الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا ابن عبد البر المالكي الأندلسي رحمه الله يصف أهل زمانه من المتعصبين لمذهب مالك،وكأنه يصف أهل زماننا، وما أشبه اليوم بالبارحة.
قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"
"واعلم أنه لم تكن مناظرة بين اثنين أو جماعة من السلف إلا لتفهم وجه الصواب فيصار إليه ويعرف أصل القول وعلته فيجري عليه أمثلته ونظائره ، وعلى هذا الناس في كل بلد إلا عندنا كما شاء ربنا ، وعند من سلك سبيلنا من أهل المغرب ، فإنهم لا يقيمون علة ولا يعرفون للقول وجها وحسب أحدهم أن يقول رواية لفلان ورواية لفلان ومن خالف عندهم الرواية التي لا يقف على معناها وأصلها وصحة وجهها فكأنه قد خالف نص الكتاب وثابت السنة ، ويجيزون حمل الروايات المتضادة في الحلال والحرام ، وذلك خلاف أصل مالك وكم لهم من خلاف أصول خلاف مذهبهم مما لو ذكرناه لطال الكتاب بذكره ، ولتقصيرهم عن علم أصول مذهبهم صار أحدهم إذا لقي مخالفا ممن يقول بقول أبي حنيفة ، أو الشافعي ، أو داود بن علي ، أو غيرهم من الفقهاء وخالفه في أصل قوله بقي متحيرا ولم يكن عنده أكثر من حكاية قول صاحبه فقال : هكذا قال فلان ، وهكذا روينا ، ولجأ إلى أن يذكر فضل مالك ومنزلته ، فإن عارضه الآخر بذكر فضائل إمامه أيضا صار في المثل كما قال الأول :
شكونا إليهم خراب العراق .... فعابوا علينا لحوم البقر
فكانوا كما قيل فيما مضى .... أريها السها وتريني القمر
وفي مثل ذلك يقول منذر بن سعيد رحمه الله :
عذيري من قوم يقولون كلما...... طلبت دليلا هكذا قال مالك
وإن عدت قالوا هكذا قال أشهب ....... وقد كان لا تخفى عليه المسالك
فإن زدت قالوا قال سحنون مثله ...... ومن لم يقل ما قال فهو آفك
فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا ...... وقالوا جميعا أنت قرن مماحك