منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-01-2010, 11:12 PM
أبوأنس بن سلة بشير أبوأنس بن سلة بشير غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 71
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي إرشاد البرية إلى أن الجمعيات وسيلة من وسائل الحزبية / الحلقة الثانية

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحلقة الثانية
إرشاد البرية إلى أن الجمعيات وسيلة من وسائل الحزبية
وفيه رد على رسالة ( الجمعيات من وسائل الدعوة إلى الله ) لبن حنفية العابدين

إنّ الحمدَ لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره . و نعوذ بالله من شرورِ أنفسنا ، و من سيّئاتِ أعمالنا . مَن يهدِهِ اللهُ فلا مُضلّ له ، و مَن يُضلِل فلا هادي له . و أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريكَ له ، و أشهدُ أنّ محمّدًا عبده و رسوله .
أمّا بعد :
قوله ص 12 (إن من أحكام الله تعالى ماهو موجه للأفراد يقوم به ولابد كل من توفرت فيه شروط التكليف،وهذا القسم هو الأصل في الاصلاح ، وهو معظم الدين،ومنها ما الأمر فيه موجه الى الأمة قاطبة فإذا قام به بعضها سقط عن الباقين ، وهي فروض الكفاية ونحن نرى أن كثيرا من النوع الأول يعسر على المرء التزامه لما له من علاقة بالنوع الثاني ، وأحكام الشرع تتكامل وتتعاضد بل إن الضغط مستمر على الفرائض العينية وما فتئ قيام الفرد المسلم بها يتعرض للتضييق لتزايد ابتعاد الحياة العامة عن هدي الاسلام وقد قال بعض أهل العلم إن الأجر على فرض الكفاية أعظم من الأجر على فرض العين , ولعل ذلك باعتبار عدم اهتمام الناس بالأول وتنبههم له ،وتراميهم المسؤولية فيه)
أقول :
1ــ ما ندري ماهي الفروض العينية الواجبة التي تتعسر على المسلم الجزائري قيام بها في بلاده وأرضه حتى يضطر إلى إنشاء الجمعيات ومن خلالها يباشر عبادة ربه من غير الضغط والتضييق وبها يستلم حقوقه أيضا ‼؟؟
مع إن الوضع في بلادنا الجزائر الحبيبة الآن خير وأفضل بكثير من الأعوام الماضية وبخاصة العشرية الأخيرة التي تجرع فيها أبناء الجزائر كأس عسل ملأن بسم من طرف هذه الجمعيات والجماعات الحزبية التي يدعو إليها بن حنفية الآن باللباس السلفي
أنسي العابدين ما عشناه في هذه العشرية من الآلام والجراحات والفتن والقلاقل من جراء هذه الجمعيات والجماعات الحزبية ، فيها كان المسلم الجزائري ـ بحق ـ يتعسر عليه القيام بفرائضه الواجبة ومن ذلك الصلاة الجماعة في المساجد وكم قتلت فيها النفوس البريئة وظلمت
أما الآن كما قلت فإننا في خير ونعمة تحتاج منا الشكر لله عز وجل
وأكبر هذه النعم أن عم الأمن والاستقرار في بلاد الجزائر
ومنها ظهور المنهج السلفي الصافي في بلادنا وانتشاره بعد ما كان أمره خفيا
إذا قد تميز ولله الحمد عن المناهج البدعية من التكفيريين القطبية والإخوان البنية والتبالغة اليسوية والصوفية وأصبح له قبول وثقة عند العامة ولهذا جن جنون أهل البدع وخططوا الخطط لإرادة إسقاط هذا المنهج الطيب المبارك ولبسوا لبوس السلفية
ومن المناسب هنا أن أتحف شباب السنة والتوحيد بالوصية والدنا وإمامنا وشيخنا الفاضل بقية السلف ربيع بن هادي عميرالمدخلي حفظه الله قال الشيخ حفظه الله :(بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد..
فأرجو أن يكون هذا اللقاء لقاءً مباركاً طيباً نستفيد منه جميعاً.
ونرجو أن تتنزل علينا من الله تبارك وتعالى الرحمات، لأنه اجتماع إن شاء الله لمعرفة الحق وللتعاون على البر والتقوى، واعتبار كل واحدٍ منا على ثغرةٍ من ثغرات الإسلام .
وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تبارك وتعالى ، ومراقبته والإخلاص له في كل قولٍ وعمل .
وأحث نفسي وإياكم على المواصلة الدائبة المستمرة في طلب العلم النافع من مصادره الأصيلة الصادقة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مصادر السنة الصحيحة، ومن مصادر العقائد السلفية التي ورثناها عن أسلافنا المؤتمنين الصادقين المخلصين، وأن نتثبت في تلقي العلم، ونأخذ المعلومات بوعي وفهم، وأن نبتعد عن مصادر السوء ومصادر الضلال ومصادر الفتن من كتب ومن أشرطة ومن أدعياء يدعون السلفية.
كثر الأدعياء الآن وكثر المحاولون لإسقاط العلماء، فاستيقظوا أيها الشباب وافهموا مغازي هؤلاء وماذا يريدون، فترى الواحد منهم يصول ويجول كأنه هو الوحيد إمام الإسلام !! ورائد الأمة الإسلامية وحامل لواء السلفية!!
