سألني سائل اليوم الاثنين من إحدى دول "المغرب العربي" عن أثر ابْنِ الْمُبَارَكِ: "مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ .."، فأحببت أن أجيبه جواباً مكتوباً علّ اللهُ أن ينفع به، مستعيناً بالله تعالى، وأحمد على الوفيق وأسأله سبحانه التسديد، فأجبْتُ على عُجَالة وباختصار، فأقول:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
والمعنى:
1) "مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ".
أيْ: مَن استهانَ وسَخِرَ بالْعُلَمَاءِ؛ أفسد آخرته بتنقصه وغِيبته حملة العلم وورثة الأنبياء وحصن الإسلام ودرعه، وبهم يندحر تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وبهم يستنير الناس ويَرشدوا.
قال الحسن البصري: "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم" .
"مختصر نصيحة أهل الحديث" (167) الحاشية .
فالقدح في حملة العلم الشرعي؛ يُفضي إلى القدح في المحمول من الشريعة الغرّاء، فمن وقّرهم؛ وقرّ الشريعة، ومن أذلّهم وأهانهم واستحقرهم واستخف بهم؛ استهان بالشريعة – والعياذ بالله -، فإذا جُرِحَ شهود الشَّرعِ؛ جُرح المشْهود به.
قال ابن عساكر: "لحوم العلماء مسمومة، وأن هتك الله أستار منتقصهم معلومة، فمن ابتلاهم بالثلب، ابتلاه الله بالعطب". " تبيين كذب المفتري " (27، 28).
2) "وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالْأُمَرَاءِ ذَهَبَتْ دُنْيَاهُ".
أيْ: مَن استهانَ وسَخِرَ بِالْأُمَرَاءِ والحُكَّامِ والسَّلاطِينِ؛ خرَّب دنياه وتكدّر عيشه؛ بسبب عقوبتهم له جزاء اعتدائه عليهم بالتنقُّص والكلام فيهم؛ فحَرُم بذلك خيرهم وعطاؤهم.
ومن ثَمَّ؛ أضرَّ بمصالح إخوانه من الرعية بإثارة الفوضى والتمرّد على الحاكم والاستطالة على عرضه بالكلام والسب والشتم والغيبة؛ مما يؤدِّي إلى تجبره وطغيانه على شعبه وذلك بسبب تلك الاستهانة الأُولى والاستحقار الأول من ذلك المفتري.
والمعنى: مَن استهانَ وسَخِرَ بِإِخْوَانِه وازدراهم؛ فإن رجولته ومهابته تسقط بين الناس وخاصة بين إخوانه وأصدقائه.
وقد يكون الجزاء من جنس العمل، فاحذر أخي المسلم من السخرية بأصدقائك والاستهانة بهم واحتفارهم ؛ سواء لذمامة في الخِلْقة، أو تقصير في الفهم، أو قلة في الحفظ أو غير ذلك، واعلم أن الذي ابتلاه به قادر على أن يجعله فيك – سبحانه وتعالى - .
فعَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ [بالمَنْطِقِ]، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَيَّرَ رَجُلاً بِرَضَاعِ كَلْبَةٍ لَرَضَعَهَا".
أخرجه البغدادي في "تاريخ بغداد" (13 / 279 / 7243). والشطر الأول: "الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ"؛ أخرجه وكيع في "الزهد" (311)، و ابن أبي شيبة (8 / 390 / 5599)، وهنّاد في "الزهد" أيضاً (2 / 570 / 1193).
. ولا يصحُ مرفوعاً. وصحح الشطر الأول منه الألباني مرسلاً، وموقوفاً "الضعيفة" تحت رقم (3382).
فالحذر كل الحذر من السخرية والاستهانة بالآخرين، وعليكم بالتواضع، فإن من تواضع رفعه الله، وجاء الأمر من الله تعالى على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتواضع وعدم التفاخر.
ففي الحديثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: (إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ).
أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (427)، ومسلم (2865)، وأبو داود (4895)، وابن ماجه (4179).
والسلام عليكم ورحمة الله.
كتبه /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي
الاثنين 3 / 3 / 1437هـ.