منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > منبر التراجم والتعريف بالشخصيات المشهورة

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
  #1  
قديم 11-03-2012, 08:49 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي ترجمة الشيخ عبد الرحمن الإفريقي رحمه الله تعالى - للشيخ عمر بن محمد فلاته -رحمه الله تعالى-

ترجمة الشيخ عبد الرحمن الإفريقي رحمه الله تعالى - لفضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاته -رحمه الله تعالى-

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أشرف خلقه وأفضل أنبيائه ورسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد...
فإن حديثي معكم في هذه الليلة [1] يتعلق بترجمة شخصية كريمة، اتصفت بالعلم والحلم، والفضل والنُّبل، وامتازت بخصال فريدة هيأها الله تعالى لها، وحديثي عنها يعتبر غيضاً من فيض.

ولا أكتمكم أن عنوان هذا الموضوع لم أخترعه بادئ ذي بدء، إنما اختير لي من قبل الجهة المسؤولة عن المحاضرات، ونعم الاختيار كان، وأتوقع أنكم لن تسمعوا غريباً، ولن تقفوا على ابتكار أو اختراع وتجديد، وإنما أرجو أو يوفقني الله تعالى على أن أقوم بالتعبير عما تكنّه النفس من حب ووفاء، واعتراف بالجميل لأصحابه .. وأنعم بالحب الذي يكون لله وفي الله ...

فلقد صح في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله"، وذكر منهم "رجلين تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه".

وأرجو أن أوفق لإجلاء صورة الشخصية على حقيقتها, وفي نظري أنها من الأمثلة التي تحتذى.

وإنه لمن فضل الله على عباده أن قرْننا هذا حظي بطبقات غير قليلة من العلماء ذوي علم وبصيرة، وصدق وتقوى، نشروا العلم والدين والهدى والرشاد. ولم يخل قطر من الأقطار الإسلامية من عالم أو فقيه أو محدث أو داعية, يتلو الخالف منهم السالف, محافظين على سلامة شرع الله من عبث العابثين، وكيد الكائدين.

وليس بدعاً أن أقوم بترجمة لعالم حري أن تظهر آثاره، وتنشر أخباره, وقد شحنت المكتبات الإسلامية بتراجم وسير الأعلام من الرجال من عصر الصحابة رضوان الله عليهم، بل إن الحفاظ من النسابين في الجاهلية قد حفظوا الأنساب، وسير أبطالهم، وأفذاذهم, وأخيار أيامهم، وأذاعوا ذلك وأشاعوه في محافلهم ومنابر أسواقهم، فنقل ذلك عنهم الرواة، ودوّن ذلك الكتاب والأدباء والإخباريون.
ولم تكن الكتابة عن أي شخص وافية كاملة إلا بتعدد الكتاب واستخلاص الحقائق من مجموع ما كتب عنه. وها أنا الآن أسهم بقلمي للقيام بترجمة عالم جليل، وقرنٍ نبيل، شيخنا الشيخ عبد الرحمن بن يوسف الأفريقي الففوي مولداً، والمدني مهاجراً، والمحدث مسلكاً والفلاني نسباً.
أقول إن الترجمة سنة العلماء، ومنهج أهل الحديث النبلاء بل إن السند والإسناد من ميزة هذه الأمة المحمدية، وهذه المكتبة الإسلامية حافلة بكتب تراجم الصحابة وغيرهم كطبقات ابن سعد والاستيعاب، وأسد الغابة والإصابة، وتاريخ البخاري الكبير والصغير، وكتب ابن حبان وابن عدي والدارقطني والدواليبي والتهذيب وتهذيبه والتقريب والخلاصة، والإكمال والتكملة، وغيرها من كتب التراجم للأدباء والشعراء والقراء والفقهاء.
ونظراً إلى أن أحق الناس بالكتابة عن العالم المذكور هم أبناؤه وتلاميذه فإني أرى لزاماً القيام ببعض ذلك، وقد أكرمني الله تعالى بصحبته وطول ملازمته، وكثرة مرافقته، وسمعت منه في المسجد النبوي ودار الحديث بالمدينة المنورة وفي الحضر والسفر والاستقرار وأعدكم أني لا أنطلق مع العاطفة إلى حد المبالغة بناءً على أنه شيخي ووالدي الروحي وذلك لأني مستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم, إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله"، وقوله لعبد الله الشخير رضي الله عنه - وقد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت سيدنا" – فقال: "السيد لله تبارك وتعالى"، قلنا: "وأفضلنا", فقال: "قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستحوذنكم الشيطان". رواه أبو داود بسند جيد.
وفي حديث أنس رضي الله عنه: "أن أناساً قالوا لرسول الله: "يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا" فقال: "يا أيها الناس قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل". رواه النسائي بسند جيد، وقوله: "إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا على وجوههم التراب".

