أبو العتاهية شاعر صالح ولا يثبت ما يدفع عنه السلفية

[أسامة بن عطايا العتيبي]

أبو العتاهية شاعر صالح ولا يثبت ما يدفع عنه السلفية



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فقد اطلعت على منشور مفرغ من صوتية للدكتور عبدالله بن عبدالرحيم البخاري هداه الله يذكر أن أبا العتاهية ليس سلفي المعتقد، وأنه منحرف، ثم ذكر نصيحة توجيهية بشأن ما يحتاجه طالب العلم في فرنسا.

وتعليقي هنا خاص بالدفاع عن أبي العتاهية، ودفع التهمة عنه فقط لا غير.

فأبو العتاهية: إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان أبو إسحاق العنزي مولاهم، المعروف بأبي العتاهية الشاعر، أصله من عين التمر، ومنشؤه الكوفة، ثم سكن بغداد، وتوفي سنة 211هـ وقيل: 213هـ.

وكان له ولد يقال له العتاهية أو لقب ولده بذلك، هذا أظهر ما قيل في كنيته.

قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/ 226-عواد) : "وهو أحد من سار قوله وانتشر شعره وشاع ذكره، ويقال: إن أحدا لم يجتمع له ديوانه بكماله لعظمه، وكان يقول في الغزل والمديح والهجاء قديما، ثم نسك وعدل عن ذلك إلى الشعر في الزهد وطريقة الوعظ، فأحسن القول فيه، وجود وأربى على كل من ذهب ذلك المذهب، وأكثر شعره حكم وأمثال، وكان سهل القول قريب المأخذ، بعيدا من التكلف، مقدما في الطبع".

وكان أبو العتاهية مقربا عند الخلفاء، معروفاً عند الشعراء، لا يشق له غبار، فكثر حساده، واتهم بتهم باطلة منها: أنه اتهم بالزندقة، والتشيع، وبأنه على مذهب البوذية أو المجوسية أو المانوية، وبأنه لا يؤمن بالبعث والحساب والجنة والنار، وغير ذلك من الأكاذيب التي ليس لها مستند ثابت، والدلائل متوافرة على ضدها، وقد تلقى علماء الإسلام أشعاره في الزهديات، بل وبعضها في التوحيد بالقبول، ولا تكاد تخلو كتب أهل السنة من شعره.

وهو القائل:

أيا عجباً كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد

ولله في كل تحريكةٍ ... وفي كل تسكينةٍ شاهد

وفي كل شيءٍ له آية ... تدل على أنه الواحد

وقد كانت له أشعار غزلية، ومرت عليه في فترة شبابه ما يعتري الشباب من التساهل، ثم تاب وأناب، وأقبل على الآخرة، واشتغل بالأشعار الزهدية حتى اقترن الشعر الزهدي بأبي العتاهية رحمه الله.

وقد ألف الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر كتابا سماه: "الاهتبال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال"

قال فيه (ص/36-38-تحقيق فيصل شكري): "وكان بعض من مال به هواه إلى المجون ، وغلب غليه في ذلك الجنون ، يمقت أبا العتاهية ويحسده ويغتابه ، لانصرافه عن طبقته من الشعراء المستخفين ، إذ بان له من ضلالهم ما زهد في أقوالهم ، فمال عنهم ، ورفض مذاهبهم ، وأخذ عن طريقهم ، وتاب توبة صادقة ، وسلك طريقة حميدة ، فزهد في الدنيا ، ومال إلى الطريق المثلى ، وداخل العلماء والصالحين ، ونور الله قلبه فشغله بالفكر في الموت وما بعده ، ونظم ما أستفاده من أهل العلم من السنن وسيرة السلف الصالح.

وأشعاره في الزهد والمواعظ والحكم لا مثيل لها ، كأنها مأخوذة من الكتاب والسنة، وما جرى من الحكم على ألسنة سلف هذه الأمة.

وكانت طبقته الأولى تعيبه حسدا له وبغضا حتى قالوا إنه لا يؤمن بالبعث وإنه زنديق وإن شعره ومواعظه إنما هي في ذكر الموت.
وقد بان في شعره لمن طالعه وعني به كذبهم وافتراءهم لما فيه من ذكر التوحيد والإقرار والجنة والنار والوعد والوعيد. وبرهان ذلك فيما نورده من أشعاره في هذه الكتاب إن شاء الله تعالى.

ولقد عجبت من أبي محمد بن قتيبة عفا الله تعالى عنه كيف جاز عليه ما نسبه أهل الفسق اليه حسدا له ولم يتدبر أشعاره في التوحيد والإقرار بالوعد والوعيد والمواعظ التي لا يفطن لها إلا التائب السليم القلب، ولعله قد مال الى قول منصور بن عمار الواعظ فيه،
وهو خبر قد ذكرته في باب قول العلماء بعضهم في بعض من كتاب العلم، وذكرت السبب الموجب لذلك من قول أبي العتاهية فيه، وقوله في أبي العتاهية، وذكرت الأبيات التي لبي العتاهية في منصور بن عمار رحمه الله تعالى في باب الهاء من هذا الكتاب" انتهى كلام الحافظ ابن عبدالبر.

وانظر بداية مقدمة الحافظ ابن عبدالبر في كتابه الاهتبال ففيها ثناء عاطر على أبي العتاهية.

قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 195) : "رأس الشعراء، الأديب، الصالح الأوحد".

سئل الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ حفظه الله كما في شرحه للطحاوية (ص: 129، بترقيم الشاملة آليا) :

"ما هي عقيدة أبي العتاهية؟

فأجاب/ رحم الله أبا العتاهية، فهو من الصالحين، ولا تسل عن شيء ليس فيه مصلحة، أبو العتاهية شاعر من الشعراء الزهاد وشعره وديوانه مطبوع".

والمقصود من هذا المقال هو تحرير هذه المسألة، مع الحرص على طلب الدليل، والتمسك بالحق.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

كتبه:

د.أسامة بن عطايا العتيبي
10 / 8/ 1438 هـ

http://m-noor.com/showthread.php?t=17341

[/COLOR]