منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 07-19-2012, 08:56 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 42 مرة في 39 مشاركة
افتراضي الوليد بن عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنه- الصحابي الذي ظُلم كثيراً للأخ حمود الكثيري -وفقه الله-

الوليد بن عقبة بن أبي معيط
-رضي الله عنه-
الصحابي الذي ظُلم كثيراً


[الدفاع عن الصحابي الوليد بن عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنه-]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة؛ ثم أما بعد:
فإن من القواعد المجمع عليها بين أهل السنة والجماعة-ولا عبرة بخلاف أهل البدع لعنهم الله- أن الصحابة رضوان الله عليهم كلهم عدول لهم من الفضائل الثابتة إما بشكل عام كالثناء العام الذي جاء في القرآن الكريم، أو ما ثبت لكثير منهم من فضائل خاصة،وإن الناظر في كتب التراجم والسير والتواريخ يجد كما كبيراً من الأخبار الواهية والتي فيها مطعن على جملة من الأصحاب رضوان الله عليه،ولو دقق الناظر في أسانيد هذه الأخبار-وكثير منها دون أسانيد!-لتبين له ضعفها،لكن كثرة تردادها في الكتب قد توقع في نفس القارئ ثبوت بعضها، وقد وقع في نفسي شيء من هذا عندما كانت تمر معي ترجمة الوليد بن أبي عقبة -رضي الله عنه-، فكنت أستشكل شناعة الأخبار وأراها تتعارض مع تلك القاعدة المجمع عليها-عدالة الصحابة- فأدفع هذه الاستشكالات بالتعوذ من الشيطان الرجيم.
والخطأ مني أنا فلو أني دققت في هذه الأخبار لذهبت تلك الاستشكالات،وبالفعل عزمت على جمع الأخبار التي فيها مطعن في الوليد -رضي الله عنه- وبذلت في سبيل هذا الغاية ثم درست أسانيدها-كما سترى-فخرجت بنتيجة مفادها:أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنه- ظُلم كثيراً بذكر أخبار فيها ثلبٌ له وهي أصلاً لا تثبت عنه.
والأخبار المشهورة الضعيفة التي لا تثبت هي:

-ما ورد في قوله تعالى﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾.
- خبر الإتيان به صبياً ليمسح عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن النبي لم يمسح عليه فحرم البركة.
-ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا عليه.
- ما ورد من أن قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ نزل فيه -رضي الله عنه-.
- مناقشة الإجماع المزعوم في أن هذه الآية نزلت بسببه أو فيه.
- ما ورد أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- دعا عليه.
-و أخبار أخرى متفرقة قد أفردت لها باباً مستقلاً.
هذا هي الأخبار التي تروى في ترجمته وفي غيرها بسياقات مختلفة وكلها لا تثبت كما سترى، وقد أوردت ما ثبت مما قد يظن فيه أنه مثلبة له كحده بسبب شرب الخمر وقد بينت بالدليل وبالنقل عن العلماء أنه لا يجوز الطعن فيه -رضوان الله عليه- بشيء قد حد فيه.
وقدمت قبل هذا كله بمقدمات أراها مهمة بين يدي البحث وقد رمت الاختصار ما استطعت.
فالله أسأل أن يجزل لي الأجر العظيم بالذب عن صحابي من صحابة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم. اللهم آمين.

وكتب
حمود الكثيري


فصل في ذكر قواعد مهمة
القاعدة الأولى:
-الإجماع على عدالة الصحابة رضوان الله عليهم:
نقل الإجماع غير واحد من الأئمة والعلماء من المتقدمين والمتأخرين؛قال ابن الصلاح في مقدمته:
" للصحابة بأسرهم خصيصة، وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم، بل ذلك أمر مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة."([6])

القاعدة الثانية:
أهل السنة والجماعة لا يعتقدون عصمة الصحابة من الذنوب ولكن لهم من الفضل والحسنات ما يفوق ما وقع منهم من هنات-رضي الله عنهم-:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:
" وهم(أي: أهل السنة) مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة.ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر. حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.وقد ثبت بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنهم خير القرون» وأن «المد من أحدهم إذا تصدق به؛ كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم» ، ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب؛ فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم- الذين هم أحق الناس بشفاعته. أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه.
فإذا كان هذا في الذنوب المحققة؛ فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا؛ فلهم أجران، وإن أخطأوا؛ فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، من: الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما من الله به عليهم من الفضائل؛ علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم صفوة الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله."اهــ

