منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام > منبر الردود السلفية والمساجلات العلمية

آخر المشاركات حكم الكلام أثناء قراءة القرآن (الكاتـب : أبو هريرة الكوني السلفي - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-27-2012, 07:08 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي إتحاف الإخوان بمزالق العلوان للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم -وفقه الله-

إتحاف الإخوان بمزالق العلوان
بقلم: أبي عبد الله عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم
الجزء الأول


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
فقرأت الرسالة الصغيرة المسماة ( ألا إن نصر الله قريب ) لمؤلفها الشيخ سليمان بن ناصر العلون - وفقنا الله وإياه لهداه - ، فرأيته قد أصابه شيء من الغبش في تشخيص داء المسلمين، أما الدواء فقد أبعد النجعة في وصفه واضطرب فيه ، فمرة جعله الجهاد فوصف من لا يدعو إلى الجهاد بأنه من المرجفين المخذلين فقال: "والمهزومون نفسياً وفكرياً والمرجفون والمخذلون عن الجهاد والتضحيات ومواجهة الأفكار والمبادئ الجاهلية والتشريعات الكفرية لا يناصرون هذه البواعث الإيمانية"(1) مع كونه قرر أنه يصح ترك الجهاد في حالة ضعف أو عجز فقال:" ما لم يترتب على ذلك أضرار راجحة أو يمنع المسلمين من ذلك عجز أو ضعف "(2) ، وفي صدر رسالته قرر أن المسلمين ضعفاء منحرفون فقال:" وضياع للحقوق والممتلكات واضطراب في الأفكار وخمول وضعف في الإنتاج والعمل وتفلت متزايد وانحرافات منهمرة في العقيدة والمنهج وشؤون الحياة السياسية والحياة الاقتصادية"(3) .
فالنتيجة من نص كلامه لا مفهومه: أنه لا يصح الجهاد لأن المسلمين في ضعف وعجز، فهل يصح أن يطلق عليه مخذل ومرجف ومنهزم من باب معاملة الإنسان بما يراه؟. وهذا الاضطراب يعود إلى قلة فقه لواقع المسلمين أو قصور فهمه لما جاء به الوحيان أو أن يكون فقيهاً لواقع المسلمين فاهماً لما جاء به الوحيان في هذا الأمر لكن غلبته روح الثورة والمواجهة فشوشت عليه ، وهذا ما أرجحه فإنه فيما علمت لازال شاباً بينه وبين الأربعين من عمره سنوات. قال تعالى:( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً... ) .
وفي الرسالة على صغرها مزالق أخرى من لمز للعلماء، واتهامهم بالسوء، ودعوة للثورة والفتنة ، وادعاء دعاوى عريضة لا أساس لها من الصحة ، وأمور أخرى أذكرها مزلقاً مزلقاً نصحاً للأمة لا سيما الشباب الذين تعصف بهم رياح الفتنة يمنة ويسرة ، وهم في عواطفهم تائهون غارقون وعن سبيل النجاة وهو التمسك بغرز علمائهم الربانيين منعزلون إلا من رحم الله ، وعدد هذه المزالق - في هذا الجزء الأول - عشرة مزالق :
المزلق الأول /
قال الشيخ العلون:" ولم يكن أحد منهم ( أي العلماء الماضين ) يجد أدنى حرج من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفتوى بما يعلم أنه الحق وإيصال الصوت الإسلامي إلى عالمهم والتحدث عن الإسلام وحقائقه ومقوماته وخصائصه. وما كانوا يقبعون في بيوتهم ينتظرون الإذن السياسي في قول كلمة الحق والإنكار على أهل الباطل"(4)
هذا ليس على الإطلاق بل كانوا يسكتون عن بعض الحق درءاً لمفسدة شر أكبر فإنه ليس من الحق - دائماً - قول الحق فإن التكلم بالحق -أحياناً - يكون باطلاً مذموماً شرعاً كما قال تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فسب آلهة المشركين حق لكن إذا كان يترتب عليه مفسدة أكبر فهو محرم ممنوع شرعاً . وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بال أعرابي في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما قضى بوله أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه " متفق عليه، فالصحابة المنكرون على الأعرابي قالوا: حقاً لكن لما كان يترتب على قولهم منكر أكبر صار نهيهم عن المنكر منكراً فلذلك نهاهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن تيمية:" حرم سب الآلهة مع أنه عبادة لكونه ذريعة إلى سبهم سبحانه وتعالى لأن مصلحة تركهم سب الله سبحانه راجحة على سبنا لآلهتهم "(5)
وقال ابن القيم: فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين - مع كون السب غيظاً وحمية لله وإهانة لآلهتهم - لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم ، وهذا كالتنبيه بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سبباً في فعل ما لا يجوز "(6) فتدبر كلام الله ورسوله وما قرره العلماء ومنهم الإمامان ابن تيمية وابن القيم في هذه الآية وأمثالها تعلم حقيقة الحال وهو أن سكوت العلماء الناصحين عن بعض الحق من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى ، وهذا الباب دقيق يخفى على كثير من طلبة العلم فضلاً عن غيرهم ولا يعقله ويضبطه إلا العلماء الربانيون الذين شابت لحاهم وقضوا عقوداً من عمرهم في التعلم والتعليم ، واعتبر ذلك بالصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما خفي عليهم حقيقة الأمر فبادروا بالإنكار على الأعرابي البائل في طائفة المسجد وزجرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهم مَنْ هم في العلم والعمل ولا تنس قصة الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر في صلح الحديبية .

المزلق الثاني /
قال العلوان:" وأما الآن فقد أصبح كثير من أهل العلم موظفين لدى السلاطين فأخرست الأطماع ألسنتهم فلا يقدرون على القيام بالعهد والميثاق المأخوذ عليهم في الكتاب. ولا يستطيعون مصاولة الباطل ولا مقارعة الفساد - ثم قال - وإني لأرمق بإجلال وإكبار عالماً عزت عليه نفسه فلم يذلها بالتردد على قصور السلاطين واستغنى عما في أيديهم فجعل العلم خادماً للدين وليس للسياسة . وسخر الفتوى للديانة وليست للإعاشة" (7)
إن كون العالم موظفاً لدى دولة السلطان أو ذا علاقة به ويدخل عليه ليس ذماً يذم به فقد كان كثير من سلفنا ذا علاقة بالسلطان فظن بعضهم - في زمنهم - بهم ظن السوء كما ظننت بعلمائنا فبينوا واقع حالهم فقبل من قبل وأعرض من أعرض، فيا سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة ، وما أكثر ما يظن الجهلة والغالون ظن السوء بغيرهم من العلماء الربانيين.
روى ابن أبي حاتم عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه قيل له: إنك تدخل على السلطان وهم يظلمون ويجورون ؟ فقال:" يرحمك الله فأين المتكلم بالحق "(8) وسئل الإمام أحمد عن إسحاق بن راهويه ؟ فقال: أنا أسأل عنه ، إنما ينبغي أن يسأل إسحاق عني ! فقيل: يا أبا عبد الله لم أرد به في الحديث إنما أردت دخوله على السلاطين وأخذه أموالهم . فقال أحمد: نعم، يدخل عليهم ويأخذ أموالهم ويدعوهم إلى السنن ويعلمهم إياها، فربما يثنى على واحد حتى يولى على مدينة ، فيدعو الناس إلى السنة ، فيكون الأجر كله لإسحاق .(9) قال ابن الوزير: "وأما من خالط الملوك أو كاتبهم أو قبل عطاياهم فهم السواد الأعظم من المتقدمين والمتأخرين والصحابة والتابعين "(10) وقال الشوكاني:" ولا يمكن حصر عدد من يتصل من أهل العلم والفضل بسلاطين قرن من القرون بل بسلاطين بعض القرن في جميع الأرض "(11) . إذا علمت هذا، وغيره كثير ، علمت كم في كلام العلوان من سوء الظن بعلماء هُمْ في درجة أشياخه بل أشياخ أشياخه وكم في كلامه من الجهل بأن عاب ما لم يعبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

المزلق الثالث /
قال العلوان: "وإني لأرمق بإجلال وإكبار عالماً عزت عليه نفسه فلم يذلها بالتردد على قصور السلاطين واستغنى عما في أيديهم فجعل العلم خادماً للدين وليس للسياسة . وسخر الفتوى للديانة وليست للإعاشة" (12)
ليس من لازم التردد على السلاطين وأخذ أموالهم جعل الفتوى للإعاشة لا للديانة، وإلا فما أنت قائل في إسحاق بن راهويه، وقبله كثيرون كابن عباس وابن عمر والحسين بن علي بن أبي طالب وأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وعلقمة والأسود والنخعي والحسن البصري والشعبي فإنهم جوزوا وأخذوا أموال السلاطين (13). فلعلك بهذا تكون على يقين بأن الشيخ العلوان تكلم في هذه الأمور بجهل وسوء ظن بالعلماء فيا حسرتاه أين الغيورون على علمائهم لا سيما من أناس ظلموهم ؟
قال الإمام ابن عبد البر حافظ المغرب:
قل لمن ينكر أكـلي لطعام الأمراء
أنت من جهلك عندي بمحل السفهاء
وانظر تقريراً مفيداً حول هذه الأموال ، وشرعيتها في كلام للشيخ العلامة عبداللطيف بن عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - عندما رد على رجل عاب على غيره أخذ الأموال ، وبين له أن تنقصه لهم غيبة (14).

