11-21-2015, 06:15 PM
|
|
المشرف العام-حفظه الله-
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,446
شكراً: 2
تم شكره 273 مرة في 213 مشاركة
|
|
[سلسلة مقالات] من مشاهد يوم القيامة(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
من مشاهد يوم القيامة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه سلسلة مقالات سأكتبها إن شاء الله حول أهوال يوم القيامة أجارنا الله من كل كرب وأسعدنا الله وإياكم في الدنيا والآخرة.
(1)
ذكر الله تعالى عن يوم القيامة أنه يوم تشخص فيه الأبصار، وتتقلب فيه القلوب والأبصار.
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار} أي: يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار، أي: من شدة الفزع وعظمة الأهوال، كما قال تعالى {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [غافر: 18] ، وقال تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} [إبراهيم: 42] تفسير ابن كثير-طبع دار طيبة(6/ 69)
وقال يحيى بن سلام في تفسيره (1/ 452) : قَوْلُهُ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 37] قُلُوبُ الْكُفَّارِ وَأَبْصَارُهُمْ.
وَتَقَلُّبُ الْقُلُوبِ: أَنَّ الْقُلُوبَ انْتُزِعَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا، فَغَصَّتْ بِهِ الْحَنَاجِرُ، فَلا هِيَ تَرْجِعُ إِلَى أَمَاكِنِهَا وَلا هِيَ تَخْرُجُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر: 18].
وَأَمَّا تَقَلُّبُ الأَبْصَارِ، فَالزَّرَقُ بَعْد الْكَحَلِ، وَالْعَمَى بَعْدَ الْبَصَرِ. انتهى.
والكفار يحشرون يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما وهذه صفتهم في أوقات من يوم القيامة، وفي أوقات تشخص أبصارهم وتسمع آذانهم، وتتكلم أفواههم بالحسرة والويل والثبور، وترهقهم ذلة، وتعلوهم الحسرة والصَّغار.
فيوم القيامة يوم طويل جدا، يعيشه الناس آلاف السنين {مقداره خمسين ألف سنة}.
قال القرطبي في التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (ص: 575)
قال الله تعالى: {إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار} أي لا تغمض فيه من هول ما ترى في ذلك اليوم.
قاله الفراء.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: تشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة فلا يغتمضون {مهطعين} أي مديمي النظر.
قال مجاهد والضحاك: {مقنعي رؤوسهم} أي رافعي رؤوسهم وإقناع الرأس رفعه.
قاله ابن عباس ومجاهد، وقال الحسن: وجوه الناس يومئذ إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى في غير هذه الآية {خاشعة أبصارهم} وقال: {خشعاً أبصارهم} فكيف يكون الرافع رأسه الناظر نظراً طويلاً حتى إن طرفه لا يرتد إليه خاشع البصر؟ .
فالجواب أنهم يخرجون حال المضي إلى الموقف خاشعة أبصارهم، وفي هذه الحال وصفهم الله تعالى بخشوع الأبصار وإذا توافوا وضمهم الموقف وطال القيام عليهم فإنهم يصيرون من الحيرة كأنهم لا قلوب لهم ويرفعون رؤوسهم فينظرون النظر الطويل ولا يرتد إليهم طرفهم كأنهم قد نسوا الغمض أو جهلوه فهو تعسير عليهم.
ومنها: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} .
وذلك حين يقال لهم {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} وتطبق عليهم جهنم على ما يأتي بيانه في أبواب النار.
ومنها: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} وإن أذن لهم بأن يمكنوا منها لا بأن يقال لهم اعتذروا كقوله {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا} الآية وكقوله {ربنا أخرجنا منها} الآية.
ومنها: {ولا يكتمون الله حديثاً} .
انتهى.
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (45/ 25) عن ابن السمّاك أنه قال:
كان عمر بن ذر يقول في مواعظه:
أما علمت أن الجديدين يكران عليك بالفجائع في إقبالهما وإدبارهما وأنت تتقلب في الليل والنهار آمنا للموت ونزوله؟!
أما رأيت من أخذ مضجعه من الليل صحيحا ثم أصبح على فراشه ميتا؟!
لو علم أهل العافية ما تضمه القبور من الأجساد البالية فجدوا واجتهدوا في أيامهم الخالية خوفا ليوم تتغلب فيه القلوب والأبصار. انتهى.
الجديدان: الليل والنهار.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «يقوم مناد فينادي: سيعلم أهل الجمع من أصحاب الكرم؟ أين الحمادون على كل حال؟
فيقومون، فيؤمر بهم إلى الجنة.
ثم يقوم فينادي الثانية، فيقول: سيعلم أهل الجمع اليوم من أصحاب الكرم؟ أين الذين كانت {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبِّهِمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] ؟
قال: فيقومون، فيؤمر بهم إلى الجنة.
ثم يقوم فينادي الثالثة، فيقول: سيعلم أهل الجمع اليوم من أصحاب الكرم؟
أين الذين كانت {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]؟
فيقومون، فيؤمر بهم إلى الجنة.
ثم يخرج عنق من النار حتى يشرف على الخلائق، له عينان بصيرتان، ولسان فصيح، فيقول: إني أمرت بثلاث: بكل جبار عنيد، فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم، فيلقطهم ثم يخيس بهم في جهنم.
ثم يخرج الثانية فيقول: إني أمرت بالذين كانوا يؤذون الله ورسوله، فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم، فيلتقطهم، ثم يخيس بهم في جهنم.
ثم يخرج الثالثة فيقول: إني أمرت بالمصورين، فهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم، فيلتقطهم، ثم يخيس بهم في جهنم.
ثم تطاير الصحف من أيدي النساء والرجال» رواه أسد بن موسى في كتاب الزهد(ص/ 61)، وابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال(رقم174) بسند صحيح. وفي معناه حديث مرفوع. انظر الصحيحة(512، 2699) .
أسأل الله أن يؤمننا يوم الفرع الأكبر، وأن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
أسامة بن عطايا العتيبي
8/ 2/ 1437 هـ
|