هل الطبيب من أسماء الله؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد كثر تساؤل كثير من الحريصين على طلب العلم عن إطلاق "الطبيب" على الله، وهل هو من أسمائه أم لا؟ فكتبت هذا الجواب:
ورد إطلاق "الطبيب" على الله في حديث أبي رمثة، وفي حديث عائشة رضي الله عنها.
أما حديث أبي رمثة:
فعن إِيَادِ بن لَقِيطٍ عن أبي رِمْثَةَ قال: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع أبي فَرَأَى التي بِظَهْرِهِ فقال يا رَسُولَ اللَّهِ الا أُعَالِجُهَا لك فإني طَبِيبٌ قال: ((أنت رَفِيقٌ، وَاللَّهُ الطَّبِيبُ)) قال: من هذا مَعَكَ؟ قلت: ابني قال: ((أشهد بِهِ)) قال: ((أَمَا انه لاَ تجني عليه وَلاَ يجني عَلَيْكَ)).
رواه الحميدي في مسنده(رقم866)، وابن أبي شيبة في المصنف(5/32)، والإمام أحمد في المسند(2/226-228، 4/163)، وأبو داود في سننه(4/86رقم4207)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني(2/366-368رقم1140، 1143، 1144)، والطبراني في المعجم الكبير(22/279رقم715)، وابن شبة في أخبار المدينة(1/327)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل(ص/341)، والدينوري في المجالسة(رقم2776)، والبيهقي في شعب الإيمان(رقم1181)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(45/301) وغيرهم بألفاظ متقاربة، وبعضهم يرويه مطولاً، وبعضهم مختصراً.
وخرجه غيرهم دون قوله: ((والله الطبيب)) ونحو ذلك، ولكن بلفظ: ((طبيبها الذي خلقها)) منهم: ابن سعد في الطبقات(1/426-427) ، وابن أبي شيبة في المسند، وفي المصنف، والإمام أحمد، وابن شبة، وابن أبي عاصم وابن حبان في صحيحه(13/337رقم5995)، وغيرهم.
وإسناده صحيح.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها:
قالت : مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت يدي على صدره فقلت : اذهب البأس ، رب الناس ، أنت الطبيب ، وأنت الشافي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((ألحقني بالرفيق الأعلى وألحقني بالرفيق الأعلى))
رواه ابن سعد في الطبقات(2/211-212)، والإمام أحمد (6/108) والنسائي في السنن الكبرى (4/364 ، 6/251)، والبيهقي في الأسماء والصفات(رقم151) من طرق عن سريج بن النعمان ثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها به.
وإسناده صحيح.
ففي الحديثين جواز إطلاق "الطبيب" على الله، ولكن في حديث أبي رمثة مقابل لوصف أبي رمثة نفسه بالطلب، لأنه أراد أن يعالج الرسول صلى الله عليه وسلم من خاتم النبوة، ومعلوم أنه ليس بمرض، ولكنه علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، فهو ليس مرضاً، بل هو من الله الذي خلق ذلك الخاتم.
فأراد بمعنى الطبيب في قوله: "طبيبها الذي خلقها" أي هو الذي يداويها ويعالجها.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها التوسل إلى الله بأنه هو الشافي وهو الطبيب، ومعلوم ان التوسل مشروع بأسماء الله وصفاته، فلا يتضح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قصدت التوسل بالاسم أم بالصفة..
كلام بعض العلماء في "الطبيب" ونسبته إلى الله:
قال الأزهري رحمه الله في تهذيب اللغة (13/208) : «((طَبيبُها الّذي خَلَقَها)) معناه: العالِمُ بها خالِقُها الّذي خَلَقها لا أَنْت».
وقال البيهقي في الأسماء والصفات (1/161) : قال الحليمي: "... فأما الطبيب فهو العالم بحقيقة الداء والدواء والقادر على الصحة والشفاء ، وليس بهذه الصفة إلا الخالق البارئ المصور ، فلا ينبغي أن يسمى بهذا الاسم أحد سواه ، فأما صفة تسمية الله جل ثناؤه فهي أن يذكر ذلك في حال الاستشفاء مثل أن يقال : اللهم إنك أنت المصح والممرض والمداوي والطبيب ، ونحو ذلك فأما أن يقال : يا طبيب كما يقال : يا رحيم أو يا حليم أو يا كريم فإن ذلك مفارقة لآداب الدعاء والله أعلم»
قال البيهقي: وفي مثل هذه الحالة ورد تسميته به في الآثار..
