إتحاف الإخوان بمزالق العلوان
الجزء الثاني
( عشرة مزالق)
بقلم
أبي عبد الله
عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
هذه تكملة المزالق الموجودة في رسالة " ألا إن نصر الله قريب " للشيخ سليمان العلوان -أخذ الله بنواصينا وإياه للبر والتقوى - بعد أن تم - برحمة الله- إصدار الجزء الأول ، وكان محتوياً على عشرة مزالق ، وعدد هذه المزالق الموجودة في الجزء الثاني عشرة مزالق، وبهذا تكون مجموع المزالق عشرين مزلقاً وقد ذيلت الجزء الثاني بملحق فيه عدة ردود على كلمة قصيرة ألقاها الشيخ العلوان بعنوان" دعنا نمت حتى ننال شهادة ".
أسأل الله أن يمن بالقبول ، وأن يشرح صدر الشيخ العلوان لتقبلها.
في هذا الجزء - الثاني - حقائق مؤلمة وهي: أن للعلوان أقوالاً محدثة لم يسبقه إليها العلماء الماضون المرضيون :
المزلق الحادي عشر /
حاول العلوان أن يضعف أثر ابن عباس - رضي الله عنه - في حكمه على الحكم بغير ما أنزل الله بأنه أصغر فقال: "وما قيل عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه قال:" كفر دون كفر " لا يثبت عنه "(1)
ثم ذكر أن رواية هي به كفر تدل على أن ابن عباس أراد الكفر الأكبر فقال: هي كفر ، وفي لفظ " هي به كفر.....(2)
أنه على التسليم بضعف رواية هشام بن حجير(3) فإن رواية " هي به كفر " الثابتة -والتي صححها العلوان نفسه- تدل على أن المراد به الكفر الأصغر لا الأكبر لما يلي :
1/ أن تلاميذ ابن عباس على أن ( الكافرون ) في الآية كفر أصغر وكلام العالم يفهم من كلام تلاميذه فهم أعلم بما يُروى عن شيخهم (4) وإمامهم .
أخرج الإمام أحمد (5) والطبري (6) وابن نصر(7) بإسناد صحيح عن عطاء بن أبي رباح أنه قال:" كفر دون كفر وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق " ، وأخرج الإمام أحمد(8) والطبري وابن نصر(9) بإسناد صحيح عن طاووس أنه قال:" كفر لا ينقل عن الملة " .
فهذا كافٍ في بيان مراد ابن عباس ، ولا أظن عاقلاً يقدم فهم العلوان المحتمل على ما عليه تلاميذ ابن عباس - رضي الله عنه - الملازمون له كطاووس وعطاء ؟.
2/ أن العلماء -الذين مذهبهم أسلم وأعلم وأحكم- لم يفهموا أن المراد من هذه الرواية(10) أنها كفر أكبر ، ودونكم كتب التفسير والمعتقد والآثار فأرشدوني إلى من سبق العلوان إلى هذا الفهم ، بل سلوه من سلفه ؟ وهل ممكن عند ذوي الحجا أن يهتدي العلوان إلى حق وخير دون علماء الأمة ؟! فها أنا أنتظر من العلوان نفسه أو من أحد المقربين إليه أن يرشدوني إلى سلف العلوان ؟ فإن لم يجدوا - وهذا ما أجزم به وفوق كل ذي علم عليم - فيجب عليه وعليهم أن ينتهوا. وأن يغاروا على دين الله فلا يحدثوا فيه ما ليس منه ، فعن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" وكل بدعة ضلالة " رواه مسلم .
المزلق الثاني عشر/
زعم العلوان - بجرأة غريبة - أن رواية كفر دون كفر منكرة فقال:" وطريق هشام بن حجير ( كفر دون كفر ) منكرة من وجهين: الوجه الأول: تفرد هشام به ، والوجه الثاني: مخالفته من هو أوثق منه "(11)
وزعمه أن هذه الرواية منكرة مردود قطعاً ، فإنه لا مخالفة - كما تقدم - فرواية " كفر دون كفر " مثل رواية " هي به كفر " لما سبق .
