و تابوت و ستور حرير كما هو شأن أهل الأوثان في أوثانـهم ، و أما بعد هدمها فلا يتجرأ مشرك من عبدة القبور أن يأخذ تراباً منه لأن من تجرأ على ذلك يعاقب أشد العقاب ، و العجب من هذا المفتون كيف لم يستح أن يذكر هذا الخبر الكاذب المفترى دون أن يعزوه إلى أحد أو يذكر مستنده و لكن من خذله الله و أراد فضيحته فلن تملك له من الله شيئا .

( بدعة قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة )
اعلم أن الاجتماع لقراءة القرآن في المسجد في غير أوقات الصلاة مشروع لقول النبي r في غير أوقات الصلاة مشروع لقول النبي r : (( و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة و غشيتهم الرحمة و حفتهم الملائكة و ذكرهم الله فيمن عنده ، و من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه )) . رواه مسلم من حديث أبي هريرة .
لكن الاجتماع لقراءة القرآن الموافقة لسنة النبي r و عمل السلف الصالح أن يقرأ أحد القوم و الباقون يسمعون ، و من عرض له شك في معنى الآية استوقف القارئ ، و تكلم من يحسن الكلام في تفسيرها حتى ينجلي تفسيرها ، و يتضح للحاضرين ، ثم يستأنف القارئ القراءة . هكذا كان الأمر في زمان النبي r و بعده إلى يومنا هذا في جميع البلاد الإسلامية ما عدا بلاد المغرب في العصر الأخير ، فقد وضع لهم أحد المغاربة و يسمى (( عبد الله الهبطي )) وقفاً محدثاً ليتمكنوا به من قراءة القرآن جماعة بنغمة واحدة ، فنشأ عن ذلك بدعة القراءة جماعة بأصوات مجتمعة على نغمة واحدة و هي بدعة قبيحة تشتمل على مفاسد كثيرة :
الأولى : أنـها محدثة و قد قال النبي r : (( و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة )) .

الثانية : عدم الإنصات فلا ينصت أحد منهم إلى الآخر ، بل يجهر بعضهم على بعض بالقرآن ، و قد نـهى النبي r عن ذلك بقوله : (( كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ، و لا يؤذ بعضكم بعضاً )) .

الثالثة : أن اضطرار القارئ إلى التنفس و استمرار رفقائه في القراءة يجعله يقطع القرآن و يترك فقرات كثيرة فتفوته كلمات في لحظات تنفسه ، و ذلك محرم بلا ريب .

الرابعة : أنه يتنفس في المد المتصل مثل : جاء ، و شاء ، و أنبياء ، و آمنوا ، و ما أشبه ذلك فيقطع الكلمة الواحدة نصفين ، و لا شك في أن ذلك محرم و خارج عن آداب القراءة ، و قد نص أئمة القراءة على تحريم ما هو دون ذلك ، و هو الجمع بين الوقف و الوصل ، كتسكين باء (( لا ريب )) و وصلها بقوله تعالى :] فيه هدى [ قال الشيخ التهامي بن الطيب في نصوصه :
الجمع بين الوصل و الوقف حرام نص علـيه غير عـالم هـمام

الخامسة : أن في ذلك تشبهاً بأهل الكتاب في صلواتـهم في كنائسهم ، فواحدة من هذه المفاسد تكفي لتحريم ذلك ، و الطامة الكبرى أنه يستحيل التدبر في مثل تلك القراءة و قد زجر الله عن ذلك بقوله في سورة محمد : ] أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها [ و نحن نشاهد معظم من يقرأ على تلك القراءة لا يتدبر القرآن و لا ينتفع به ، و تا الله لقد شاهدت قراء القرآن على القبر فلم يتعظوا بمشاهدته و لا برؤية القبور و لا بما يقرؤونه من القرآن ، فقبح الله قوماً هذا حالهم (( و بعداً للقوم الظالمين )) .
قال أبو إسحاق الشاطبي في (( الاعتصام )) : (( و اعلموا أنه حيث قلنا : إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً له أو كالوصف فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة : إما بالقصد ، و إما بالعبادة ، و إما بالزيادة أو بالنقصان .
إما بالعبادة كالجهر و الاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان ، فإن بينه و بين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمضادين عادة ، و كالذين حكى عنهم ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه قال : (( مر عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه و هو يقول : سبحوا عشرا و هللوا عشرا ، فقال عبد الله : إنكم لأهدى من أصحاب محمد r أو أضل ؟ بل هذا (( يعني أضل )) )) .
و في رواية عنه : أن رجلاً كان يجمع الناس فيقول : رحمه الله من قال كذا و كذا مرة (( الحمد لله )) . قال فمر بـهم عبد الله بن مسعود فقال لهم : (( هديتم لما لم يهد نبيكم ، و إنكم لتمسكون بذنب ضلالة )) ، و ذكر لهم أن ناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم و قد كوم كل رجل بين يديه كوماً من حصى قال : فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد و يقول : (( لقد أحدثتم بدعة و ظلماً و كأنكم فقتم أصحاب محمد r علما )) )) انتهى .
تعليق : و قد روى هذا الحديث عن ابن مسعود من طرق كثيرة بعبارات مختلفة لفظاً و متفقة معنى ، بعض الروايات مطول و بعضها مختصر و فيه فوائد :

الأولى : هذا الحديث موقوف و لكنه في حكم المرفوع ، لأن ابن مسعود صرح بأن ذلك مخالف لسنة النبي r ففي بعض الروايات : (( و يحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هذه ثيابه لم تبل ، و أوانيه لم تكسر ، و نساؤه شواب ، و قد أحدثتم ما أحدثتم )) ، و في رواية أخرى أن عبد الله بن مسعود لما طردهم من مسجد الكوفة و رماهم بالحصباء ، خرجوا إلى ظاهر الكوفة و بنوا مسجداً و أخذوا يعملون ذلك العمل ، فأمر عبد الله بن مسعود بـهدمه فهدم .

الثانية : أن البدعة و إن كانت إضافية شر من المعاصي كما حققه أبو إسحاق الشاطبي فهي حرام ، إنما كانت شراً من المعاصي لأن المعصية يفعلها صاحبها و هو معترف بذنبه فيرجى له أن يتوب منها .

الثالثة : أن المبتدع يستحق العقاب و الطرد من المسجد إن كان الابتداع فيه .

