منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-29-2013, 03:47 AM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي تفسير القرطبي لبعض آيات الاستغفار

تفسير القرطبي لبعض آيات الاستغفار

قال القرطبي -غفر الله له- في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) في سورة نوح:

قوله تعالى : فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا.

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : فقلت استغفروا ربكم أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان . إنه كان غفارا وهذا منه ترغيب في التوبة . وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الاستغفار ممحاة للذنوب . وقال الفضيل : يقول العبد أستغفر الله ; وتفسيرها أقلني . الثانية : قوله تعالى : يرسل السماء عليكم مدرارا أي يرسل ماء السماء ; ففيه إضمار . وقيل : السماء المطر ; أي يرسل المطر . قال الشاعر معاوية بن مالك : إذا سقط السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضابا. و " مدرارا " ذا غيث كثير . وجزم " يرسل " جوابا للأمر . وقال مقاتل : لما كذبوا نوحا زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ; فهلكت مواشيهم وزروعهم ، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به . فقال استغفروا ربكم إنه كان غفارا أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه . ثم قال ترغيبا في الإيمان : يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا . قال قتادة : علم [ ص: 277 ] نبي الله صلى الله عليه وسلم أنهم أهل حرص على الدنيا فقال : هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة . الثالثة : في هذه الآية والتي في " هود " دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار . قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت ؟ فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر . ثم قرأ : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا . وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون ، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : اللهم إنا سمعناك تقول : ما على المحسنين من سبيل وقد أقررنا بالإساءة ، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ ! اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا ! فرفع يديه ورفعوا أيديهم ، فسقوا . وقال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له : استغفر الله . وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله . وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولدا ; فقال له : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ; فقال له : استغفر الله . فقلنا له في ذلك ؟ فقال : ما قلت من عندي شيئا ; إن الله تعالى يقول في سورة " نوح " : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا وقد مضى في سورة " آل عمران " كيفية الاستغفار ، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب . وهو الأصل في الإجابة . أهـــ.

وقال كذلك في سورة آل عمران:

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة صِنْفًا , هُمْ دُون الصِّنْف الْأَوَّل فَأَلْحَقَهُمْ بِهِ بِرَحْمَتِهِ وَمِنْهُ ; فَهَؤُلَاءِ هُمْ التَّوَّابُونَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة عَطَاء : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي نَبْهَان التَّمَّار - وَكُنْيَته أَبُو مُقْبِل - أَتَتْهُ اِمْرَأَة حَسْنَاء بَاعَ مِنْهَا تَمْرًا , فَضَمَّهَا إِلَى نَفْسه وَقَبَّلَهَا فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ , فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنَده عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر - وَصَدَقَ أَبُو بَكْر - أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا مِنْ عَبْد يُذْنِب ذَنْبًا ثُمَّ يَتَوَضَّأ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه إِلَّا غُفِرَ لَهُ ) - ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة - " وَاَلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ ذَكَرُوا اللَّه فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ " - الْآيَة , وَالْآيَة الْأُخْرَى - " وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه " [ النِّسَاء : 110 ] . وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : حَدِيث حَسَن . وَهَذَا عَامّ . وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة بِسَبَبٍ خَاصّ ثُمَّ تَتَنَاوَل جَمِيع مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَر مِنْهُ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ سَبَب نُزُولهَا أَنَّ ثَقِيفِيًّا خَرَجَ فِي غَزَاة وَخَلَّفَ صَاحِبًا لَهُ أَنْصَارِيًّا عَلَى أَهْله , فَخَانَهُ فِيهَا بِأَنْ اِقْتَحَمَ عَلَيْهَا فَدَفَعَتْ عَنْ نَفْسهَا فَقَبَّلَ يَدَهَا , فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَ يَسِيحُ فِي الْأَرْض نَادِمًا تَائِبًا ; فَجَاءَ الثَّقَفِيّ فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَته بِفِعْلِ صَاحِبه , فَخَرَجَ فِي طَلَبه فَأَتَى بِهِ إِلَى أَبِي بَكْر وَعُمْر رَجَاء أَنْ يَجِد عِنْدهمَا فَرَجًا فَوَبَّخَاهُ ; فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَالْعُمُوم أَوْلَى لِلْحَدِيثِ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ الصَّحَابَة قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنَّا , حَيْثُ كَانَ الْمُذْنِب مِنْهُمْ تُصْبِح عُقُوبَته مَكْتُوبَة عَلَى بَاب دَاره , وَفِي رِوَايَة : كَفَّارَة ذَنْبه مَكْتُوبَة عَلَى عَتَبَة دَاره : اِجْدَعْ أَنْفك , اِقْطَعْ أُذُنك , اِفْعَلْ كَذَا ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة تَوْسِعَة وَرَحْمَة وَعِوَضًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْل بِبَنِي إِسْرَائِيل . وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيس بَكَى حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . وَالْفَاحِشَة تُطْلَق عَلَى كُلّ مَعْصِيَة , وَقَدْ كَثُرَ اِخْتِصَاصهَا بِالزِّنَا حَتَّى فَسَّرَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَالسُّدِّيّ هَذِهِ الْآيَة بِالزِّنَا . و " أَوْ " فِي قَوْله : " أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ " قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاو ; وَالْمُرَاد مَا دُون الْكَبَائِر .