ثم إن جماعات كثيرة من العلماء المحققين احتجوا برواية كفر دون كفر ، والاحتجاج فرع عن التصحيح كالإمام أبي عبيد القاسم بن سلام(12) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (13) وأبي مظفر السمعاني إذ قال:" وقال ابن عباس: الآية في المسلمين وأراد به كفر دون كفر ، واعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ، وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم …"(14) والبغوي في تفسيره (15) وابن العربي المالكي(16) والإمام ابن تيمية(17) وابن القيم(18) والشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني(19) والشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز(20) وأخيراً الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين إذ قال :" لكن لما كان هذا ( الأثر ) لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصح، وقد تلقاه من هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل. - ثم قال - وأما بالنسبة لأثر ابن عباس فيكفينا أن علماء جهابذة كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به وينقلونه فالأثر صحيح "(21)
فهل استدل هؤلاء الجهابذة البحار والأئمة الأبرار بما هو منكر ؟
وكيف يكون منكراً وقد تلقاه العلماء بالقبول ؟
ثم هل يلتزم هؤلاء ظاهر الآية فيكفرون كل من لم يحكم بغير ما أنزل الله ؟ فهل يكفرون الظالم بين أزواجه والظالم لخدمه لأنهم لم يحكموا بما أنزل الله؟ فإن مقتضى العموم في ( من ) أن تكون شاملة لكل أحد ، ومقتضى العموم في ( ما) أن تكون شاملة لكل مسألة من غير تفريق؟! فالنصوص الدالة على عدم كفر الظالم صارفة للفظ ( الكافرون ) من الأكبر إلى الأصغر .
المزلق الثالث عشر /
قال العلوان:" يريد أن الآية على إطلاقها والأصل في الكفر إذا عرّف باللام أنه الكفر الأكبر كما قرر هذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاقتضاء (1/208) إلا إذا قيد أو جاءت قرينة تصرفه عن ذلك "(22) .
عجباً للشيخ العلوان كيف يستدل باستقراء ابن تيمية للفظة ( الكفر) على ما نحن بصدده فكلام ابن تيمية على المصدر والوارد في الآية اسم فاعل وبينهما فرق(23) عند العارفين، ويؤكد هذا قول ابن تيمية نفسه:" إذا كان من قول السلف: أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق ، فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر ، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى :(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) قالوا: كفروا كفراً لا ينقل عن الملة ، وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة "(24)
فنحن إما أن نقر استقراء ابن تيمية لكن نجعله على دون اسم الفاعل أو أن نجعل استقراء ابن تيمية منقوصاً غير تام . فيا ليت العلوان حقق القول في هذه المسألة مراعياً الاتباع لا الابتداع قبل الاستماتة في الدعوة إليه .
المزلق الرابع عشر /
تمسك العلوان بكلام للإمام ابن كثير في تكفير من حكم بغير ما أنزل الله فقال: "وقد قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله - في البداية والنهاية (13/119): (من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى إلياسا وقدمها عليه من فعل هذا كفر بإجماع المسلمين)"(25)
رأيت لبعضهم كلاماً مفيداً حول الاحتجاج بالإجماع الذي نقله ابن كثير أنقله بحروفه: ( إن معرفتنا بحال التتر وواقع الياسق معين على فهم هذا الإجماع المحكي وذلك أنهم وقعوا في التحليل والتحريم. قال ابن تيمية :"إنهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يرجح دين المسلمين ا.هـ(26)، وقد بين ابن تيمية كيف أنهم يعظمون جنكز خان ويقرنونه بالرسول -صلى الله عليه وسلم- .-ثم قال - :" ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ (أي جوز) اتباع غير دين الإسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ا.هـ ومما يدل على أن الإجماع الذي حكاه ابن كثير راجعٌ إلى التحليل والتحريم ما قاله ابن كثير نفسه :"ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهِمْ جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارةٌ عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير .ا.هـ(27) وقال أحمد بن علي الفزاري القلقشندي : ( ثم الذي كان عليه جنكيز خان في التدين وجرى عليه أعقابه بعده الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثره مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ….ا.هـ(28) . فمن كلام ابن كثير وشيخه أبي العباس ابن تيمية وغيرهما يتضح أن الإجماع المحكيَّ فيمن وقع في التحليل والتحريم أي تجويز حكم غير حكم الله إذ جعلوا الياسق كدين الإسلام موصلاً إلى الله ومسألتنا المطروحة فيمن حكم بغير ما أنزل الله مع الاعتراف بالعصيان لا مع القول بأنه جائز لا محظور فيه أو بأنه طريق للرضوان .
ثم تنبه - أيها القارئ - إلى قول ابن كثير : ( فكيف بمن تحاكم الياسق وقدمها عليه) ا.هـ هؤلاء جمعوا بين التحاكم إلى الياسق وتقديمه على شرع الله ، فليس ذنبهم مجرد التحكيم الذي هو عمل بل قارنه الاعتقاد والذي منه التقديم .