الرابعة : أن كل مسجد بني على قبر أو بني لارتكاب البدع فيه يجب هدمه ؛ لأنه مثل مسجد الضرار الذي أمر رسول الله r بـهدمه و إحراقه ، فهدمه أصحابه و جعل كناسة ترمي في الجيف ، و قد نقل غير واحد عن ابن حجر الهيثمي أنه قال : (( إن هذه المساجد المبنية على القبور هي أحق بالهدم من مسجد الضرار )) ، و ابن حجر هذا كان مبتدعاً ضالاً و لكنه في هذه المسألة قال الحق ، و الحكمة ضالة المؤمن ، يأخذها حيث وجدها .
أما الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني فهو إمام محقق لم يشرح أحد صحيح البخاري مثل شرحه المسمى بـ (( فتح الباري )) و لذلك قال العلماء : (( لا هجرة بعد الفتح )) . أي لا شرح للبخاري يستحق الاعتبار بعد فتح الباري ، ثم قال أبو إسحاق عاطفاً على البدع المنكرة : (( و من أمثلة ذلك أيضاً : قراءة القرآن على صوت واحد ، فإن تلك الهيئة زائدة على مشروعية القراءة ، و كذلك الجهر الذي اعتاده أرباب الرواية )) انتهى .
قال محمد تقي الدين : و العجب من هؤلاء المشركين المبتدعين الضلال ، فإنـهم يتلونون تلون الحرباء لا يستقرون على حال أبداً ، فتارة يدعون أنـهم مقلدون لمالك ، و يرون من خالف مذهبه كمن خالف القرآن و السنة الثابتة المحكمة ، و يغلون في ذلك إلى أن يجعلوا البسملة و التعوذ و قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية و الجهر بالتأمين و وضع اليمنى على اليسرى و رفع اليدين عند الركوع و الرفع منه و بعد القيام من التشهد الأول ، و السلام تسليمتين ( السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ) و ما أشبه ذلك من السنة الثابتة عن النبي r التي يراها من له أدنى إلمام بالفقه في الدين كالشمس في رابعة النهار كأنه يشاهد النبي r يفعلها لا يشك في ذلك و لا يرتاب فيه ، يجعلون ذلك من المنكرات التي يجب أن تغير ، و يكتب فيها من بلد إلى بلد مع أن مالكاً في الحقيقة قائل ببعضها تفصيلاً و بسائرها إجمالاً ، ثم يخالفون فيما ينهى عنه و يكرهه كراهة تحريم من البدع التي لا تسند إلى أي دليل كعبادة القبور و زيارتـها زيارة بدعية ، و قراءة القرآن على الميت بعد موته و على قبره ، و قراءة القرآن جماعة بصوت واحد ، و قراءة الأذكار و الأوراد كذلك ، و قد صرح بذلك خليل الذي يعدون مختصره قرآناً يتلى غلواً منهم و ضلالاً .
قال في مختصره عاطفاً على المكروهات : (( و جهر بـها في مسجد كجماعة )) ، و لا يبالون بخلافه فيما اعتادوه من البدع ، فيحلونه عاماً و يحرمونه عاماً ، و ما أحسن قوله تعالى في سورة القصص يخاطب رسوله r : ] فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدىً من الله . إن الله لا يهدي القوم الظالمين [([75]).

أحكام آية النجم
زعم المفتون أن آية النجم([76]) منسوخة بآية : ] و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان [ و هو قول باطل حكاه بعض المفسرين عن ابن عباس و لا يصح ، و قد رأيت الشافعي رحمه الله احتج بآية النجم على عدم وصول ثواب قراءة القرآن للأموات و الإمامان ابن جرير الطبري و ابن كثير يريانـها محكمة ، و السيوطي في (( الإتقان )) قد عد الآيات التي صح أنـها منسوخة و لم يعد هذه منها ، و قد تقدم عنه أنه نقل احتجاج الشافعي منها ، و بذلك تعلم بطلان ما ادعاه المفتون ، ثم أنـها خبر و النسخ لا يقع في الأخبار ، بل الله احتج بـها على الذي تولى ، أي أعرض عن الإسلام و أعطى قليلاً و أكدى ، أي منع العطاء . قيل هو الوليد بن المغيرة و قيل غيره ، و ذلك دليل قاطع على أنـها محكمة ، و العجب من هذا المبتدع كيف يعجب على أهل مسجد (( أرفود )) عملهم بسنة النبي r و يجعله منكراً بلا حجة إلا مخالفة مذهب مالك ، ثم يخالفه هو في أمور تقدم ذكرها ، و من جملة ما خالف فيه مذهب مالك القول بصحة النيابة في الحج و الصوم ، و لو ذهبنا نحصى تناقضه لضاق بنا المجال فنقتصر على هذا القدر منشدين :
إن عادت العقرب عدنـا لهـا و كانت النعـل لهـا حاضرة