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

مَعْنَاهُ بِالْخَوْفِ مِنْ عِقَابه وَالْحَيَاء مِنْهُ . الضَّحَّاك : ذَكَرُوا الْعَرْض الْأَكْبَر عَلَى اللَّه . وَقِيلَ تَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسهمْ أَنَّ اللَّه سَائِلهمْ عَنْهُ ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل . وَعَنْ مُقَاتِل أَيْضًا : ذَكَرُوا اللَّه بِاللِّسَانِ عِنْد الذُّنُوب .

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

أَيْ طَلَبُوا الْغُفْرَان لِأَجْلِ ذُنُوبهمْ . وَكُلّ دُعَاء فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَفْظه فَهُوَ اِسْتِغْفَار . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْر هَذِهِ السُّورَة سَيِّد الِاسْتِغْفَار , وَأَنَّ وَقْته الْأَسْحَار . فَالِاسْتِغْفَار عَظِيم وَثَوَابه جَسِيم , حَتَّى لَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِر اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم وَأَتُوب إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ . وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنْ الزَّحْف ) . وَرَوَى مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : مَا رَأَيْت أَكْثَر اِسْتِغْفَارًا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ مَكْحُول : مَا رَأَيْت أَكْثَر اِسْتِغْفَارًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَة . وَكَانَ مَكْحُول كَثِير الِاسْتِغْفَار . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الِاسْتِغْفَار الْمَطْلُوب هُوَ الَّذِي يَحُلُّ عُقَد الْإِصْرَار وَيَثْبُت مَعْنَاهُ فِي الْجَنَان , لَا التَّلَفُّظ بِاللِّسَانِ . فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ : أَسْتَغْفِر اللَّه , وَقَلْبه مُصِرّ عَلَى مَعْصِيَته فَاسْتِغْفَاره ذَلِكَ يَحْتَاج إِلَى اِسْتِغْفَار , وَصَغِيرَته لَاحِقَة بِالْكَبَائِرِ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : اِسْتِغْفَارنَا يَحْتَاج إِلَى اِسْتِغْفَار . قُلْت : هَذَا يَقُولهُ فِي زَمَانه , فَكَيْفَ فِي زَمَاننَا هَذَا الَّذِي يَرَى فِيهِ الْإِنْسَان مُكِبًّا عَلَى الظُّلْم ! حَرِيصًا عَلَيْهِ لَا يُقْلِع , وَالسُّبْحَة فِي يَده زَاعِمًا أَنَّهُ يَسْتَغْفِر اللَّه مِنْ ذَنْبه وَذَلِكَ اِسْتِهْزَاء مِنْهُ وَاسْتِخْفَاف . وَفِي التَّنْزِيل " وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات اللَّه هُزُوًا " [ الْبَقَرَة : 231 ] . وَقَدْ تَقَدَّمَ .

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

أَيْ لَيْسَ أَحَد يَغْفِر الْمَعْصِيَة وَلَا يُزِيل عُقُوبَتهَا إِلَّا اللَّه .