كثر الأدعياء من هذا اللون بدءً بعبد الرحمن عبد الخالق الذي حاول إسقاط المنهج السلفي وإسقاط أئمته الكبار الذين عاصروه ودرس على أيديهم وتلاه أمثال كثيرون أول ما يهدفون إلى إسقاط أئمة الدعوة السلفية بأساليب مختلفة، ولكن الغاية واحدة والدوافع واحدة، وقد يكون مصدر هذه الدوافع يختفي من وراء الكواليس كما يقال، فاحذروا كل الحذر هذه النوعيات الخطيرة المتلبسة بلباس السلفية وهي تشن الحرب المستعرة على هذه الدعوة بشتى الأساليب وبشتى الطرق.
فحذارِ!! حذارِ!! أن تقبلوا دعاوى الأدعياء المنافحين عن الباطل بمختلف الأساليب، والمحاربين لأهل السنة كثروا –والله- ورَوجوا لأنفسهم ونفخوا في أنفسهم، ويمدح بعضهم بعضاً، ويتعاونون على الإثم والعدوان، وزعزعة العقيدة الصحيحة السلفية في نفوس الشباب السلفي، وزحزحتهم عن منهج السلف الصالح بمختلف الأساليب الماكرة.
فحذارِ!! حذارِ!! من هؤلاء، إياكم أن تخدعوا بهم وعليكم بالعتيق كما يقال فتمسكوا به وتشبثوا به، كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقه السلف الصالح وأصولهم الصحيحة التي تساعدنا على فهم الإسلام وتشجعنا على الاعتصام بحبل الله تبارك وتعالى .
وادرسوا سير السلف الصالح وادرسوا مناهجهم في الجرح والتعديل، وإياكم ثم إياكم أن تنخدعوا بتأصيلات عبد الرحمن وأمثاله، مثل عدنان عرعور ومن سار في دربهما وأعيذكم بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وأسأل الله أن يجنبنا وإياكم شرور هؤلاء الفاتنين المفتونين إن ربنا لسميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. )[ ضمن درسه الأسبوعي في غرفة إذاعة الدروس السلفية على البالتوك , ألقى فضيلة العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى هذه الكلمة التوجيهيه للحاضرين في هذا الدرس الذين هم من مختلف أنحاء العالم و ذلك في يوم السبت 7-2-1423 الموافق 20-4-2002 . و أحببت أن أنقلها لكم لتعم الفائدة - والله من وراء القصد - :أخوكم ابن أبي حاتم شبكة سحاب]
وقال :(بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فاحرصوا أيها الأُخوة أن تكونوا من اهل الحق لتكونوا من هذه الطائفة ، وَثِقُوا أنه لا يضركم أحد والله ما يضركم أحد{ لن يضروكم إلا أذى ..... } ومشت هذه الدعوة والسلطان والقوة مع غيرهم والمال وكل شيىء ، ومشت رغم أُنوفهم وكلما برز السلفي في المجتمعات بزهده وورعه وصدقه وإخلاصه أقبلت عليه القلوب ، فأحمد بن حنبل ما كان عنده مال لكن الأُمَّة وراءه لماذا ؟ لانه ضرب بالعلم والحجة والبرهان والزهد في هذه الدنيا ووضعها تحت قدميه ، فالدعوة السلفية تحتاج الى رجال من هذا الطراز يضعون الدنيا والأموال وكل المغريات اذا كانت تضر بعقيدتهم يضعونها تحت أقدامهم ،فنحتاج الى رجال من هذا الطراز يتميزون بالعلم الصحيح ، بالعقائد الصحيحة ،بالعِفَّة ، بالنزاهة ، بالإباء، بالشَّمَمْ، بالمروءة ، بالشرف
والله تقبل عليه القلوب بدون مال
في الدولة العباسيةكلها ما عندهم مناصب ، في الدولة العثمانية ما عندهم مناصب ، في الدول كلها ما عندهم مناصب ، مناصبهم هذه الرسالة يحافظون عليها فالقلوب كانت تُقبل عليهم وتُقدِّمُهُم على غيرهم واذا قصّروا انصرف الناس عنهم ، اذا حصل فيهم ضعف وتهاون انصرف الناس عنهم وضاعوا حتى يأتي من يحمل هذه الراية بهذه الخصائص وبهذه الصفات وتُقبل القلوب عليه
والشاهد في العصر الحاضر موجود ابن باز لما برز والالباني بالزهد والورع وغيرهم اقبلت القلوب عليهم فخطط اعداء السنة لصرف الناس لَمَّا رأوا هؤلاء الشباب في العالم يلتهمون كل ما يطرحه هاذان العالمان وامثالهما جُنَّ جنونهم وجُنَّ جنون أعداء الإسلام وخططوا الخطط لضرب المنهج السلفي وأهله ، وتشتيت شملهم ، وتمزيقهم، فَنَزَلوا بالخطط، وبالأموال ، في الحيل، وبالمكر ،والمكائد ، حتى مزَّقُوا السلفيين ، وبهذه المناسبة اقول: إنا أدركنا وقتاً كان السلفيون فيه في العالم كله من مشارق الارض ومغاربها ومن شمالها وجنوبها كلهم على قلب رجل واحد لا يختلفون في عقيدة ولا في منهج ولا في ولاءات ، هذا يتولى فلان وهذا تولى فلان ما كان عندهم هذا ، يلتقون في مواسم الحج بمكة والمدينة كلهم عربيهم وعجميهم شرقيهم وغربيهم ومن شرق اسيا من الهند ومن الباكستان ومن السودان ومن مصر وكلهم على قلب رجل واحد فاقبل الناس على المنهج السلفي فجُنَّ جُنون هؤلاء ونزلوا والله في الخطط والمكر ومن خططهم أنهم يلبسون لباس السلفية وهذا أفتك سلاح بارك الله فيكم مزَّقُوا به السلفيين يأتيك وهو سلفي ثم يفتن من الشاب المسكين حتى بنتشله ويخرجه من المنهج السلفي الى دوائر أُخرى معروفة فتنبَّهُوا لهؤلاء ، تنبَّهُوا هذه المكائد واقبلوا على العلم وعلى الولاء بعضكم لبعض والتناصر والتعاون على البر والتقوى والشعور بهذه المسؤولية ، انها مسؤولية عظيمة خاصة بعدما استهدف هؤلاء هذا المنهج وأهله ففرقوهم ومزقوهم شر ممزق)[ المصدر:نصائح وتوجيهات وبيان حال بعض الجماعات للشيخ الفاضل ربيع بن هادي عمير المدخلي