فبعد هذا تعلم أن قول العلوان:" وقول بعض المعاصرين عن هذا الإجماع الذي نقله ابن كثير -رحمه الله- بأنه: ( خاص بملوك التتار ومن تلبس بمثل ما تلبسوا به من نواقض الإسلام والتي منها الجحود والاستحلال للحكم بغير ما أنزل الرحمن) هو مجرد ظن لم تسانده حقائق علمية ولا حجج قائمة "(29) قول إنشائي تعبيري لا يعول عليه إذ هو خال عاطل من حجة وبرهان .
المزلق الخامس عشر /
قال العلوان:" على أن الحافظ لم يتفرد بقوله ولا بنقله للإجماع. فخلق كثير من المتقدمين والمتأخرين يذكرون مثل هذا وأعظم "(30) .
لا أظن الشيخ العلوان - غفر الله له - إلا مبالغاً في كلامه هذا، وإلا فأوقفونا على هذا الخلق الكثير من المتقدمين على ابن كثير الذين حكوا إجماعاً . هذا مالا أظنه - عفا الله عنه - يستطيعه وأنا في الانتظار .
وهذا من باب التنزل، وإلا فإنه لا إجماع من الإمام ابن كثير على ما يزعمون - كما تقدم - ، وكم تمنيت من الشيخ العلوان أن يعرض عن أمثال هذه المبالغات التي تجعل لغيره مساغاً للقدح فيه .
المزلق السادس عشر /
قال العلوان:" وحمل الكاتب كفر التتار على الجحود والاستحلال ليس له وجه سوى تأثره بأهل الإرجاء من جعل مناط الكفر هو الاستحلال أو الجحود وهذا باطل في الشرع والعقل فالاستحلال كفر ولو لم يكن معه حكم بغير ما أنزل الله والآية صريحة في أن مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بغير ما أنزل الله "(31) .
ها هو العلوان -مع ما تقدم - يرمي العلماء الذين لا يكفرون الحاكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل بأنهم متأثرون بالإرجاء ، فعلى قوله الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- متأثر بالإرجاء، وعلى قوله اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز وعضوية الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله الغديان متأثرون بالإرجاء ، وعلى قوله الشيخ محمد ناصر الدين الألباني متأثر بالإرجاء ، وعلى قوله الشيخ محمد بن صالح العثيمين متأثر بالإرجاء، وعلى قوله الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن متأثر بالإرجاء وهكذا كثير من أهل العلم والصدق والعدالة . وإليك طرفاً من كلامهم :
- قال ابن تيمية:" وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله "(32) .
- قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن :" وإنما يحرم التحكيم إذا كان المستند إلى شريعة باطلة تخالف الكتاب والسنة كأحكام اليونان والإفرنج والتتر وقوانينهم التي مصدرها آراؤهم وأهواؤهم ، وكذلك سوالف البادية وعاداتهم الجارية ، فمن استحل الحكم بهذا في الدماء أو غيرها فهو كافر قال تعالى: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) و هذه الآية ذكر فيها بعض المفسرين: أن الكفر المراد هنا كفر دون الكفر الأكبر؛ لأنهم فهموا أنها تتناول من حكم بغير ما أنزل الله وهو غير مستحل لذلك ، لكنهم لا ينازعون في عمومها للمستحل ، وأن كفره مخرج عن الملة"(33) .
- قالت اللجنة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية :" لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر ، وظلم أكبر، وفسق أكبر يخرج من الملة " المفتون : الرئيس: سماحة الشيخ ابن باز ، ونائبه: عبد الرزاق عفيفي، وعضوية: عبد الله الغديان (34).
-قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- :" اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - وفقه الله - المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيه الحق ، وسلك سبيل المؤمنين ،وأوضح -وفقه الله- أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه "(35) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مكالمة مسجلة إنه لا يكفر المشرع إلا إذا استحل .(36)
ولم يكن العلوان وحيداً فريداً في نشر هذه الفكرة السيئة بل شاركه في هذه الطوام المهازل أناس آخرون معاصرون كسفر الحوالي وعبد الرحمن المحمود ، وصدق الله: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ):
1- سفر الحوالي / قال في كتابه ظاهرة الإرجاء:" كما تصوروا ذلك جاء المرجئة المعاصرون فقالوا: إن من كان لا يحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يقيم من شريعة الله إلا جزءاً قد يقل أو يكثر، لا يقيمه لأنه من أمر الله وامتثالاً له وإيماناً بدينه -ثم قال- وما لم نطلع على ذلك فكل أعماله هي على سبيل المعصية -ثم قال- كل ذلك معاص لا تخرجه من الإسلام ما لم نطلع على ما في قلبه فنعلم أنه يفضل شرعاً وحكماً غير شرع الله وحكمه على شرع الله وحكمه، أو يصرح بلسانه أنه يقصد الكفر ويعتقده ، وأنه مستحل للحكم بغير ما أنزل الله!! فمرجئة عصرنا أكثر غلواً من جهة أنهم لم يحكموا له بشيء من أحكام الكفر لا ظاهراً ولا باطناً…"(37)
2- عبدالرحمن المحمود / قال في كتابه (الحكم بغير ما أنزل الله أحواله وأحكامه) :" وفي المسألة التي معنا وهي مسألة الحكم بغير ما أنزل الله نجد هؤلاء المائلين إلى مذهب المرجئة يقفون في الطرف المقابل، ويقولون: لا يكفر إلا الجاحد والمكذب لما أنزل الله ، أما الحكم بغير ما أنزل الله بجميع أشكاله وصوره -ما دام صاحبه لا يصرح بجحوده- فهو كفر أصغر كغيره من الكبائر"(38) أرأيتم كيف تطاول القوم على علمائنا؟ أرأيتم كيف جعلوا علماء السنة متلطخين ببدعة الإرجاء؟
والذي أدعو إليه إخواني العارفين بحق علمائهم والذين يغارون لهم أن يردوا على أمثال هؤلاء ؛ لأن الطعن في علماء أهل السنة والجماعة طعن في منهج أهل السنة أنفسهم ، فدونكم كتبهم ورسائلهم ما أكثر سقطهم وزللهم فبينوها للناس -نصحاً للدين - ودعوا أمر القبول والانتشار إلى الله فهو الكفيل بنصرة دينه والانتصار لأوليائه .
المزلق السابع عشر /
إن للعلوان عبارات وألفاظاً علمية في رسالته تدل على عدم ضبطه لدلالات الألفاظ منها:
1- قوله:" والآية ( يعني ) ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) صريحة في أن مناط الكفر هو الامتناع عن الحكم بغير ما أنزل الله "(39) .
أين في الآية التنصيص أو الإشارة إلى الامتناع؟ وغاية ما في الآية جعل مناط (أي علة ) الوصف بالكافر عدم الحكم بما أنزل الله لا الامتناع وبينهما فرق .
2- قوله:" وكيف لا يحكم بكفر من عطل الشريعة ونصب نفسه محللاً محرماً محسناً مقبحاً وجعل محاكم قانونية لها المرجعية في الحكم والقضاء ولا يمكن مساءلتها أو التعقيب والاعتراض على أحكامها ."(40)
هنا أجمل فأحدث إلباساً ولم يفصل على طريقة أهل العلم ، فأهل العلم مجمعون -كما حكاه غير واحد- على أن الحاكم بغير ما أنزل الله تحليلاً وتحريماً كافر، ومختلفون في حكم من حكم بغير ما أنزل الله من غير تحليل ولا تحريم . والعلوان ألزم من غير دليل -كما ترى- أمثال هؤلاء بأنهم محللة ومحرمة للحكم بغير ما أنزل الله .
3- قال العلوان:" والمراد بالطاغوت في هذه الآية الحاكم بغير شرع الله الذي جعل نفسه مشرعاً مع الله أو دون الله وقد سماه الله مشركاً في قوله: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) وقال ( وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) "(41) .
فجعل قوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) من الأدلة على أن الله سمى الحاكم مشركاً ، فأين في الآية ذكر الحاكم ؟ فغاية ما فيها التحدث عن المتحاكمين، فكم نحن محتاجون لمعرفة دلالة الألفاظ لا سيما إذا كنا متصدرين ، ونظن أنفسنا متحدثين عن الأمة .
المزلق الثامن عشر /
استدل -كما تقدم- بقوله تعالى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) على أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر بمجرد الحكم ، وهذا خطأ عند العلماء ، لأن المراد في الآية ليس مطلق الطاعة وإنما طاعة معينة في تحليل الحرام أو تحريم الحلال دون مطلق الطاعة ، قال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب:" وتأمل قوله تعالى:( وَإِنََّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك "(42) فمن أطاع غيره في محرم ، فإن كان معتقداً حله فهو كافر مشرك وعليه تنطبق الآية، وإن لم يعتقد حله بل فعله مع شعوره بالمعصية فهو آثم غير كافر ، قال ابن تيمية:" وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله يكونون على وجهين: أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل، فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً -ثم قال- والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً ، لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب " (43) هذا هو التفصيل الذي عليه علماء السنة ولم أجد أحداً حكم على مجرد الطاعة بأنها كفر إلا سيد قطب في "الظلال" فهو سلف العلوان ، أما أهل السنة فعلى التفصيل .