انتفاع الإنسان بعمل غيره
سرد (( البوعصامي )) العامي اثني عشر وجهاً يستدل بـها على انتفاع الإنسان بعمل غيره ، و لم يذكر من أدلتها إلا قليلاً كعادته في التهور و إصدار الأحكام بلا دليل ، كأنه يخاطب عوام مثله يسلمون له كل ما يزعم ، و أقول في ذلك قولاً مختصراً مفيداً : كل عمل صح النقل بأنه ينفع عامله كالدعاء و الصدقة و الحج و الصوم المنذور خلافاً للمالكية في هذين الآخرين ، فهو تخصيص عموم أية النجم المتقدم بيانـها ، و ما لم يصح دليله أو لم يوجد له دليل أصلاً كزعمه أن الأبناء يدخلون الجنة بعمل آبائهم فهو كذب على الله و رسوله ، و من البراهين القاطعة في رد هذه الدعوى الوقحة ما جاء في صحيح البخاري في كتاب التفسير سورة الشعراء في قوله تعالى : ] و أنذر عشيرتك الأقربين و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين [ ، عن أبي هريرة قال : (( قام رسول الله r حين أنزل الله ] و أنذر عشيرتك الأقربين [ : يا معشر قريش أو كلمة نحوها ، اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا . يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا . و يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا . و يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي ، لا أغني عنك من الله شيئا )) .
فتأملوا أيها الموحدون المتبعون لكتاب الله و سنة رسوله r كيف أمر الله رسوله r أن ينذر أقرب الناس إليه نسباً و أن يحذرهم من عذاب الله ، و كيف امتثل رسول الله r ما أمره الله به على أحسن الوجوه و أكملها ، فأنذرهم بذلك التفصيل و البيان حتى انتهى إلى فاطمة ابنته سيدة نساء العالمين فقال لها : (( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا )) .
و أخرج أحمد و الشيخان و الترمذي عن أبي هريرة قال : (( لما نزلت هذه الآية : ] و أنذر عشيرتك الأقربين [ دعا رسول الله r فعم و خص فقال : (( يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني و الله لا أملك لكم من الله شيئا ، إلا أن لكم رحماً سأبلها ببلاها )) انتهى .
فما معنى قول النبي r لابنته التي هي بضعة منه : (( يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، لا أغني عنك من الله شيئا )) إذا كان أبناء المؤمنين يدخلون الجنة اعتماداً على عمل آبائهم بلا إيمان و لا عمل ، أليس قائل هذا القول مفترياً على الله الكذب ، فإن كان يعلم هذا الحديث و معنى الآية فقد كفر لتكذيبه بالقرآن و الحديث ، و رده ما جاء من الله و رسوله واضحاً – كالشمس في رابعة النهار – و ما يتلى في القرآن و يقرأ في الصحيحين بتفسير سيد الأولين و الآخرين ، و إن كان يجهله فكيف نصب نفسه لدعوة الناس إلى الدين و الأمر بالمعروف بزعمه و إنكار المنكر و هو في هذه الدركة من الجهل ، و لا غرابة في ذلك فمن لم يعرف معنى ( لا إله إلا الله ) و أشرك بالله و دعا إلى عبادة غيره بلا حشمة و لا حياء كيف يرجى له أن يعرف معاني الكتاب و السنة ، كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون ، فاصبر إن وعد الله حق و لا يستخفنك الذين لا يوقنون .
ثم ذكر (( البوعصامي )) العمي كتباً أحال القارئ لهذيانه على مراجعتها على سبيل الإجمال تمويها و تضليلاً ، و منها ما سماه : كتاب (( الرد على الوهابية )) و لا يعرف كتاب بـهذا الاسم يختص به ، و قد لفق جماعة من المشركين المبتدعين عباد الأضرحة رسائل سموها بالرد على الوهابية و لا توجد فرقة على وجه الأرض تسمي نفسها ( وهابية ) ، و لكن المبتدعين و المشركين اخترعوا هذه التسمية ليطلقوها على كل من يوحد الله و يتبع سنة رسول الله r و يتجنب البدع و المحدثات ، كما كان المشركون يسمون رسول الله r مذمماً ، بل المشركون الأولون أعقل من هؤلاء المتأخرين فإنـهم سموا النبي r باسم يدل على الذم في لغتهم و هم المذمومون ، و النبي r طاهر مطهر لا يلحق به شيء من ذمهم ، و كذلك من اتبعه إلى يوم القيامة مسلمون حنفاء لا يضيرهم ما يقول فيهم أعداؤهم .
أما المشركون المتأخرون فهم جهال بالألفاظ و المعاني كالقارئ الذي قرأ (( فَخَرَّ عليهم السقف من تحتهم )) فقيل له : لا عقل عندك و لا قرآن ، فتسمية أهل الحق بالوهابية نسبة إلى الوهاب من أحسن الأسامي .
قال تعالى حكاية عن إبراهيم أبي الحنفاء الموحدين في سورة مريم : ] فلما اعتزلهم و ما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق و يعقوب . و كلا جعلنا نبيا . و وهبنا لهم من رحمتنا لسان صدق عليا [ ، و الحنفاء في كل زمان و مكان يقتدون بأبيهم إبراهيم فيعتزلون أهل الشرك و ما يعبدون من دون الله ، و يدعون الله وحده راجين فضله ، فيسعدون و لا يشقون ، فيهب لهم و هو الوهاب ، من رحمته كل ما أملوه و يجعل لهم لسان صدق عليا ، و قد انطق الله المشركين بكلمة الحق على رغم أنوفهم فسموا أهل الحق نسبة إلى الكريم الوهاب ، و سيأتي إن شاء الله في القصيدة البائية ، و قد تجرأ هذا الدجال على الله و على عباده المؤمنين فنسبهم إلى الزندقة ] كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا [ و قد علل ذلك بأنـهم ينكرون ما سماه بـ (( أولياء الله )) يعني الأوثان ، و تعالى الله أن تكون الأوثان له أولياء ] إن أولياؤه إلا المتقون و لكن المشركين لا يعلمون [ فما معنى هؤلاء الأولياء ؟
أما نصوص القرآن و الحديث فهي متفقة على أن أولياء الله هم المؤمنون الموحدون المتبعون لسنة رسول الله r ، و من لم يكن منهم فهو من أعداء الله . قال تعالى في سورة البقرة : ] لا إكراه في الدين . قد تبين الرشد من الغي . فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى . لا انفصام لها و الله سميع عليم . الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور . و الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونـهم من النور إلى الظلمات . أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ ، فأنت ترى أيـها القارئ الموفق لاتباع الحق و تجنب الباطل : أن الله قسم جميع الناس و جعلهم فريقين لا ثالث لهما : الكافرين بالطاغوت ، و المؤمنين بالله المتمسكين بالعروة الوثقى التي لا تنفصم و هم أولياء الله ، لا يتخذون غيره ولياً أبداً ، فهو الذي يخرجهم من الظلمات إلى النور ، و الفريق الثاني هم المشركون أعداء الله ، أولياء الطاغوت ، و هم شيوخ الضلال ، و رئيسهم إبليس ، يخرجونـهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .
و مثل ذلك قوله في سورة الأعراف : ] فريقاً هدى و فريقاً حق عليهم الضلالة إنـهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله و يحسبون أنـهم مهتدون [ فالمؤمنون هداهم الله لتوحيده و اتباع ما أنزل من الله و ما أمرهم به الرسول ، و المشركون حقت عليهم الضلالة ، فأخذوا الشياطين أولياء من دون الله و ظنوا مع ذلك أنـهم مهتدون .
هذا فيمن عبد الأوثان و سماها بأسمائها ، فهؤلاء لم يعبدوا إلا الشياطين الذين أضلوا و زينوا لهم الشرك بالله و أوهموهم أن عباد الله الصالحين و الأنبياء و المرسلين و الملائكة المقربين يرضون بعباداتـهم و يشفعون لهم كما قال تعالى في سور الزمر : ] و الذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار [ فسمى الله زعمهم اتخاذ أولئك الصالحين أولياء من دون الله و عبادتـهم له و زعمهم أنـهم يقربونـهم إلى الله سمى ذلك كله كذبا و مبالغة في الكفر فهم كاذبون كافرون و لن يهديهم أبداً ما داموا مصرين على ذلك ، و قال تعالى في هذا المعنى في سورة الكهف : ] أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلا . قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنـهم يحسنون صنعا . أولئك الذين كفروا بآيات ربـهم و لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا [ و قال تعالى في سورة الأنعام : ] قل أغير الله اتخذ ولياً فاطر السموات و الأرض و هو يطعم و لا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم و لا تكونن من المشركين [ فالمشركون لفساد عقولهم يشركون بالله الذي يطعمهم ، و يتخذون أولياء عاجزين جائعين محتاجين إلى من يطعمهم ، فالمشركون يطعمونـهم و يعبدونـهم ] ألا ذلك هو الخسران المبين [ ، و قال تعالى في سورة الشورى : ] أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي و هو يحيي الموتى و هو على كل شيء قدير [ ، فالمؤمن من يتخذ الله وحده ولياً و هو حسبه و نعم الوكيل ، و المشركون يتخذون أولياء كثيراً عددهم ، و قد عرفت الآن معنى ولي الله و معنى عدو الله و معنى اتخاذ الأولياء من دون الله ، فالمؤمن الموحد المتبع للسنة ولي الله ، و إخوانه المؤمنون أولياء الله فلا يتصور أن ينكرهم فلو أنكرهم لأنكر نفسه و سائر فرق الهدى ، و ذلك محال .
أما النصارى فيقسمون الناس إلى ثلاثة أقسام ، فالذي يسمونه الإله يشتمل على ثلاثة أقانيم : الأب و هو الله ، و الابن و هو عيسى ، و روح القدس و هذا معنى قوله تعالى في سورة المائدة : ] لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة [ الآيات .

و القسم الثاني : يسمونـهم القديسين ، و عددهم كثير منهم رجال و منهم نساء . كل واحد له يوم من أيام السنة يتخذونه موسماً و يتقربون إليه فيه بأنواع من العبادات ، كالذبح و النذر و الدعاء و الاستغاثة ، و قد يصورون تمثالاً يتخذونه و يسمونه باسمه و يركبون و يعتقدون أن هؤلاء يتصرفون في الكون و ينفعون و يضرون و يصعدون إلى السماء و لكن رتبتهم دون القسم الأول .