وقال المناوي في فيض القدير(2/99) : "((الله الطبيب)) أي هو المداوي الحقيقي بالدواء الشافي من الداء وهذا قاله لوالد أبي رمثة حين رأى خاتم النبوة وكان ناتئا فظنه سلعة تولدت من الفضلات فرد المصطفى كلامه بإخراجه مدرجا منه إلى غيره يعني ليس هذا علاجا بل كلامك يفتقر إلى العلاج حيث سميت نفسك طبيبا والله هو الطبيب وإنما أنت رفيق ترفق بالمريض وتتلطف به وله فهو من الأسلوب الحكيم في فن البديع وذلك لأن الطبيب هو العالم بحقيقة الدواء والداء والقادر علي الصحة والشفاء وليس ذلك إلا لله لكن تسمية الله بالطبيب إذا ذكره في حالة الاستشفاء نحو أنت المداوي أنت الطبيب سائغ ولا يقال يا طبيب كما يقال يا حكيم لأن إطلاقه عليه متوقف على توقيف".
وقال ملا علي قاري الحنفي في مرقاة المفاتيح(7/28) : "قال المظهر: وتسمية الله تعالى بالطبيب أن يذكر في حال الاستشفاء اللهم أنت المصح والممرض والمداوي والطبيب ونحو ذلك ولا يقال يا طبيب كما يقال يا حليم يا رحيم فإن ذلك بعيد من الأدب ولأن أسماء الله تعالى توقيفية".
وقال في مرقاة المفاتيح (9/266) : "فإن قيل: فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ((أنت رفيق والله الطبيب)) ؟
قلنا: الطيب الحاذق بالشيء الموصوف ولم يرد بهذا القول نفي هذا الاسم عمن يتعاطى ذلك وإنما حوّل المعنى من الطبيعة إلى الشريعة وبين لهم أن الذي يرجون من الطبيب فالله فاعله والمنان به على عباده وهذا كقوله فإن الله هو الدهر وليس الطبيب بموجود في أسماء الله سبحانه ولا الرفيق فلا يجوز أن يقال في الدعاء يا طبيب ولا يا رفيق اه وفيه إيماء إلى أنه يجوز أن يقال هو الطبيب وهو رفيق على منوال ما ورد".
وقال في عون المعبود(11/175) عند قوله صلى الله عليه وسلم: ((الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق)) : «أي: أنت ترفق بالمريض وتتلطفه، والله هو يبرئه ويعافيه».
فيظهر من كلام من سبق ذكره من العلماء أن الطبيب ليس من أسماء الله، إذ لو كان من أسمائه لجاز دعاؤه ومناداته به ..
ولأن من صفة الأسماء أنها حسنى فلا تتضمن نقصاً بوجه من الوجوه ..
ولذلك قال شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: [لا أعلم أن الطبيب من أسماء الله لكن الشافي من أسماء الله، وهو أبلغ من الطبيب؛ لأن الطب قد يحصل به الشفاء، وقد لا يحصل].
ولكن جاز التوسل به فدل على أنه عند أولئك العلماء من صفاته سبحانه وتعالى ..
والتوسل به ورد في السنة : كما في حديث عائشة رضي الله عنها السابق
وبعض العلماء ذكر أنه مما يخبر به عن الله وليس من الأسماء ولا من الصفات ..
لكن الأظهر أنه الله عز وجل من صفاته الطبيب ..
فوائد:
· قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات(2/149) : «فإن الشارع هو الطبيب الأعظم».
تنبيه: لفظ الشارع عند العلماء يراد به –غالباً-: الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يطلق على الله وصفاً كما في قوله: {شرع لكم من الدين} الاية، ويراد به –أحياناً- : الشرع (=الوحي= الكتاب والسنة) وهو مراد الشاطبي رحمه الله.
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى(34/210) : «والشرع طب القلوب، والأنبياء أطباء القلوب والأديان».
· قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد(4/7) : «فأما طب القلوب؛ فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه. وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه متجنبة لمناهيه ومساخطه. ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك ولا سبيل إلى تلقية إلا من جهة الرسل. وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط ممن يظن ذلك وإنما ذلك حياة نفسه البهيمة الشهوانية وصحتها وقوتها وحياة قلبه وصحته».
· وقال المناوي في فيض القدير(3/515) شارحاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((داووا مرضاكم بالصدقة)) : «فإن الطب نوعان: جسماني وروحاني، فأرشد النبي إلى الأول آنفا، وأشار الآن إلى الثاني فأمر بمداواة المرضى بالصدقة، ونبه بها على بقية أخواتها من القُرَبِ كإغاثة ملهوف وإعانة مكروب، وقد جرب ذلك الموفقون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه. والنبي طبيب القلوب، فمن وجد عنده كمال استعداد إلى الإقبال على رب العباد أمره بالطب الروحاني، ومن رآه على خلاف ذلك وصف له ما يليق من الأدوية الحسية».
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الشيخ أسامة بن عطايا العتيبي.
منقول.