المزلق الرابع /
نسب الشيخ العلوان إلى أكثر السلف أنهم كانوا يكرهون أعطيات السلاطين فقال:" ومن هنا كان أكثر أئمة السلف يدعون إلى الأعمال التجارية الحرة دون التقيد بالأعمال الحكومية ويكرهون أعطيات السلاطين وهدايا الملوك ويرفضون قبولها"(14)
وما عزاه إلى الأكثر فيه نظر لا يوافقه عليه ابن الوزير إذ عزا -كما تقدم - الأخذ إلى السواد الأعظم من الصحابة والتابعين .

المزلق الخامس /
قال العلوان:"وسخر الفتوى للديانة وليست للإعاشة. وعبيد الدنيا والشهوات ينكرون هذا الكلام ويكافحون هذا الفكر ويعيشون في ظلمات التيه والرذيلة والشرود عن حقيقة الواقع. والأغرب من هذا أن يطاردوا هذا الفكر باسم الدين والعلم أو التقدم والحضارة الجديدة "(15)
ذكرني كلامه هذا بما قاله محمد سرور زين العابدين في مجلته المسماة - تلبيساً وزوراً - بمجلة السنة إذ قال: (وصنف آخر يأخذون ولا يخجلون، ويربطون مواقفهم بمواقف ساداتهم … فإذا استعان السادة بالأمريكان، انبرى العبيد إلى حشد الأدلة التي تجيز هذا العمل… وإذا اختلف السادة مع إيران الرافضة، تذكر العبيد خبث الرافضة…- ثم قال - لقد كان الرق في القديم بسيطاً، لأن للرقيق سيداً مباشراً، أما اليوم فالرق معقد ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم عبيد عبيد عبيد عبيد العبيد، وسيدهم الأخير نصراني"(16) .
يا ترى من هؤلاء المتحدثون عن التوحيد وليسوا أهله؟ صدق الله (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .

ومقصدي من ذكر هذه المزالق الخمسة ردع الشيخ العلوان وأمثاله ومن اغتر بكلامه وتأديبهم بسياط العلم عن الوقوع في لحوم العلماء وتجرئة السفهاء على ذلك . قال ابن الوزير:" والقصد ما ذكرته من الزجر عن الغيبة، واعتقاد جرح من فعله من أهل الديانة والعلم، فقد ذكر العلماء من أنواع الغيبة قول القائل: فلان مبتلى بمخالطة السلاطين، فالله يسامحه، ونحو ذلك من غيبة القراء"(17) .

المزلق السادس /
قال العلوان:"وقد يخلطون بين الصبر على جور الحكام…. وبين الثبات على الإيمان ومواجهة الحاكمية الجاهلية والقرارات السياسية الضارة بالرعية ولم يزل الأئمة الصادقون والدعاة الناصحون في سائر قرون الإسلام يفرقون بين الأمرين ويواجهون الأهواء والانحرافات الفكرية والسياسية …" (18)
الواقع الذي يعرفه العارفون لا العاطفيون أن هناك أموراً ينبغي معرفتها والتفريق بينها وهي إنكار المنكر ، والنصح للسلطان، والسمع والطاعة له في غير ما حرم الله . فأهل السنة ومقدمهم -في هذا الزمن- علماؤنا الأجلاء الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح اللحيدان والشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - رحم الله ميتهم وحيهم - ساعون في إنكار المنكرات من الشرك والبدع وعموم المعاصي مع النصح لسلطانهم وولي أمرهم بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، وهم في ذلك مدينون له بالبيعة في أعناقهم طاعة لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وسيراً على نهج من سلف من خيار هذه الأمة ، ولن أطيل بذكر النقولات ولكن أختصر(19) مقتصراً على نقلين عن عالمين جليلين معاصرين :
الأول/ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - قال: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر ، لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف ، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير. وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى، وينكر الخمر ، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله ، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلاناً يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم . ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة بن زيد - رضي الله عنه -: ألا تنكر على عثمان؟ قال: أأنكر عليه عند الناس؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس. ولما فتحوا الشر في زمن عثمان - رضي الله عنه -، وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك ، وقتل جم كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الناس ولي أمرهم، وحتى قتلوه. نسأل الله العافية"(20)
الثاني: الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - قال: "فإذا كان الكلام في الملك بغيبة، أو نصحه جهراً، والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته ، فلا يشك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه - يريد الإسرار بالنصح ونحوه- لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يَغْشَوْنَهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم… - ثم قال - فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً ، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء ، فلا نغتر بمن يفعل ذلك ، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى بهم، والله يتولى هداك"(21)
إذا عقلت ما قرره هذان العالمان الربانيان اتضح لك كم في كلام الشيخ العلوان من الإجمال الملبس على من لا دراية له ، وما هذا صنيع الناصحين؟
فاحرص أيها السني على إنكار المنكر - بالضوابط الشرعية - ومناصحة من ولاه الله عليك ، وإياك والتشهير به في غيبته باسم النصح وإيغار صدور الناس عليه ، فإن هذا يضر ولا ينفع وما أحداث الجزائر عنا ببعيد (22).

أيها الشيخ العلوان الرِّفقَ الرِّفقَ والنظر بعين البصر والبصيرة مع الاتعاظ بمن حولك من الدول ولمن سبقك من الرجال، وإياك أن يغرر بك الهمجيون الرعاء ، واستفد من تجربة غيرك، فإنهم كانوا على ما أنت فيه - الآن - أقوى، والناس من حولهم أكثر ، لكن تبين لهم أن الطريق الذي كانوا يسيرون عليه لا يوصل ، فهلا استفدت من تجارب الآخرين . على أن من قرأ الأحاديث النبوية ، وسيرة من سلف بشيء من التدبر علم أن طريق التهييج والثورة على السلطان باسم إنكار المنكر خطأ، فلا صاحبه أقام ديناً ولا حقق في الدنيا مراداً .