و القسم الثالث : عامة النصارى ، و هذه العقيدة هي التي اتخذها الجهال الذي يزعمون أنـهم مسلمون ، فالقسم الذي يسميه النصارى قديسين يسمونه هم أولياء الله ، و يفعلون معه ما يفعله النصارى مع مقدسيهم و نحن نشهد بالله أن هذا القسم لا وجود له في الإسلام و لا في دين المسيح الحق غير المبدل ، فليس هناك إلا سيد واحد و غيره عبيد خاضعون لأمره مطيعون له ، فالسيد هو الله و الخلق كلهم عبيد ، و لكن الأنبياء فضلهم الله و خصهم بالوحي و الرسالة ، فهم سادات لسائر العبيد و لا يبلغ مرتبتهم أحد غيرهم و لكنهم لا ينفعون و لا يضرون و لا يدعون و لا يستغاث بـهم و من دعاهم أو صرف لهم شيئاً من العبادة فهو كافر .
أما المؤمنين فهم أولياء الله و حزبه المفلحون ، فأولهم عند أهل السنة في الفضل : أبو بكر الصديق رضي الله عنه و آخرهم في الفضل رجل يخرج من النار بشفاعة النبي r كما هو مذهب أهل السنة و الجماعة و كلهم أولياء الله ، و بذلك تعلم فساد كلام (( البوعصامي )) و أنه جار على طريقة من ذكرنا من النصارى و سائر من يعتقد تعدد الآلهة ، و قد تقدم الكلام على ذلك في الفصل الأول .

حقوق أهل البيت ما لهم و ما عليهم
ثم قال (( البوعصامي )) العمي معترضاً : (( و ينكرون أهل البيت الذين قال الله فيهم ] قل لا أسألكم عليه أجرا [ … الخ و قال عليه السلام : (( أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً )) رواه مسلم . قالوا : من أهل البيت ؟ قال : (( ذرية فاطمة إلى يوم القيامة )) )) .
لقد حرف هذا المشرك معنى الآية و زاد الحديث كذباً و افتراء منه و دونك تفسير الآية و معنى الحديث على التحقيق :
قال القاسمي في تفسيره : (( ] قل لا أسألكم عليه أجراً [ أي لا أسألكم على دعايتكم إلى ما ادعوا إليه من الحق الذي جئتكم به و النصيحة التي أنصحكم ثواباً و جزاء و عوضاً من أموالكم تعطونه إلا المودة في القربى ، أي أن تودوني في القرابة التي بيني و بينكم و تصلوا الرحم التي بيننا و لا يكن غيركم يا معشر قريش أولى بحفظي و نصرتي و مودتي منكم ، قال الشهاب : المودة مصدر مقدر بأن و الفعل ، و القربى مصدر كالقرابة و (( في )) للسببية و هي بمعنى اللام لتقارب السبب و العلة ، و الخطاب إما لقريش و إما لجميع العرب لأنـهم أقرباء في الجملة . انتهى ، و الاستثناء منقطع و معناه نفي الأجر أصلاً ؛ لأن ثمرة مودتـهم عائدة إليهم لكونـها سبب نجاتـهم فلا تصلح أن تكون أجراً له ، و قيل معنى أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم و لا تؤذوهم ، و قيل (( القربى )) التقرب إلى الله سبحانه و تعالى ، أي إلا أن تتوددوا إلى الله فيما يقربكم إليه ، و المعنى الأول هو الذي عول عليه الأئمة و لم يرتض ابن عباس و غيره ، ففي البخاري عنه رضي الله عنه أنه سئل عن قوله تعالى : ] إلا المودة في القربى [ ، قال سعيد بن جبير : (( القربى آل محمد )) ، فقال ابن عباس : (( عجلت ، إن النبي r لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني و بينكم من القرابة )) .
قال ابن كثير : (( انفرد به البخاري )) أي عن مسلم و رواه الإمام أحمد و هكذا روى الشعبي و الضحاك و علي بن أبي طلحة و العوفي و يوسف بن مهران و غير واحد عن ابن عباس مثله و به قال مجاهد و عكرمة و قتادة و السدي و أبو مالك و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و غيرهم ، و روى الحافظ أبو القاسم الطبراني عن ابن عباس قال : (( قال لهم رسول الله r لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم و تحفظوا القربة التي بيني و بينكم )) و روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن النبي r قال لا أسألكم على ما آتيتكم به من البينات و الهدى أجراً إلا أن تودوا الله تعالى و أن تقربوا إليه بطاعته و هكذا روي عن قتادة و الحسن البصري مثله .
و أما رواية أنـها نزلت بالمدينة فيمن فاخر العباس من الأنصار فإسناده ضعيف على أن السورة مكية و ليس يظهر بين الآية و تلك الرواية مناسبة ، و كذا ما رواه ابن أبي حاتم أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتـهم ؟ قال : (( فاطمة و ولدها رضي الله عنهم )) فإن في إسناده مبهماً لا يعرف ، من شيخ شيعي و هو (( حسين الأشقر )) فلا يقبل خبره في هذا المجال ، و ذكر نزول الآية في المدينة بعيد فإنـها مكية و لم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية ، فإنـها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة ، و الحق تفسير هذه الآية بما فسر به حبر الأمة و ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كما رواه البخاري .
و لا ننكر الوصية لأهل البيت و الأمر بالإحسان إليهم و احترامهم و إكرامهم ، فإنـهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً و حسباً و نسباً ، خاصة إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية كما كان عليه سلفهم كالعباس و بنيه ، و على و أهل بيته و ذريته رضي الله عنهم أجمعين ، و قد ثبت في الصحيح أن النبي r قال في خطبته : (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي و أنـهما لم يتفرقا حتى يردا على الحوض )) .
هذا ملخص ما أورده ابن كثير رحمه الله تعالى و سبقه في ذلك تقي الدين ابن تيمية في منهاج السنة من أوجه عديدة :
قال في الوجه الثالث : (( إن هذه الآية في سورة (( الشورى )) و هي مكية باتفاق أهل السنة بل جميع آل (( حم )) و كذلك آل (( طسم )) ، و من المعلوم أن علياً إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر ، و الحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة و الحسين في السنة الرابعة فتكون هذه الآية نزلت قبل الحسن و الحسين بسنين متعددة فكيف فسر النبي r الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف و لم تخلق .
ثم قال :
الوجه الرابع : أن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك ، فهذا ابن عباس ترجمان القرآن أعلم أهل البيت بعد علي يقول ليس معناه مودة ذوي القربى ، لكن معناه لا أسألكم يا معشر العرب و يا معشر قريش عليه أجراً لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني و بينكم فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولاً أن يصلوا رحمه فلا يعتدوا عليه حين يبلغ رسالة ربه .

الوجه الخامس : أنه قال : ] لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى [ و لو أراد المودة لذوي القربى لقال لذوي القربى كما قال : ] و اعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه و لرسوله و لذي القربى [ و قال : ] ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى [ و كذلك قوله : ] و آت ذا القربى حقه و المسكين و ابن السبيل [ و قوله : ] و آت المال على حبه ذوي القربى [ ، و كذلك في غير موضع فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قرابة النبي r و ذوي قربى الإنسان ، إنما قيل فيه (( ذوي القربى )) و لم يقل (( في القربى )) فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دل على أنه لم يرد ذوي القربى .