ومن استدلالاته الخاطئة استدلاله بقوله تعالى: ( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) فإن الحكم في الآية يراد به الكوني والشرعي، فالحكم الكوني القدري أن يحكم تعالى بموت فلان وهكذا من التقادير الكونية ، فمن ظن نفسه أو غيره مشاركاً الله بهذا فهو مشرك بالإجماع ؛ لأن هذا الحكم خاص بالله سبحانه ، أما الحكم الشرعي أن يحكم الله بحرمة كذا وحل كذا فمن حلل محرماً أو حرم حلالاً فهو كافر بالإجماع، أما من أطاع غيره في محرم مع اعتقاده التحريم أو أمر بمحرم مع اعتقاده التحريم ، فهذا لا يكفر ؛ لأنه لا دليل على كفره والاستدلال بالآية على مثل هذا استدلال خاطئ ، وأخشى أن يكون من تحريف الكلم عن مواضعه.
وسبب خلط العلوان في هاتين الآيتين أنه لم يتصور الفرق بين الحاكم بغير ما أنزل الله على وجه الاستحلال ، والحاكم بغير ما أنزل الله على غير هذا الوجه .
المزلق التاسع عشر /
كثيراً ما يردد العلوان أن تعليق الكفر في الحكم بغير ما أنزل الله بالاستحلال لا يصح ؛ لأن الاستحلال كفر بذاته سواء حكم أو لم يحكم لكنه إذا حكم بغير ما أنزل الله اجتمع مكفران الاستحلال والحكم (44).
و ردد نحواً من هذا الكلام في رده على من جعل التولي الكفري هو إعانة الكفار لأجل نصرة الدين ، فذكر أن إرادة نصرة دين الكفار كفر في ذاته فإذا اجتمع معه الإعانة اجتمع مكفران .
هذه الطريقة التي يسلكها العلوان في التعامل مع الأحكام الشرعية طريقة خاطئة معروفة عند الأصوليين بالاستدلال بمورد النزاع ؛ وذلك أنه يستدل بما يظن مخالفه موافقاً له ، وواقع الحال أن مخالفه لم يسلم له ، وذلك أنه يذكر أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر في ذاته ، وإذا جاء مع الاستحلال اجتمع مكفران: الحكم بغير ما أنزل الله مع الاستحلال ، ومخالف العلوان إذا قرأ مثل هذا التقرير أوقف العلوان قائلاً: أنت تخاطبني على أنني مسلم لك بأن الحكم بغير ما أنزل بدون استحلال كفر ، لذلك قلت: هو كفر في ذاته وأنا لا أسلم بهذا ،وأطالبك بالدليل عليه ، فلا تستدل عليّ بما لم أوافقك عليه وهو محل بحثي معك ، وغاية ما يفيد قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) أنه كفر أصغر لا أكبر .
ومثل هذه الطريقة سلك العلوان -كما سبق - في ترجيح أن مطلق إعانة الكفار كفر أكبر ، بل تعدى وبغى ونبز من خالفه في هذه المسألة - أيضاً - بأنه مرجئ غير متنبه أن أئمة المذاهب الأربعة(45): أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد ، وكذا ابن تيمية(46) وابن القيم (47) لا يكفرون بمطلق الإعانة ؛ لذلك لم يكفروا الجاسوس ، فهل هؤلاء الأئمة مرجئة؟ نعم . عند من ظلم نفسه ولم يزن ألفاظه .
المزلق العشرون/
قال العلوان:" وكثير من المتأخرين متأثرون بمذاهب أهل الإرجاء الذين يقولون كل من أتى بمكفر من قول أو عمل فإنه كافر ولكن كفره ليس لذات العمل لكنه متضمن للكفر ودلالة على انتفاء التصديق بالقلب وعلامة على التكذيب"(48)
أين هؤلاء الكثيرون الذين لا يكفرون بأي عمل؟ ولا يصفون عملاً بأنه كفر ؟ أم أنها المبالغة !! إلا إذا كنت مزوراً في نفسك كل من لم يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله ، فيدخل في كلامك الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله الغديان والشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين وآخرون كثيرون !
وإلا إذا كنت مزوراً في نفسك كل من لم يكفر بمطلق إعانة الكفار تبعاً للإمام مالك والشافعي وأحمد وابن تيمية وابن القيم ، ومن المعاصرين الشيخ محمد بن صالح العثيمين .