ميلاده ونشأته:

ولد رحمه الله عام 1326هـ في بلاد مالي من قارة إفريقيا الغربية، بقرية تسمى (فَفَا) من أبوين كريمين أنجبا من الأولاد الكثير من الذكور والإناث لم يعش منهم غير المترجم له وأخوه الأكبر، وكان أبوه من بيت الإمارة والحكم الذي لم يزل حتى اليوم يتداوله آله. ونشأ في تلك الربوع مع أترابه يستنشق هواء الصحراء، ويمتع ناظريه بالفضاء الواسع الذي لا يردهما إلا النهر الذي جعل القرية جزيرة. وكانت هذه الفترة فترة بؤس وبلاء على أهل تلك الديار؛ لأن المستعمر الفرنسي قد قبض بكلتا يديه على هذه البلاد، وانقض عليها انقضاض الأسد على الفريسة, بعد أن جرت بينه وبين الأهالي العزل من السلاح حروب انتهت باستعماره البلاد والعباد، وفرض سلطته عليهم قهراً شأن غيرها من البلاد التي اقتسمها الأوربيون من الانجليز والبلجيكيين والبرتغاليين والألمان.

وذلك لأنهم علموا ما امتازت به أفريقيا الخضراء من جودة التربة وكثرة المياه، وجمال الطبيعة، ووفرة الأقوات والأرزاق والمعادن، وقام البعض منهم بالقرصنة، وبعض الأعمال التي لا يقرها شرع، ولا خلق ولا وازع إنساني، ولقد قال عنها بعض الرحالة المحدثين: "إنها القارة الافريقية الخضراء زينة القارات ومستودع الكنوز والثروات، ومنبع للرجولات والبطولات".

دخلها الإسلام أول ما دخلها قبل أن يعرف العالم الغربي والشرقي، وقام الإسلام فيها بدوره الحضاري في أقطارها الشرقية والوسطى والغربية والشمالية، وإن الديانة الكبرى اليوم السائدة فيها هي الإسلام ومع ذلك فإن أفريقيا المسلمة لا تزال مجهولة لدى العالم الغربي والإسلامي، ومجهول ما فيها من كنوز وخيرات وثروات يانعات, أقول إنه مع الأسف، لم يعرفوا أن هناك أمة يتوجهون إلى كعبة الله، ويتبعون رسول الله، ويتألمون لآلام الأمة التي بعث فيها رسول الله مع أن أول اتصال بأفريقيا الشرقية كان على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه الكرام بالهجرة إلى الحبشة، وقال لهم حينما اشتد عليهم الأذى من مشركي مكة: "اخرجوا إلى أرض الحبشة فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه"، واستطاع الصحابة رضوان الله عليهم أن يزرعوا بذور الإيمان هناك، وينشروا دين الإسلام حتى أسلم النجاشي نفسه ملك الحبشة آنذاك.

ولما جاء نعيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المصلى فصف أربعة صفوف، وصلى عليه وهو غائب. وعلى ذلك فإن البلاد الأفريقية قد دخلها الإسلام والمسلمون من صحابة رسول الله قبل أن يدخل أية بلد بعد مكة, أما شمال أفريقيا وغربيها فقد بدأ الفتح فيها على عهد عثمان بن عفان الخليفة الراشد رضي الله عنه، فقد أخرج سنة 27هـ عشرين ألفاً من الصحابة والتابعين يقودهم عبد الله بن أبي السرح وقطعوا مفاوز برقة وطرابلس ثم دخلوا افريقيا، ومنّ الله على المسلمين بالفتح، وكان الأعداء قد خرجوا عليهم بمائة ألف مقاتل، واستشهد لله رجال من المسلمين، وتم النصر, وفتحت تونس وكانت تسمى أفريقيا، وعاد عبد الله بن أبي السرح إلى مصر بعد أن أقام بأفريقيا سنة وشهرين, وقد عرفت هذه الغزوة بغزوة العبادلة لأنه قد شارك فيها سبعة من الصحابة كلهم يدعى عبد الله وهم:

(1)عبد الله بن عمر. (2) عبد الله بن الزبير. (3) عبد الله بن عباس. (4) عبد الله بن جعفر. (5) عبد الله بن عمرو بن العاص. (6) عبد الله بن مسعود. (7) عبد الله بن أبي السرح.

وفي عهد معاوية بن أبي سفيان بعث جيشاً كبيراً بقيادة معاوية بن خديج الكندي عام 45 فغزا أفريقيا ثلاث غزوات, وعين يزيد بن معاوية وقيل أبوه معاوية عقبة بن نافع الفهري الذي تم له التوغل في غرب أفريقيا وقال البربر، وبلغ إلى المحيط: وناجى ربه عند المحيط بعد أن أدخل قوائم فرسه في البحر قائلاً: "اللهم لو كنت أعلم أن أحداً وراء هذا المحيط من الخلق لمضيت مجاهداً في سبيلك" ثم عاد - ويومها لم تكن أمريكا مذكورة ولا أخبارها معلومة -.

ولقد عدّد السيوطي رحمه الله في كتابه (درُّ السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة)، وفي كتابه (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة) - عدد أسماء جملة من الصحابة، الذين وطئت أقدامهم بلاد مصر وهي من القارة الإفريقية، وطؤوها داعين الخلق إلى عبادة الخالق، وترك عبادة المخلوق، ولم يدخلوها دخول المستعمرين الذين أكلوا الحرث والنسل، والذين أفسدوا العقائد والفطر، وأشاعوا فيها الكنائس والبيع لاتخاذ الأحبار والرهبان أرباباً من دون الله.

ولقد ذكر التاريخ أن عقبة بن نافع الذي سبقت الإشارة إلى ذكره أو عقبة بن ياسر أو عقبة بن عامر قتله كَسيلة بن كزم البربري وهو عائد إلى القيروان من غزوة غزاها لنشر دين الله سنة 63هـ، وخلف فيها أولاداً ينتمي إليهم الفلاتنون, كما ذكر ذلك صاحب كتاب (تعريف العشائر والخلان بشعوب وقبائل الفُلاّن) والله أعلم بحقيقة الحال. قال رحمه الله: "وفي كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر المغربي المالكي (عقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري) وفدَ على عهد النبي، وكان ابن أخت عمرو بن العاص فولاّه افريقية، وافتتح غدامس وكُوراً من السودان وودّان وبلاد البربر، وغزا السويس القصوى، وكان مستجاب الدعوة، قتله كسيلة بن كزم سنة 63هـ" اهـ. من كل هذا يعلم أيضاً أن صلة تلك البلاد بالبلاد العربية وأهلها ألصق، ونسب بعض جذاميرها بهم أقرب، كيف لا وقد ربط الله بينهم الإسلام، وجعل وشيجته أقوى الوشائج، وصلته أعظم الصلات.

وما أحسن قول العلامة الأستاذ أبي الحسن الندوى قال: "وقد عقد الله بين العرب والإسلام، ثم بين الحجاز والأمة الإسلامية، ثم بين الحرمين الشريفين وقلوب المسلمين للأبد، وربط مصير أحدهما بالآخر".

لذا فإن الشعوب المسلمة في أفريقيا عندما حل ببلادها المستعمر اعتبروا تلك الفترة فترة بلاء، وأيام نحس ـ وساعات بؤس، وآثروا الموت على الحياة.