-حفظه الله تعالى-في مخيم الأصالة بمنى مساء يوم الخميس الموافق للحادي عشر من شهر ذي الحجة عام 1420 للهجرة "تسجيلات الأصالة الأثرية "جدة] منقول من منتديات الآفاق السلفية
ـ وهذا لا يعني أنه لا توجد مخلفات وأخطاء، ما أحد يقول بهذا ، لأنه ما من عصر وما من مصر إلا وفيه أخطاء ومخالفات قد تقل وقد تكثر وذلك على حسب انتشار الإيمان والعلم في البلاد يقول شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله في كتابه الماتع (إعلام الموقعين ج 2 / ص 257) المكتبة الشاملة
(( أن كل واحد منا مأمور بأن يصدق الرسول فيما أخبر به ويطيعه فيما أمر وذلك لا يكون إلا بعد معرفة أمره وخبره ولم يوجب الله سبحانه من ذلك على الأمة إلا ما فيه حفظ دينها ودنياها وصلاحها في معاشها ومعادها وبإهمال ذلك تضيع مصالحها وتفسد أمورها فما خراب العالم إلا بالجهل ولا عمارته إلا بالعلم وإذا ظهر العلم في بلد أو محلة قل الشر في أهلها وإذا خفي العلم هناك ظهر الشر والفساد ومن لم يعرف هذا فهو ممن لم يجعل الله له نورا قال الإمام أحمد رحمه الله ( ولولا العلم كان الناس كالبهائم وقال الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثا والعلم يحتاج إليه كل وقت)) أنتهى
وخير العهود والقرون ، القرون الثلاثة الأولة المفضلة المزكاة على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
2ـ الأصل في الأوامر والنواهي أنها ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه ، وأنه من المتقررفي علم الأصول أن المشقة تجلب التيسير، وأن مع العسر يسر ، وأنه لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.
قال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة(286)
قال العلامة الشيخ المفسر عبد الرحمن السعدي في كتابه التفسير عند التفسير هذه الأية
((لما نزل قوله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } شق ذلك على المسلمين لما توهموا أن ما يقع في القلب من الأمور اللازمة والعارضة المستقرة وغيرها مؤاخذون به، فأخبرهم بهذه الآية أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها أي: أمرا تسعه طاقتها، ولا يكلفها ويشق عليها، كما قال تعالى { ما جعل عليكم في الدين من حرج } فأصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس، بل هي غذاء للأرواح ودواء للأبدان، وحمية عن الضرر، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم، ثم أخبر تعالى أن لكل نفس ما كسبت من الخير، وعليها ما اكتسبت من الشر، فلا تزر وازرة وزر أخرى ولا تذهب حسنات العبد لغيره، وفي الإتيان بـ "كسب "في الخير الدال على أن عمل الخير يحصل للإنسان بأدنى سعي منه بل بمجرد نية القلب وأتى بـ "اكتسب "في عمل الشر للدلالة على أن عمل الشر لا يكتب على الإنسان حتى يعمله ويحصل سعيه، ولما أخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه وأن كل عامل سيجازى بعمله، وكان الإنسان عرضة للتقصير والخطأ والنسيان، وأخبر أنه لا يكلفنا إلا ما نطيق وتسعه قوتنا، أخبر عن دعاء المؤمنين بذلك، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قال: قد فعلت. إجابة لهذا الدعاء، فقال { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } والفرق بينهما: أن النسيان: ذهول القلب عن ما أمر به فيتركه نسيانا، والخطأ: أن يقصد شيئا يجوز له قصده ثم يقع فعله على ما لا يجوز له فعله: فهذان قد عفا الله عن هذه الأمة ما يقع بهما رحمة بهم وإحسانا، فعلى هذا من صلى في ثوب مغصوب، أو نجس، أو قد نسي نجاسة على بدنه، أو تكلم في الصلاة ناسيا، أو فعل مفطرا ناسيا، أو فعل محظورا من محظورات الإحرام التي ليس فيها إتلاف ناسيا، فإنه معفو عنه، وكذلك لا يحنث من فعل المحلوف عليه ناسيا، وكذلك لو أخطأ فأتلف نفسا أو مالا فليس عليه إثم، وإنما الضمان مرتب على مجرد الإتلاف، وكذلك المواضع التي تجب فيها التسمية إذا تركها الإنسان ناسيا لم يضر. { ربنا ولا تحمل علينا إصرا } أي: تكاليف مشقة { كما حملته على الذين من قبلنا } وقد فعل تعالى فإن الله خفف عن هذه الأمة في الأوامر من الطهارات وأحوال العبادات ما لم يخففه على غيرها { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } وقد فعل وله الحمد { واعف عنا واغفر لنا وارحمنا } فالعفو والمغفرة يحصل بهما دفع المكاره والشرور، والرحمة يحصل بها صلاح الأمور { أنت مولانا } أي: ربنا ومليكنا وإلهنا الذي لم تزل ولايتك إيانا منذ أوجدتنا وأنشأتنا فنعمك دارة علينا متصلة عدد الأوقات، ثم أنعمت علينا بالنعمة العظيمة والمنحة الجسيمة، وهي نعمة الإسلام التي جميع النعم تبع لها)) أنتهى
(وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 42) الأعرف
وقال رحمه الله عند التفسيرهذه الأية
(({ وَالَّذِينَ آمَنُوا } بقلوبهم { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بجوارحهم، فجمعوا بين الإيمان والعمل، بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، بين فعل الواجبات وترك المحرمات، ولما كان قوله: { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } لفظا عاما يشمل جميع الصالحات الواجبة والمستحبة، وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد، قال تعالى: { لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } أي: بمقدار ما تسعه طاقتها، ولا يعسر على قدرتها، فعليها في هذه الحال أن تتقي اللّه بحسب استطاعتها، وإذا عجزت عن بعض الواجبات التي يقدر عليها غيرها سقطت عنها كما قال تعالى: { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا } { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة.)) أنتهى
وقال رحمه الله
(({ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }78 الحج أي: مشقة وعسر، بل يسره غاية التيسير، وسهله بغاية السهولة، فأولا ما أمر وألزم إلا بما هو سهل على النفوس، لا يثقلها ولا يؤودها، ثم إذا عرض بعض الأسباب الموجبة للتخفيف، خفف ما أمر به، إما بإسقاطه، أو إسقاط بعضه. ويؤخذ من هذه الآية، قاعدة شرعية وهي أن " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات " فيدخل في ذلك من الأحكام الفرعية، شيء كثير معروف في كتب الأحكام.)) أنتهى
قال الحافظ الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في الجامع (جامع العلوم والحكم ص 106 ط دار الفكر بيروت)
((وفي قوله صلى الله عليه و سلم( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
دليل على أن من عجز عن فعل المأمور به كله وقدر على بعضه فإنه يأتي بما أمكن منه وهذا مطرد في مسائل منها الطهارة فإذا قدر على بعضها وعجز عن الباقي إما لعدم الماء أو لمرض في بعض أعضائه دون بعض فإنه يأتي من ذلك بما قدر عليه ويتيمم للباقي وسواء في ذلك الوضوء والغسل على المشهور ومنها الصلاة فمن عجز عن فعل الفريضة قائما صلى قاعدا فإن عجز صلاها مضطجعا
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك) فإن عجز عن ذلك كله أومأ بطرفه وصلي بنيته ولم تسقط عنه الصلاة على المشهور ومنها زكاة الفطر فإذا قدر على إخراج بعض صاع لزمه ذلك على الصحيح فأما من قدر على صيام بعض النهار دون تكملته فلا يلزمه ذلك بغير خلاف لأن صيام بعض اليوم ليس بقربة في نفسه وكذلك لو قدر على عتق بعض رقبة في الكفارة لم يلزمه لأن تبعيض العتق غير محبوب للشارع بل أمر بتكملته بكل طريق وأما من فاته الوقوف بعرفة في الحج فهل يأتي بما بقي منه من المبيت بمزدلفة ورمي الجمار أم لا بل يقتصر على الطواف والسعي ويتحلل بعمرة على روايتين عن أحمد أشهرهما أنه يقتصر على الطواف والسعي لأن المبيت والرمي من لواحق الوقوف بعرفة وتوابعه وإنما أمر الله تعالى بذكره عند المشعر الحرام وبذكره في الأيام المعدودات لمن أفاض من عرفات فلا يؤمر به من لا يقف بعرفة كما لا يؤمر به المعتمر والله أعلم)) أنتهى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني رحمه الله في كتابه (السياسة الشرعية ج 1 / ص 213) المكتبة الشاملة
(( فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولهذا أمر الله المصلي أن يتطهر بالماء فإن عدمه أو خاف الضرر باستعماله لشدة البرد أو جراحة أو غير ذلك تيمم الصعيد فمسح بوجهه ويديه منه وقال النبي صلى الله عليه و سلم لعمران بن حصين : [ صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] فقد أوجب الله فعل الصلاة في الوقت على أي حال أمكن كما قال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين * فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون }
فأوجب الله الصلاة على الآمن والخائف والصحيح والمريض والغني والفقير والمقيم والمسافر وخففها على المسافر والخائف والمريض كما جاء به الكتاب والسنة
وكذلك أوجب فيها واجبات من الطهارة والستارة واستقبال القبلة وأسقط ما يعجز عنه العبد من ذلك
فلو انكسرت سفينة قوم أو سلبهم المحاربون ثيابهم صلوا عراة بحسب أحوالهم وقام إمامهم وسطهم لئلا يرى الباقون عورته