المزلق السابع /
دعا الشيخ العلوان الأمة في رسالته الصغيرة هذه إلى الجهاد وزعمه حلاً - الآن - لإحياء ما مات وإصلاح ما عطل وفسد منها .
دعوة الأمة - الآن - وفي مثل حالتها الراهنة إلى الجهاد هو في الواقع إهلاك لها، وإضاعة لجهود وأنفس شبابها ، وليس معنى هذا إنكار جهاد الطلب حاشا لله، بل الجهاد من خير الأعمال وأفضلها حتى ذهب بعض العلماء كالإمام أحمد إلى أنه أفضل أعمال البر، قال الأثرم: قال أحمد:" لا نعلم شيئاً من أبواب البر أفضل من السبيل. وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله، وذكر له أمر الغزو؟ فجعل يبكي، ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه . وقال عنه غيره: ليس يعدل لقاء العدو شيء "(23)
إذا تبين أنه ليس معنى هذا الكلام إنكار جهاد الطلب وإنما المراد بيان أنه لا يصح القيام به - الآن - لكون المسلمين ضعفاء والقيام به يضر أكثر مما ينفع ، وقد يستنكر بعض القراء مثل هذا لكن لكي يتضح له الأمر بدليله - وهذا من حقه - فليتفهم بنفس متجردة ما سأذكر :
1- أن جهاد الأعداء وقتالهم مشروع في شرع الله لغيره لا لذاته فهو من باب الوسائل لا الغايات والمقاصد وإنما المقصد والغاية إقامة دين الله في الأرض كما قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) قال ابن جرير: "يقول: وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره "(24) وروى أبو موسى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله " رواه البخاري. قال ابن تيمية:" فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هي مقصود الجهاد في سبيل الله "(25) وقال ابن القيم:" ولأجلها - أي التوحيد- جردت سيوف الجهاد" (26) . ولو كان الجهاد مقصوداً لذاته لما سقط بأخذ الجزية كما قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
فإذا تقرر أن الجهاد مشروع في شرع الله لغيره وهو إقامة دين الله في الأرض ، فإنه إذا كان الجهاد يؤدي إلى إهلاك المسلمين زيادة على هلاكهم فإنه لا يشرع بل يحرم فإن الشرع جاء بدرء المفاسد وتقليلها وجلب المصالح وتكميلها ، وبهذا تدرك لماذا لم يشرع الجهاد والصحابة في مكة لكون الصحابة ضعفاء وقيامهم بالجهاد يضرهم أكثر مما ينفع . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: "ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال - مع قلة عَدَدهم وعُدَدهم، وكثرة أعدائهم- لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها، ولغير ذلك من الحكم. وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك، كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) فلما هاجروا إلى المدينة، وقوي الإسلام، كتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك"(27) وقال ابن تيمية:" وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد، ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار . فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش ملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله -تعالى- بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة، فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال"(28) وقال:" وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شرع ذلك"(29) .
وبعد هذا فأنا أسأل الشيخ العلوان بربه هل المسلمون - الآن - في قوة بالنسبة لعدوهم أم في ضعف؟ هل هم أشبه بالحال المكية أم المدنية في هذا الأمر؟
لا يشك عقول غير مكابر ولا جهول أن المسلمين - الآن - أشبه بالحالة المكية من الحالة المدنية في هذا الأمر فجهادهم العدو يضر أكثر مما ينفع قال الشيخ محمد صالح العثيمين:" ولهذا لو قال لنا قائل الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا ؟؟!!!! لماذا؟؟ لعدم القدرة، الأسلحة إلي قد ذهب عصرها عندهم هي التي في أيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئاً فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء ولهذا أقول: إنه من الحمق أن يقول قائل: أنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا كيف نقاتل؟ هذا تأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به عز وجل: (َأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) ، هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هو الإيمان والتقوى …"(30)
2- أن الذنوب والمعاصي وعلى رأسها الشرك والبدعة سبب عظيم من أسباب انهزام المسلمين ونكوسهم وفي المقابل التوحيد والسنة سبب عظيم من أسباب عزهم وقوتهم ، قال ابن تيمية: "وحيث ظهر الكفار، فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، كما قال -تعالى-: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) "(31) وقال: "وأما الغلبة فإن الله تعالى قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة، كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عدوهم، لكن الغلبة للمتقين فإن الله يقول: ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) وإذا كان في المسلمين ضعفاً، وكان عدوهم مستظهراً عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطناً وظاهراً، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطناً وظاهراً، قال الله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) وقال تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) وقال تعالى: ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(32). وقال ابن القيم: "فلو رجع العبد إلى السبب والموجب لكان اشتغاله بدفعه أجدى عليه، وأنفع له من خصومة من جرى على يديه. فإنه - وإن كان ظالماً - فهو الذي سلطه على نفسه بظلمه . قال الله تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) فأخبر أن أذى عدوهم لهم، وغلبتهم لهم: إنما هو بسبب ظلمهم . وقال الله تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) "(33) وقال: "وكذلك النصر والتأييد الكامل، إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) وقال: ( فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر، والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجب، أو فعل محرم. وهو من نقص إيمانه. وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً في الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً في الحجة . والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى. فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور، مكفي، مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهراً وباطناً. وقد قال تعالى للمؤمنين: ( وَلا تَهنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وقال تعالى: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم، التي هي جند من جنود الله، يحفظهم بها، ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم، كما يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم، إذ كانت لغيره، ولم تكن موافقة لأمره"(34) .
فإذا تقرر أن سبب ضعف المسلمين ذنوبهم فلنسع جميعاً لإرجاع أنفسنا وإخواننا المسلمين إلى الله فنحذرهم من الشرك ووسائله و البدعة والمبتدعة ولا نضيع الأعمار ونهدر الطاقات في مشاكسة الحكام ومنازعتهم فإنه ما ولي حاكم فاسد إلا لفساد المحكومين والعكس بالعكس كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
كيف نريد نصراً وأطناب الشرك الأكبر من عبادة الأولياء والتقرب للأموات في العالم الإسلامي قد ضربت ، والناس يهوون إليها زرافات ووحداناً ، وكيف نريد نصراً والتصوف الغالي قد عم كثيراً من المعمورة ، بل كيف نريد نصراً والتمشعر والاعتزال والتجهم هو المقرر في كثير من الجامعات والمعاهد المسماة إسلامية ، أم كيف تريد نصراً وعلى البدعة ينشأ الصغير ويهرم الكبير حتى إذا غيرت قيل: غيرت السنة .
يا منشدي الإصلاح و عز الإسلام والمسلمين وذل الكفرة والكافرين، ابدءوا بتصحيح معتقدات وعبادات وأخلاق من ضل من عامة الناس، فإن تم ذلك فأبشروا بنصر الله (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) .
3- الجهاد المشروع نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع . إلا أن جهاد الدفع أوجب من جهاد الطلب. قال ابن تيمية: "أما قتال الدفع: فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين. فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه. فلا يشترط له شرط. بل يدفع بحسب الإمكان. وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم. فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر، وبين طلبه في بلاده"(35) وقال ابن القيم: "أقسام الجهاد: فإذا كانت المسابقة شرعت ليتعلم المؤمن القتال ويتعوده ويتمرن عليه فمن المعلوم أن المجاهد قد يقصد دفع العدو إذا كان المجاهد مطلوبا والعدو طالبا وقد يقصد الظفر بالعدو ابتداء إذا كان طالبا والعدو مطلوبا وقد يقصد كلا الأمرين والأقسام ثلاثة يؤمر المؤمن فيها بالجهاد وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه، كما قال الله تعالى: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- :"من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد" لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة ودفع الصائل على المال والنفس مباح ورخصة فإن قتل فيه فهو شهيد، فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا، ولهذا يتعين على كل أحد يقوم ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه والولد بدون إذن أبويه والغريم بغير إذن غريمه وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق ، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين فكان الجهاد واجبا عليهم لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع لا جهاد اختيار ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع وهل تباح في جهاد الطلب إذا خاف فوت العدو ولم يخف كرته فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالبا مطلوبا أوجب من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب والنفوس فيه أرغب من الوجهين، وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله وإما راغب في المغنم والسبي فجهاد الدفع يقصده كل أحد ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعا وعقلا وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين وأما الجهاد الذي يكون فيه طالبا مطلوبا فهذا يقصده خيار الناس لإعلاء كلمة الله ودينه ويقصده أوساطهم للدفع ولمحبة الظفر"(36) إلا أنه ينبغي أن يتنبه أن العدو إذا تمكن من المسلمين في أرضهم وصارت له الغلبة والتمكين، وصار المسلمون مستضعفين متغلباً عليهم، فهنا تغيرت الصورة ولم تكن من جنس جهاد الدفع الذي يجب الاستمرار فيه ، بل من جنس المستضعفين المأمورين بالهجرة وجوباً إذا لم يستطيعوا إظهار دينهم قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وثبت عند النسائي وابن ماجه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً، أو يفارق المشركين إلى المسلمين" وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم، قال ابن كثير:" فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهرانيّ المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين فهو ظالم لنفسه مرتكبٌ حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية …"(37) .وقال العيني :"وأما الهجرة عن المواضع التي لا يتأتى فيها أمر الدين فهي واجبةٌ اتفاقاً"(38) . وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن " لأن هذا ذنبٌ -أي عدم الهجرة- قد تقرر أنه من الكبائر المُتوعَّد صاحبها بالوعيد الشديد بنص القرآن وإجماع أ هل العلم إلا لمن أظهر دينه …. "(38) وقال الشيخ المحقق عبد الرحمن السعدي "وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثيرٌ متفقون على الوجوب إذا عجز عن إظهار دينه ، واستحبابه إذا كان قادراً على ذلك وليس لأحدٍ خروجٌ عما قالوا واستدلوا عليه وعللوه …"(39). وعلة وجوب الهجرة كونهم مستضعفين لا يستطيعون إظهار دينهم، ويستوي في هذا ما إذا كانت الأرض أرض مسلمين فاستولى عليها الكفار، وتمكنوا، وإذا كانت الأرض أرض كفار فأسلم فيها مسلمون. وقد قام بالهجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فتركوا دورهم وأموالهم، ومنهم من ترك أهله وأبناءه، وهم في ذلك يهاجرون عن البيت الحرام (مكة) وهي أحب البقاع إلى الله. فإذا تقرر هذا فالمسلمون الذين يعيشون في أرض متغلب فيها الكفار إن استطاعوا إظهار دينهم، فلا تجب عليهم الهجرة، لكن لا يجوز لهم أن يقاتلوا الكفار المتغلبين على أرضهم؛ لكونهم ضعفاء ويتسبب في أذى الكفار للمسلمين أكثر.
وهذا الكلام وإن كان مؤلماً لا تتحمله نفوس كثيرين، إلا أنه الذي يجب اعتقاده والعمل به حفظاً لدماء وأعراض إخواننا المسلمين المستضعفين .