فإن كان مرادك هذا فالأمر -ولله الحمد - هيّن لأنه نابع عن غلو وتقصير في العلم .
** ملحق /
قد رأيت تذييل هذه المزالق العشرين على هذه الرسالة الصغيرة للشيخ العلوان - ألا إن نصر الله قريب - بملحق يتضمن أموراً :
1/ قد رأيت جمعاً من الأخوة كالشيخ العلوان كما في كلمته القصيرة المسجلة بعنوان :( دعنا نمت حتى ننال شهادة) يكثر من الكلام حول الجهاد وأن الجهاد هو سبيل عز الأمة وتمكينها .
وهذا حق لكن في وقته وحينه، وذلك بجهاد الطلب إذا كانت الأمة مهيئة ، وبجهاد الدفع ما لم يتمكن العدو وتكون له الهيمنة -كما أبنته في الجزء الأول - ، والناظر الآن في واقع المسلمين ليجد أن أراضيهم المغتصبة قد تمكن منها العدو فصار المسلمون مستضعفين ، فدعوة هؤلاء إلى الجهاد تضرهم أكثر بكثير مما تنفعهم ، فاتقوا الله فيهم وفي شبيبة الإسلام المتحمس ،وادعوهم لما هو في أيديهم ومقدورهم من إصلاح عقائدهم وعباداتهم كما كان حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة مع أصحابه، وإلا فإن دعوة المستضعفين إلى الجهاد فيه مخالفة لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) وزيادة إهلاك الأنفس وهتك الأعراض ، والواقع المعايش خير برهان على ذلك . رزقنا الله العبرة والاتعاظ .
وبعض دعاة الإسلام تندفع نفسه للكلام حول الجهاد ؛ لأن النفوس تشتاق لذلك وتحبه ، لكن هذا -في ظني- غش للإسلام والمسلمين ، وذلك أن المسلمين لا يستطيعون القيام بجهاد الطلب ، وتكاد تكون صورة جهاد الدفع منعدمة في الواقع لكون الكفار متمكنين من أكثر الأراضي التي يدعى فيها لجهاد الدفع ، بل إن تحرش ثلة قليلة من المسلمين المجاهدين بالكفار تزيد من وطأتهم وأذاهم ، وكل ما جرّ مفسدة أعظم وجب تركه ، وإلا فإن الناصح صدقاً ، والمحب لعز المسلمين حقاً يدعوهم لما هو واجب عليهم ويستطيعون فعله كالدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعلم العلم، والسعي في العمل، وغير ذلك من الطاعات التي هي سبب عز الإسلام وقوة المسلمين.
2/ ذكر الشيخ العلوان في كلمته القصيرة النصوص الدالة على دوام الجهاد إلى قيام الساعة كمثل ما أخرجه الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة" وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة! اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يقول:" لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك " فقال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة ".
وما فهمه الشيخ وغيره من استمرار الجهاد سواء كان جهاد الدفع أو الطلب إلى قيام الساعة وأنه لا ينقطع تمسكاً بهذه الأحاديث ففيه نظر من ثلاثة أوجه :
أ/ أن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العملية أكبر شاهد، وأظهر دليل على أن قتاله لم يكن دائماً مستمراً ، بل كان ينقطع ما بين غزوة وأخرى ، والذي يتمسك بظاهر النص يشكل عليه هذا .
ب/ "أن عيسى عليه السلام إذا نزل فسيقاتل اليهود وغيرهم، فإذا أخرج الله يأجوج ومأجوج أوحى إليه ألا تقاتلهم وخذ من معك إلى جبل الطور؛ لأنه لا قوة لك عليهم " أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان -وقد تقدم- فها هو عيسى عليه السلام لا يستمر مقاتلاً إلى أن يهب الله الريح الطيبة .
ج/ أن السنة يفسر بعضها بعضاً فلا يصح لأحد أن يأخذ بعضاً من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويبني عليه دون النظر في كلامه الآخر الذي يفسره ، فقد تقدم من الدلائل على أن جهاد الطلب لا يصح في حالة الضعف، وجهاد الطلب يسقط بعد تمكن العدو .
فإن قيل: فما معنى هذين الحديثين؟
فيقال: معناهما أنه لا تزال عصابة قائمة بأمر الله ومنه الجهاد إذا جاء وقته وهي وجود القوة الإيمانية والعسكرية . واعترض بعضهم بفعل المسلمين في حرب التتار، فيقال: (ما فعله المسلمون يومئذ من جنس جهاد الدفع لا الطلب ، والعدو لم يتمكن بعد) .