واو اشتبهت عليهم القبلة اجتهدوا في الاستدلال عليها فلو عميت الدلائل صلوا كيفما أمكنهم كما قد روى أنهم فعلوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فهكذا الجهاد والولايات وسائر أمور الدين وذلك كله في قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم }
وفي قول النبي صلى الله عليه و سلم : [ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ] كما أن الله تعالى لما حرم المطاعم الخبيثة قال : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وقال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقال تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } فلم يوجب مالا يستطاع ولم يحرم ما يضطر إليه إذا كانت الضرورة بغير معصية من العبد)) أنتهى
3ـ الناظر في كلام بن حنفية هذا يفهم منه ـ بل يجزم ـ بأن العمل والانخراط في الجمعيات الحزبية من فروض الكفاية التي هي(1) واجب على الجميع وتسقط بفعل البعض بحيث لو فعلها الجميع نال الكل ثواب الفرض ولو امتنعوا عم الإثم الجميع ويقاتلهم الإمام على تركها كما هو مقرر في علم الأصول
ولكن عند التحقيق والتدقيق في المسألة نجد أن العابدين قد جنى على شريعة الله عز وجل جناية عظيمة بهذا الخلط والخبط ونسبته الجمعيات الحزبية إلى شريعة الله وأنها من فروض الكفاية
واعلموا رحمكم الله أنه لا فرض إلا ما فرضه الله ورسوله وأن فرض الكفاية كفرض العين في تعلقه بعموم المكلفين وإنما يخالفه في سقوطه بفعل البعض ، وأن مرجعهما ليس موكل لعقول العباد وتحسيناتهم كما يتصوره بن حنفية وإنما هما من تشريع رب العالمين
وهنا ضابط مهم ذكره شيخ الإسلام ابن قيم رحمه الله في كتابه (مفتاح دار السعادة)
يبين فيه ما يجب على العبد معرفته من الفروض العينية والعمل بها والفرق بينها وبين الفروض الكفاية وأنهما من شرع الله
قال رحمه الله (ج 1 / ص 156) المكتبة الشاملة
((الوجه الثاني والثلاثون بعد المائة
ما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث انس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال ((طلب العلم فريضة على كل مسلم )) وهذا وان كان في سنده حفص بن سليمان وقد ضعف فمعناه صحيح
فأن الإيمان فرض على كل واحد وهو ماهية مركبة من علم وعمل فلا يتصور وجود الإيمان إلا بالعلم والعمل ثم شرائع الإسلام واجبة على كل مسلم ولا يمكن أداؤها إلا بعد معرفتها والعلم بها والله تعالى اخرج عباده من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا فطلب العلم فريضة على كل مسلم وهل تمكن عبادة الله التي هي حقه على العباد كلهم إلا بالعلم وهل ينال العلم إلا بطلبه ثم إن العلم بالمفروض تعلمه ضربان :
ضرب منه فرض عين لا يسع مسلما جهله وهو أنواع
النوع الأول علم أصول الإيمان الخمسة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فإن من لم يؤمن بهذه الخمسة لم يدخل في باب الإيمان ولا يستحق اسم المؤمن قال الله تعالى ((ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين)) وقال(( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر فقد ضل ضلالا بعيدا)) ولما سأل جبريل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الإيمان فقال (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر قال صدقت)) فالإيمان بهذه الأصول فرع معرفتها والعلم بها
النوع الثاني علم شرائع الإسلام واللازم منها علم ما يخص العبد من فعلها كعلم الوضوء والصلاة والصيام والحج والزكاة وتوابعها وشروطها ومبطلاتها
النوع الثالث علم المحرمات الخمسة التي اتفقت عليها الرسل والشرائع والكتب الإلهية وهي المذكورة في قوله تعالى (( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله مالا تعلمون )) فهذه محرمات على كل واحد في كل حال على لسان كل رسول لا تباح قط ولهذا أتى فيها بإنما المفيدة للحصر مطلقا وغيرها محرم في وقت مباح في غيره كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه فهذه ليست محرمة على الإطلاق والدوام فلم تدخل تحت التحريم المحصور المطلق
النوع الرابع علم أحكام المعاشرة والمعاملة التي تحصل بينه وبين الناس خصوصا وعموما والواجب في هذا النوع يختلف باختلاف أحوال الناس ومنازلهم فليس الواجب على الإمام مع رعيته كالواجب على الرجل مع أهله وجيرته وليس الواجب على من نصب نفسه لأنواع التجارات من تعلم أحكام البياعات كالواجب على من لا يبيع ولا يشتري إلا ما تدعو الحاجة إليه وتفصيل هذه الجملة لا ينضبط بحد لاختلاف الناس في أسباب العلم الواجب وذلك يرجع إلى ثلاثة أصول اعتقاد وفعل وترك فالواجب في الاعتقاد مطابقته للحق في نفسه والواجب في العمل معرفته وموافقة حركات العبد الظاهرة والبطانة الاختيارية للشرع أمرا وإباحة والواجب في الترك معرفة موافقة الكف والسكون لمرضات الله وان المطلوب منه إبقاء هذا الفعل على عدمه المستصحب فلا يتحرك في طلبه أو كف النفس عن فعله على الطريقتين وقد دخل في هذه الجملة علم حركات القلوب والأبدان