المزلق الثامن/
أشاد الشيخ العلوان في رسالته بالعمليات الاستشهادية وحض عليها مستدلاً بقصة الغلام الذي دل الملك على قتله. أخرجه الإمام مسلم في صحيحه . وفي الاستدلال بهذا الحديث نظر من أوجه :
1- أن هذا الحديث من شرع من قبلنا ، وهل شرع من قبلنا شرع لنا هذا فيه خلاف معروف بين العلماء مذكور في علم أصول الفقه.
2- الناظر في قصة هذا الغلام يجده مؤيداً بالكرامات وبأمور راجعة إلى إعلامه بعلم الغيب ، ومن المعلوم أن الكرامات والآيات الكونية وإعلام الغيب من فعل الله ، وما كان فعلاً لله فلا يقاس عليه فعال المخلوقين ، وإلا من أين علم الغلام أن الملك إذا رماه على هذه الصورة قتله لما قال له: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني " أليس هذا من علم الغيب؟!.
3- أن الملك لما قتل الغلام حصل خير عظيم بإسلام خلق كثير ، فإن الناس بعد قتله قالوا: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام " وهذه المصلحة الراجحة لا نراها تنتج من العمليات المسماة استشهادية بل إنه يقتل من الكفار عشرة أو عشرون وفي المقابل يباد من المسلمين مائة أو مائتان إن لم يكن أكثر مع المضاعفة في أذى الأحياء في نفوسهم وأعراضهم - كان الله في عونهم وعجل بالفرج من عنده إنه أرحم الراحمين - .
فكل ذي معرفة بالواقع ولو قليلاً يعلم هذا ويدريه ، فبهذا يتبين الفرق بين واقع فعل الغلام وهذه العمليات المسماة استشهادية ، ففعل الغلام نتج عنه مصالح راجحة أما هذه العمليات فنتجت عنها مفاسد راجحة .
أما قول الشيخ العلوان:" وقد ثبت في دنيا الواقع فوائد هذه العمليات وكبير فعاليتها، فقد أذهلت الأعداء و زرعت الرعب في قلوبهم وأصبحت ويلاً وثبوراً عليهم، وكان سبب رحيل أعداد كبيرة من اليهود عن أراضي فلسطين وسبباً كبيراً في تقليل نسبة المهاجرين إلى الأرض المقدسة "(40) فإن الجازمين بحرمة هذه العمليات لا ينكرون وجود مصلحة فيها لكنهم يقررون بوضوح أن هذه مصلحة قليلة مقابل المفسدة الكبيرة التي تترتب عليها وما كان كذلك فهو في شرع الله حرام كما قال تعالى في الخمر والميسر: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) قال ابن تيمية:" لأن المصلحة في المنفعة الحاصلة أو الغالبة ، وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة ، كما قال تعالى في الخمر والميسر: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام وأهل التصوف وأهل الرأي وأهل الملك حسبوه منفعة أو مصلحة نافعاً وحقاً وصواباً ولم يكن كذلك"(41) لذا ذهب العلماء الربانيون الراسخون في شرع الله إلى حرمة هذه العمليات كالشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ صالح بن فوزان الفوزان والشيخ عبد العزيز آل الشيخ وآخرين(42) ، وأكتفي بنقل كلام أحدهم وهو فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرحه لهذا الحديث الذي استدل به العلوان وهو حديث الغلام مع الملك قال: ( فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار ثم يفجرها إذا كان بينهم، فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله . ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- . لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مائة أو مائتين لم ينتفع الإسلام بذلك فلم يسلم الناس، بخلاف قصة الغلام. وهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل حتى يفتك بالمسلمين أشد الفتك . كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة أخذوا من جراء ذلك ستين نفراً أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين ولا انتفاع للذين فجرت المتفجرات في صفوفهم . ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار نرى أنه من قتل النفس بغير حق وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله . وأن صاحبه ليس بشهيد. لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولاً ظاناً أنه جائز فإننا نرجو أن يسلم من الإثم ، وأما أن تكتب له الشهادة فلا ، لأنه لم يسلك طريق الشهادة ، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر." (43)
والكلام في هذه العمليات ،ومتى تجوز، طويل الذيل لا يناسبه هذا المختصر ، وإنما المقصود بيان عدم صحة استدلاله بحديث الغلام وأن تجويزه للعمليات المسماة استشهادية في أرض فلسطين راجع إلى عدم تمييزه بين مطلق المصلحة والمصلحة الراجحة ،وأن الشريعة إنما تجوز الثاني دون الأول.

المزلق التاسع /
قال الشيخ العلوان: "وقد ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في فتح الباري (1/23) عن سفيان بن عيينة أنه قال: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم وليسا سواء لأن ركوب المحارم متعمداً من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر هو كفر "(44)
وفي هذا أمران :
الأول / أنه عزاه لابن رجب في شرحه على البخاري ولم يعزه إلى مصدر أصلي مخرج له بإسناده وهذا نقص ، لاسيما ومصادره المخرجة له موجودة متوفرة عند أهل الاطلاع والمعرفة وقد أخرجه على سبيل المثال الإمام عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة برقم ( 745) .
الثاني / أن إسناد الأثر ضعيف لا يصح لأن فيه سويد بن سعيد الهروي ، قال فيه الإمام علي بن المديني: ليس بشيء ، وقال يعقوب بن شيبة: صدوق مضطرب الحفظ ولاسيما بعدما عمي . قال ابن حجر: صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه .

المزلق العاشر/
استدل الشيخ العلوان بأثر رواه الخلال عن الحميدي قال: وأخبرت أن قوماً يقولون: إن من أقر بالصلاة والزكاة ....
وفي إسناد الأثر عبيد الله بن حنبل ذكر البغدادي في تاريخه (45) بأنه قيل إنه : عبد الله - وقد تقدم -، وبالرجوع إلى ترجمة عبد الله (46) فإنه لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ومن كان حاله مثل هذا فهو مجهول الحال لا يعول على خبره لضعفه ، ولا أدري لماذا استدل به العلوان مع ضعفه ووجود ما يغني عنه وهو أصرح ؟ أكان غير عالم بضعفه ؟ أم ماذا ؟ .

هذه المزالق العشرة هي ما أردت التنبيه عليها في هذا الجزء الأول ، وقريباً - إن شاء الله - ترون الجزء الثاني وفيه مزالق غير قليلة علمية و منهجية .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم

الحواشي:
------------------------------------------------------------
(1) ص27 وانظر ص36 .
(2) ص46 .
(3) ص2 .
(4) ص29-30 .
(5) الفتاوى الكبرى (3 / 258) .
(6) أعلام الموقعين(3/ 149) وانظر تفسير ابن كثير (3/ 314) .
(7) ص 30 .
(8) الجرح والتعديل (1/30) .
(9) أخرجه سبط ابن الجوزي في الجليس الصالح ص204 .
(10) العواصم والقواصم (7/ 206) .
(11) رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين ص 85 علماً أن لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين شرحاً مفيداً مسموعاً على هذا الكتاب .
(12) ص 30 .
(13) انظر شرح ابن بطال لصحيح البخاري (3/508) والعواصم والقواصم (8 / 196-197) .
(14) الرسائل والمسائل النجدية (3 / 229 / 231 ) .
(15) ص30 .
(16) ص30 - 31 .
(17) مجلة السنة العدد السادس والعشرون ص29-30 .
(18) العواصم والقواصم (8 / 199) .
(19) ص27 .
(20) من أراد الإطالة فليراجع كتاب معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة فإنه مفيد في بابه .
(21) فتوى للشيخ ابن باز مطبوعة في آخر رسالة " حقوق الراعي والرعية" لابن عثيمين ص27-28 .
(22) مقاصد الإسلام ص393 .
(23) راجع لزاماً كتاب مدارك النظر للشيخ عبد المالك رمضاني وكتابه فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من الدماء في الجزائر.
(24) المغني (13/ 10-11) .
(25) تفسير ابن جرير (9 / 162) .
(26) مجموع الفتاوى ( 28/ 308 ) .
(27) زاد المعاد(1/34) وأعلام الموقعين (1/ 4) .
(28) التفسير ص 188 .
(29) الجواب الصحيح (1/ 237) .
(30) اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 420) وانظر الصارم المسلول (2/ 413-414 ).
(31) شرح بلوغ المرام من كتاب الجهاد الشريط الأول الوجه (أ).
(32) الجواب الصحيح (6/ 450) .
(33) مجموع الفتاوى ( 11/ 645 ) وانظر (8/ 239) (14/ 424 ) .
(34) مدارج السالكين (2/ 240) .
(35) إغاثة اللهفان (2/ 182) .
(36) الاختيارات الفقهية ص532 .
(37) الفروسية ص186 -189 .
(38) في تفسيره عند قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ...).
(39) عمدة القاري (14/80) .
(40) ( الدرر السنية ص 146 مجلد الجهاد ).
(41) المجموعة الكاملة (7/69) .
(42) ص25 .
(43) مجموع الفتاوى (11 / 345).
(44) وانظر كلامهم مسموعاً في شريط أقوال العلماء في حكم التفجيرات والمظاهرات والاغتيالات والعمليات الانتحارية .
(45) شرح رياض الصالحين (1/124) وهو موجود بصوته .
(46) ص14 .
(47) (10/ 347) .
(48) (9/ 450) .

