هل لفظة (مخذل) من ألفاظ الجرح؟ والتعليق على بيان بعض المشايخ في (إبراهيم بويران)
هل لفظة (مخذل) من ألفاظ الجرح؟ والتعليق على بيان بعض المشايخ في (إبراهيم بويران)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فمن أعظم المصائب في فتنة الصعافقة تلاعبهم بالجرح والتعديل، والسعي الحثيث منهم في إفساده، رغم أنه من أبرز ما يميز المنهج السلفي النقي إن صدر من تقي.
لكن لما كثر الجهال المتعالمون، وكثر الكذب بينهم، واتباع الهوى، والمكر والكيد والحزبيات والمؤامرات جعلوا الجرح والتعديل وسيلة للفتنة ونشر البدع والفتن والضلال، وصار الجرح والتعديل عندهم معول هدم للسنة ورجالها، وصاروا يسقطون به العلماء والمشايخ الثقات، ويرفعون الأسافل والكذابين والمتروكين..
ومن أواخر تلاعبهم : تلاعبهم بكلمة (مخذل)، حيث اشتهرت في الفترة الماضية على ألسنة بعض المشايخ الذين هم أحد أطراف الفتنة في الجزائر، يصفون بها أحد المقلدين لهم وهو (إبراهيم بويران)..
فلما رماه الشيخ عبد المجيد جمعة بأنه (مخذل) اختلف المقلدون في كونها من الجرح المفسر أم المجمل؟ فصاروا فريقين.
ففي هذا المقال أنبه إلى بعض الأمور :
------------------
الأمر الأول: معنى (مخذل) أي أنه يدعو إلى عدم نصرة الشخص الذي خذله ولم ينصره.
فالأطراف ثلاثة:
الأول: صاحب القضية المعينة وهو هنا الشيخ عبد المجيد جمعة ومن معه، ممن يظنون أنهم على الحق، وخصومهم وعلى رأسهم الشيخ فركوس أنهم على باطل.
الثاني: الشباب المنتسبون للسلفية.
الثالث: المخذل لهؤلاء الشباب عن نصرة الأول صاحب القضية. والمقصود به هنا هو (إبراهيم بويران) ..
إذا توجد تهمة رمي بها (بويران) أنه دعا الشباب المنتسبين للسلفية بأن يتركوا نصرة الشيخ عبد المجيد جمعة ومن معه في حربه ضد الشيخ فركوس ومن معه.
فهل واقع (إبراهيم بويران) أنه ليس مناصرا للشيخ جمعة والشيخ لزهر ضد الشيخ فركوس؟ وهل (بويران) كان يمنع الشباب المنتسبين للسلفية من نصرتهما؟
ويبرز سؤال مهم: هل هذا التخذيل كان وصفا ملازما (إبراهيم بويران) في هذه القضية؟ أم كان وصفا عارضا حصل في بعض المواقف؟
ويسأل الشيخ جمعة إن كان وصفا لازما يعني أنه لم تحصل منه نصرة لهما أو حصلت ولكن نادرة، وإن كانت وصفا عارضا فكم عدد المرات التي حصل فيها تخذيل من (إبراهيم بويران)؟
-----------------
الأمر الثاني: هل وصف (إبراهيم بويران) بـ(المخدل) جرح يلزم منه التبديع أم التفسيق أم ترك الأولى والمستحب؟
فإن كان الشيخ جمعة ومن معه يعتقدون أنه مبتدع أو فاسق فهل تاب من فسقه أو بدعته؟
فإن كان تاب فأين اعترافه بالتخذيل أصلا؟
لقد كتب بيانين نفى عن نفسه التهمة أصلا.. فهو لم يتب لأنه لا يرى نفسه مخذلا أصلا.
فإن لم يتب من ذلك التخذيل الذي اتهم به فكيف يسكت عنه؟ وكيف يكون أخطأ بالتخذيل ومع ذلك يسلم عليه ولا يهجر وإنما يكتفى بعدم تصديره؟
إن مسألة عدم التصدير تكون في غير المتأهل لو كان عدلا، أو كان حديث عهد بتوبة، والذي يعرفه الجزائريون أن (إبراهيم بويران) طالب علم، وكان متصدرا تحت أعين المشايخ، ولم يتب من ذنب نفاه عن نفسه، فكيف يكيّف هذا الحكم الجديد الذي اتفق عليه هؤلاء المشايخ -في بيان الصلح الذي على دخنٍ-؛ وهو أن (إبراهيم بويران) أخوكم، ولا يهجر، ولكن لا يصدّر ولا يُدلّ عليه؟
ما هو السبب الشرعي الموجب عندكم لعدم تصديره مع كونه ليس محذرا منه منهجيا وعلميا؟
وموقفي الشخصي من (إبراهيم بويران) هو هجره، والتحذير منه، وعدم تصديره، لكونه ارتكب مفسقا، وهو التلون، والتلاعب، وتقديم رغبات المشايخ على الحق والصواب، وكونه سيقة لهم.. حتى أنه رضي بالاعتزال وكأنه لاعب من اللاعبين ولاهٍ من اللاهين!!
----------------------------
الأمر الثالث: أن الواجب نصرة الحق، وليس الحق أن تتحزب لعالم وأن تنصره على خصمه من العلماء الذين معه على منهجه ومذهبه.