وأما فرض الكفاية: فلا اعلم فيه ضابطا صحيحا فان كل احد يدخل في ذلك ما يظنه فرضا فيدخل بعض الناس في ذلك علم الطب وعلم الحساب وعلم الهندسة والمساحة وبعضهم يزيد على ذلك علم أصول الصناعة كالفلاحة والحياكة والحدادة والخياطة ونحوها وبعضهم يزيد على ذلك علم المنطق وربما جعله فرض عين وبناه على عدم صحة إيمان المقلد وكل هذا هوس وخبط فلا فرض إلا ما فرضه الله ورسوله فيا سبحان الله هل فرض الله على كل مسلم أن يكون طبيبا حجاما حاسبا مهندسا أو حائكا أو فلاحا أو نجارا أو خياطا فإن فرض الكفاية كفرض العين في تعلقه بعموم المكلفين وإنما يخالفه في سقوطه بفعل البعض ثم على قول هذا القائل يكون الله قد فرض على كل احد جملة هذه الصنائع والعلوم فإنه ليس واحد منها فرضا على معين والآخر على معين آخر بل عموم فرضيتها مشتركة بين العموم فيجب على كل احد أن يكون حاسبا حائكا خياطا نجارا فلاحا طبيبا مهندسا فان قال المجموع فرض على المجموع لم يكن قولك إن كل واحد منها فرض كفاية صحيحا لان فرض الكفاية يجب على العموم)) أنتهى
فائدة :قوله ( قال بعض أهل العلم إن الأجر على فرض الكفاية أعظم من الأجر على فرض العين ولعل ذلك باعتبار عدم اهتمام الناس بالأول وتنبههم له ،وتراميهم المسؤولية فيه)
قال الشيخ العلامة المحقق ابن العثيمين رحمه الله في كتابه الجامع (الشرح الممتع على زاد المستقنع ج 04 / ص 543 ط دار الأثار)
((واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ أيهما أفضل فرض الكفاية أو فرض العين؟ منهم من رجح فرض الكفاية، وقال: إن القائم به يسقط الفرض عن جميع الناس، فكأنه حصل على أجر جميع الناس، ومنهم من قال: فرض العين أفضل؛ لأنه طلب من كل واحد، وهذا القول هو الراجح بلا شك؛ لأنه لولا أن الله تعالى يحبه ويحب من عباده أن يقوموا به جميعاً ما جعله فرض عين.)) أنتهى
قوله ص 13 (كذلك كان سلفنا :علموا مقاصد الشرع ، وتفقهوا في أحكامه ، وراعوا واقعهم في اصطناع الوسائل المشروعة لاستمرار الدعوة الى الحق، والجمعيات من أعظم الوسائل الى خدمة الحق في عصرنا .)
جواب عن هذا من وجوه
1ـ استدلال العابدين على مشروعية الإنشاء الجمعيات والعمل فيها بما كان عليه السلف الأمة من الخيرية في الدعوة إلى الله استدلال مع الفارق ، مجانبا لفهم السلف ،لأن الجمعيات الدعوية كما أسلفنا الذكر قد قام مقتضاها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقم مانع يمنعها، فإن فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم من المحدثات
وأيضا مما يوضح الأمر ويرفع اللبس أنه (2) لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس على الدعوة وإيصال الخير للأمة وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلو كانت هذه صالحة لما تركوها مع وجود مقتضاها وقد قال الإمام مالك( لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها.) فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250)((وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.))
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) ((الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍ))اهــ
2ــ أن (3) مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع فكل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة مطرحة ومن صار إليها فقد شرع كما أن من استحسن فقد شرع وكل مصلحة رجعت إلى حفظ مقصود شرعي علم كونه مقصودا بالكتاب والسنة والإجماع
فهل إنشاء الجمعيات وتعدتها دل عليها دليل من الكتاب أومن السنة أومن الإجماع على أنها تحقق مقصد الشرعي ‼؟
بل ، إن مما هو متواتر عند العامة فضلا عن الخاصة أن الجمعيات تفسد الدين وتعطل مقاصده الضرورية ومن أعظمها الدين ومال المسلمين وهو عين الذي شهد به بن حنفية حيث قال في ص 11 (أقول إن مجتمعنا مازال في الغالب غير راغب في الإنفاق على تمويل الجمعيات لعدم اطمئنانه إلى ما يصرف فيه ماله ، وتحفظه هذا حق فيحتاج الأمر إلى جهاد البيان بالقول والبرهان ) بل : إلى التلبس والتمويه والغش والخيانة بطرق ماكرة وحيل خفية بإسم السلفية
قال أبوالحسين الجاوي الإندونيسي وفقه الله في رسالته ( الجـمعـيّـات حركة بلا بركة)
شبهة (2):إدخالهم هذا العمل في باب المصالح المرسلة.