(يتبع الجزء الثاني)
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-27-2012, 07:43 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي

إتحاف الإخوان بمزالق العلوان

الجزء الثاني
( عشرة مزالق)


بقلم
أبي عبد الله
عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
هذه تكملة المزالق الموجودة في رسالة " ألا إن نصر الله قريب " للشيخ سليمان العلوان -أخذ الله بنواصينا وإياه للبر والتقوى - بعد أن تم - برحمة الله- إصدار الجزء الأول ، وكان محتوياً على عشرة مزالق ، وعدد هذه المزالق الموجودة في الجزء الثاني عشرة مزالق، وبهذا تكون مجموع المزالق عشرين مزلقاً وقد ذيلت الجزء الثاني بملحق فيه عدة ردود على كلمة قصيرة ألقاها الشيخ العلوان بعنوان" دعنا نمت حتى ننال شهادة ".
أسأل الله أن يمن بالقبول ، وأن يشرح صدر الشيخ العلوان لتقبلها.
في هذا الجزء - الثاني - حقائق مؤلمة وهي: أن للعلوان أقوالاً محدثة لم يسبقه إليها العلماء الماضون المرضيون :

المزلق الحادي عشر /
حاول العلوان أن يضعف أثر ابن عباس - رضي الله عنه - في حكمه على الحكم بغير ما أنزل الله بأنه أصغر فقال: "وما قيل عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال:" كفر دون كفر " لا يثبت عنه "(1)
ثم ذكر أن رواية هي به كفر تدل على أن ابن عباس أراد الكفر الأكبر فقال: هي كفر ، وفي لفظ " هي به كفر.....(2)
أنه على التسليم بضعف رواية هشام بن حجير(3) فإن رواية " هي به كفر " الثابتة -والتي صححها العلوان نفسه- تدل على أن المراد به الكفر الأصغر لا الأكبر لما يلي :
1/ أن تلاميذ ابن عباس على أن ( الكافرون ) في الآية كفر أصغر وكلام العالم يفهم من كلام تلاميذه فهم أعلم بما يُروى عن شيخهم (4) وإمامهم .
أخرج الإمام أحمد (5) والطبري (6) وابن نصر(7) بإسناد صحيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال:" كفر دون كفر وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق " ، وأخرج الإمام أحمد(8) والطبري وابن نصر(9) بإسناد صحيح عن طاووس أنه قال:" كفر لا ينقل عن الملة " .
فهذا كافٍ في بيان مراد ابن عباس ، ولا أظن عاقلاً يقدم فهم العلوان المحتمل على ما عليه تلاميذ ابن عباس - رضي الله عنه - الملازمون له كطاووس وعطاء ؟.
2/ أن العلماء -الذين مذهبهم أسلم وأعلم وأحكم- لم يفهموا أن المراد من هذه الرواية(10) أنها كفر أكبر ، ودونكم كتب التفسير والمعتقد والآثار فأرشدوني إلى من سبق العلوان إلى هذا الفهم ، بل سلوه من سلفه ؟ وهل ممكن عند ذوي الحجا أن يهتدي العلوان إلى حق وخير دون علماء الأمة ؟! فها أنا أنتظر من العلوان نفسه أو من أحد المقربين إليه أن يرشدوني إلى سلف العلوان ؟ فإن لم يجدوا - وهذا ما أجزم به وفوق كل ذي علم عليم - فيجب عليه وعليهم أن ينتهوا. وأن يغاروا على دين الله فلا يحدثوا فيه ما ليس منه ، فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم .

المزلق الثاني عشر/
زعم العلوان - بجرأة غريبة - أن رواية كفر دون كفر منكرة فقال:" وطريق هشام بن حجير ( كفر دون كفر ) منكرة من وجهين: الوجه الأول: تفرد هشام به ، والوجه الثاني: مخالفته من هو أوثق منه "(11)
وزعمه أن هذه الرواية منكرة مردود قطعاً ، فإنه لا مخالفة - كما تقدم - فرواية " كفر دون كفر " مثل رواية " هي به كفر " لما سبق .
ثم إن جماعات كثيرة من العلماء المحققين احتجوا برواية كفر دون كفر ، والاحتجاج فرع عن التصحيح كالإمام أبي عبيد القاسم بن سلام(12) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (13) وأبي مظفر السمعاني إذ قال:" وقال ابن عباس: الآية في المسلمين وأراد به كفر دون كفر ، واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم …"(14) والبغوي في تفسيره (15) وابن العربي المالكي(16) والإمام ابن تيمية(17) وابن القيم(18) والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني(19) والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20) وأخيراً الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين إذ قال :" لكن لما كان هذا ( الأثر ) لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصح، وقد تلقاه من هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل. - ثم قال - وأما بالنسبة لأثر ابن عباس فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به وينقلونه فالأثر صحيح "(21)
فهل استدل هؤلاء الجهابذة البحار والأئمة الأبرار بما هو منكر ؟
وكيف يكون منكراً وقد تلقاه العلماء بالقبول ؟
ثم هل يلتزم هؤلاء ظاهر الآية فيكفرون كل من لم يحكم بغير ما أنزل الله ؟ فهل يكفرون الظالم بين أزواجه والظالم لخدمه لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله؟ فإن مقتضى العموم في ( من ) أن تكون شاملة لكل أحد ، ومقتضى العموم في ( ما) أن تكون شاملة لكل مسألة من غير تفريق؟! فالنصوص الدالة على عدم كفر الظالم صارفة للفظ ( الكافرون ) من الأكبر إلى الأصغر .

المزلق الثالث عشر /
قال العلوان:" يريد أن الآية على إطلاقها والأصل في الكفر إذا عرّف باللام أنه الكفر الأكبر كما قرر هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاقتضاء (1/208) إلا إذا قيد أو جاءت قرينة تصرفه عن ذلك "(22) .
عجباً للشيخ العلوان كيف يستدل باستقراء ابن تيمية للفظة ( الكفر) على ما نحن بصدده فكلام ابن تيمية على المصدر والوارد في الآية اسم فاعل وبينهما فرق(23) عند العارفين، ويؤكد هذا قول ابن تيمية نفسه:" إذا كان من قول السلف: أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق ، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر ، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى :(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملة ، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة "(24)
فنحن إما أن نقر استقراء ابن تيمية لكن نجعله على دون اسم الفاعل أو أن نجعل استقراء ابن تيمية منقوصاً غير تام . فيا ليت العلوان حقق القول في هذه المسألة مراعياً الاتباع لا الابتداع قبل الاستماتة في الدعوة إليه .

المزلق الرابع عشر /
تمسك العلوان بكلام للإمام ابن كثير في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله فقال: "وقد قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله - في البداية والنهاية (13/119): (من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى إلياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين)"(25)
رأيت لبعضهم كلاماً مفيداً حول الاحتجاج بالإجماع الذي نقله ابن كثير أنقله بحروفه: ( إن معرفتنا بحال التتر وواقع الياسق معين على فهم هذا الإجماع المحكي وذلك أنهم وقعوا في التحليل والتحريم. قال ابن تيمية :"إنهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يرجح دين المسلمين ا.هـ(26)، وقد بين ابن تيمية كيف أنهم يعظمون جنكز خان ويقرنونه بالرسول -صلى الله عليه وسلم- .-ثم قال - :" ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ (أي جوز) اتباع غير دين الإسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ا.هـ ومما يدل على أن الإجماع الذي حكاه ابن كثير راجعٌ إلى التحليل والتحريم ما قاله ابن كثير نفسه :"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهِمْ جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارةٌ عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير .ا.هـ(27) وقال أحمد بن علي الفزاري القلقشندي : ( ثم الذي كان عليه جنكيز خان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثره مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ….ا.هـ(28) . فمن كلام ابن كثير وشيخه أبي العباس ابن تيمية وغيرهما يتضح أن الإجماع المحكيَّ فيمن وقع في التحليل والتحريم أي تجويز حكم غير حكم الله إذ جعلوا الياسق كدين الإسلام موصلاً إلى الله ومسألتنا المطروحة فيمن حكم بغير ما أنزل الله مع الاعتراف بالعصيان لا مع القول بأنه جائز لا محظور فيه أو بأنه طريق للرضوان .
ثم تنبه - أيها القارئ - إلى قول ابن كثير : ( فكيف بمن تحاكم الياسق وقدمها عليه) ا.هـ هؤلاء جمعوا بين التحاكم إلى الياسق وتقديمه على شرع الله ، فليس ذنبهم مجرد التحكيم الذي هو عمل بل قارنه الاعتقاد والذي منه التقديم .