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

أَيْ وَلَمْ يَثْبُتُوا وَيَعْزِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا . وَقَالَ مُجَاهِد : أَيْ وَلَمْ يَمْضُوا . وَقَالَ مَعْبَد بْن صُبَيْح : صَلَّيْت خَلْف عُثْمَانَ وَعَلِيٌّ إِلَى جَانِبِي , فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ : صَلَّيْت بِغَيْرِ وُضُوء ثُمَّ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى . " وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " . الْإِصْرَار هُوَ الْعَزْم بِالْقَلْبِ عَلَى الْأَمْر وَتَرْك الْإِقْلَاع عَنْهُ . وَمِنْهُ صَرُّ الدَّنَانِير أَيْ الرَّبْط عَلَيْهَا ; قَالَ الْحُطَيْئَة يَصِف الْخَيْل : عَوَابِس بِالشُّعْثِ الْكُمَاة إِذَا اِبْتَغَوْا عُلَالَتهَا بِالْمُحْصَدَات أَصَرَّتِ أَيْ ثَبَتَتْ عَلَى عَدْوهَا . وَقَالَ قَتَادَة : الْإِصْرَار الثُّبُوت عَلَى الْمَعَاصِي ; قَالَ الشَّاعِر : يُصِرُّ بِاللَّيْلِ مَا تُخْفِي شَوَاكِله يَا وَيْحَ كُلّ مُصِرِّ الْقَلْبِ خَتَّارِ قَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : الْجَاهِل مَيِّت , وَالنَّاسِي نَائِم , وَالْعَاصِي سَكْرَان , وَالْمُصِرّ هَالِك , وَالْإِصْرَار هُوَ التَّسْوِيف , وَالتَّسْوِيف أَنْ يَقُول : أَتُوب غَدًا ; وَهَذَا دَعْوَى النَّفْس , كَيْفَ يَتُوب غَدًا لَا يَمْلِكهُ ! . وَقَالَ غَيْر سَهْل : الْإِصْرَار هُوَ أَنْ يَنْوِي أَلَّا يَتُوب فَإِذَا نَوَى التَّوْبَة النَّصُوح خَرَجَ عَنْ الْإِصْرَار . وَقَوْل سَهْل أَحْسَن . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( لَا تَوْبَة مَعَ إِصْرَار ) . الثَّالِثَة : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : الْبَاعِث عَلَى التَّوْبَة وَحَلّ الْإِصْرَار إِدَامَة الْفِكْر فِي كِتَاب اللَّه الْعَزِيز الْغَفَّار , وَمَا ذَكَرَهُ اللَّه سُبْحَانه مِنْ تَفَاصِيل الْجَنَّة وَوَعَدَ بِهِ الْمُطِيعِينَ , وَمَا وَصَفَهُ مِنْ عَذَاب النَّار وَتَهَدَّدَ بِهِ الْعَاصِينَ , وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَوِيَ خَوْفه وَرَجَاؤُهُ فَدَعَا اللَّه رَغَبًا وَرَهَبًا ; وَالرَّغْبَة وَالرَّهْبَة ثَمَرَة الْخَوْف وَالرَّجَاء , يَخَاف مِنْ الْعِقَاب وَيَرْجُو الثَّوَاب , وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ تَنْبِيه إِلَهِيّ يُنَبِّه بِهِ مَنْ أَرَادَ سَعَادَته ; لِقُبْحِ الذُّنُوب وَضَرَرهَا إِذْ هِيَ سَمُوم مُهْلِكَة . قُلْت : وَهَذَا خِلَاف فِي اللَّفْظ لَا فِي الْمَعْنَى , فَإِنَّ الْإِنْسَان لَا يَتَفَكَّر فِي وَعْد اللَّه وَوَعِيده إِلَّا بِتَنْبِيهِهِ ; فَإِذَا نَظَرَ الْعَبْد بِتَوْفِيقِ اللَّه تَعَالَى إِلَى نَفْسه فَوَجَدَهَا مَشْحُونَة بِذُنُوبٍ اِكْتَسَبَهَا وَسَيِّئَات اِقْتَرَفَهَا , وَانْبَعَثَ مِنْهُ النَّدَم عَلَى مَا فَرَّطَ , وَتَرَكَ مِثْل مَا سَبَقَ مَخَافَة عُقُوبَة اللَّه تَعَالَى صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَائِب , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَة وَمُلَازِمًا لِأَسْبَابِ الْهَلَكَة . قَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه : عَلَامَة التَّائِب أَنْ يَشْغَلهُ الذَّنْب عَلَى الطَّعَام وَالشَّرَاب ; كَالثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا .

{135} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ

فِيهِ أَقْوَال . فَقِيلَ : أَيْ يَذْكُرُونَ ذُنُوبهمْ فَيَتُوبُونَ مِنْهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا قَوْل حَسَن . وَقِيلَ : " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَنِّي أُعَاقِب عَلَى الْإِصْرَار . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر : " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَنَّهُمْ إِنْ تَابُوا تَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : " يَعْلَمُونَ " أَنَّهُمْ إِنْ اِسْتَغْفِرُوا غُفِرَ لَهُمْ . وَقِيلَ : " يَعْلَمُونَ " بِمَا حَرَّمْت عَلَيْهِمْ ; قَالَ اِبْن إِسْحَاق . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ : " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَنَّ الْإِصْرَار ضَارٌّ , وَأَنَّ تَرْكه خَيْر مِنْ التَّمَادِي . وَقَالَ الْحَسَن بْن الْفَضْل : " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَغْفِر الذَّنْب . قُلْت : وَهَذَا أَخَذَهُ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : ( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِر الذَّنْب وَيَأْخُذ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبّ اِغْفِرْ لِي ذَنْبِي - فَذَكَرَ مِثْله مَرَّتَيْنِ , وَفِي آخِره : اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك ) أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى صِحَّة التَّوْبَة بَعْد نَقْضِهَا بِمُعَاوَدَةِ الذَّنْب ; لِأَنَّ التَّوْبَة الْأُولَى طَاعَة وَقَدْ اِنْقَضَتْ وَصَحَّتْ , وَهُوَ مُحْتَاج بَعْد مُوَاقَعَة الذَّنْب الثَّانِي إِلَى تَوْبَة أُخْرَى مُسْتَأْنَفَة , وَالْعَوْد إِلَى الذَّنْب وَإِنْ كَانَ أَقْبَح مِنْ اِبْتِدَائِهِ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ إِلَى الذَّنْب نَقْض التَّوْبَة , فَالْعَوْد إِلَى التَّوْبَة أَحْسَن مِنْ اِبْتِدَائِهَا ; لِأَنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهَا مُلَازَمَة الْإِلْحَاح بِبَابِ الْكَرِيم , وَإِنَّهُ لَا غَافِر لِلذُّنُوبِ سِوَاهُ . وَقَوْله فِي آخِر الْحَدِيث ( اِعْمَلْ مَا شِئْت ) أَمْر مَعْنَاهُ الْإِكْرَام فِي أَحَد الْأَقْوَال ; فَيَكُون مِنْ بَاب قَوْله : " اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ " [ الْحِجْر : 46 ] . وَآخِر الْكَلَام خَبَر عَنْ حَال الْمُخَاطَب بِأَنَّهُ مَغْفُور لَهُ مَا سَلَف مِنْ ذَنْبه , وَمَحْفُوظ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِيمَا يَسْتَقْبِل مِنْ شَأْنه . وَدَلَّتْ الْآيَة وَالْحَدِيث عَلَى عَظِيم فَائِدَة الِاعْتِرَاف بِالذَّنْبِ وَالِاسْتِغْفَار مِنْهُ , قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْعَبْد إِذَا اِعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّه تَابَ اللَّه عَلَيْهِ ) أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَقَالَ : يَسْتَوْجِبُ الْعَفْوَ الْفَتَى إِذَا اِعْتَرَفْ بِمَا جَنَى مِنْ الذُّنُوبِ وَاقْتَرَفْ وَقَالَ آخَر : أَقْرِرْ بِذَنْبِكَ ثُمَّ اُطْلُبْ تَجَاوُزَهُ إِنَّ الْجُحُودَ جُحُودُ الذَّنْبِ ذَنْبَانِ وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّه بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ فَيُغْفَر لَهُمْ ) . وَهَذِهِ فَائِدَة اِسْم اللَّه تَعَالَى الْغَفَّار وَالتَّوَّاب , عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى . الْخَامِسَة : الذُّنُوب الَّتِي يُتَاب مِنْهَا إِمَّا كُفْر أَوْ غَيْره , فَتَوْبَة الْكَافِر إِيمَانه مَعَ نَدَمه عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ كُفْره , وَلَيْسَ مُجَرَّد الْإِيمَان نَفْس تَوْبَة , وَغَيْر الْكُفْر إِمَّا حَقّ لِلَّهِ تَعَالَى , وَإِمَّا حَقّ لِغَيْرِهِ , فَحَقّ اللَّه تَعَالَى يَكْفِي فِي التَّوْبَة مِنْهُ التَّرْك ; غَيْر أَنَّ مِنْهَا مَا لَمْ يَكْتَفِ الشَّرْع فِيهَا بِمُجَرَّدِ التَّرْك بَلْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ فِي بَعْضهَا قَضَاء كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم , وَمِنْهَا مَا أَضَافَ إِلَيْهَا كَفَّارَة كَالْحِنْثِ فِي الْأَيْمَان وَالظِّهَار وَغَيْر ذَلِكَ , وَأَمَّا حُقُوق الْآدَمِيِّينَ فَلَا بُدّ مِنْ إِيصَالهَا إِلَى مُسْتَحَقِّيهَا , فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا تَصَدَّقَ عَنْهُمْ , وَمَنْ لَمْ يَجِد السَّبِيل لِخُرُوجِ مَا عَلَيْهِ لِإِعْسَارٍ فَعَفْو اللَّه مَأْمُول , وَفَضْله مَبْذُول ; فَكَمْ ضَمِنَ مِنْ التَّبَعَات وَبَدَّلَ مِنْ السَّيِّئَات بِالْحَسَنَاتِ . وَسَتَأْتِي زِيَادَة بَيَان لِهَذَا الْمَعْنَى . السَّادِسَة : لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَان إِذَا لَمْ يَذْكُر ذَنْبه وَيَعْلَمهُ أَنْ يَتُوب مِنْهُ بِعَيْنِهِ , وَلَكِنْ يَلْزَمهُ إِذَا ذَكَرَ ذَنْبًا تَابَ مِنْهُ . وَقَدْ تَأَوَّلَ كَثِير مِنْ النَّاس فِيمَا ذَكَرَ شَيْخنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْمُعْطِي الْإسْكَنْدَرَانِي رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ الْإِمَام الْمُحَاسِبِيّ رَحِمَهُ اللَّه يَرَى أَنَّ التَّوْبَة مِنْ أَجْنَاس الْمَعَاصِي لَا تَصِحّ , وَأَنَّ النَّدَم عَلَى جُمْلَتهَا لَا يَكْفِي , بَلْ لَا بُدّ أَنْ يَتُوب مِنْ كُلّ فِعْل بِجَارِحَتِهِ وَكُلّ عَقْد بِقَلْبِهِ عَلَى التَّعْيِين . ظَنُّوا ذَلِكَ مِنْ قَوْله , وَلَيْسَ هَذَا مُرَاده , وَلَا يَقْتَضِيه كَلَامه , بَلْ حُكْم الْمُكَلَّف إِذَا عُرِفَ حُكْم أَفْعَاله , وَعَرَفَ , الْمَعْصِيَة مِنْ غَيْرهَا , صِحْت مِنْهُ التَّوْبَة مِنْ جُمْلَة مَا عَرَفَ ; فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَعْرِف كَوْن فِعْله الْمَاضِي مَعْصِيَة لَا يُمْكِنهُ أَنْ يَتُوب مِنْهُ لَا عَلَى الْجُمْلَة وَلَا عَلَى التَّفْصِيل ; وَمِثَاله رَجُل كَانَ يَتَعَاطَى بَابًا مِنْ أَبْوَاب الرِّبَا وَلَا يَعْرِف أَنَّهُ رِبًا فَإِذَا سَمِعَ كَلَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللَّه وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّه وَرَسُوله " [ الْبَقَرَة : 279 ] عَظُمَ عَلَيْهِ هَذَا التَّهْدِيد , وَظَنَّ أَنَّهُ سَالِم مِنْ الرِّبَا , فَإِذَا عَلِمَ حَقِيقَة الرِّبَا الْآن , ثُمَّ تَفَكَّرَ فِيمَا مَضَى مِنْ أَيَّامه وَعِلْم أَنَّهُ لَابِس مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا فِي أَوْقَات مُتَقَدِّمَة , صَحَّ أَنْ يَنْدَم عَلَيْهِ الْآن جُمْلَة , وَلَا يَلْزَمهُ تَعْيِين أَوْقَاته , وَهَكَذَا كُلّ مَا وَاقَعَ مِنْ الذُّنُوب وَالسَّيِّئَات كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَة وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَات الَّتِي لَمْ يَعْرِف كَوْنهَا مُحَرَّمَة , فَإِذَا فَقِهَ الْعَبْد وَتَفَقَّدَ مَا مَضَى مِنْ كَلَامه تَابَ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَة , وَنَدِمَ عَلَى مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ حَقّ اللَّه تَعَالَى , وَإِذَا اِسْتَحَلَّ مَنْ كَانَ ظَلَمَهُ فَحَالَلَهُ عَلَى الْجُمْلَة وَطَابَتْ نَفْسه بِتَرْكِ حَقّه جَازَ ; لِأَنَّهُ مِنْ بَاب هِبَة الْمَجْهُول , هَذَا مَعَ شُحّ الْعَبْد وَحِرْصه عَلَى طَلَب حَقّه , فَكَيْفَ بِأَكْرَم الْأَكْرَمِينَ الْمُتَفَضِّل بِالطَّاعَاتِ وَأَسْبَابهَا وَالْعَفْو عَنْ الْمَعَاصِي صِغَارهَا وَكِبَارهَا . قَالَ شَيْخنَا رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى : هَذَا مُرَاد الْإِمَام , وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ كَلَامه لِمَنْ تَفَقَّدَهُ , وَمَا ظَنَّهُ بِهِ الظَّانّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحّ النَّدَم إِلَّا عَلَى فِعْلٍ فِعْلٍ وَحَرَكَةٍ حَرَكَةٍ وَسَكَنَةٍ سَكَنَةٍ عَلَى التَّعْيِين هُوَ مِنْ بَاب تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق , الَّذِي لَمْ يَقَع شَرْعًا وَإِنْ جَازَ عَقْلًا , وَيَلْزَم عَنْهُ أَنْ يَعْرِف كَمْ جَرْعَة جَرَعَهَا فِي شُرْب الْخَمْر , وَكَمْ حَرَكَة تَحَرَّكَهَا فِي الزِّنَا , وَكَمْ خُطْوَة مَشَاهَا إِلَى مُحَرَّم , وَهَذَا مَا لَا يُطِيقهُ أَحَد , وَلَا تَتَأَتَّى مِنْهُ تَوْبَة عَلَى التَّفْصِيل . وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان مِنْ أَحْكَام التَّوْبَة وَشُرُوطهَا فِي " النِّسَاء " وَغَيْرهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . السَّابِعَة : فِي قَوْله تَعَالَى : " وَلَمْ يُصِرُّوا " حُجَّة وَاضِحَة وَدَلَالَة قَاطِعَة لِمَا قَالَهُ سَيْف السُّنَّة " , وَلِسَان الْأُمَّة الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الطَّيِّب : أَنَّ الْإِنْسَان يُؤَاخَذ بِمَا وَطَّنَ عَلَيْهِ بِضَمِيرِهِ , وَعَزَمَ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ مِنْ الْمَعْصِيَة . قُلْت : وَفِي التَّنْزِيل : " وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَاب أَلِيم " [ الْحَجّ : 25 ] وَقَالَ : " فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ " [ الْقَلَم : 20 ] . فَعُوقِبُوا قَبْل فِعْلهمْ بِعَزْمِهِمْ وَسَيَأْتِي بَيَانه . وَفِي الْبُخَارِيّ ( إِذَا اِلْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار ) قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه هَذَا الْقَاتِل , فَمَا بَال الْمَقْتُول ؟ قَالَ : ( إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْل صَاحِبه ) . فَعَلَّقَ الْوَعِيد عَلَى الْحِرْص وَهُوَ الْعَزْم وَأَلْغَى إِظْهَار السِّلَاح , وَأَنَصُّ مِنْ هَذَا مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي كَبْشَة الْأَنْمَارِيّ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَر رَجُل أَعْطَاهُ اللَّه مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبّه وَيَصِل فِيهِ رَحِمه وَيَعْلَم لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَل الْمَنَازِل , وَرَجُل آتَاهُ اللَّه عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالًا فَهُوَ صَادِق النِّيَّة يَقُول لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَان فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرهمَا سَوَاء , وَرَجُل آتَاهُ اللَّه مَالًا وَلَمْ يُؤْتِهِ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِط فِي مَاله بِغَيْرِ عِلْم لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبّه وَلَا يَصِل بِهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَم لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَث الْمَنَازِل , وَرَجُل لَمْ يُؤْتِهِ اللَّه مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُول لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَان فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرهمَا سَوَاء ) . وَهَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَامَّة السَّلَف وَأَهْل الْعِلْم مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ , وَلَا يُلْتَفَت إِلَى خِلَاف مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَا يَهُمّ الْإِنْسَان بِهِ وَإِنْ وَطَّنَ عَلَيْهِ لَا يُؤَاخَذ بِهِ . وَلَا حُجَّة لَهُ فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا لَمْ تُكْتَب عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَة وَاحِدَة ) لِأَنَّ مَعْنَى ( فَلَمْ يَعْمَلهَا ) فَلَمْ يَعْزِم عَلَى عَمَلهَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا , وَمَعْنَى ( فَإِنْ عَمِلَهَا ) أَيْ أَظْهَرَهَا أَوْ عَزَمَ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ مَا وَصَفْنَا . وَبِاَللَّهِ تَوْفِيقنَا .