الوجه السادس : أنه لو أريد المودة لهم لقال المودة لذوي القربى و لم يقل في القربى فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره : أسألك المودة في فلان و لا في قربى فلان ، و لكن أسألك المودة لفلان و المحبة لفلان فلما قال المودة في القربى علم أنه ليس المراد لذوي القربى .

الوجه السابع : أن يقال إن النبي r لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجراً البتة . بل أجره على الله كما قال : ] قل ما أسألكم عليه أجراً و ما أنا من المتكلفين . أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون [ و قوله : ] قل ما سألتكم عليه من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله [ ، و لكن الاستثناء هنا منقطع كما قال : ] قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [ ، و لا ريب أن محبة أهل النبي r واجبة و لكن لم يثبت وجوبـها بـهذه الآية ، و لا محبتهم أجر للنبي r بل هو مما أمرنا به الله كما أمرنا بسائر العبادات .

الوجه الثامن : أن القربى معرفة باللام فلا بد أن يكون معروفاً عند المخاطبين الذين أمر أن يقول لهم لا أسألكم عليه أجرا ، و قد ذكر أنـها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن والحسين ، و لا تزوج علي بفاطمة ، فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونـها يمتنع أن تكون هذه بخلاف القربى التي بينه و بينهم ، فإنـها معروفة عندهم كما تقول لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا و كما تقول لا أسألك إلا العدل بيننا و بينكم و لا أسألك إلا أن تتقي الله في هذا الأمر )) انتهى .

حديث : أذكركم الله في أهل بيتي
اعلم أيـها القارئ الموفق لاتباع الحق أن هذا (( البوعصامي )) لم يرد برسالته وجه الله ، و لا أخلص قصده لله ، و لكن له غرض معين خسيس من حظوظ نفسه الأمارة بالسوء ، و الدليل على ذلك تناقضه و إيراده الأدلة مبتورة و محرفة بالزيادة و النقصان ، و ارتكاب الكذب على الله و رسوله فقد أنكر على أهل (( أرفود )) و غيرهم العمل بالسنة الصحيحة الصريحة التي هي كالشمس في رابعة النهار : في وضع اليمنى على اليسرى ، و الجهر بالتأمين ، و غير ذلك زاعماً أن ذلك منكر لمخالفته لمذهب مالك ، و لم يورد على ذلك أي حجة غير ذلك ، و لما أراد أن يثبت انتفاع الميت بالحج عنه ، و سقوط الصوم المنذور إذا صامه الحي عن الميت ، و أباح لنفسه أن يخالف مذهب مالك بلا دليل ، و حرم على غيره أن يخالفه بدليل في غاية الصحة ، و نسب السدل إلى مالك و هو باطل كما بينه المحققون من أصحابه و كل ما بناه عباد القبور المبتدعون من بيوت الضلال فإنه بناء على شفا جرف هار ينهار بـهم في نار جهنم ، هذا إذا كانوا مخلصين معتقدين لما يقولون ، فكيف إذا كانوا متناقضين يقولون ما لا يفعلون و يفعلون ما لا يؤمرون كما جاء في الحديث ، و العجب من هذا المشرك المتناقض كيف أشرك بالله و جعل له أنداداً ، و لو كان يحب الله ما أشرك به ، و رد أحاديث رسول الله r و زعم أن العمل بـها منكراً يجب تغييره ، ثم أخذ يتظاهر بالتشيع الكاذب لآل البيت لذرية فاطمة عليها السلام ، فهكذا يكون النفاق و الوقاحة ، و إنما وجبت محبة آل البيت تبعاً لمحبة النبي r فمن أشرك بالله و عصى رسوله و رد حديثه و سنته كيف تصح محبته لآل البيت ؟ و دونك الحديث الذي ذكر أطرافه على وجهه الصحيح كما في صحيح مسلم .
أخرج مسلم في كتاب فضائل الصحابة من صحيحه عن يزيد بن حبان قال : (( انطلقت أنا و حصين بن سبرة و عمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه ، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقيت يا زيد خيراً كثيرا ، رأيت رسول الله r و سمعت حديثه و غزوت معه ، و صليت خلفه ؛ لقد لقيت يا زيد خيراً كثيرا . حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله r قال : يا ابن أخي و الله لقد كبرت سني و قدم عهدي و نسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله r فما حدثتكم فاقبلوا و ما لا فلا تكلفونيه ، ثم قال : قام رسول الله r يوماً فينا خطيبا بما يدعى (( خما )) بين مكة و المدينة ، فحمد الله و أثنى عليه ، و وعظ و ذكر ثم قال أما بعد : (( ألا أيـها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، و أنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به )) .
فحث على كتاب الله و رغب فيه ، ثم قال : (( و أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، و أذكركم الله في أهل بيتي )) ، فقال حصين : و من أهل بيته ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ . قال : نساؤه من أهل بيته ، و لكن بيته من حرم الصدقة بعده و قال : من هم ؟ قال : آل علي و آل جعفر و آل عباس ، قال : كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ ، قال : نعم )) انتهى .
و قد زاد فيه القبوري زيادة مفتراة فقال : (( هم ذرية فاطمة إلى يوم القيامة )) ، فليبشر بأن يتبوأ مقعده من النار ، و تأمل أيها الطالب للحق قول النبي r في الوصية بكتاب الله و عترته أهل بيته ، و لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، يعني أن أهل بيته الذي أوصى بإكرامهم لن يتفرقوا مع كتاب الله ، و لن يخالفوه أبداً ، تعلم يقيناً أن المعني أولاً و بالذات هم الذين توفي رسول الله r و هو عنهم راض كعمه العباس و فاطمة و علي و أولادهما لصلبهما الحسن و الحسين و عبد الله و الفضل ابني عمه و آل جعفر و آل عقيل([77]) ، فهؤلاء لم يفترقوا مع كتاب الله حتى ماتوا على عهد الله و رسوله و لا يعقل أن ذريتهم ما تناسلوا إلى يوم القيامة يكونون معصومين من مخالفة الكتاب و من ارتكاب الكبائر التي توجب لصاحبها دخول النار ، كيف و قد تقدم حديث أبي هريرة المتفق عليه و فيه : يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، و كذلك قال لعمه و لعمته و لسائر بني هاشم و معنى ذلك أن من خالف الكتاب منهم بكفر و كبيرة لا تغني عنه قرابته من رسول الله r فتيلا .
و لا ينبغي لأحد أن يفهم من كلامي التهاون بآل البيت فإن محبتهم تابعة لمحبة رسول الله r و إكرامهم إكرام لرسول الله r بشرط أن يكونوا مؤمنين متمسكين بسنة النبي r ، فإن خالفوا ذلك فهم أحق بالذم و اللوم و العقاب من غيرهم ، فقد قال تعالى في سورة الأحزاب : ] يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض [ فشرط في فضلهن على غيرهن : التقوى ، وفي صحيح البخاري عن عمرو بن العاص أن رسول الله r قال : (( إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، إنما وليي الله و صالحوا المؤمنين ، و لكن لهم رحم أبلها ببلاها ، و لا شك أن أهل البيت الذين توفي رسول الله r و هو عنهم راض ، هم من أصلح صالحي المؤمنين قد اشتركوا مع المؤمنين في الإيمان و الصلاح ، و زادوا عليهم بفضل القرابة ، و الفضل المتقدم خاص بأعيانـهم ، و كلن ذريتهم المؤمنة الصالحة لها نصيب وافر من الفضل بقوله تعالى في سورة غافر : ] ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتـهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتـهم ، إنك أنت العزيز الحكيم [ فشرط الله في التحاقهم الصلاح ، و قال تعالى في سورة الطور : ] و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بـهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء ، كل امرئ بما كسب رهين [ .
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : (( روى ابن أبي حاتم بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله تعالى : ] و الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بـهم ذريتهم [ قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان ، فإن كان منازل آبائهم أرفع من منازلهم الحقوا بآبائهم و لم ينقصوا من أعمالهم التي عملوها شيئا )) انتهى .
و قال تعالى في سور البقرة : ] و إذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين [ يعني أن الله امتحن إبراهيم بأوامر أمره بـها فامتثل أمر ربه و عمل بما أمره به على سبيل الوفاء و التمام ، فشكر الله له ذلك و جعله إماماً للأنبياء من بعده يقتدون به و جعل في ذريته النبوة و الكتاب و آتاه أجره في الدنيا ، فلما رأى هذه الكرامة إبراهيم سأل الله لذريته أن يمنحهم مثل ذلك من النبوة و الإمامة في الدين ، فاستجاب الله دعاءه و أخبره أن من ارتكب الظلم الأكبر و هو الشرك بالله أو الظلم الأصغر و هو التعدي لا تناله تلك الكرامة و هي الإمامة ، كما قال تعالى في سورة الصافات : ] و باركنا عليه و على إسحاق و من ذريتهما محسن و ظالم لنفسه مبين [ . قال البيضاوي : (( ] و باركنا عليه [ و على إبراهيم في أولاده ] و على إسحاق [ بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل و غيرهم كأيوب و شعيب ، و أفضنا عليهما بركات الدين و الدنيا ] و من ذريتهما محسن [ في عمله أو إلى نفسه بالإيمان و الطاعة ] و ظالم لنفسه [ بالكفر و المعاصي ] مبين [ ظاهر ظلمه و في ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى و الضلال ، و أن الظلم في أعقابـهما لا يعود عليهما بنقيصة و عيب ، و قال البيضاوي في تفسير آية سورة البقرة مثل ما فسرته و نصه : (( قال : (( لا ينال عهدي الظالمين )) إجابة إلى ملتمسه ، و تنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة و أنـهم لا ينالون الإمامة ، لأنـها أمانة الله و عهده و الظالم لا يصلح لها و إنما ينالها البررة الأتقياء منهم ، و فيه دليل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة ، و أن الفاسق لا يصلح للإمامة )) انتهى .
و قد ألفت في حقوق آل البيت ما لهم و ما عليهم جزءاً لطيفاً نشرته صحيفة (( الميثاق )) موزعاً على أجزاء ، و هي لسان حال جماعة العلماء المغاربة المتوقفة ، و نشرته مجلة (( الهدي النبوي )) التي تصدر من القاهرة ، و هي لسان حال جماعة أنصار السنة المحمدية ، و لا بأس أن أنقل منه شيئاً قليلاً ، و نص ما ذكرت فيه : (( تأمل حديث زيد بن أرقم تجد فيه مسائل :
الأولى : أن النبي r كان يستفتح خطبته بحمد الله و الثناء عليه و كذلك خلفاؤه و من بعدهم في زمان العز و الإقبال و السيادة و الاستقلال حتى جاء زمان الذل و الاستعمار فتركت هذه السنة و استبدلت بسنة المستعمر (( سيداتي آنساتي سادتي )) ] و من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه [ .

ثانيها : إخبار النبي r أنه لا بد أن ينتقل من هذه الدار الفانية و أنه تارك في أمته كتاب الله و أخبر أن هداهم و نورهم في الأخذ بكتاب الله و التمسك به تعلماً و تعليماً و اتخاذه إماماً و حكما و تحليل حلاله و تحريم حرامه .
و في الرواية الأخرى أن القرآن حبل الله المتين أي عهده و من اتبعه كان على الهدى ، و من تركه كان على ضلالة ، فمن ترك كتاب الله و استبدله بقوانين البشر فهو على ضلالة في ظلمة مدلهمة يخبط كالعشواء و لا يستقيم له أمر أبداً .
ثالثها : الوصية لأهل بيته و التأكيد فيها و لا شك أن الله أطلعه على ما سيلقاه أهل بيته من أعدائهم بعده ، و مع توكيد تلك الوصية فقد ضيعها المضيعون ، اتخذوا أهل بيته غرضاً من بعده و نصبوا لهم العداوة و لم يراعوا فيهم إلا و لا ذمة ، فقتلوهم تقتيلا ، و طاردوهم و سيلقون جزاءهم في الآخرة بعد ما لقوه في الدنيا ، و قوله (( ثقلين )) الثقل هو متاع المسافر ليتركه وديعة حتى يعود من سفره ، و المقصود هنا أن النبي r ترك أمرين وديعة عند أمته ، أحدهما : يتبع و يقتدى به و يحكم و هو القول الفصل و هو كتاب الله ، و الثاني : يكرم و يراقب فيه عهده بعد وفاته كما كان يراقب فيه في حياته و هم أهل بيته .