فنصرة الشخص مطلقا على حق أو باطل هو من التحزب المنكر المذموم، الذي يجب أن يتنزه عنه المسلم الصادق.
فالفتنة لما وقعت بين الشيخين ربيع وعبيد ضد الشيخ محمد بن هادي، كان الواجب هو نصرة الحق، وليس نصرة الشخص محقا ومبطلا..
ومع ذلك فوجدنا الشيخ جمعة والشيخ فركوسا والشيخ لزهر لم يوافقوا الشيخين ربيعا وعبيدا، بل وجدناهم خالفوا الشيخين في موقفهما من الشيخ محمد بن هادي، فهل هذا يعتبر تخذيلا أم هو نصرة للحق؟
الواقع أنهم نصروا الشيخين ربيعا وعبيدا بردهما خطأهما ضد الشيخ محمد بن هادي من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) قالوا: ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: (تمنعه من الظلم).
وكذلك في موقف الشيخين جمعة من الشيخ فركوس الواجب نصرة الحق، فلو أصاب الشيخان جمعة ولزهر نصر صوابهما، وإن وقعها في الخطأ وجب رد خطئهما.
---------------------
الأمر الرابع: هل يجب على السلفي أن ينصر الشيخين جمعة ولزهر في احكامهما ضد الشيخ فركوس؟
الجواب: لا يجوز لسلفي أن ينصرهما في أحكامهما الجائرة التي صدرت منهما كوصف الشيخ بالسرورية، أو اتهامه بأنه يقول الحاكمية جوهر التوحيد، أو اتهامه بتكفير الرئيس السابق بوتفليقة، أو اتهامه بسرقة الكتب، أو ببتر أثر ابن عباس رضي الله عنهما، أو ببتر فتوى شيخنا ابن عثيمين، ونحو ذلك من التهم الباطلة، بل الواجب رد خطئهما في ذلك فهذا هو نصرهما حقا عند أهل السنة ..
كذلك لا يجوز أن ينصر الشيخ فركوس في أحكامه الجائرة ضد الشيخ جمعة والشيخ لزهر كتهمة التأكل بالدعوة أو التقليد ونحو ذلك، بل نصرة الشيخ فركوس تكون برد خطئه في ذلك..
مع رد خطئه في مسائل الإنكار العلني والصلاة بالتباعد والصلاة في الأبنية.
-------------
الأمر الخامس: أن الواجب شرعا هو التخذيل من نصرة الباطل عند كل طرف، وأن القيام في نصرة باطلهم، ونصرة ظلمهم لبعضهم مخالف لمنهج السلف مهما ادعوا أنهم على الحق، وأنهم يريدون تصحيح المسار، أو تنقية الصف السلفي أو غير ذلك من الدعاوى ..
بل الواجب رجوع كل مخطئ عن خطئه، وأن يجتمعوا على الحق، وأن يتآلفوا، وأن يتحابوا، وأن يكونوا عباد الله إخوانا، لا متحزبين، ولا مفتونين، ولا متعصبين لأخطائهم وأشخاصهم..
فالواقع بينهم فتنة كالتي وقعت بين الشيخين ربيع وعبيد والشيخ محمد بن هادي ..
يجب أن نحفظ كرامتهم، وأن نرد خطأهم ، وأن نحرص على جمع كلمتهم على الحق.
----------------
وأخيرا أقول: إن البيان الصادر من المشايخ الثلاثة -رغم فرح المقلدين به- هو بيان اشتمل على (تخدير) للطرفين، ولم تعالج فيه جذور المشكلة، ولا أساسها، فقط مجرد محاولة (دفن) المشكلة، وهذا عادة لا ينفع، وكم من صلح عقده الشيخ ربيع وغيره مثل هذه الصلح وتكون العاقبة دائما أن ينفرط عقد الصلح لكونه لم يعقد بطريق شرعي صحيح..
وهو بيان صلح لطرف على تشديد العداوة والفرقة مع طرف آخر سلفي .. لذلك هو صلح فاسد الاعتبار لكونه مبنيا على باطل، وما بني على باطل فهو باطل..
نعم نحن نحب اجتماع كلمة السلفيين لكن على الحق، ونحب أن يسكت العوام والجهال عن البث والبت دون الرجوع للمشايخ ..
ولكن كما تعلمون إنما هو مختص بحادثة (إبراهيم بويران) ونحوها مما يخص ذلك الطرف، وأما تأديب أصحاب الصفحات والقنوات المجهولة للسكوت عن الفتنة والخوض في الباطل فهذا للأسف غير موجود، ولم تنته الصفحات عن الفتنة..
لذلك أنا أنصح المشايخ بمحاولة رأب الصدع وبالإصلاح مع الشيخ فركوس شخصيا، وعلى الأقل بمنع الكلام فيه، مع بقاء الرد العلمي الصحيح المبني على الحق وليس على الكذب والحزبية وتصفية الحسابات..
فقوتكم في بلادكم باجتماعكم على الحق..
فهذه نصيحتي لكم ..
وأرجو من الله يصلح أحوال السلفيين في الجزائر وأن يهدينا وإياهم الصراط المستقيم..
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
21/ 12/ 1445هـ
https://m-noor.com/showthread.php?t=18727
التعديل الأخير تم بواسطة أسامة بن عطايا العتيبي ; 06-27-2024 الساعة 05:45 PM
|