القاعدة الثالثة:
ما ينقل عن الصحابة من أخبار فيها مثالب لهم على نوعين:
قال ابن تيمية رحمه الله:
"ما ينقل عن الصحابة من المثالب فهو نوعان:
أحدهما:
ما هو كذب، إما كذب كله، وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما يخرجه إلى الذم والطعن. وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب، مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين. ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبي في ذلك، وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف وكلاهما متروك كذاب وقال الإمام أحمد في هذا الكلبي: ما ظننت أن أحدا يحدث عنه إنما هو صاحب سمر وشبه. وقال الدارقطني: هو متروك. وقال ابن عدي: هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار ولا أعرف له في المسند شيئا وأبوه أيضا كذاب. وقال زائدة والليث وسليمان التيمي: هو كذاب. وقال يحيى: ليس بشيء ،كذاب، ساقط. وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه.
الثاني:
ما هو صدق وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققاً فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة منها:
التوبة الماحية...ومنها الحسنات الماحية للذنوب فإن الحسنات يذهبن السيئات وقد قال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)،ومنها المصائب المكفرة، ومنها دعاء المؤمنين بعضم لبعض وشفاعة نبيهم فما من سبب يسقط به الذم والعقاب عن أحد من الأمة إلا والصحابة أحق بذلك فهم أحق بكل مدح ونفي كل ذم ممن بعدهم من الأمة"([7]).

القاعدة الرابعة:
التسهل في باب السير والفضائل والمغازي ليس على إطلاقه:
اشتهر عند كثير من الناس أن السير والمغازي يُتسهل في روايتها؛ قال الخطيب البغدادي:
أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أنا محمد بن نعيم , قال: سمعت أبا زكريا العنبري , يقول: "الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا , ولم يحل حراما , ولم يوجب حكما , وكان في ترغيب أو ترهيب, أو تشديد أو ترخيص , وجب الإغماض عنه , والتساهل في رواته"([8]).
وهذا صواب لكن ليس ذلك على إطلاقه ، فالتسهل فيما لا ينبني عليه حكم شرعي وأن لا يكون ضعفه ضعفاً شديداً أما أن تُمشى الموضوعات والمناكير وينبني عليها طعن في الصحابة أو نسبة ما لم يفعلوه إليهم فهذا مرفوضٌ، وقد مر معك كلام ابن تيمية في أنواع المنقول من هذه الأخبار.
وقد سئل العلامة ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-:
س.أحسن الله إليكم بعض العلماء عندما يورد قصة من قصص السلف ويكون فيها ضعف فيقول: باب السِيَر نتسامح فيه فما هو الضابط في هذا ؟.
الجواب:
الضابط فيها القضايا التاريخية يجب أن يحكم عليها بموازين ومقاييس أهل الحديث, خاصة إذا كانت تتعلق بالصحابة , تتعلق ببعض العلماء , تمسّ بمكانتهم فلابدّ فيها من التثبت بدراسة الأسانيد والحكم عليها في ضوء هذه الدراسة , لكن مثل الأحداث , المعركة الفلانية , المعركة الفلانية وقع فيها كذا وكذا ,وما فيها -يعني- ما تمسّ الأشخاص هذه تُمَشّى , لكن عند التدقيق و كذا و كذا , إذا سئلت: صحيح أو ليس بصحيح ؟ تقول ما تعرفه من الحقّ, تدرس و تبيّن .أمّا فلان جهمي , فلان معتزلي - بارك الله فيك - تذكر لك قصّة عن فلان وهو معروف بالسنّة قال: وقع في الاعتزال , وقع في كذا , لابدّ من التثبت , يذكر لك صحابي و يقول لك: حصل له كذا وكذا , لابدّ من التثبت -بارك الله فيكم- أنا أعرف أنّ التأريخ يعني نهض به أهل البدع أكثر من أهل السنّة ,ثم جاء ابن جرير وغيره ينقل عن ابن مخنف([9]) وفلان وفلان من الروافض ومن هؤلاء الضالين الكذابين , فيحتاج الأمر إلى التحرّي والتثبت. .http://www.rabee.net/show_fatwa.aspx?id=105

القاعدة الخامسة:
من عقيدة أهل السنة والجماعة الكف عن ذكر مساويهم -رضي الله عنهم-:
قال الإمام أحمد رحمه الله في بيان أصول اعتقاد أهل السنة:
"ومن انتقص أحداً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو بغضه بحدث منه أو ذكر مساويه كان مبتدعاً حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليماً"([10]).