وفي هذا الوقت ولد الشيخ عبد الرحمن الافريقي المترجم له، وشب عن الطوق، ولما بلغ سن التمييز بعثه والده إلى فقيه القرية الذي يسمى ألفا ليلقنه بعض سور القرآن الكريم ويعلمه بعض الأحكام المبسطة من الكتب الفقهية المتداولة, وظهرت عليه ملامح النجابة، ولم يمض كبير وقت حتى اختاره حكام البلاد المستعمرون للتعليم في مدارسهم التي افتتحوها في تلك البلاد، وأخذ قهراً عن والديه ضمن عدد من أبناء الأعيان، فازداد البلاء , وتفاقم الخطب على والديه وآله لاعتقادهم أنه لا يرجى الخير من شخص تربى على أيدي أعداء الله, وتثقف بثقافتهم ولكن الله غالب على أمره {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} وشاء الله أن يشتغل الفتى بدروسه، ويهضم معلوماته، ويكون النجم اللامع بين أقرنه، وينال الشهادات الدراسية التي تدل على تفوقه وجدارته مما جعله يختار للعمل مدرساً ثم موظفاً مسؤولاً في الأنواء الجوية. ولما دنت ساعة الظفر، وحانت ساعة السعادة والكرامة جرى بينه وبين مدير إدارته حديث في شأن الإسلام وواقع المسلمين، ونثر الخصم ما في جعبته من السموم، ورمى الإسلام الجمود والتخلف, وذكر له أن الإسلام دين لا يصلح للعالم, وتعاليمه لا تهذب النفوس وإنما هو منهج يكتبل الحريات، ويدعو إلى الوهم والخيالات، واستدل بواقع المسلمين وما هم عليه من التخلف والذل، وركونهم إلى الطلاسم والسحر والحجب واعتمادهم على الجن والكهان, والكواكب والحروز والأصنام، مما أدى الأوربيين إلى احتلال البلاد لإسعادهم، وانتشالهم من وهدة التخلف التي هم عليها، وقام يدلل على ذلك بالكثير والكثير من الأدلة التي نمقها المبشرون، وكادوا بها الإسلام والمسلمين، فلم يستطع الفتى حينها من أن يقنع الخصم، ولا أن يدافع عن دينه وعقيدته، لا سيما وأنه خال الوفاض بعيد عن العلم والعلماء والفقه والفقهاء, ولو كان مع أهل العلم والفقهاء فإن العلم في تلك البلاد وما شابهها لا يعدو حفظ القرآن. والمرور على بعض الرسائل في فقه الإمام مالك رحمه الله, ومنظومات شعرية في المديح النبوي باللغة المحلية والعربية, وعزم على أن يتصل بعلماء قريته ليقف على الحجج التي يرد بها على المجادل الخانق المعلم فلم ينل بغيته، ولم يحصل على طلبته، فامتلأت نفسه حسرة وندامة, وقرر السفر إلى الحرمين الشريفين, وهو يرى في كل عام المسافرين والآتين من مكة بدعوى أداء الحج، وقرر البقاء فيهما برهة من الزمن ليتفقه في دينه، ويتسلح بسلاح يقارع به الخصم، وينازل به العدو الذي طعن في عقيدة الإسلام وفي صدق رسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

وأرى أن أقف ههنا وقفة قصيرة لأذكر السامع الكريم بأن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم منذ مئات السنين فكروا وقدروا، ودبروا الكثير من المؤامرات ضد الإسلام والمسلمين، ولمكافحة دعوته، وكسر شوكته؛ لأنهم علموا أنه لم تنكس له راية، ولم ينهزم في معركة - لما كان المسلمون على بصيرة من دينهم وعلى صلة بربهم - فأجمعوا كيدهم، وانطلقوا يضعون المخططات لمحاربة الإسلام، وإبعاد المسلمين عن حقيقة ما جاء به.

ومن تلك الخطط:
1- فتح المدارس الاستشراقية في بلاد المسلمين.

2- إرسال القسيس والرهبان ليشرفوا عليها.

3- غسل اذهان أبناء المسلمين وتشكيكهم في دينهم.

4- الهيمنة على برامج التعليم في البلاد الإسلامية.

5- إحياء الحضارات القديمة القومية لإبعاد المسلم عن حضارته الإسلامية.

6- تشويه التاريخ الإسلامي والتشكيك في حوادثه والطعن فيها.

7- العمل على إخراج المرأة المسلمة من بيتها بدعوى الحرية والتقدمية، وأنها شقيقة الرجل.

8- إشغال الرجال بها، وإخراجهم من مثلهم وآدابهم وأعرافهم وأخلاقهم بواسطتها.

