إباحة مشي الرجل بجانب الرجل ويده في يده عند انتفاء الريبة، أو عدم مخالفة العرف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فمما اعتاده الناس أن يمشي الرجل بجانب الرجل ويده في يده، ولا يكون هذا عيباً، ولا يدل على أمر منكر.
وقد فعله الرسول صلى الله عليه وسلن، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وسأذكر حديثين، وثلاثة آثار.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي،
فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين كنت يا أبا هر»، فقلت له، فقال: «سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس». متفق عليه، واللفظ للبخاري.
2- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت مخاصر النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى منزله، فسمعته يقول: "غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال " فلما خشيت أن يدخل، قلت: يا رسول الله، أي شيء أخوف على أمتك من الدجال؟ قال: "الأئمة المضلين ".
رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن عبدالحكم في فتوح مصر من طريق ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة، عن أبي تميم الجيشاني، قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه،
ورواه عن ابن لهيعة: موسى بن داود ويحيى بن إسحاق السليحيني، وطلق بن السمح، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وهانىء بن المتوكّل.
وسند حسن، ويحيى السيلحيني ثقة من قدماء أصحاب ابن لهيعة.
ومتن الحديث صححه شيخنا الألباني رحمه الله [الصحيحة:1989].
ومعنى "مخاصراً" : يقال فلان مخاصِرُ فلانٍ، إذا أخذ بيده في المشي وهو بجنبه. كتاب العين(4/ 183).
3- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى. رواه مسلم في صحيحه ضمن حديث.
4- عن عبدالله بن فيروز بن الديلمي أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة، فسأل عنه قالوا: قد سافر
إلى مكة، فاتبعه فوجده قد سار إلى الطائف، فاتبعه، فوجده في مزرعة يمشي مخاصرا رجلا من قريش، والقرشي يزن بالخمر، فلما لقيته سلمت عليه وسلم علي، قال: ما غدا بك اليوم، ومن أين أقبلت؟ فأخبرته، ثم سألته: خصال بلغتني عنك أنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من شرب الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا"
فلما أن سمع الفتى يذكر الخمر اختلج يده من يد عبد الله، ثم ولى،
فقال عبد الله: اللهم إني لا أحل لأحد أن يقول علي ما لم أقل، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من شرب الخمر شربة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فلا أدري في الثالثة أم في الرابعة: كان حقا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة ". رواه الإمام أحمد، والدارمي، وابن ماجه، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وغيرهم وسنده صحيح. [الصحيحة:709].
5- وقال صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ كُنْتُ مَعَ الشَّعْبِيِّ وَيَدِي فِي يَدِهِ، أَوْ يَدُهُ فِي يَدِي، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا حَمَّاد بن أبي سليمان فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ أَصْحَابُهُ وَلَهُمْ ضَوْضَاءٌ وَأَصْوَاتٌ،
فَقَالَ : " وَاللَّهِ، لَقَدْ بَغَّضَ إِلَيَّ هَؤُلاءِ هَذَا الْمَسْجِدَ حَتَّى تَرَكُوهُ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي، مَعَاشِرَ الصَّعَافِقَةِ ، فَانْصَاعَ رَاجِعًا وَرَجَعْنَا". رواه ابن سعد في الطبقات بسند صحيح.
ففي هذه النصوص والاثار جواز أخذ الرجل بيد الرجل، والمشي بجوار بعضهما، ولا عيب في ذلك.
ولكن إذا وجدت ريبة كأن يكون أحدهما من المردان فهذا موضع ريبة فلا يفعل ذلك.
وكان من عادتنا أن أحدنا إذا مشى مع صاحبه وضع يده في يده بشكل طبيعي، ولكن في مرة وضعت يدي في يد شخص من أوروبا فذكر لي أن هذه عادة عندهم في الغرب خاصة بالحبيبين حباً محرما من الرجال.
فعلمت أن من العرف في بلاد الكفار أن هذا الأمر عندهم موضع ريبة بين الرجال، فإن كان الأمر كذلك فيراعي المسلم العرف، حتى لا يتهم في دينه.
والأصل الإباحة، ولكن يراعى العرف.
والله أعلم.
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
21/ 4/ 1439 هـ