{136} أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ

رَتَّبَ تَعَالَى بِفَضْلِهِ وَكَرَمه غُفْرَان الذُّنُوب [1] لِمَنْ أَخْلَصَ فِي تَوْبَته [2] وَلَمْ يُصِرّ عَلَى ذَنْبه . وَيُمْكِن أَنْ يَتَّصِل هَذَا بِقِصَّةِ أُحُد , أَيْ مَنْ فَرَّ ثُمَّ تَابَ وَلَمْ يُصِرَّ فَلَهُ مَغْفِرَة اللَّه . أهـــ.
__________________

قال عليه الصلاة والسلام: (( طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ )) . صححه الألباني .

قال الشيخ ربيع -حفظه الله-: " ما أحد سبقه في التأليف وخدمة السُنة إلاَّ القدامى ، استخرج أربعين كتابًا بعد ما مر على المخطوطات كلها في المكتبة الظاهرية وغيرها ، أعطاه الله ذكاءً خارقًا ، هزم رئيس القراء وعمره ثمانية عشر عامًا ، ... ما أحد سبقه في التأليف ، الألباني في كل كتبه يرد على أهل البدع وينشر التوحيد والسُنة " .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-29-2013, 04:02 AM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي

اقتباس:
الِاسْتِغْفَار الْمَطْلُوب هُوَ الَّذِي يَحُلُّ عُقَد الْإِصْرَار وَيَثْبُت مَعْنَاهُ فِي الْجَنَان , لَا التَّلَفُّظ بِاللِّسَانِ
أقول: كم من شخص يذكر الله على لسانه وقلبه غافل لاه، وهذا الذي يظهر من قول القرطبي: "ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ في اللسان" أي: يعيه القلب ولا يغفل ويله عنه عند التلفظ به.
__________________

قال عليه الصلاة والسلام: (( طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ )) . صححه الألباني .

قال الشيخ ربيع -حفظه الله-: " ما أحد سبقه في التأليف وخدمة السُنة إلاَّ القدامى ، استخرج أربعين كتابًا بعد ما مر على المخطوطات كلها في المكتبة الظاهرية وغيرها ، أعطاه الله ذكاءً خارقًا ، هزم رئيس القراء وعمره ثمانية عشر عامًا ، ... ما أحد سبقه في التأليف ، الألباني في كل كتبه يرد على أهل البدع وينشر التوحيد والسُنة " .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-03-2013, 01:08 AM
أبو ذر عبدالرزاق السلفي أبو ذر عبدالرزاق السلفي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 26
شكراً: 0
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي

جزاك الله خيرا ذكرتنا بفضل الله علينا بشي عظيم وهو التوبة والاستغفار
واكثر مايفرح قوله تعالى(علم عبدي ان له ربا يغفر الذنب ثم ياخذ بالذنب,,,)والله افرحتمونا حقا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-27-2013, 01:00 AM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي

إي والله يا أبا ذر فإن التوبة والاستغفار مفرحتين، نحمد الله على هاتين النعمتين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:04 PM.


powered by vbulletin