3/ قال في كلمته :" وقد بليت الأمة بحكام يعطلون الحدود ويمنعون من الجهاد في سبيل الله والقنوت في الصلوات الخمس" .
لم تبتل الأمة بمثل هؤلاء الظلمة إلا عقوبة على ذنوبها الشركية والبدعية والمعاصي الشهوانية قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فلا يرتفع هذا البلاء إلا بتوبة الأمة وإنابتها إلى ربها ، فهذا هو الواجب الحالي الواقع على الدعاة والمصلحين تجاه أمتهم ، لا دعوة الأمة إلى ما ليست أهلاً له (الجهاد ) .
4/ قال مباشرة عقب كلامه السابق :" وعلماء يبررون هذه المواقف المخزية ويعلقون تخاذلهم عن نصرة الإسلام والمسلمين بالسمع والطاعة للحكام في المنشط والمكره ، وهذا حديث في غير محله ، فقد أجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تجوز طاعته " .
هكذا يتفوه العلوان بملء فيه بكلام جارح لاذع في حق علمائنا ، وهو مع كونه جارحاً لاذعاً فهو لم يصدق فيه ، وإلا فإن العالم إذا اختار بالأدلة التي رآها عدم جواز القنوت إلا بإذن ولي الأمر ( وهو أحد الأقوال الأربعة في المسألة ) فهل يطعن فيه لأجل مسألة اجتهادية ؟ هذا ما لا يصح فعله ممن تزي بزي العلم وتأدب بآدابه ، بل لو أن العالم اختار استحباب القنوت بدون إذن ولي الأمر ثم أمر ولي الأمر بعدم القنوت فإنه يسمع ويطيع ؛ لأن ترك المستحب ليس أمراً بمعصية -كما هو معلوم- و ولي الأمر يُسمع في كل شيء إلا معصية الله ، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية الله ، فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة " متفق عليه . قال النووي في شرح مسلم: " قال العلماء معناه: تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية ، فإن كانت معصية فلا سمع ولا طاعة " .
عجباً لك أيها الشيخ العلوان الآن تقرر أنه يسمع ويطاع للحكام في غير معصية الله ، فلما طبق العلماء كالشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ صالح الفوزان والشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وغيرهم ذلك في مسألة القنوت ، وسمعوا وأطاعوا لولي أمرهم لما أمرهم بترك القنوت -وهو أمر بغير معصية الله- عبت ذلك عليهم !! أرأيت أنك تدعو وتتكلم بكلام ينقض بعضه بعضاً ؛ وسبب ذلك هو المنهج الجديد الذي تسير عليه ، فأدعوك دعاء صدق إلى النظر والتدبر فيما أنت تسير عليه من منهج بعيداً عن تأثير الغوغاء والدهماء وشهوات النفس .
5/ قال مباشرة عقب كلامه السابق:" وأن واجب العلماء الوقوف في وجه الباطل وزحف الضلال " .
وهذا ما نحسب أن علماءنا قاموا به بعيداً عن شهوات النفس وإرضاءً للطغام من الأنام ، مراعين في ذلك المصالح والمفاسد التي يجهلها كثير من طلبة العلم فضلاً عن غيرهم من عامة الناس .
6/ قال مباشرة عقب كلامه السابق :" وعليهم بث روح الجهاد في الأمة وقيادتها في رفع هذه الراية ، والتسابق في حلقة ذلك ، فهم ورثة الأنبياء وحملة الشرع ومن أعلم الناس بحكم الجهاد وفضله وما أعد الله من الثواب للمجاهدين ، فهذا وقت التضحيات ونصرة المسلمين وجهاد الكافرين والصليبين ، وهذا هو الطريق الموصل إلى الشهادة ومرضاة الله وجنته".
لكون علمائنا علماء السنة أعلم الناس بحكم الجهاد وفضله -باعترافك- ، فمن علمهم الراسخ علموا أن الأمة الآن ليست مهيئة لجهاد الطلب سواء ابتداء أو في أرض تمكن منها الكفار ، وأن هذا يضر الأمة أكثر مما ينفعها ، والواقع خير شاهد ودليل ؛ لذا أخذوا يحيون في الأمة الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والشيطان والمصابرة على التعلم والتعليم ونشر التوحيد والسنة عسى الله أن يهدي بذلك أناساً ضالين فتكون القوة والتمكين في الأمة لأهل الطاعة والتوحيد ، فيتحقق في حقنا وعد الله الذي لا يخلف (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) .
