العصامية في دفع غلو الحدادية "ردّاً على عبد الحميد الجهني"

[أبوشعبة محمد المغربي]

العصامية في دفع غلو الحدادية
"ردّاً على عبد الحميد الجهني"

بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد :
فقد كان عبد الحميد الجهني متقوقعاً لفترة من الزمن وهو مع الحدادية في صمت أشبه بالجبن والخوف من أن تناله سهام الحق فتدمغ فكره وقد نالته هذه الأيام ، وكما قيل :
( سكت دهراً ونطق جهراً ) ، فما لبث أن تجند للعود من جديد ولسان حاله يقول :( أنا الحدادي لا عجب أنا الجهني المتلبس بالكذب ) فمثل هذا الدعيِّ وأضرابه من كتاب شبكة الآفاق حريٌّ أن يُتصدى لطغيانهم ولغولهم في التبديع بمسائل فيها لأهل العلم قولان معتبران.

نفس عصام سودت عصاما /// وعلمته الكرَّ والإقداما

قال في مقاله ( لماذا التصدي لربيع المدخلي )[1] : " فيا إخواننا وأحبابنا في كل مكان ، والله ماكنت يوما ساعيا إلى فتنة او مستشرفا لها ، وليس هذا من أخلاقي – بفضل الله تعالى – ولكني رأيت الأمر أصبح خطرا يتهدد العقيدة السلفية ، من أناس كان من المفترض أن يكون حماتها ، وكنت أراقب هذا الأمر وفي نفسي مرارة على ما آل إليه أمر هؤلاء المرجئة المعاصرين ".

أنظرواْ إلى قوله : (من المفترض أن يكون حماتها) ، فخلط بين الإفراد والجمع والصوابُ أن يقول :( أن يكونواْ حماتها ).
لأن الضمير هنا يعود على قوله : (من أناس) ، هذا من جهةٍ؛
قلت : من جهة أخرى إن لم يكن الشيخ العلامة ربيعا حفظه الله ، من حُماة العقيدة والمنهج السلفي فلا أدري كيف أصف هذا الكذب بل هذا البهتان ، وإنه لعمري ما عرف عن الشيخ العلامة ربيع حفظه الله إلا الدفاع عن العقيدة السلفية وذلك في كتبه وأشرطته ودروسه ومواعظه حرسه الله ؛ وهذه شنشنة من أخزم كما يقال قال الله –عزوجل- :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينْ} [2].
وعهدنا بك يا جهني أنك كنت في صف السلفيين ، فما الذي حملك على أن تقلب ظهر المجن لما كنت تعتقده ؟! والجواب : كما هو معلومٌ إنها الفتنة التي أنكرت وقوعك فيها وأنت غارق أشدَّ الغرق فيها.

ثم قال :" خصوصا بعد مقالات ربيع المدخلي الأخيرة التي كشف فيها عن عقيدة الإرجاء بشكل صريح وواضح ، فلم يترك مجالا لترقيع أو لملمة ، فكتبت مقالات في الرد عليه ، ونشرتها في الأنترنت ولم أذيلها باسمي الصريح ؛ كراهية المواجهة مع هذه المؤسسة الإرجائية التي لا تكل ولا تمل من مقارعة الخصوم وإشعال الفتن ، فرأيت أن أسلم طريقة في اتقاء شرهم هو أن أنشر ردودي عليهم من غير التصريح باسمي الصريح . ( وسوف أعيد نشر هذه الردود بعد تهذيبها باسمي الصريح إن شاء الله تعالى ، فقد بان الصبح لذي عينين ".
قلت : قاتل الله الكذب ، عن أي مؤسسة إرجائية تتحدث ؟ وعن أي كلل وملل في محاربة الحق تزعم ؟ وكلُّ ما في الأمر أنكم أيها الحدادية تستميتون في رمي أهل السنة الذين يعذرون بالجهل من لم تقم عليه الحجة بالإرجاء ، وقد دلت على قضية العذر بالجهل نصوص من الكتاب والسنة ، من ذلك قول الله –عزَّوجل- :
{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }[3].
قال الشيخ الطاهر بن عاشور-رحمه الله- في تفسير الآية من كتاب التحرير والتنوير له :
وهذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال ، زيادة على نفي مؤاخذتهم بإجرام غيرهم ، ولهذا اقتصر على قوله وما كنا معذبين دون أن يقال : ولا مثيبين ، لأن المقام مقام إعذار وقطع حجة ، وليس مقام امتنان بالإرشاد .[4]اهـ
ومن السنة حديث ما معناه:
الرجل الذي أمر إذا مات بأن يحرق ويرمى في الهواء، وقال: لئن قدر الله علي لعذبني فبعثه الله -عزوجل- فسأله عن ما حمله على فعل ذلك ؟ فأجاب : خشيتك يا رب، فغفر له .
وغير ذلك من الأدلة التي تفيد العذر بالجهل ،
فما لكم يا حدادية (كيف تحكمون ؟)
فالمسلك الذي تنحوه يا جهني مكشوف ألا وهو
(الأكل على الشدقين واللعب على الحبلين)


قال ابن القيم -رحمه الله- :
العلم معرفة الحق بدليله /// ما ذاك والتقليد يستويان
فلستم عن علم تحاججون ولكن هي الأهواء التي ركبتم فسارت بكم يمنة ويسرة حتى وقعتم في الغلو عياذاً بالله من ذلك فلم التلببيس يا هؤلاء؟!
جآء في لسان العرب: "اللّبْس واللّبَس: اختلاط الأمر، لبس عليه الأمر يلبسه لبْسًا فالتبس، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته، والتبس عليه الأمر أي اختلط واشتبه.
والتلبيس: كالتدليس والتخليط، شدد للمبالغة، وربما شدد للتكثير.
يقال: لبَسَتٌ الأمر على القوم ألبْسِه لبساً إذا شبهته عليهم، وجعلته مشكلاً"
اهـ[5] باختصار.
قال ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس): "التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق"[6].
ومن ذلك قوله تعالى: {ولاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:42]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند هذه الآية: "فإنّه من لبس الحق بالباطل فغطاه به فغلط به لزم أن يكتم الحق الذي تبين أنّه باطل إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق"[7].
ويقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (الصواعق المرسلة): "فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر ومنه التلبيس، وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل فيتوهم السامع أنّه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ"[8].