رابعها : بيان أهل بيته من هم ؟ و قد تقدم الكلام في هذا المعنى مستوفى ، و في رواية لمسلم بعد قوله (( و عترتي أهل بيتي )) و لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فقول عليه السلام (( و لن يفترقا حتى يردا على الحوض )) نص صريح في الخصوصية و المزية و علم من أعلام نبوته ، فإن أهل البيت الذين توفي رسول الله r و هو عنهم راض ، هم عباس و أهل بيته ، و علي و أهل بيته ، و عقيل و أهل بيته ، و جعفر و أهل بيته كلهم كانوا على الهدى المستقيم ، عاشوا عليه و ماتوا عليه و لم يحدث منهم شيء ينكر ، و لا ندعي أنـهم معصومون ، فإن العصمة خاصة برسول الله r خلافاً للإمامية الذين قالوا بعصمة أئمتهم .
و قد اختلف الناس في (( علي )) ، و هلكت فيه طائفتان . طائفة غلت فيه حتى جعلته إلهاً ، و هي طائفة عبد الله بن سبأ اليهودي ، و قد أنكر عليهم قولهم ، و بالغ في عقابـهم فأحرقهم بالنار ليكونوا عبرة للعالمين ، و لا يزال لهم اتباع إلى هذا الزمان لا يقول أحد بإسلامهم لا من أهل السنة و لا من غير أهل السنة .
أما الطائفة الأخرى التي هلكت في علي ، فهم الخوارج و النواصب ، و قد تقدم الكلام في تقسيم هؤلاء و الحكم عليهم ، فإن قلت ما هو دليل الخصوصية في هذه المزية ، أفلا تشمل ذريتهم إلى يوم القيامة ؟ فالجواب أن قوله عليه السلام : (( و لن يفترقا حتى يردا على الحوض )) جواب شافٍ عن هذا السؤال .
و هذه الفضيلة و إن كانت خاصة بأعيانـهم و هم الذين كانوا على عهد النبي r فلا شك أن من صلح من ذرياتـهم ، و لم يفارق الكتاب و السنة له نصيب منها ، و محبة هؤلاء و إكرامهم فرض على كل مسلم ، و قد تقدم مثل هذا )) انتهى .
و ختم (( البوعصامي )) هذيانه بقوله : (( أنشدك الله يا إمام (( أرفود )) أن تشرح دين الله و لا تخاف في الله لومة لائم : التأمين بعد الفاتحة لا يكون إلا سراً ، و الجهر به مخالفة لسنة رسول الله r و قد قال العلماء : (( الراتب إذا كان يرى المنكر و لم ينهى ( كذا ) فهو يحاسب . حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )) انتهى .
و يا عجباً من جاهل باللغة العربية إلى حد أنه لا يعرف الفعل المجزوم ، كيف يجزم و لا يميز بين المعرب و الإعراب ، و لا المرفوع من المنصوب و لا المذكر من المؤنث فقد أخطأ في المثل المشهور الذي يعرفه صبيان النحويين و هو (( و من استراب فالعرب بالباب )) كتبها (( فالأعراب )) .
و قال : (( إن في زيارة قبور الصالحين الثواب )) ، و يريد بالزيارة هنا الزيارة الشركية و قد صدق ، قال تعالى في سور الحج : ] فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ، يصب من فوق رؤوسهم الحميم [ فهنيئاً له بـهذه الثياب الجهنمية ، و قال في آية ] و أن ليس للإنسان إلا ما سعى [ (( فهي منسوخ )) ، و لا يقع في مثل هذا الخطأ إلا العجم المبتدءون في تعليم اللغة العربية و قال : (( و لا تخاف في الله لومة لائم )) فأثبت الألف مع التقاء الساكنين ، و لو كان يحفظ القرآن لاستحضر قوله تعالى : ] لا تخف إنك أنت الأعلى [ إذا كان جاهلا بعلم الصرف و قال (( و لم ينهى عنه )) بإثبات الألف مع الجازم بغير ضرورة ، فشخص هذه حاله في الجهل بالعربية و التخبط في ظلمات الشرك و البدعة و التقليد الأعمى ، كيف يتصدى لإصدار الأحكام و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و قد أحاط به المنكر من كل جانب .
و قوله (( التأمين بعد الفاتحة لا يكون إلا سرا و الجهر به مخالف لسنة النبي )) غاية في الوقاحة و قد علمت أن الإسرار بالتأمين هو المخالف لسنة النبي r فمن كان من أهل الاجتهاد كمالك و المجتهدين من أصحابه رحمهم الله ، و لم يبلغه الحديث فلا إثم عليه ، و له أجر في الاجتهاد ، و من لم يكن كذلك و بلغه الحديث فرده و اتبع هواه فهو مبتدع آثم ، لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً ، كما جاء في الحديث ، و قد أخرج مسلم من حديث عائشة أم المؤمنين أن رسول الله r قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) و الصلاة التي يسر فيها بالتأمين فما يجهر به عمل ليس عليه أمر النبي r فهو مردود على فاعله إلا إذا بذل جهده في طلب السنة و لم يقف عليها فنرجوا الله أن يغفر له .
قال محمد تقي الدين : هذا ما يسر الله في الرد على ذلك الداعية إلى البدعة و الشرك ، و قد بدا لي أن أذيله ببعض قصيدة قلتها في مبتدع آخر مثل (( البوعصامي )) في الشرك و البدعة ، و قد قضى نحبه و لقي ربه و أفضى إلى ما قدم منذ زمان ، و تليها قصيدة أخرى نظمتها منذ شهر في الرد على عباد القبور و الزنادقة و الملحدين الذين يدعون بدعوى الجاهلية ، و الله أسأل أن يؤيدني بروح منه و يعينني على جهادهم أجمعين و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
(( القصيدة الأولى ))


لكن ذا زمن به البغاث غدا
و الذئب أصبح مثل الضأن مرتدياً
و أصبح الدين للدنيا تعلمه
لو كان يجدي البكا يوماً بكيت على
لم يبق منها سوى الأسماء خالية
و كم أهبت بقومي صارخاً أبداً
دعوا دجاجلة يبغونـها عوجاً
أسلافنا ارتفعوا ، أسلافنا سعدوا
قد اقتفوا سنة المختار خالصة
و منذ بدل قوم هديه سقطوا
و الله لن يسعدوا إلا بما سعدوا
أوطانـهم بـهم و الله قد شقيت
و من يرد حديث المصطفى سفهاً
يا رب صل على المختار سيدنا
و الآل و الصحب ثم التابعين له
فرج بـها كربي و اجمع بـها شعثي
و انصر بـها حزبنا طول الحياة و في
مستنسراً صائلاً في زي عقبان
ليبتغي الصيد من أغرار خرفان
و قد تمول منه كل خوان
علم الحديث و تفسير و قرآن
من كل معنى ، سوى تحريف كهان
أوبوا لهدي نبي الله إخواني
فلن يقودوكم إلا لخسران
بقفوهم أحمد الهادي بإحسان
من غير شوب يزيد أو بنقصان
إلى الحضيض و نالوا كل حرمان
فلا يغرنكم وسواس شيطان
و الأرض تسعد أو تشقى بسكان
يا رب فالعنه من جن و إنسان
ما غنت الورق في دوح بألحان
و اجعل محبته روحي و ريحاني
و اصلح الحال في سري و إعلاني
يوم الجزا جد لنا طرا بغفران



(( القصيدة الثانية ))
الأبيات التسعة الأولى هي التي بقيت في حفظي من قصيدة للشيخ عمران اللنجي([78]) رحمة الله عليه و تكملتها من نظمي :







إن كان تابع أحمد متوهباً
أنفي الشريك عن الإله فليس لي
لا قبة ترجى و لا وثن و لا
أيضاً و لست معلقاً لتميمة
لرجاء نفع أو لدفع مضرة
و الابتداع و كل أمر محدث
أرجو بأني لا أقاربه و لا
كالشافعي و مالك و أبي حنيفـ
هذا الصحيح و من يقول بمثله
نسبوا إلى الوهاب خير عباده
الله أنطقهم بحق واضح
أكرم بـها من فرقة سلفية
و هي التي قصد النبي بقوله
قد غاظ عباد القبور و رهطهم
عجزوا عن البرهان أن يجدوه إذ
و كذاك أسلاف لهم من قبلكم
سموا رسول الله قبل مذمماً
الله طهرهم و أعلى قدرهم
الله سماهم بنص كتابه
ما عابـهم إلا المعطل و الكفو
و دعا لهم خير الورى بنضارة
هم حزب رب العالمين و جنده
فأنا المقر بأنني وهابي
رب سوى المتفرد الوهاب
قبر له سبب من الأسباب
أو حلقة أو ودعة أو ناب
الله ينفعني و يدفع ما بي
في الدين ينكره ذوو الألباب
أرضاه دينا و هو غير صواب
ـة ثم آحاد التقى الأواب
صاحوا عليه مجسم وهابي
يا حبذا نسبي إلى الوهابي
و هم أهالي فرية و كذاب
سلكت محجة سنة و كتاب
هي ما عليه أنا و كل صحاب
توحيدنا لله دون تحاب
فزعوا لسرد شتائم و سباب
نسبوا لأهل الحق من ألقاب
و من اقتفاه قيل هذا صاب
عن نبز كل معطل كذاب
حنفاء رغم الفاجر المرتاب
ر و من غوي بعبادة الأرباب
ضمنت لهم نصراً مدى الأحقاب
و الله يرزقهم بغير حساب
و ينيلهم نصراً على أعدائهم
إن عابـهم نذل لئيم فاجر
ما ضارهم عيب العدو و هل يضيـ
فهو المهيمن هازم الأحزاب
فإليه يرجع كل ذاك العاب
ـر البدر في العلياء نبح الكلاب