الجواب :هذا النظر غير صحيح، لأمور منها :
أولا: إن الله قد تكفل مصالح العباد الدينية والدنيوية في شرعه الكامل الذي لا يعتريه نقص ولا يحتاج إلى استدراك، قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3] وقال: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام:38]
وقال الإمام مسلم ~ (1844):حدثنا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير حدثنا جرير عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس فى ظل الكعبة والناس مجتمعون عليه فأتيتهم فجلست إليه فقال : «كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى سفر فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو فى جشره إذ نادى منادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة جامعة. فاجتمعنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال «إنه لم يكن نبى قبلى إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جعل عافيتها فى أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجىء فتنة فيرقق بعضها بعضا وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتى. ثم تنكشف وتجىء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه. فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذى يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر».
قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج11/ص344):
((والقول الجامع أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط ، بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأحد الأمرين لازم له ؛ إما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة ؛ لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة ، وكثيرا ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة كما قال تعالى في الخمر والميسر : ﴿قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما﴾).
ثم قال أيضا (ص348):
((والمنفعة المطلقة هى الخالصة أوالراجحة واما ما يفوت ارجح منها أويعقب ضررا ليس هو دونها فانها باطل فى الاعتبار والمضرة احق باسم الباطل من المنفعة وأما ما يظن فيه منفعة وليس كذلك أويحصل به لذة فاسدة فهذا لا منفعة فيه بحال فهذه الأمور التى يشرع الزهد فيها وتركها وهى باطل ولذلك ما نهى الله عنه ورسوله باطل ممتنع أن يكون مشتملا على منفعة خالصة أوراجحة.))اهـ
وما هي المصلحة التي ترتجى من هذه الجمعيات بجانب هذه المفاسد والأضرار الحاصلة فيها التي تكون الواحدة منها أعظم وأكبر من تلك المصالح المزعومة.
ومن المعلوم المتقرر عند أهل العلم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم ٍ﴾[الأنعام:108]
ثانيا: يقال لمن استدل بمثل هذا فى باب المصالح المرسلة كما قال الإمام الشاطبي: فى الموافقات (ج3ص284)((هل وجد هذا المعنى الذي استنبطت في عمل الأولين أولم يوجد؟
فإن زعم أنه لم يوجد ولا بد من ذلك.
فيقال له: أفكانوا غافلين عما تنبهت له أم جاهلين به أم لا؟
ولا يسعه أن يقول بهذا لأنه فتح لباب الفضيحة على نفسه وخرق للإجماع
وإن قال إنهم كانوا عارفين بمآخذ هذه الأدلة كما كانوا عارفين بمآخذ غيرها،
قيل له: فما الذي حال بينهم وبين العمل بمقتضاها على زعمك حتى خالفوها إلى غيرها؟
ما ذاك إلا لأنهم اجتمعوا فيها على الخطأ دونك أيها المتقول. والبرهان الشرعي والعادي دال على عكس القضية فكل ما جاء مخالفا لما عليه السلف الصالح فهو الضلال بعينه.))اهــ
ثالثا: لو كانت مصلحة ، لما تركها السلف مع وجود مقتضاها. فهذا دليل على عدم صلاحيتها كما قال شيخ الإسلام ~ في الاقتضاء (ج1/ص101) ((فكل أمر يكون المقتضي لفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، لو كان مصلحة ولم يفعل، يعلم أنه ليس بمصلحة.))
وقال أيضا: ((فأما ما كان المقتضي لفعله موجودا لو كان مصلحة، وهو مع هذا لم يشرعه، فوضعه تغيير لدين الله، وإنما دخل فيه من نسب إلى تغيير الدين، من الملوك والعلماء والعباد، أومن زل منهم باجتهاد.)) اهـ ملخصًا
أليس المقتضى لإنشاء هذه الجمعيات موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟
الفقراء والمساكين من الصحابة كثير واليتامى أيضا موجودون وطلبة العلم والدعاة منهم متوافرون والأغنياء والتجار موجودون ، فهل نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوما من الأيام قال لأصحابه: اجعلوا لكم جمعية تجمعون الأموال تعينون بها إخوانكم المحاويج من الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل وتكفلون بها الدعاة إلى الله ؟
رابعا : القائلون بالمصالح المرسلة يشترطون فيها شرطين :
الأول؛ عدم دخولها فى الأمور التعبدية .
الثاني؛ رجوعها إلى حفظ أصل الملة.
وهذان الأمران لا يتوفران فى مسألة الجمعية، وذلك لأنهم بنوها وعملياتها على حساب الدين أوالدعوة ومصالحها وهي من أجل العبادات وأسماها،
قال الله تعالى :﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33] وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108]
ثم إن أهل العلم مثلوا لها بجمع المصاحف فى خلافة أبي بكر وتوحيد القراءات فى خلافة عثمان بن عفان لما فيه من حفظ أصل الدين وهو جمع كلمة المسلمين والبعد من الفرقة، قال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى:13] وقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران:103]
أما هذه الجمعيات هي سبب كبير لهدم هذا الأصل كما هو واقع اليوم وإن أظهروا الوحدة: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر:14]، فإنها فى الحقيقة وليدة من تلك الجماعات والأحزاب المتفرقة.)) أنتهى
قال العلامة الفقيه النحرير الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه المفيد (القول المفيد على كتاب التوحيد ص 476 ط دار البصيرة)
((ومن سن قوانين تخالف الشريعة وادعى أنها من المصالح المرسلة; فهو كاذب في دعواه لأن المصالح المرسلة والمقيدة إن اعتبرها الشرع ودل عليها فهي حق ومن الشرع، وإن لم يعتبرها; فليست مصالح، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولهذا كان الصواب أنه ليس هناك دليل يسمى بالمصالح المرسلة، بل ما اعتبره الشرع; فهو مصلحة، وما نفاه; فليس بمصلحة، وما سكت عنه; فهو عفو.
