تأديبُ ذوي الفواحشِ بالأخذِ بـ"قَرْدَنهِ"؛
وسَوْطِه على البُسُطِ والمَفَارِشِ
الحَلْقَة الثالثة: الحذر من الذِّئاب البشرية – الذين يلتهمون القلوب والعقول بكلامهم -.
عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: "وَقَفَ عَلَيَّ عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي ابْن مَسْعُود -وَأَنَا أَقُصُّ، فَقَالَ:
"يَا عَمْرُو! لَقَدْ ابْتَدَعْتُمْ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ، أَوَ إِنَّكَ لَأَهْدَى مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ"، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ تَفَرَّقُوا عَنِّي حَتَّى رَأَيْتُ مَكَانِي مَا فِيهِ أَحَدٌ".
أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي "الْكَبِير" (9 / 137/ 8637)، والمنذري في "الترغيب والترهيب" (94)؛ وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي "الْكَبِير" بِإِسْنَادَيْنِ: أَحدهمَا صَحِيح". وصححه الألباني برقم (57)، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1 / 189)؛ وقال: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَلَهُ إِسْنَادَانِ أَحَدُهُمَا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".
وَقَالَ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ , وَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ الْيَمَانِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! نَسْتَقْبِلُ الْقَاصَّ بِوُجُوهِنَا؟
فَقَالَ: "وَلُّوا الْبِدَعَ ظُهُورَكُمْ".
كتاب "البدع والنهي عنها" (39) لابن وضاح، و"الحوادث والبدع" (111) للطرطوشي.
وَقَدْ سُئِلَ الإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْجُلُوسِ إلَى الْقُصَّاصِ؟ فَقَالَ:
"مَا أَرَى أَنْ يُجْلَسَ إلَيْهِمْ، وَإِنَّ الْقَصَصَ لَبِدْعَةٌ، وَلَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يِسْتَقْبِلُوهُمْ كَالْخَطِيبِ".
"الحوادث" (109)، "المدخل لابن الحاج" و(2 / 144)، و"تحذير الخواص من أكاذيب القصّاص" (260) للسيوطي.
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: "أَكْذَبُ النَّاسِ الْقُصَّاصُ، وَالسُّؤَالُ، وَمَا أَحْوَجَ النَّاسَ إلَى قَاصٍّ صَدُوقٍ.
قِيلَ لَهُ: لَو رَأَيْت قَاصاً صَدُوقاً؛ أَكُنْتَ مَجَالِسَهُمْ؟ قَالَ: لاَ".
"الحوادث" (112)، و"المدخل" (2 / 146)، و"تحذير الخواص" (251، 265).
والعتب كل العتب، واللَّوْم كل اللَّوْم؛ ليس على هؤلاء "القُصَّاص"، ولكن العتب على بعض الرجال ...
ولله در الشَّاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا ... وما لزماننا عيب سوانا
وقد نهجو الزمان بغير جرم ... ولو نطق الزمان بنا هجانا
فدنيانا التّصنّع والترائي ... ونحن به نخادع من يرانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب ... ويأكل بعضنا بعضا عيانا
فمن العيب علينا ترك نساءنا وبناتنا يشاهدون هؤلاء "القُصَّاص" على الشاشات التفازية عبر القنوات الفضائية، أو الحضور لهؤلاء في المساجد وغيرها من المنتديات والاستماع لهم، لأنهم لا يُؤتمنون على "قواريرنا" من ألفاظهم النابية الخادشة للحياء.
وللأسف لقد فقد بعض رجال زماننا الغَيْرة، وفقد بعض نساء هذا الزمان الحياء إلا مَن رحمَ الله، ونتساءل اليوم أين غَيْرَة عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عندما غار مِنَ السِّواك – مجازاً- على زوجه فاطمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا كما تُروى عنه هذه الأبيات – وسواء هي له أو لغيرِه؛ فهي تعبر عن غَيْرَة الفحول من الرجال-:
حظيت يا عود الأراكِ بثغرها ... أما خفت يا عود الأراك أراكَ
لو كنت من أهل القتال قتلتك ... ما فاز مني يا سِواكُ سِواكَ
وأعلا من ذلك وأجَلُّ؛ غَيرة الله تعالى، ففي الحديث:
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ).
أخرجه البخاري (4361)، ومسلم (2760).
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ). أخرجه البخاري (4925)، ومسلم (2761) واللفظ له.
ومن الفواحش والمحرمات؛ نظر النساء إلى المتجملين والمتزينين من الرجال على شاشات التلفاز أو غيرها، والاستماع إلى القُصَّاص أصحاب الألفاظ الخادشة للحياء والـساقطة للمروءة.
وتأمَّلنَ يا نساء المسلمين في المشارق والمغارب حياء فاطمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وفِقهها؛ إذْ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِزَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "مَا خَيْرُ لِلْمَرْأَةِ؟
قَالَتْ: أَنْ لَا تَرَى الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْهَا".
وَاستمعوا أيها الرجال الأحرار إلى ما يَقُولُه عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وحديثه موجهاً إلى كل رجل فقد الغَيرة على نسائه ومحارمه:
"أَلَا تَسْتَحُونَ أَلَا تَغَارُونَ؟ يَتْرُكُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ تَخْرُجُ بَيْنَ الرِّجَالِ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهَا".
"الكبائر" (ص 192) للذهبي، و "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2 / 78) للهيتمي.
قلتُ: رحم اللهُ أبا السبطين ورضي عنه؛ كيف لو رأى بعض رجال هذا الزمان وهم يُرسلون نساءهم وبناتهم مع السائق الأجنبي عنهن إلى الأسواق أو إلى صلات الاحتفالات وغيرها دون مرافق..؟!
ولقد تغار بعض الحيوانات على إناثها؛ مع أنها ليست مكلفة كالآدمي.
ففي الأثر عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "كُنْتُ فِي الْيَمَنِ فِي غَنَمٍ لأهلي وانا على شرف فجَاء قرد مَعَ قِرَدَةٍ فَتَوَسَّدَ يَدَهَا فَجَاءَ قِرْدٌ أَصْغَرُ مِنْهُ فَغَمَزَهَا فَسَلَّتْ يَدَهَا مِنْ تَحْتِ رَأْسِ الْقِرْدِ الأول سلا رَقِيقا وَتَبِعَتْهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَأَنَا أَنْظُرُ ثُمَّ رَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تُدْخِلُ يَدَهَا تَحْتَ خَدِّ الْأَوَّلِ بِرِفْقٍ فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا فَشَمَّهَا فَصَاحَ فَاجْتَمَعَتِ الْقُرُودُ فَجَعَلَ يَصِيحُ وَيُومِئُ إِلَيْهَا بِيَدِهِ فَذَهَبَ الْقُرُودُ يَمْنَةً ويسرة فجاؤوا بِذَلِكَ الْقِرْدِ أَعْرِفُهُ فَحَفَرُوا لَهُمَا حُفْرَةً فَرَجَمُوهُمَا فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجْمَ فِي غَيْرِ بَنِي آدَمَ".
انظر "فتح الباري" (7 / 160)، وأصله في البخاري (3636) مختصراً وفي آخره؛ قال: "فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ".
والسلام عليكم.
كتبه/
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الجمعة 22 / 2 / 1437هـ.
|