وتأملواْ قوله :"( وسوف أعيد نشر هذه الردود بعد تهذيبها باسمي الصريح إن شاء الله تعالى ، فقد بان الصبح لذي عينين) ".
قلت: لماذا لم تصرِّح باسمك من قبل ؟! ، والسلفي يصرح باسمه ونسبه في قول الحق ولا تأخذه في الله لومة لائم أم أنه الجبن والتخفي.
ثم قال :"وفي هذا رد على من يقول إن عبد الحميد الجهني لم يرد على ربيع إلا بعد أن رد ربيع عليه" .
قلت : كأنك لوحدك من يحمل فكر الحدادية وأنك لوحدك من يستحق الردَّ و التقريع ، ولست في الحقيقة وحدك بل كذلك صاحبك الغامدي بن صوان ومن معه في حرب أهل السنة من أرباب التعالم كلكم في واد واحد .
فالعبرة بنقض الشُّبه والردِّ على حملتها ودعاتها كائنين من كانوا فنقول لكم يا معشر الحدادية (أثبتوا العرش ثم انقشوا) ، فإن الخلاف معكم في عقدكم الولاءَ والبراء في مسائل اختلف فيها السابقون واللاَّحقون ولم يضلل بعضهم البعض كما فعلتم أنتم(!).
فأهل العلم فريقان في المسألة: فريق يرى العذر بالجهل وفريق لا يراه ، وهذه فتاويهم حكم بيننا وبينكم ودونها خرط القتاد.
فمن أقوال أهل العلم الثقات في العذر بالجهل ما قاله العلامة عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في كتاب العبادة :( من كان مثله يجهل فهو الذي يعذر ).
ثم قال : "فأيقنت حينئذ أنه لابد من مواجهة هذا الرجل مواجهةً ليس فيها مداهنة ولا مجاملة فكتبت ردي عليه ، وكان ردا شديدا ، نعم ؛ لأني لم أعد أبالي بأحد في سبيل مجاهدة ومواجهة هذا الإرجاء الذي اكتسح شبابنا وإخواننا وفصلهم عن كبار علمائنا ، بل فصلهم عن عقيدة سلفنا الصالح ورمى بهم في أودية الإرجاء السّحيقة. "
قلت: ليس في القضية إجماع ثابت يا مسكين لا في مسألة العذر بالجهل ولا في تكفير تارك الصلاة، حتى قال كثير من أهل العلم:
(ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفرُ عليه).
فانظروا هذا إلى التهويل وجعله من خالفه مرجئيا من غير استحياء ولا أدنى حشمة.
بل الشيخ ربيع حفظه الله من أشدِّ المحاربين للإرجاء و لمن يحمل فكر الخوارج مثلكم فلم الكيل بمكيالين ؟
قال الشيخ أسامة بن سعود العمري -حفظه الله- متحدثا عن حال الحدادية :
... فإنهم يطعنون كما قد طعنواْ في أوَّل الأمر في الحافظ بن حجر رحمه الله وفي النووي رحمه الله ، ثمَّ استمرَّ الطَّعن في الشيخ الألباني رحمه الله ، ثمَّ استمرَّ الطَّعن في أيامنا هذه في الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله .
والحدَّادية كما هو معلومٌ قوم بهتٌ وأصحابُ تقيَّةٍ ، وهم شابهواْ الرَّوافض في أشياء كثيرة وصفاتٍ من صفات الرَّوافض منها: أنهم قومٌ بهت ؛ فإنه وإن حصل ما حصل من عالم من خطإٍ ، فإنهم يستمرُّون من التحذير منه ويستمرُّون في بهتانهم وفي الطعن فيه ! ، ولا يعتبرون بأهل العلم والفضل والفضيلة والرتبة العالية أبداً (!)... [9].اهـ
فواقعكم يا حدادية الآفاق يشبه حال السلف مع المعطلة إذ كانوا -أي المعطلة- يلقبون أهل السنة المثبتين لأسماء الله وصفاته بالحشوية والمجسمة ، وحاشى أهل الحديث من تلكم الفرى فإذا لم تستحي يا جهني فاصنع ما شئت.
هذا أهم ما رأيت مناقشته فيه والرد عليه ، لعله أن يرعوي فإن التقية والكذب شعار أهل البدع من قديم الزمان، ( ولله الأمر من قبل ومن بعد ).

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
كتبه: محمد القادري
عفا الله عنه
في : 20 رمضان 1435 ه

______________________



[1] ـ مقال الجهني على موقعه .
[2] ـ (التوبة : 119).
[3] (الإسراء : 15).
[4] ـ ط: دار سحنون (ص: 52).
[5] ـ ط: دار صادر (ص:162).
[6] ـ ط : دار ابن خلدون (ص: 36).
[7] ـ (مجموع الفتاوى:ج19/194).
[8] ـ ط: دار الحديث ( 3/926).
[9] ـ من مقطع صوتي بعنوان : البيان البديع في الدفاع عن الألباني والربيع ، للشيخ أسامة بن سعود العمري -حفظه الله- .