بسم الله الرحمن الرحيم
و في الأثر المشهور : كذب من ادعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه فها أنا ذا مطلع على أحبابي إذا جنهم الليل ، جعلت أبصارهم في قلوبهم فخاطبوني على المشاهدة ، و كلموني على حضوري ، غداً أقر أعين أحبابي في جناني .
الليل لي ولأحبابي أحادثهم قد اصطفيتهم كي يسمعوا و يعوا
لهم قلوب بأسراري بها ملئت على ودادي و إرشادي لهم طبعوا
سروا فما وهنوا عجزاً و لا ضعفوا و واصلوا حبل تقريبي فما انقطعوا
ما عند المحبين ألذ من أوقات الخلوة بمناجاة محبوبهم هو شفاء قلوبهم و نهاية مطلوبهم .
كتمت اسم الحبيب من العباد و رددت الصبابة في فؤادي
فيا شوقاً إلى بلد خلي لعلى اسم من أهوى أنادي
كان داود الطائي يقول في الليل : همك عطل علي الهموم ، و حالف بيني و بين السهاد و شوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات ، و حال بيني و بين الشهوات .
و كان عتبة الغلام يقول في مناجاته بالليل : إن تعذبني فإني لك محب ، و إن ترحمني فإني لك محب.
لو أنك أبصرت أهل الهوى إذا غارت الأنجم الطلع
فهذا ينوح على ذنبه و هذا يصلي و ذا يركع
من لم يشاركهم في هواهم و يذوق حلاوة نجواهم ، لم يدر ما الذي أبكاهم ، من لم يشاهد جمال يوسف لم يدر ما الذي آلم قلب يعقوب .
من لم يبت و الحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد
كان أبو سليمان يقول : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ، و لولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا ، وسط الليل للمحبين للخلوة بمناجاة حبيبهم ، و السحر للمذنبين للإستغفار من ذنوبهم ، فوسط الليل خاص لخلوة الخواص ، و السحر عام لرفع قصص الجميع و بروز التواقيع لأهلها بقضاء الحوائج ، فمن عجز عن مسابقة المحبين في ميدان مضمارهم ، فلا يعجز عن مشاركة المذنبين في استغفارهم و اعتذارهم ، صحائف التائبين خدودهم ، و مدادهم دموعهم .
قال بعضهم : إذا بكى الخائفون فقد كاتبوا الله بدموعهم ، رسائل الأسحار تحمل و لا يدري بها الفلك ، و أجوبتها ترد إلى الأسرار و لا يعلم بها الملك .
صحائفنا إشارتنا و أكثر رسلنا الحرق
لأن الكتب قد تقرأ بغير الدمع لا تثق
لا تزال القصص تستعرض و يوقع بقضاء حوائج أهلها إلى أن يطلع الفجر ، ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأجيب دعوته إلى أن ينفجر الفجر [ "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ."
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1145
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] ]
، فلذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله .
نحن الذين إذا أتانا سائل نوليه إحساناً و حسن تكرم
و نقول في الأسحار هل من تائب مستغفر لينال خير المغنم
الغنيمة تقسم على كل من حضر الوقعة فيعطي منها الرجالة و الأجراء و الغلمان مع الأمراء و الأبطال و الشجعان و الفرسان فما يطلع فجر الأجر إلا و قد حاز القوم الغنيمة و فازوا بالفخر و حمدوا عند الصباح السرى ، و ما عند أهل الغفلة و النوم خبر مما جرى .
كان بعض الصالحين يقوم الليل فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته يا أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ، ألا تقومون فترحلون ، فإذا سمع الناس صوته و ثبوا من فرشهم فيسمع من هنا باك ، و من هنا داع ، و من هنا نال ، و من هنا متوضىء فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته عند الصباح يحمد القوم السرى
يا نفس قومي فقد نام الورى إن تصنعي الخير فذو العرش يرى
و أنت يا عين دعي عنك الكرى عند الصباح يحمد القوم السرى
يا قوام الليل اشفعوا في النوام ، يا أحياء القلوب ترحموا على الأموات .
قيل لابن مسعود رضي الله عنه : ما نستطيع قيام الليل ؟ قال : أقعدتكم ذنوبكم .
و قيل للحسن : قد أعجزنا قيام الليل ؟ قال : قيدتكم خطاياكم .
و قال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل و صيام النهار فاعلم أنك محروم كبلتك خطيئتك .
قال الحسن : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل .
قال بعض السلف : أذنبت ذنباً فحرمت به قيام الليل ستة أشهر .
ما يؤهل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودهم و معاملتهم ، فأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهلونه .
في بعض الآثار : إن جبريل عليه السلام ينادي كل ليلة أقم فلاناً و أنم فلاناً . قام بعض الصالحين في ليلة باردة و عليه ثياب رثة فضربه البرد فبكى فهتف به هاتف أقمناك و أنمناهم ثم تبكي علينا .
يا حسنهم و الليل قد جنهم و نورهم يفوق نور الأنجم
ترنمــوا بالذكـــر في ليلهم فعيشهم قد طـاب في الترنم
قلوبهم للذكــر قد تفرغــت دموعهم كلـــؤلـــؤ منظـــم
أسحارهم بهم لهم قد أشرقت و خلع الغفران خير القسم
الليل منهل يرده أهل الإرادة كلهم ، و يختلفون فيما يردون و يريدون قد علم كل أناس مشربهم ، فالمحب يتنعم بمناجاة محبوبه ، و الخائف يتضرع لطلب العفو و يبكي على ذنوبه ، و الراجي يلح في سؤال مطلوبه ، و الغافل المسكين أحسن الله عزاءه في حرمانه ، و فوات نصيبه .
قال النبي صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل
["قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الله ، لا تكن مثل فلان ، كان يقوم الليل فترك قيام الليل" . الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1152خلاصة حكم المحدث: [أورده في صحيحه] وقال : قال هشام: حدثنا ابن أبي العشرين قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان قال: حدثني أبو سلمة بهذا مثله. وتابعه عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي]
["يا عبدالله ! لا تكن بمثل فلان . كان يقوم الليل فترك قيام الليل"
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1159خلاصة حكم المحدث: صحيح]
[ و أورده الألباني في الجامع الصغير /13905/0- عن ابن عمرو و لفظه : " يا عبد الله ! لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل" و قال الشيخ الألباني : صحيح , و أنظرحديث رقم 7945في صحيح الجامع .
-و في مشكاة المصابح/حديث 1234- و لفظه : " عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل "-متفق عليه
-و في صحيح ابن ماجه/حديث رقم 1096- : "عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل "-صحيح /صحيح الترغيب 641: و أخرجه البخاري و مسلم
-و في سنن النسائي/حديث رقم 1763- : "أخبرنا سويد بن نصر قال حدثنا عبد الله عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل قال "- قال الشيخ الألباني : صحيح
-و كذالك في صحيح الترغيب و الترهيب/حديث رقم 636- : "وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل"-صحيح]
***[أعتذر إن أخطأت]***