9- تشجيع الطرق المنحرفة وإلباس مقدميها هالة من التقديس والتقدير وإعطائهم الصدارة والرفع من شأنهم.

10- الإكثار من المؤتمرات المسيحية لمكافحة الإسلام.

11- الإكثار من المناسبات المختلفة في بلاد المسلمين باسم الذكرى والعبرة لإيقاعهم في المشابهات المذمومة، والابتداع في شرع الله .

12- محاربة القرآن العظيم كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بطبعه محرفاً، وترجمة معانية ترجمة باطلة لإثارة الجدل ونقده.

13- شن الافتراءات الباطلة على الإسلام لتشويه حقائقه تحت ستار العلم والبحث التكنولوجي المجرد. وغير ذلك كثير وكثير.

وفي أفريقيا بالذات الإكثار من الإرساليات التبشيرية، وإشاعة الكنائس الكبيرة فيها، وإعطاء من اختاروه من الأفارقة الرتب المسيحية لإغراء الرعاع والحطمة في التوغل فيها, وإدخال اللهو وبعض الشهوات في الكنيسة، وتخفيف بعض التعاليم المسيحية إلى درجة الإباحة بدعوى التسامح وإظهار أن الإسلام هو دين القسوة والتعنت والشدة، وبث المحطات الإذاعية القوية للتبشير بالمسيحية، وتشويه سمعة البلاد بأنها بلاد الوحوش والعراة والأدغال، وأكلة لحوم البشر ليتفردوا بخيراتها.

هذا وقد دخلوا في ربوع أفريقيا منذ خمسمائة عام - والعالم العربي المسلم غالبه يجهل إخوانه المسلمين في تلك البلاد، ويدع السرطان الخبيث يفتِكُ في عقائد أمة لو وجدوا مجدداً داعياً ناصحاً، وواعظاً مخلصاً لالتفوا حوله وسلموا الزمام له، واستجابوا لدعوته - وما أمر دعوة التضامن الإسلامي التي قام بها جلالة الملك فيصل رحمه الله، والتفاف زعماء أفريقيا مسلمهم وكافرهم حينما علموا إخلاصه وصدقه - ما أمرها عنا ببعيد.

إذاً فلا عجب من أن يسمع الشيخ الأفريقي رحمة الله عليه من ذلك الفرنسي ما لا يريد أن يسمعه عن الإسلام، وأن يعقد العزم على الرحيل إلى منازل الوحي، ومهبط الرسالة ليتلقى من علماء المسلمين فيها بعد أداء الحج - ما يدحض به الباطل، ويتزود من الدلائل والبيانات ما فيه شفاء ورحمة للمؤمنين.

إنها لهمة عالية ونية صادقة، وغيرة لله خالصة انبعثت من شاب مسلم لم يبلغ يومها العشرين عاماً، يصبر على مفارقة الآباء والأقرباء، والأنداد والأحباء, والوطن والمنصب، والحال أنه أصبح شخصاً مرموقاً يشار إليه بالبنان، قد ينال في المجتمع مرتبة يغبطه عليها أترابه من أبناء الزمان، ولكن الأمر كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ..} الآية, (الزمر: 37).

وصول الشيخ إلى الحرمين الشريفين:

ولقد نفّذ خطته فعلاً، ووصل إلى مكة عام 1345 هـ وأدى فريضة حجه، وعندما وصل إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتصل بعالم جليل من أبناء جنسه وعشيرته يدعى الشيخ سعيد بن صديق, وكان يشتغل بالتدريس في المسجد النبوي، واشتهر بالعلم والإخلاص والصدق والتواضع، والكرم واللطف والنبل - ووصفه الأستاذ محمد بن سعيد دفتدار عندما ترجم له بقوله: "ولد عام 1310هـ وتوفي عام 1353هـ، وتخرج في العلم علي يدي الشيخ ألفا هاشم، وتربى في كفالته ولد في بلاد فلانة في بلدة قابيور فجدّ في طلب العلم من الشيخ ألفا حتى نال حظاً وافراً من العلم ..", إلى أن قال: "وفي الحرب العالمية الأولى ظل بالمدينة المنورة صابراً على لأوائها، ولما توفي الشيخ ألفا هاشم عام 1349هـ أخذ الشيخ سعيد مكانه وتصدى للتدريس في الفقه والحديث النبوي والتوحيد السلفي. وفي العهد السعودي اتصل بالشيخ عبد الله بن بلهيد فلما تحقق من فضله وعلمه عين مدرساً في المسجد النبوي، وعضوا في هيئة الأمر بالمعروف، وانتفع بعلمه كثير منهم الشيخ علي بن عمر والشيخ محمد قوني، وتوفي يوم الجمعة في رجب عام 1353هـ".
هذا هو الرجل الأول الذي اتصل به المترجم له في المدينة المنورة، وبالحقيقة فقد انتفع منه علماً، وخلقاً ونبلاً, وكان اتصاله به بمثابة تحول من حال إلى حال، وحياة إلى حياة، وبدأ يتعلم اللغة العربية من ألفها وساعده على سرعة التحصيل إخلاصه أولا بعد توفيق الله, وجده واجتهاده وثقافته الفرنسية التي هونت عليه الكثير من الأمور.

ولقد مكث الشيخ الأفريقي مع شيخه سعيد المذكور مدة قرأ فيها القرآن وشيئاً من كتب الفقه المالكي كمتن العشماوي، والأخضري، وابن عاشر والأزهرية وشيئاً من شروحها، ومتن الرسالة وبعض شروحها، ودرس عليه العقيدة السلفية وشيئاً من كتب الحديث كالأربعين النووية، والمختارة من الأحاديث للهاشمي، وجزء يسير من بلوغ المرام.

بعد ذلك حن إلى وطنه، وظن أنه قد حاز من العلم ما يهيئ له مقارعة الأعداء بالحجة والبيان، واستأذن شيخه في العودة إلى البلاد بعد أدائه الحجة الثانية وهو لا يدري ما سبق في قدر الله من الخير - ولما فرغ من أداء المناسك اجتمع بشيخ جليل من بني قومه يقيم بجدة وجرى نقاش علمي في مسألة فقهية فأدلى دلوه، وتقدم في الحديث على جلسائه، وسرد النصوص التي يحفظها من الكتب التي قرأها فقال له الشيخ: يا بني -وبكل بساطة وهدوء -"إن هذه المسألة ورد فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف النصوص التي ذكرت، ويدل على غير ما قرأت"، وقرأ عليه حديثاً ملك مجامع قلبه، وألجم لسانه، وفند حجته، وامتلأ مهابة, وقال: إذاً, علام خالفت المتون هذا الحديث؟! فقال الشيخ: "يا بني, إن جميع المتون وكل الكتب تابعة لأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما سمعت ما قال الإمام مالك، وهو يرد فتوى سمعها عن أمير المؤمنين عمر: "كل كلام فيه مقبول ومردود سوى كلام صاحب هذا القبر وأشار إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر}. (النساء: 59)".

ومن يومها قرر عدم السفر وكان يقول: "فأجمعت أمري على العودة إلى المدينة المنورة لأتقوى في دراسة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونظرت إلى زملائي المسافرين نظرة مودع مفارق فراق غير وامق، وقلت في نفسي: إذا كان ما تحصلت عليه لا يقنع مسلماً ليعود عما هو عليه، فلأن أعجز عن إقناع الملحد المعاند من باب أولى, وقلت لهم: بلغوا آلي أنني لن أعود إلى البلاد حتى يأذن الله، وغربة عن الأوطان في سبيل العلم والمعرفة خير من إقامة سعيدة بالأوطان على جهل وتبعية".

وأنا أدعك لتتصور لأواء الغربة، والحنين إلى الأوطان والصحبة, وأدعوك إلى أن تقرأ كتاب الحنين إلى الأوطان عل ذلك يدعو الطلاب للجد والاجتهاد والحرص على الفوز والنجاح في الدور الأول - إن شاء الله - ليتمكنوا من السفر في العطلة الصيفية، ويبلوا الصدأ، ويقضوا النهمة، ويعودوا بعد ذلك إلى الجامعة وهم أسعد حالاً، وأهدأ بالاً، وأزكى قلباً. والله المستعان.
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 PM.


powered by vbulletin