القاعدة السادسة:
من عقيدة أهل السنة والجماعة :الإمساك عما شجر بين الصحابة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية:
" ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون".

فصل في ذكر شيء من ترجمته وبعض فضائله -رضوان الله تعالى عليه-:
-اسمه:
هو أبو وهب الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبان بن أبي عمرو ذكوان بن أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف الأمويّ، أخو عثمان بن عفان لأمه.
-إسلامه:
ذكر أهل التراجم أنه أسلم يوم الفتح هو وأخوه عمارة-وقيل: خالد-رضي الله عنهم-.([1])
-فضائله:
-الفضل العام:
دخوله تحت الآيات والأحاديث التي أثبتت فضيلة الصحابة بشكل عام،وسأقتصر على ذكر آية وحديث وإلا فالنصوص في هذا المقام كثيرة كما هو معروف فلتنظر في مظانها:
يثبت للوليد بن عقبة -رضي الله عنه- الفضل العام للصحابة -رضي الله عنهم- ومن ذلك قوله تعالى:﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
ثبت عن غير واحد من التابعين تفسير قوله تعالى:﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ أي الجنة،قال ابن جرير: "حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وكلاًّ وعد الله الحسنى"، وهي الجنة، والله يؤتي كل ذي فضل فضلَه".
قلت:إسناده صحيح، وقد استدل ابن حزم بهذه الآية على القطع بأن الصحابة بأعيانهم في الجنة؛ فقال:
"وصح بالنص كل من سبقت له من الله تعالى الحسنى، فإنه مبعد عن النار لا يسمع حسيسها، وهو فيما اشتهى خالدا لا يحزنه الفزع الأكبر"([2]).
ومما جاء في فضل الصحابة -رضوان الله عليهم- ما رواه البخاري ومسلم من طريق شعبة، عن أبي جمرة، سمعت زهدم بن مضرب، سمعت عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، يقول:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) ([3])
-من فضائله -رضي الله عنه-:
1- اعتزاله الفتنة التي جرت بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-:
قال ابن تيمية:
" وأما الصحابة فجمهورهم وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة. قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا أبي حدثنا إسماعيل يعني ابن علية حدثنا أيوب يعني السختياني عن محمد بن سيرين قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عشرة آلاف فما حضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقة ومراسيله من أصح المراسيل.."([4]).
أقول: والوليد كان ممن اعتزل الفتنة على الرغم من أن عثمان كان أخاه من جهة أمه ونص على هذا كل من ذكر ترجمته من أهل التراجم والسير كابن الأثير وابن عبد البر وابن حجر وغيرهم، وقد ذكر ابن عبد البر خبراً أنه -رضي الله عنه- وإن لم يشارك بسنانه إلا أنه كان يرسل بالشعر محرضاً معاوية -رضي الله عنه- على علي -رضي الله عنه- وهذا لا يثبت كما سيأتي.
2-من أخلاقه وشمائله:
أنه" كان من رجال قريش حلماً وشجاعةً وكرماً وشعرا"([5])وهذا قد نص عليه أهل التراجم والسير دون معارضة من أحد منهم,وله أخبار في الجهاد والغزو ونصرة الإسلام مبثوثة في كتب التاريخ.فرضي الله عنه.
3- روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أصح ما ثبت من روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبيد الله قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن الوليد بن عقبة أنه قال:((لم تكن نبوة إلا كان بعدها ملك)).
قلت:إسناده صحيح وله حكم الرفع،ويشهد له حديث سفينة المشهور:(( الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكاً)).

فصل في ذكر ما ثبت عن الوليد بن عقبة مما يظن أنه يسهل الطعن فيه وثلبه نسأل الله العافية.

