آيتان في كتاب الله من أذنب ذنبا فقرأهما ثم استغفر الله إلا غفر له
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن الله خلق ابن آدم مفتناً تواباً، إذا ذُكِّر تذكر،وإذا أذنب استغفر، ويجب على العبد أن يتعاهد نفسه بالتوبة والاستغفار، والاستمرار على العمل الصالح، ومن أعظم الأعمال والعبادات التوبة إلى الله واسع المغفرة، وغافر الذنب، وقابل التوب، الرؤوف الرحيم الغفار الشكور.
وربنا عز وجل فتح باب التوبة، ويسر ذلك للعباد ما لم يغرغر، أو تطلع الشمس من مغربها.
والدنيا مليئة بالفتن والمغريات، والنفوس ضعيفة تحتاج إلى متابعة التوبة والاستغفار والندم على ما فات، والحرص على تنقية النفس من الخطايا والسيئات.
فالتوحيد والإخلاص، واجتناب الشرك والكبائر، والدعاء والاستغفار، والمحافظة على الطهارة والصلاة والصيام والحج والعمرة وأعمال البر والإحسان كل ذلك له أثره الكبير في مغفرة الذنوب ومحوها.
ويحرص المسلم على رد المظالم، والتحلل من أصحابها قبل الممات.
وهذا ليس خاصا بالشاب ولا الصغير، بل يحتاج ذلك العالم قبل الجاهل، والفقيه قبل غيره، والكبير قبل الصغير، فلا يستغني مسلم عن التوبة والإنابة إلى ربه ، ومراجعة نفسه ومحاسبتها.
وأحببت في هذا المقال ذكر فائدة عن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لها حكم الحديث المرفوع، لأنها لا تقال من قِبَل الرأي والاجتهاد.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن في كتاب الله عز وجل لآيتين، ما أذنب عبد ذنبا، فقرأهما: فاستغفر الله إلا غفر الله له:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
وَقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [النساء: 110].
رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر بسند صحيح.
ورواه ابن أبي الدنيا في التوبة، والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح بلفظ: " إني لأعلم آيتين في كتاب الله لا يقرؤهما عبد عند ذنب يصيبه، ثم يستغفر الله إلا غفر له،
قلنا: أي آيتين في كتاب الله؟
فلم يخبرنا، ففتحنا المصحف، فقرأنا البقرة فلم نصب شيئا، ثم قرأنا النساء، وهي في تأليف عبد الله على إثرها فانتهينا إلى هذه الآية: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} [النساء: 110]
قلت: أمسك هذه،
ثم انتهينا في آل عمران إلى هذه التي يذكر فيها: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} [آل عمران: 135] إلى آخرها
ثم أطبقنا المصحف، وأخبرنا بهما عبد الله: فقال: هما هاتان ".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}
قال: «أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه , وسعة رحمته ومغفرته , فمن أذنب صغيرا كان أو كبيرا، {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال». رواه ابن جرير وابن أبي حاتم بسند لا بأس به.
فنسأل الله العفو والمغفرة، وأن يجنبني وإياكم مساخطه، وأن يجعلنا من عباد الله المتقين الثابتين على السنة حتى نلقاه سبحانه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
8/ 3/ 1439 هـ