يا سالكاً نـهج النبي و صحبه
و هزيمة لعدوك الخب اللئيـ
يا معشر الإسلام أوبوا للهدى
أحيوا شريعته التي سادت بـها الأ
و دعوا التحزب و التفرق و الهوى
فيمينها لا يمن فيه ترونه
إن الهدى في قفو شرعة أحمد
جربتم طرق الضلال فلم تروا
و الله لو جربتم نـهج الهدى
و لهابكم أعداؤكم و توقعوا
أما إذا دمتم على تقليدهم
و توقعوا من ربكم خسراً على
هذي نصيحة مشفق متعتب
و من البلية عذل من لا يرعوي
و زعمتم أن العروبة شرعة
لا فرق بين مصدق لمحمد
فيصير عندكم أبو جهل و من
مثل النبي محمد و صحابه
بل صار بعضكم يرجح جانب الـ
ماذا بنى لكم أبو جهل من المجد
إلا عبادته لأصنام و إلا
و جهالة و ضروب خزي يستحي
أفتعلون ذوي المفاخر و العلى
اللؤلؤ المكنون يعدل بالحصى
أبشر بمغفرة و حسن مآب
ـم و إن يكن في العد مثل تراب
و اقفوا سبيل المصطفى الأواب
سلاف فهي شفاء كل مصاب
و عقائداً جاءت من الأذناب
و يسارها يأتيكم بتباب
و خلافها ردا على الأعقاب
لصداكم إلا بريق سراب
سنة لفقتم جملة الأتراب
منكم إعادة سائر الأسلاب
فتوقعوا منهم مزيد عذاب
خسر و سوء مذلة و عقاب
هل عندكم يا قوم من إعتاب
و لدى الغوي يضيع كل عتاب
و عقيدة تبنى على الأسباب
و مكذب فالكل ذو أحساب
والاه من حضر و من أعراب
بئس الجزاء لسادة أقطاب
ـكفار من سف و من أوشاب
المخلد في مدى الأحقاب
وأدهم لبناتـهم بتراب
من ذكر أدناها ذوو الألباب
بحثالة كثعالب و ذئاب
و الند و الهندي بالأخشاب
بدلتم نـهج الهدى بضلالة
و قصور مجد شامخ بخراب


و لقد أتيتكم بنصح خالص
و إخالكم لا تقبلون نصيحتي
يشفيكم من جملة الأوصاب
بل تتبعون وساوس الخراب


و كان الفراغ منه بمدينة مكناس طهرها الله من الأدناس و صانـها من كل بأس لعشر خلون من ربيع الأول 1385هـ خمس و ثمانين و ثلاث مائة بعد الألف .
________________________________________
(1) الأنفال : 64 .
(2) يس : 8 – 11 .
(3) مريم : 90 .
(1) الفاتحة : 5 .
(2) هود : 123 .
(3) الملك : 29 .
(4) المزمل : 9 .
(1) فاطر : 13 .
(2) الأحقاف : 4-6 .
(3) غافر : 60 .
(4) الأنفال : 9 .
(1) البقرة : 67 .
(2) الدخان : 20 .
(3) يوسف : 23 .
(1) الجن : 6 .
(2) البقرة : 270 .
(3) الدهر : 7 .
(1) الأنعام : 163 .
(2) الكوثر : 2 .
(3) التوبة : 18 .
(4) هود : 54 ، 55 .
(5) الزمر : 36 .
(6) طه : 67 .
(1) نوح : 23 .
(1) الزمر : 45 .
(2) الأنفال : 34 .
(3) الأعراف : 138 .
(1) المائدة : 54 .
(1) آل عمران : 110 .
(2) التوبة : 100 .
(3) آل عمران : 31 .
(4) الأعراف : 156 ، 157 .
(5) الأعراف : 3 .
(1) التوبة : 31 .
(2) المرجع السابق .
(1) الشورى : 21 .
(2) المائدة : 49 ، 50 .
(3) الشورى : 10 .
(4) النجم : 3 ، 4 .
(5) الزخرف : 23 ، 24 .
(6) الأنفال : 22 .
(7) البقرة : 166 ، 167 .
(8) الأنبياء : 52 ، 53 .
(9) الأحزاب : 67 .
(1) الأعراف : 33 .
(1) الأنبياء : 7 .
(1) يونس : 68 .
(1) ص : 26 .
(2) النساء : 105 .
(3) الإسراء : 36 .
(4) الأعراف : 33 .
(1) المائدة : 3 .
(1) يونس : 32 .
(2) يس : 60 ، 62 .
(3) كناية عن منتهى الفجور و القصور .
(1) الأعراف : 32 .
(1) مريم : 64 .
(1) قال راقمه : لم أجد هذا الحديث بـهذا اللفظ و (( السبع المساني )) و ظاهرها أنـها تصحيف و إنما هي (( السبع المثاني )) و اللفظ الذي وجدته هو عن أبي هريرة في سنن الدارقطني هو قال رسول الله r : (( إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم ، إنـها أم القرآن و أم الكتاب و السبع المثاني ، و بسم الله الرحمن الرحيم إحداها )) و لم يقل الدارقطني : إسناد رجاله كلهم ثقات .
(1) قال راقمه : هنا كتبت (( الحجاج )) و في مكان قبله (( الحاج )) و الله أعلم .
(2) قال راقمه : يظهر أن في الكلام حذفاً و لعل الصواب : (( قاله … و ابن رشد )) .
(1) النجم : 39 ، 40 .
(2) النجم : 38 .
(3) فاطر : 18 .
(4) يس : 12 .
(1) التوبة : 105 .
(2) قال راقمه : لعله كتاب (( مشارق الأنوار )) و هو إما لابن العربي المالكي أو لـ الباجي الأندلسي .
(3) الأنعام : 245 .
(1) قال راقمه : في الحسام الماحق : بن هرم نصيب .
(1) يس : 26 ، 27 .
(1) قال راقمه : كذا في (( الحسام الماحق )) و لعل الصواب : رواه .
(1) المائدة : 35 .
(2) الإسراء : 57 .
(3) الأعراف : 180 .
(1) النساء : 59 .
(1) القصص : 50 .
(2) قوله تعالى : ] و أن ليس للإنسان إلا ما سعى [ .
(1) قال راقمه : في الحسام الماحق : آل جعفر عقيل .
(1) في الحسام الماحق : عمران النجي التميمي .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:02 PM.


powered by vbulletin