فهل يعي هذا الدعاة والمصلحون ؟؟
وبهذا تمت المزالق العشرون في الجزء الأول والثاني ، وكذا الملحق المتضمن ستة ردود على كلمته المعنونة بـ ( دعنا نمت حتى ننال شهادة ) .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
عبد الرحمن بن عبد الله آل إبراهيم
الحواشي:
-------------------------------------------------------------------
(1) ص8 .
(2) ص9 .
(3) انظر كتاباً مفيداً في صحة هذه الرواية للشيخ سليم الهلالي بعنوان " قرة العيون في تصحيح تفسير عبد الله بن عباس لقوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) " تبلغ عدد صفحاته تسعاً وخمسين ومائتين.
(4) لذا ترى الأئمة المحدثين يعلون المروي عن الشيخ بكونه مخالفاً لما عليه تلاميذه كما فعل الإمام يحيى بن سعيد ، فإنه ضعف قولاً روي عن ابن مسعود لأن أصحابه على خلافه ، قال أبو عبيد القاسم بن سلام:" وقد رأيت يحيى بن سعيد ينكره ويطعن في إسناده لأن أصحاب عبد الله على خلافه" ( الإيمان ص22 ) وانظر نحوه من صنيع الإمام أحمد في السنة للخلال (3/ 559) فإذا كانوا يعلون رواية العالم لكونها مخالفة لما عليه تلاميذه فكيف -إذاً - في الفهم بأن يفهموا كلام العالم بكلام تلاميذه .
(5) مسائل أبي داود ص209 .
(6) التفسير (6/ 116 ) .
(7) تعظيم قدر الصلاة (2 / 522 / 575 )
(8) مسائل أبي داود ص209 .
(9) تعظيم قدر الصلاة (2 / 522/ 574 )
(10) أعني رواية ( كفر دون كفر ) لا الرواية المروية عن ابن عباس أنه فسره بالجحود .
(11) ص9 .
(12) كتاب الإيمان ص45 .
(13) (2/ 250) .
(14) تفسيره للقرآن (2 / 42 ) .
(15) (3/ 61 ) .
(16) أحكام القرآن (2/ 624-625) .
(17) مجموع الفتاوى ( 7/ 312، 522) .
(18) مدارج السالكين (1/ 335 ) .
(19) السلسلة الصحيحة (6/ 109-116) .
(20) مجموع فتاوى ومقالات (2/ 326- 330) .
(21) من تعليقه على كتاب التحذير من فتنة التكفير ص 68-69 ، وانظر للاستزادة كتاب قرة العيون للشيخ سليم الهلالي ص87-94.
(22) ص9 .
(23) ذكر هذا الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تعليقه على فتوى الألباني المنشورة في الشرق الأوسط وهو موجود بصوته .
(24) مجموع الفتاوى (7 / 312 ) .
(25) ص10 .
(26) مجموع الفتاوى ( 28/523) . وانظر ما يوضح حالهم لك أكثر (28 / 520- 527) .
(27) التفسير ( 3/131) .
(28) الخطط (4/ 310 -311)، وهذا القلقشندي من أعيان القرن الثامن .وتنبه -أيها القارئ -كيف أنه وصفه بأنه دين عندهم وما كان كذلك فهو خارج محل النزاع لأن مثل هذا كفر بالإجماع لكونه حلل وحرم بجعله ديناً .
(29) ص 10 .
(30) ص11 .
(31) ص11 .
(32) مجموع الفتاوى (3/ 267) .
(33) منهاج التأسيس والتقديس ص71 .
(34) فتوى رقم ( 5741) .
(35) جريدة الشرق الأوسط عدد ( 6156) تاريخ ( 12/ 5/ 1416هـ ) .
(36) شريط بعنوان / سؤال العثيمين عن الحكم بغير ما أنزل الله رقم (18) إصدارات تسجيلات الأصالة الأثرية .
(37) (2/695-696) . لم يقتصر -هداه الله- على رميه بالإرجاء بل جعله أشد من المرجئة الأوائل من وجه .
(38) ص9 – 10 .
(39) ص11 .
(40) ص11 .
(41) ص7 .
(42) الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 45-46 ) .
(43) مجموع الفتاوى ( 7 / 71) .
(44) ص11 .
(45) زاد المعاد (5/64) .
(46) الصارم المسلول (2/372) .
(47) زاد المعاد (5/64) وانظر زاد المعاد (3/422-424) .
(48) ص11 .
منقول.
وهذا رابط لتحميل الكتاب:
http://islamancient.com/play.php?catsmktba=4633