فبعد هذا تعلم أن قول العلوان:" وقول بعض المعاصرين عن هذا الإجماع الذي نقله ابن كثير -رحمه الله- بأنه: ( خاص بملوك التتار ومن تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام والتي منها الجحود والاستحلال للحكم بغير ما أنزل الرحمن) هو مجرد ظن لم تسانده حقائق علمية ولا حجج قائمة "(29) قول إنشائي تعبيري لا يعول عليه إذ هو خال عاطل من حجة وبرهان .

المزلق الخامس عشر /
قال العلوان:" على أن الحافظ لم يتفرد بقوله ولا بنقله للإجماع. فخلق كثير من المتقدمين والمتأخرين يذكرون مثل هذا وأعظم "(30) .
لا أظن الشيخ العلوان - غفر الله له - إلا مبالغاً في كلامه هذا، وإلا فأوقفونا على هذا الخلق الكثير من المتقدمين على ابن كثير الذين حكوا إجماعاً . هذا مالا أظنه - عفا الله عنه - يستطيعه وأنا في الانتظار .
وهذا من باب التنزل، وإلا فإنه لا إجماع من الإمام ابن كثير على ما يزعمون - كما تقدم - ، وكم تمنيت من الشيخ العلوان أن يعرض عن أمثال هذه المبالغات التي تجعل لغيره مساغاً للقدح فيه .

المزلق السادس عشر /
قال العلوان:" وحمل الكاتب كفر التتار على الجحود والاستحلال ليس له وجه سوى تأثره بأهل الإرجاء من جعل مناط الكفر هو الاستحلال أو الجحود وهذا باطل في الشرع والعقل فالاستحلال كفر ولو لم يكن معه حكم بغير ما أنزل الله والآية صريحة في أن مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بغير ما أنزل الله "(31) .
ها هو العلوان -مع ما تقدم - يرمي العلماء الذين لا يكفرون الحاكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل بأنهم متأثرون بالإرجاء ، فعلى قوله الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- متأثر بالإرجاء، وعلى قوله اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز وعضوية الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله الغديان متأثرون بالإرجاء ، وعلى قوله الشيخ محمد ناصر الدين الألباني متأثر بالإرجاء ، وعلى قوله الشيخ محمد بن صالح العثيمين متأثر بالإرجاء، وعلى قوله الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن متأثر بالإرجاء وهكذا كثير من أهل العلم والصدق والعدالة . وإليك طرفاً من كلامهم :
- قال ابن تيمية:" وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله "(32) .
- قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن :" وإنما يحرم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة كأحكام اليونان والإفرنج والتتر وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم ، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية ، فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر قال تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) و هذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله وهو غير مستحل لذلك ، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل ، وأن كفره مخرج عن الملة"(33) .
- قالت اللجنة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية :" لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر ، وظلم أكبر، وفسق أكبر يخرج من الملة " المفتون : الرئيس: سماحة الشيخ ابن باز ، ونائبه: عبد الرزاق عفيفي، وعضوية: عبد الله الغديان (34).
-قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- :" اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - وفقه الله - المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيه الحق ، وسلك سبيل المؤمنين ،وأوضح -وفقه الله- أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه "(35) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مكالمة مسجلة إنه لا يكفر المشرع إلا إذا استحل .(36)
ولم يكن العلوان وحيداً فريداً في نشر هذه الفكرة السيئة بل شاركه في هذه الطوام المهازل أناس آخرون معاصرون كسفر الحوالي وعبد الرحمن المحمود ، وصدق الله: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ):
1- سفر الحوالي / قال في كتابه ظاهرة الإرجاء:" كما تصوروا ذلك جاء المرجئة المعاصرون فقالوا: إن من كان لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يقيم من شريعة الله إلا جزءاً قد يقل أو يكثر، لا يقيمه لأنه من أمر الله وامتثالاً له وإيماناً بدينه -ثم قال- وما لم نطلع على ذلك فكل أعماله هي على سبيل المعصية -ثم قال- كل ذلك معاص لا تخرجه من الإسلام ما لم نطلع على ما في قلبه فنعلم أنه يفضل شرعاً وحكماً غير شرع الله وحكمه على شرع الله وحكمه، أو يصرح بلسانه أنه يقصد الكفر ويعتقده ، وأنه مستحل للحكم بغير ما أنزل الله!! فمرجئة عصرنا أكثر غلواً من جهة أنهم لم يحكموا له بشيء من أحكام الكفر لا ظاهراً ولا باطناً…"(37)
2- عبدالرحمن المحمود / قال في كتابه (الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه) :" وفي المسألة التي معنا وهي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله نجد هؤلاء المائلين إلى مذهب المرجئة يقفون في الطرف المقابل، ويقولون: لا يكفر إلا الجاحد والمكذب لما أنزل الله ، أما الحكم بغير ما أنزل الله بجميع أشكاله وصوره -ما دام صاحبه لا يصرح بجحوده- فهو كفر أصغر كغيره من الكبائر"(38) أرأيتم كيف تطاول القوم على علمائنا؟ أرأيتم كيف جعلوا علماء السنة متلطخين ببدعة الإرجاء؟
والذي أدعو إليه إخواني العارفين بحق علمائهم والذين يغارون لهم أن يردوا على أمثال هؤلاء ؛ لأن الطعن في علماء أهل السنة والجماعة طعن في منهج أهل السنة أنفسهم ، فدونكم كتبهم ورسائلهم ما أكثر سقطهم وزللهم فبينوها للناس -نصحاً للدين - ودعوا أمر القبول والانتشار إلى الله فهو الكفيل بنصرة دينه والانتصار لأوليائه .

المزلق السابع عشر /
إن للعلوان عبارات وألفاظاً علمية في رسالته تدل على عدم ضبطه لدلالات الألفاظ منها:
1- قوله:" والآية ( يعني ) ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) صريحة في أن مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بغير ما أنزل الله "(39) .
أين في الآية التنصيص أو الإشارة إلى الامتناع؟ وغاية ما في الآية جعل مناط (أي علة ) الوصف بالكافر عدم الحكم بما أنزل الله لا الامتناع وبينهما فرق .
2- قوله:" وكيف لا يحكم بكفر من عطل الشريعة ونصب نفسه محللاً محرماً محسناً مقبحاً وجعل محاكم قانونية لها المرجعية في الحكم والقضاء ولا يمكن مساءلتها أو التعقيب والاعتراض على أحكامها ."(40)
هنا أجمل فأحدث إلباساً ولم يفصل على طريقة أهل العلم ، فأهل العلم مجمعون -كما حكاه غير واحد- على أن الحاكم بغير ما أنزل الله تحليلاً وتحريماً كافر، ومختلفون في حكم من حكم بغير ما أنزل الله من غير تحليل ولا تحريم . والعلوان ألزم من غير دليل -كما ترى- أمثال هؤلاء بأنهم محللة ومحرمة للحكم بغير ما أنزل الله .
3- قال العلوان:" والمراد بالطاغوت في هذه الآية الحاكم بغير شرع الله الذي جعل نفسه مشرعاً مع الله أو دون الله وقد سماه الله مشركاً في قوله: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) وقال ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) "(41) .
فجعل قوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) من الأدلة على أن الله سمى الحاكم مشركاً ، فأين في الآية ذكر الحاكم ؟ فغاية ما فيها التحدث عن المتحاكمين، فكم نحن محتاجون لمعرفة دلالة الألفاظ لا سيما إذا كنا متصدرين ، ونظن أنفسنا متحدثين عن الأمة .