1- قال سعيد بن منصور: حدثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، قال: كنا في جيش في أرض الروم ، ومعنا حذيفة بن اليمان ، وعلينا الوليد بن عقبة ، فشرب الخمر ، فأردنا أن نحده ، قال حذيفة : أتحدون أميركم ؟ وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم فبلغه ، فقال: لأشربن وإن كانت محرمة ، ولأشربن على رغم من رغم([11]).
أقول:
إسناد هذا الخبر صحيح وقد أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وهذه الغزوة قالوا إنها في سنة 28 للهجرة سنة 26 وعزل عثمان الوليد بن عقبة بعد إقامة الحد عليه كما يأتي سنة 29هـ، فينبغي أن تحمل هذه الحادثة قبل أن يحد -رضي الله عنه- فقد حكاها أهل التواريخ ولا يوجد ما يعارضها.
2- قال الإمام مسلم في صحيحه: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وعلي بن حجر، قالوا: حدثنا إسماعيل وهو ابن علية، عن ابن أبي عروبة، عن عبد الله الداناج، ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، واللفظ له، أخبرنا يحيى بن حماد، حدثنا عبد العزيز بن المختار، حدثنا عبد الله بن فيروز، مولى ابن عامر الداناج، حدثنا حضين بن المنذر أبو ساسان، قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم، فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها، فقال: يا علي، قم فاجلده، فقال علي: قم يا حسن فاجلده، فقال الحسن: ولِّ حارَّها من تولى قارَّها، فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: «جلد النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعين»، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، " وكل سنة، وهذا أحب إلي. ([12])
أقول:
إن الحدود كفارات لأهلها كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتفق عليه:((من أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه)) هذا لفظ البخاري.
وقد ثبت أن من الصحابة من أقيم عليه حد الزنى كماعز -رضي الله عنه- والغامدية -رضي الله عنها- ،والصحابي الذي كان يؤتى به أكثر مرة ليجلد في شرب الخمر؛قال البخاري: حدثنا يحيى بن بكير حدثني الليث قال حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب:(( أن رجلا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جلده في الشراب فأتي به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تلعنوه فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله)).
فأثبت له الإيمان بحب الله ورسوله، فلا يجوز أن تذكر هذه الأخبار كمطعن في الصحابة رضوان الله عليهم خاصة أنه ثبت أنه أقيم عليهم الحد والحدود كفارات لأهلها، وقد ورد النهي عن التعيير والتثريب بذنب قد حُد صاحبه فيه؛فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(( إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها ولا يثرب..)).
قال ابن بطال في شرحه:
قوله: (ولا يثرب) أى لا يلومن ولا يعددن بعد الجلد، ويؤيد هذا أن توبة كعب بن مالك ومن فر يوم حنين حين تاب الله عليهم كانت شرفًا لهم، ولم تكن لهم ملامة، فبان بهذا أن اللوم والتثريب لا يكون إلا قبل التوبة أو الحد([13])اهـ.
وقال:(ولايثرب) يدل أن كل من وجب عليه حد وأقيم عليه أنه لا ينبغى أن يثرب عليه ولا يعدد، وإنما يصلح التثريب واللوم قبل مواقعة الذنب للردع والزجر عنه([14])اهـ.
أقول:وقد ثبت أن الوليد -رضي الله عنه- قد أقيم عليه الحد بشرب الخمر فلا يجوز أن تذكر أخبار شربه الخمر قبل كمطعن عليه بل يجب أن يبين من يذكر أنه قد أقيم عليه الحد.
3- قال الإمام أحمد:حدثنا إبراهيم بن خالد، حدثنا رباح، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان، عن القاسم، عن أبيه، أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت؟ أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما فعلت، أم ابتدعت؟ قال: "لم يأتني أمر من أمير المؤمنين، ولم أبتدع ولكن أبى الله عز وجل علينا، ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا، وأنت في حاجتك([15]).
أقول:
تُكلم في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه ولكن نقل ابن حجر عن ابن المديني إثبات سماعه هذا الحديث وكذا اختار سماعه البخاري كما في تاريخه الكبير، والخبر ليس فيه مطعنٌ في الوليد فإن تأخيره الصلاة لحاجة قد عرضت له لذلك غلب على ظن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه لن يأتي لذا أقام الصلاة.
فهذه هي الأخبار الثابتة عنه والتي يظن أنها تسهل ثلبه أو الكلام فيه كما فعل كثير من أهل السير والتراجم-بقصد أو من دونه-نسأل الله العافية.

فصل في الأخبار الضعيفة التي فيها مثالب للوليد بن عقبة -رضي الله عنه- والتي يكثر أهل السير والقصاصون من سردها:

باب:الكلام على ما ورد في قوله تعالى﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾:
1- قال القطيعي في زوائده على فضائل الصحابة للإمام أحمد: حدثنا إبراهيم، نا حجاج، نا حماد، عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن الوليد بن عقبة قال لعلي: ألست أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأملأ منك حشوا؟ فأنزل الله عز وجل: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)".
قلت: فيه الكلبي وهو محمد بن السائب رافضي كذاب.
فائدة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
" أما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه(أي أحمد)، سواء كان صحيحا أو ضعيفا، فإنه لم يقصد أن لا يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده، ثم زاد ابن أحمد زيادات، وزاد أبو بكر القطيعي زيادات، وفي زيادات القطيعي زيادات كثيرة كذب موضوعة، فظن الجاهل أن تلك من رواية أحمد، وأنه رواها في المسند. وهذا خطأ قبيح"([16]).
2- قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت بالمدينة، في عليّ بن أبي طالب، والوليد.
أقول: فيه محمد بن حميد الرازي: كذاب. وفيه شيخه سلمة الأبرش: ضعيف جدا. وابن إسحاق قد عنعن عن بعض أصحابه! وهو لا يدلس إلا عن الضعفاء والمجاهيل.
3- قال الشاموخي: ثنا أبو بكر ثنا أبو جعفر ثنا عمر بن الخطاب ثنا عبد الله بن صالح ثنا عبد الله بن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس، في قول الله تعالى " {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا}فالمؤمن علي بن أبي طالب والفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط([17]).
أقول:منكر!.
أبو بكر هو أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي لم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً فالظاهر أنه مجهول. انظر ترجمته عند ابن نقطة في الإكمال(1/188)،أما شيخه أبو جعفر فلم أهتد له، وعمر بن الخطاب القشيري قال ابن حبان:مستقيم الحديث.وعبد الله بن صالح كاتب الليث ضعيف وكان يُدخل في كتبه ولا يميز حديثه وابن لهيعة ضعفه مشهور بل وجاء في ترجمته أنه كان يلقن فيتلقن وقد تفرد عن عمرو بن دينار.
4- قال الواحدي في أسباب النزول:أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد الأصفهاني، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الحافظ، قال: أخبرنا إسحاق بن بنان الأنماطي، قال: حدثنا حبيش بن مبشر الفقيه قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط لعلي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق. فنزل: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} قال: يعني بالمؤمن عليا، وبالفاسق الوليد بن عقبة([18]).
أقول:ضعيف جداً فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي؛ضعيف الحديث صاحب مناكير اشتد قول ابن حبان رحمه الله فيه،والظاهر أن هذا من مناكيره عن الحكم.
فإذا عرفت هذا تعرف أن في قول الذهبي في السير بعد أن ذكره(3/415):"إسناده قوي" نظر! فأنى له القوة وقد علمت حال ابن أبي ليلى.
وقد أحسن -رحمه الله- عندما نقد المتن فقال:"لكن سياق الآية يدل على أنها في أهل النار".
يعني قوله تعالى:﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)﴾[السجدة].

باب: الكلام على خبر الإتيان به صبياً ليمسح عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن النبي لم يمسح عليه فحرم البركة:
5- قال ابن أبي عاصم في المثاني والآحاد: حدثنا علي بن ميمون العطار، نا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن أبي موسى عبد الله الهمداني، عن الوليد بن عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنه- قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم إلى -رسول الله صلى الله عليه وسلم-، فيمسح رءوسهم ويدعو لهم قال: فجيء بي إليه وقد خلقت بالخلوق فلما رآني جعل أصبعه على رأسي ثم مسحها بالأرض قال:ولم يمنعه من ذلك إلا الخلوق الذي خلقتني أمي([19]).
قلت: خبر ضعيف وآفته من ليس له إلا هذا الخبر؛قال ابن عبد البر: أبو موسى هذا مجهول ، و الخبر منكر لا يصح ، و لا يمكن أن يكون من بعثه النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- مصدقا صبيا فى زمن الفتح.
أقول:وخبر بعثه مصدقاً لا يثبت كما سيأتي.
أما قول البيهقي في الكبرى:
" قال أحمد بن حنبل: وقد روي أنه سلح يومئذ فتقذره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يمسه ولم يدع له.[(وزاد في دلائل النبوة):والخلوق لا يمنع من الدعاء لطفل في فعل غيره لكنه منع بركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] لسابق علم الله فيه".
أقول:أما ما نسبه لأحمد فلم أجده، وحتى لو قاله الإمام أحمد فإنه قد رواه بصيغة التمريض"روي" وأما كلامه هو فلا حاجة لنا به إلا أن يظهر إسناداً ثابتاً يدل على مثل هذا الكلام أما إرسال الكلام هكذا دون أسانيد مع ما يترتب عليه من ثلم لصحابي من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمردود. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وحتى لو ثبت الخبر فإنه يُكتفى بالتعليل الذي ورد لوجود الخلوق الذي على رأسه ونفي الدعاء لابد له من دليل ولا دليل فقد يكون دعا له ومالذي يمنع؟!.

باب: الكلام على ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا عليه:
6- قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله، حدثني نصر بن علي، وعبيد الله بن عمر، قالا: حدثنا عبد الله بن داود، عن نعيم بن حكيم، عن أبي مريم، عن علي: أن امرأة الوليد بن عقبة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن الوليد يضربها - وقال نصر بن علي في حديثه: تشكوه - قال: " قولي له: قد أجارني ". قال علي: فلم تلبث إلا يسيرا حتى رجعت " فقالت: ما زادني إلا ضربا. فأخذ هدبة من ثوبه فدفعها إليها. وقال: " قولي له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أجارني ". فلم تلبث إلا يسيرا حتى رجعت. فقالت: ما زادني إلا ضربا. فرفع يديه وقال: " اللهم عليك بالوليد أثم بي مرتين ".
أقول:
وأخرجه غيره ولكن مدار الأسانيد على نعيم بن حكيم عن أبي مريم الثقفي به، وأبو مريم الثقفي هذا مجهول.فعليه الخبر لا يثبت، ولا يغرنك قول الذهبي عنه في كاشفه:ثقة. فإنه وهم قد تابع فيه النسائي رحمه الله؛قال الحافظ في التهذيب: "الذي يظهر لي أن النسائي وهم في قوله أن أبا مريم الحنفي يسمى قيسا والصواب أن الذي يسمى قيسا هو أبو مريم الثقفي صاحب الترجمة كما قال أبو حاتم وابن حبان على أن النسخة التي وقفت عليها من كتاب الكنى للنسائي إنما فيها أبو مريم قيس الثقفي نعم ذكره في التمييز كما نقل المؤلف وأما أبو مريم الحنفي فاسمه إياس كما قال ابن المديني وأبو أحمد وابن ماكولا وابن حبان في الثقات ولم يذكره النسائي لأنه لم يذكر إلا من عرف اسمه وأما أبو مريم الكوفي فهذا ثالث لا تعلق له بهما لا لكونه يروي عن علي أيضا وقال الدارقطني أبو مريم الثقفي عن عمار مجهول"([20]).
قلت:وقد ضعفه الإمام الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة رقم 6312.
فائدة:
قال الذهبي في المغني في الضعفاء: أبو مريم الثقفي عن عمار لم يصح حديثه.فيبدو أنه تنبه -رحمه الله- للوهم والله أعلم.

باب: الكلام على ما ورد من أن قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ نزل فيه -رضي الله عنه-:

ساق المحدثون وأهل التفسير كابن جرير في ذكر سبب نزول هذه الآية جملة من الأخبار اختلفت في بعض سياقاتها ولكنها كلها تتفق على أن نزول هذه الآية كان بسبب الوليد بن عقبة عندما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- مصدقاً لبني المصطلق وأنهم خرجوا لاستقباله فلما رأهم رجع للنبي -صلى الله عليه وسلم- وقال أنهم امتنعوا عن دفع أموالهم فنزلت هذه الآية فيه بعد أن تبين النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنهم لم يمتنعوا، لكن هل هذه القصة تثبت ؟.
الجواب:لا وإليك الكلام بتفصيل، وقمت بإيراد الأسانيد دون المتون لكيلا يطول المقام بنا ولكن ذكرت بعض المتون لفائدة أشير لها في محلها:
7- قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سابق، حدثنا عيسى بن دينار، حدثنا أبي، أنه، سمع الحارث بن أبي ضرار الخزاعي فذكره.
أقول:إسناده ضعيف فيه دينار الكوفي أبو عيسى مجهول العين لم يرو عنه إلا ابنه ولم يوثقه أحد، ذكره ابن حبان في ثقاته،لذا قال الحافظ ابن حجر في الإصابة(6/482): وفي السند من لا يعرف.
أما قول الإمام الألباني -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة(7/432):"وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب"ففيه نظر!.
فدينار لم يوثقه أحد وارجع للتهذيب لترى ذلك، ثم قال -رحمه الله- (أي الألباني):
"وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من الإصابة وأما في ترجمة (الوليد بن عقبة) ؛ فإنه- بعد أن أخرج القصة من وجوه مرسلة- قال:"أخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة، وفي السند من لا يعرف "!.
كذا قال -رحمه الله-! فإنه مع تقصيره في اقتصاره على الطبراني دون أحمد وغيره- ممن عزاه إليهم في الموضع الأول- فالطبراني قد رواه من ثلاثة طرق عن محمد بن سابق. فهل الجهالة التي أشار إليها هي في محمد بن سابق فمن فوقه - وهذا ما لا يتصور صدوره من الحافظ؛ بل ولا ممن دونه، أم هي في الطرق الثلاث؟ وهذا كالذي قبله؛ فإنها لو كانت كلها مجهولة لم يجز إعلال الحديث بها لتضافرها، فكيف واثنان منها-على الأقل- صحيحان؟! فكيف وقد رواه أحمد عن محمد بن سابق مباشرة؟! لا شك أن ذلك صدر من الحافظ سهوا وغفلة. وكلنا ذاك الرجل: (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)".
أقول:
رحم الله الإمام الألباني ولكن الحق مع الحافظ ابن حجر فدينار الكوفي ليس بثقة بل مجهول،وهذا مراد الحافظ بقوله وفيه من لا يعرف.
8- قال ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: حدثنا يعقوب بن حميد، نا عيسى، عن جده، عن أبيه، علقمة -رضي الله عنه-.
أقول:يعقوب بن حميد ضعيف الحديث جداً بل قد اتُهم؛ قال العقيلي: حدثنا زكريا بن يحيى الحلواني قال: رأيت أبا داود السجستاني صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر بحديث ابن كاسب , وجعله وقايات على ظهور ركبته , فسألته عنه , فقال: رأينا في مسنده أحاديث أنكرناها , فطالبناه بالأصول , فدافعها, ثم أخرجها بعد , فوجدنا الأحاديث في الأصول مغيرة بخط طري , كانت مراسيل فأسندها , وزاد فيها([21]).
9- قال ابن جرير في تفسيره: حدثنا أبو كُريب، قال: ثنا جعفر بن عون، عن موسى بن عبيدة، عن ثابت موْلى أمّ سلمة، عن أمّ سلمة به.
أقول:فيه موسى بن عبيدة الربذي. قال البخاري في تاريخه الكبير(7/291):منكر الحديث قاله أحمد بن حنبل.
10- قال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس.
أقول: منكر،فيه عطية العوفي ضعيف شيعي تدليسه قبيح من الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين لابن حجر،وابنه الحسن ضعيف مثله ،والحسين ابن الحسن مجمع على تضعيفه، وابنه سعد ضعيف؛ قال أبو بكر الأثرم-(كما في تاريخ بغداد127/9)-: قلت لأبي عبد الله: أخبرني اليوم إنسان بشيء عجب، زعم أن فلاناً أمر بالكتاب عن سعد بن العوفي. وقال: هو أوثق الناس في الحديث، فاستعظم ذاك أبو عبد الله جداً. وقال: لا إله إلا الله، سبحان الله ذاك جهمي، امتحن أول شيء قبل أن يخوفوا، وقبل أن يكون ترهيب، فأجابهم. قلت لأبي عبد الله: فهذا جهمي إذاً؟ فقال: فأي شيء؟ ثم قال أبو عبد الله: لو لم يكن هذا أيضاً لم يكن ممن يستأهل أن يكتب عنه، ولا كان موضعاً لذاك.
11- قال ابن جرير: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد به.
أقول:وهذا غاية ما فيه أنه مرسل لمجاهد ومجاهد قد أخذه عن ابن أبي ليلى كما سيتبين لك لاحقاً فمخرج الخبر واحد.
12- قال ابن جرير: حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة.
أقول:قتادة ثبت أنه يرسل عن مجاهد كما في مصنف ابن أبي شيبة حيث قال:حدثنا عبدة بن سليمان نا سعيد عن قتادة عن مجاهد...
ومراسيل قتادة من أوهى المراسيل قال ابن أبي حاتم:" كان يحي بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول هو بمنزلة الريح".
ومن شروط تقوية المرسل بآخر أن تختلف المخارج،وهنا عندنا قتادة يرسل عن مجاهد.
13- قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان، عن هلال الوزان، عن ابن أبي ليلى فذكره.
14- وقال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حميد، عن هلال الأنصاري، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره.
أقول:
عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري هو شيخ مجاهد فمرسل مجاهد الذي مر معنا قبل قليل أصله مرسل ابن أبي ليلى هذا.
وابن حميد في الإسناد الآخر هو محمد بن حميد الرازي وهو كذاب.
15- قال ابن جرير: قال: ثنا سلمة قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان فذكره
أقول:إسناده ضعيف فيه سلمة بن الفضل الرازي ضعيف ومحمد ابن إسحاق قد عنعن وهو كما قال ابن حجر في طبقات المدلسين له(ص51): مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين وعن شر منهم وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما.
16- قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: نا أبي أنا عبد العزيز بن منيب نا أبو معاذ النحوي عن عبيد بن سليمان عن الضحاك قوله عزوجل:(يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) الآية بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا من أصحابه إلى قوم يصدقهم فأتاهم الرجل وكان بينهم وبينه حنة في الجاهلية فلما أتاهم رحبوا به وأقروا بالزكاة وأعطوا ما عليهم من الحق فرجع الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال يارسول الله منع بنو فلان الزكاة ورجعوا عن الإسلام فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث إليهم فأتوه فقال أمنعتم الزكاة وطردتم رسولي فقالوا: والله ما فعلنا وإنا لنعلم أنك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما بدلنا ولا منعنا حق الله عزوجل في أموالنا فصدقهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله هذه الآية فعذرهم.
أقول:لم ترد تسمية الوليد في الخبر،ومع هذا فإن الإسناد لا يثبت فيه الفضل بن خالد النحوي أبو معاذ مجهول .
17- قال الطبراني في الأوسط حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: نا الحسين بن عيسى بن ميسرة الرازي قال: نا عبد الله بن عبد القدوس قال: نا الأعمش، عن موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوليد بن عقبة إلى بني وليعة، وكانت بينهم شحناء في الجاهلية، فلما بلغ بني وليعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه، فخشي القوم فرجع إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إن بني وليعة أرادوا قتلي، ومنعوني الصدقة فلما بلغ بني وليعة الذي قال الوليد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أتوا رسول -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول الله، لقد كذب الوليد، ولكن كانت بيننا وبينه شحناء، فخشينا أن يعاقبنا بالذي كان بيننا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلا عندي كنفسي يقتل مقاتلتهم ويسبي ذراريهم، وهو هذا» ثم ضرب بيده على كتف علي بن أبي طالب قال: وأنزل الله في الوليد: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق}،قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الأعمش، إلا عبد الله بن عبد القدوس([22]).
أقول:وهذا خبر منكر، آفته عبد الله بن عبد القدوس التميمي ضعيف رافضي خبيث.كما قال ابن معين ليس بشيء !وقد تفرد عن الأعمش بهذه الرواية، ثم الخبر فيه نكارة في متنه فالروايات الضعيفة الأخرى الأقوى من هذه أنه أرسل إلى بني المصطلق لا إلى بني وليعة.
تلخيص وتنصيص:
وبهذا يتبين أن ما ورد في سبب نزول قوله تعالى({يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق} وأنها في الوليد بن عقبة بن أبي معيط -رضي الله عنه- لا يثبت، فأعلى ما ورد مرسل عن ابن أبي ليلى كما مر معك.
فلا تغتر بكثرة ذكر هذا السبب في المصنفات والكتب فكم من كثرة هي لا تعدو أن تكون كغثاء السيل.
مناقشة الإجماع المزعوم في أن الآية نزلت في الوليد!:

أما الإجماع الذي ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب(4/1553):" ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل:(إن جاءكم فاسق بنبإ ) نزلت في الوليد بن عقبة".
ففيه نظر واضح وقد أحسن حيث قال فيما علمت! لأن بعض أهل العلم قد عارضوا خبر إرساله مصدقاً لبني المصطلق بخبر الإتيان به صبياً ليمسح عليه الذي مر معك آنفاً،قال ابن الأثير:
"وقال ابن ماكولا: رأى الوليد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو طفل صغير"([23])
وقال ابن حجر في الإصابة بعد أن ساق رواية من روايات خبر نزول قوله تعالى:(إن جاءكم فاسق...)الآية:"ويعارض ذلك ما أخرجه أبو داود في السنن من طريق ثابت بن الحجاج، عن أبي موسى عبد اللَّه الهمدانيّ، عن الوليد بن عقبة، قال: لما افتتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وآله وسلم- مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رءوسهم..."([24])فساق الخبر.
أقول:
فهذا اختيار ابن ماكولا وابن حجر-وهناك غيرهم كثر-يعارض هذا الإجماع المزعوم؟!.
والتحقيق بأن يقال:
سبب نزول الآية لا يثبت وكذلك خبر الإتيان به صبياً ليمسح عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

التعديل الأخير تم بواسطة بلال الجيجلي ; 07-20-2012 الساعة 03:23 PM
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:14 PM.


powered by vbulletin