المزلق الثامن عشر /
استدل -كما تقدم- بقوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر بمجرد الحكم ، وهذا خطأ عند العلماء ، لأن المراد في الآية ليس مطلق الطاعة وإنما طاعة معينة في تحليل الحرام أو تحريم الحلال دون مطلق الطاعة ، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:" وتأمل قوله تعالى:( وَإِنََّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك "(42) فمن أطاع غيره في محرم ، فإن كان معتقداً حله فهو كافر مشرك وعليه تنطبق الآية، وإن لم يعتقد حله بل فعله مع شعوره بالمعصية فهو آثم غير كافر ، قال ابن تيمية:" وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً -ثم قال- والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً ، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب " (43) هذا هو التفصيل الذي عليه علماء السنة ولم أجد أحداً حكم على مجرد الطاعة بأنها كفر إلا سيد قطب في "الظلال" فهو سلف العلوان ، أما أهل السنة فعلى التفصيل .
ومن استدلالاته الخاطئة استدلاله بقوله تعالى: ( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فإن الحكم في الآية يراد به الكوني والشرعي، فالحكم الكوني القدري أن يحكم تعالى بموت فلان وهكذا من التقادير الكونية ، فمن ظن نفسه أو غيره مشاركاً الله بهذا فهو مشرك بالإجماع ؛ لأن هذا الحكم خاص بالله سبحانه ، أما الحكم الشرعي أن يحكم الله بحرمة كذا وحل كذا فمن حلل محرماً أو حرم حلالاً فهو كافر بالإجماع، أما من أطاع غيره في محرم مع اعتقاده التحريم أو أمر بمحرم مع اعتقاده التحريم ، فهذا لا يكفر ؛ لأنه لا دليل على كفره والاستدلال بالآية على مثل هذا استدلال خاطئ ، وأخشى أن يكون من تحريف الكلم عن مواضعه.
وسبب خلط العلوان في هاتين الآيتين أنه لم يتصور الفرق بين الحاكم بغير ما أنزل الله على وجه الاستحلال ، والحاكم بغير ما أنزل الله على غير هذا الوجه .

المزلق التاسع عشر /
كثيراً ما يردد العلوان أن تعليق الكفر في الحكم بغير ما أنزل الله بالاستحلال لا يصح ؛ لأن الاستحلال كفر بذاته سواء حكم أو لم يحكم لكنه إذا حكم بغير ما أنزل الله اجتمع مكفران الاستحلال والحكم (44).
و ردد نحواً من هذا الكلام في رده على من جعل التولي الكفري هو إعانة الكفار لأجل نصرة الدين ، فذكر أن إرادة نصرة دين الكفار كفر في ذاته فإذا اجتمع معه الإعانة اجتمع مكفران .
هذه الطريقة التي يسلكها العلوان في التعامل مع الأحكام الشرعية طريقة خاطئة معروفة عند الأصوليين بالاستدلال بمورد النزاع ؛ وذلك أنه يستدل بما يظن مخالفه موافقاً له ، وواقع الحال أن مخالفه لم يسلم له ، وذلك أنه يذكر أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر في ذاته ، وإذا جاء مع الاستحلال اجتمع مكفران: الحكم بغير ما أنزل الله مع الاستحلال ، ومخالف العلوان إذا قرأ مثل هذا التقرير أوقف العلوان قائلاً: أنت تخاطبني على أنني مسلم لك بأن الحكم بغير ما أنزل بدون استحلال كفر ، لذلك قلت: هو كفر في ذاته وأنا لا أسلم بهذا ،وأطالبك بالدليل عليه ، فلا تستدل عليّ بما لم أوافقك عليه وهو محل بحثي معك ، وغاية ما يفيد قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أنه كفر أصغر لا أكبر .
ومثل هذه الطريقة سلك العلوان -كما سبق - في ترجيح أن مطلق إعانة الكفار كفر أكبر ، بل تعدى وبغى ونبز من خالفه في هذه المسألة - أيضاً - بأنه مرجئ غير متنبه أن أئمة المذاهب الأربعة(45): أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد ، وكذا ابن تيمية(46) وابن القيم (47) لا يكفرون بمطلق الإعانة ؛ لذلك لم يكفروا الجاسوس ، فهل هؤلاء الأئمة مرجئة؟ نعم . عند من ظلم نفسه ولم يزن ألفاظه .

المزلق العشرون/
قال العلوان:" وكثير من المتأخرين متأثرون بمذاهب أهل الإرجاء الذين يقولون كل من أتى بمكفر من قول أو عمل فإنه كافر ولكن كفره ليس لذات العمل لكنه متضمن للكفر ودلالة على انتفاء التصديق بالقلب وعلامة على التكذيب"(48)
أين هؤلاء الكثيرون الذين لا يكفرون بأي عمل؟ ولا يصفون عملاً بأنه كفر ؟ أم أنها المبالغة !! إلا إذا كنت مزوراً في نفسك كل من لم يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله ، فيدخل في كلامك الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله الغديان والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين وآخرون كثيرون !
وإلا إذا كنت مزوراً في نفسك كل من لم يكفر بمطلق إعانة الكفار تبعاً للإمام مالك والشافعي وأحمد وابن تيمية وابن القيم ، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
فإن كان مرادك هذا فالأمر -ولله الحمد - هيّن لأنه نابع عن غلو وتقصير في العلم .

** ملحق /
قد رأيت تذييل هذه المزالق العشرين على هذه الرسالة الصغيرة للشيخ العلوان - ألا إن نصر الله قريب - بملحق يتضمن أموراً :
1/ قد رأيت جمعاً من الأخوة كالشيخ العلوان كما في كلمته القصيرة المسجلة بعنوان :( دعنا نمت حتى ننال شهادة) يكثر من الكلام حول الجهاد وأن الجهاد هو سبيل عز الأمة وتمكينها .
وهذا حق لكن في وقته وحينه، وذلك بجهاد الطلب إذا كانت الأمة مهيئة ، وبجهاد الدفع ما لم يتمكن العدو وتكون له الهيمنة -كما أبنته في الجزء الأول - ، والناظر الآن في واقع المسلمين ليجد أن أراضيهم المغتصبة قد تمكن منها العدو فصار المسلمون مستضعفين ، فدعوة هؤلاء إلى الجهاد تضرهم أكثر بكثير مما تنفعهم ، فاتقوا الله فيهم وفي شبيبة الإسلام المتحمس ،وادعوهم لما هو في أيديهم ومقدورهم من إصلاح عقائدهم وعباداتهم كما كان حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة مع أصحابه، وإلا فإن دعوة المستضعفين إلى الجهاد فيه مخالفة لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وزيادة إهلاك الأنفس وهتك الأعراض ، والواقع المعايش خير برهان على ذلك . رزقنا الله العبرة والاتعاظ .
وبعض دعاة الإسلام تندفع نفسه للكلام حول الجهاد ؛ لأن النفوس تشتاق لذلك وتحبه ، لكن هذا -في ظني- غش للإسلام والمسلمين ، وذلك أن المسلمين لا يستطيعون القيام بجهاد الطلب ، وتكاد تكون صورة جهاد الدفع منعدمة في الواقع لكون الكفار متمكنين من أكثر الأراضي التي يدعى فيها لجهاد الدفع ، بل إن تحرش ثلة قليلة من المسلمين المجاهدين بالكفار تزيد من وطأتهم وأذاهم ، وكل ما جرّ مفسدة أعظم وجب تركه ، وإلا فإن الناصح صدقاً ، والمحب لعز المسلمين حقاً يدعوهم لما هو واجب عليهم ويستطيعون فعله كالدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعلم العلم، والسعي في العمل، وغير ذلك من الطاعات التي هي سبب عز الإسلام وقوة المسلمين.
2/ ذكر الشيخ العلوان في كلمته القصيرة النصوص الدالة على دوام الجهاد إلى قيام الساعة كمثل ما أخرجه الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة" وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة! اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:" لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك " فقال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة ".
وما فهمه الشيخ وغيره من استمرار الجهاد سواء كان جهاد الدفع أو الطلب إلى قيام الساعة وأنه لا ينقطع تمسكاً بهذه الأحاديث ففيه نظر من ثلاثة أوجه :
أ/ أن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العملية أكبر شاهد، وأظهر دليل على أن قتاله لم يكن دائماً مستمراً ، بل كان ينقطع ما بين غزوة وأخرى ، والذي يتمسك بظاهر النص يشكل عليه هذا .
ب/ "أن عيسى عليه السلام إذا نزل فسيقاتل اليهود وغيرهم، فإذا أخرج الله يأجوج ومأجوج أوحى إليه ألا تقاتلهم وخذ من معك إلى جبل الطور؛ لأنه لا قوة لك عليهم " أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان -وقد تقدم- فها هو عيسى عليه السلام لا يستمر مقاتلاً إلى أن يهب الله الريح الطيبة .
ج/ أن السنة يفسر بعضها بعضاً فلا يصح لأحد أن يأخذ بعضاً من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويبني عليه دون النظر في كلامه الآخر الذي يفسره ، فقد تقدم من الدلائل على أن جهاد الطلب لا يصح في حالة الضعف، وجهاد الطلب يسقط بعد تمكن العدو .
فإن قيل: فما معنى هذين الحديثين؟
فيقال: معناهما أنه لا تزال عصابة قائمة بأمر الله ومنه الجهاد إذا جاء وقته وهي وجود القوة الإيمانية والعسكرية . واعترض بعضهم بفعل المسلمين في حرب التتار، فيقال: (ما فعله المسلمون يومئذ من جنس جهاد الدفع لا الطلب ، والعدو لم يتمكن بعد) .
3/ قال في كلمته :" وقد بليت الأمة بحكام يعطلون الحدود ويمنعون من الجهاد في سبيل الله والقنوت في الصلوات الخمس" .
لم تبتل الأمة بمثل هؤلاء الظلمة إلا عقوبة على ذنوبها الشركية والبدعية والمعاصي الشهوانية قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فلا يرتفع هذا البلاء إلا بتوبة الأمة وإنابتها إلى ربها ، فهذا هو الواجب الحالي الواقع على الدعاة والمصلحين تجاه أمتهم ، لا دعوة الأمة إلى ما ليست أهلاً له (الجهاد ) .
4/ قال مباشرة عقب كلامه السابق :" وعلماء يبررون هذه المواقف المخزية ويعلقون تخاذلهم عن نصرة الإسلام والمسلمين بالسمع والطاعة للحكام في المنشط والمكره ، وهذا حديث في غير محله ، فقد أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تجوز طاعته " .
هكذا يتفوه العلوان بملء فيه بكلام جارح لاذع في حق علمائنا ، وهو مع كونه جارحاً لاذعاً فهو لم يصدق فيه ، وإلا فإن العالم إذا اختار بالأدلة التي رآها عدم جواز القنوت إلا بإذن ولي الأمر ( وهو أحد الأقوال الأربعة في المسألة ) فهل يطعن فيه لأجل مسألة اجتهادية ؟ هذا ما لا يصح فعله ممن تزي بزي العلم وتأدب بآدابه ، بل لو أن العالم اختار استحباب القنوت بدون إذن ولي الأمر ثم أمر ولي الأمر بعدم القنوت فإنه يسمع ويطيع ؛ لأن ترك المستحب ليس أمراً بمعصية -كما هو معلوم- و ولي الأمر يُسمع في كل شيء إلا معصية الله ، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية الله ، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه . قال النووي في شرح مسلم: " قال العلماء معناه: تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة " .
عجباً لك أيها الشيخ العلوان الآن تقرر أنه يسمع ويطاع للحكام في غير معصية الله ، فلما طبق العلماء كالشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم ذلك في مسألة القنوت ، وسمعوا وأطاعوا لولي أمرهم لما أمرهم بترك القنوت -وهو أمر بغير معصية الله- عبت ذلك عليهم !! أرأيت أنك تدعو وتتكلم بكلام ينقض بعضه بعضاً ؛ وسبب ذلك هو المنهج الجديد الذي تسير عليه ، فأدعوك دعاء صدق إلى النظر والتدبر فيما أنت تسير عليه من منهج بعيداً عن تأثير الغوغاء والدهماء وشهوات النفس .
5/ قال مباشرة عقب كلامه السابق:" وأن واجب العلماء الوقوف في وجه الباطل وزحف الضلال " .
وهذا ما نحسب أن علماءنا قاموا به بعيداً عن شهوات النفس وإرضاءً للطغام من الأنام ، مراعين في ذلك المصالح والمفاسد التي يجهلها كثير من طلبة العلم فضلاً عن غيرهم من عامة الناس .
6/ قال مباشرة عقب كلامه السابق :" وعليهم بث روح الجهاد في الأمة وقيادتها في رفع هذه الراية ، والتسابق في حلقة ذلك ، فهم ورثة الأنبياء وحملة الشرع ومن أعلم الناس بحكم الجهاد وفضله وما أعد الله من الثواب للمجاهدين ، فهذا وقت التضحيات ونصرة المسلمين وجهاد الكافرين والصليبين ، وهذا هو الطريق الموصل إلى الشهادة ومرضاة الله وجنته".
لكون علمائنا علماء السنة أعلم الناس بحكم الجهاد وفضله -باعترافك- ، فمن علمهم الراسخ علموا أن الأمة الآن ليست مهيئة لجهاد الطلب سواء ابتداء أو في أرض تمكن منها الكفار ، وأن هذا يضر الأمة أكثر مما ينفعها ، والواقع خير شاهد ودليل ؛ لذا أخذوا يحيون في الأمة الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والشيطان والمصابرة على التعلم والتعليم ونشر التوحيد والسنة عسى الله أن يهدي بذلك أناساً ضالين فتكون القوة والتمكين في الأمة لأهل الطاعة والتوحيد ، فيتحقق في حقنا وعد الله الذي لا يخلف (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .
فهل يعي هذا الدعاة والمصلحون ؟؟

وبهذا تمت المزالق العشرون في الجزء الأول والثاني ، وكذا الملحق المتضمن ستة ردود على كلمته المعنونة بـ ( دعنا نمت حتى ننال شهادة ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم

الحواشي:
-------------------------------------------------------------------
(1) ص8 .
(2) ص9 .
(3) انظر كتاباً مفيداً في صحة هذه الرواية للشيخ سليم الهلالي بعنوان " قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس لقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) " تبلغ عدد صفحاته تسعاً وخمسين ومائتين.
(4) لذا ترى الأئمة المحدثين يعلون المروي عن الشيخ بكونه مخالفاً لما عليه تلاميذه كما فعل الإمام يحيى بن سعيد ، فإنه ضعف قولاً روي عن ابن مسعود لأن أصحابه على خلافه ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام:" وقد رأيت يحيى بن سعيد ينكره ويطعن في إسناده لأن أصحاب عبد الله على خلافه" ( الإيمان ص22 ) وانظر نحوه من صنيع الإمام أحمد في السنة للخلال (3/ 559) فإذا كانوا يعلون رواية العالم لكونها مخالفة لما عليه تلاميذه فكيف -إذاً - في الفهم بأن يفهموا كلام العالم بكلام تلاميذه .
(5) مسائل أبي داود ص209 .
(6) التفسير (6/ 116 ) .
(7) تعظيم قدر الصلاة (2 / 522 / 575 )
(8) مسائل أبي داود ص209 .
(9) تعظيم قدر الصلاة (2 / 522/ 574 )
(10) أعني رواية ( كفر دون كفر ) لا الرواية المروية عن ابن عباس أنه فسره بالجحود .
(11) ص9 .
(12) كتاب الإيمان ص45 .
(13) (2/ 250) .
(14) تفسيره للقرآن (2 / 42 ) .
(15) (3/ 61 ) .
(16) أحكام القرآن (2/ 624-625) .
(17) مجموع الفتاوى ( 7/ 312، 522) .
(18) مدارج السالكين (1/ 335 ) .
(19) السلسلة الصحيحة (6/ 109-116) .
(20) مجموع فتاوى ومقالات (2/ 326- 330) .
(21) من تعليقه على كتاب التحذير من فتنة التكفير ص 68-69 ، وانظر للاستزادة كتاب قرة العيون للشيخ سليم الهلالي ص87-94.
(22) ص9 .
(23) ذكر هذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تعليقه على فتوى الألباني المنشورة في الشرق الأوسط وهو موجود بصوته .
(24) مجموع الفتاوى (7 / 312 ) .
(25) ص10 .
(26) مجموع الفتاوى ( 28/523) . وانظر ما يوضح حالهم لك أكثر (28 / 520- 527) .
(27) التفسير ( 3/131) .
(28) الخطط (4/ 310 -311)، وهذا القلقشندي من أعيان القرن الثامن .وتنبه -أيها القارئ -كيف أنه وصفه بأنه دين عندهم وما كان كذلك فهو خارج محل النزاع لأن مثل هذا كفر بالإجماع لكونه حلل وحرم بجعله ديناً .
(29) ص 10 .
(30) ص11 .
(31) ص11 .
(32) مجموع الفتاوى (3/ 267) .
(33) منهاج التأسيس والتقديس ص71 .
(34) فتوى رقم ( 5741) .
(35) جريدة الشرق الأوسط عدد ( 6156) تاريخ ( 12/ 5/ 1416هـ ) .
(36) شريط بعنوان / سؤال العثيمين عن الحكم بغير ما أنزل الله رقم (18) إصدارات تسجيلات الأصالة الأثرية .
(37) (2/695-696) . لم يقتصر -هداه الله- على رميه بالإرجاء بل جعله أشد من المرجئة الأوائل من وجه .
(38) ص9 – 10 .
(39) ص11 .
(40) ص11 .
(41) ص7 .
(42) الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 45-46 ) .
(43) مجموع الفتاوى ( 7 / 71) .
(44) ص11 .
(45) زاد المعاد (5/64) .
(46) الصارم المسلول (2/372) .
(47) زاد المعاد (5/64) وانظر زاد المعاد (3/422-424) .
(48) ص11 .


منقول.

وهذا رابط لتحميل الكتاب:
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=4633
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .

التعديل الأخير تم بواسطة بلال الجيجلي ; 08-27-2012 الساعة 08:44 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-27-2012, 08:51 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي

يرفع مرة أخرى.
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:37 AM.


powered by vbulletin