والمصالح المرسلة توسع فيها كثير من الناس; فأدخل فيها بعض المسائل المنكرة من البدع وغيرها; كعيد ميلاد الرسول، فزعموا أن فيه شحذا للهمم وتنشيطا للناس لأنهم نسوا ذكر رسول الله وهذا باطل; لأن جميع المسلمين في كل صلاة يشهدون أن محمدا عبده ورسوله ويصلون عليه.
والذي لا يحيى قلبه بهذا وهو يصلي بين يدي ربه كيف يحيا قلبه بساعة يؤتى فيها بالقصائد الباطلة التي فيها من الغلو ما ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فهذه مفسدة وليست بمصلحة.
فالمصالح المرسلة وإن وضعها بعض أهل العلم المجتهدين الكبار; فلا شك أن مرادهم نصر الله ورسوله، ولكن استخدمت هذه المصالح في غير ما أراده أولئك العلماء وتوسع فيها، وعليه; فإنها تقاس بالمعيار الصحيح، فإن اعتبرها الشرع قبلت، وإلا; فكما قال الإمام مالك: ( كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) وهناك قواعد كليات تطبق عليها الجزئيات)) أنتهى
3ــ أما قوله أن الجمعيات من أعظم الوسائل إلى خدمة الدين ودعوة إليه
نقول لبن حنفية أثبت العرش ثم انقش
أتينا بأثر سلفي أو قول من يعتمد قوله من أئمة المسلمين على أن الجمعيات الحزبية من وسائل الدعوة إلى الله ، لأن الدعوة إلى الله من أجل العبادات وأسماها وأمرها إلى الشارع وأنها توقفية ولا يحل لأحد أن يشرع فيها ما لم يأذن به الله وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
قال فضيلة الشيخ الدكتورعبد السلام بن برجس بن ناصر آل عبد الكريم رحمه الله في كتابه الحجة في بابه ( الحجج القوية على أن وسائل الدعوة توقفية) ص43 ـ 57 ط دار الأثرية الجزائر
((وسائل الدعوة توقيفية
سبق أن بينا مشروعية الدعوة وحكمها وأنها عبادة عظيمة جليلة وذكرنا شروط وصحة العبادة التي يتوقف قبولها عليها .
كما ذكرنا ما يؤيد ويثبت دخول البدع في العاديات على جهة التعبد .
وبعد هذا التمهيد الموجز ندخل في صلب موضوع الرسالة فنقول :
إن مسألة توقيفية وسائل الدعوة أو عدم توقيفيتها مسألة تنازع فيها طائفتان من العلماء المعاصرين .
فذهب طائفة إلى أن وسائل الدعوة اجتهادية ليست علي التوقيف فللداعي أن يختار ما يراه مناسباً من الوسائل التي تحقق الإصلاح والاهتداء للمدعوين ، ولو لم تكن وسيلة من وسائل الدعوة التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وهذا القول يفسر أحد تفسيرين وبكل واحدٍ من التفسيرين أخذ جماعة .
التفسير الأول :
أن يكون المراد من هذا القول : أن كل طريق وأسلوبٍ يوصل إلى الغاية – وهي إصلاح العباد – يصح للداعي أن يسلكه ولو قد ورد الشرع بالنهي عنه والمنع منه ما دام يحقق تلك المصلحة .
وهذا القول على هذا التفسير هو ما يعرف باعتبار المصلحة التي شهد الشرع بإلغائها . هو قول باطل ، لأن في اعتبارها مخالفة لنصوص الشرع بالمصلحة .
( وفتح هذا الباب يؤدي إلى تغيير جميع حدود الشرائع ونصوصها ) ([31])
وما مستند هذا القول إلا القاعدة اليهودية الحاكمة ((بأن الغاية تبرر الوسيلة ))
قال تعالى : (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (آل عمران:72)
ومن أمثلة ذلك : تجويز الدخول على (( البرلمانات الكافرة )) بقصد الدعوة إلى الله تعالي ،وإصلاح لعباد والبلاد .
ومن المعلوم أن الدخول في(( تلك البرلمانات الكافرة )) هو في حقيقته تضييع لمقاصد الشرع في الضروريات فضلاً عن الحاجيات فضلاً عن التحسينيات. إذ هو هدم للدين من أساسه ، وتنازل عن أسمى غاياته ، وهي تحقيق توحيد الله تعالى
ومن أمثلة ذلك - أيضاً - : تجويز الرقص والغناء والإضرار بالمسلم والافتراء عليه وحلق اللحى وإسبال الثياب .... في سبيل الدعوة إلى الله تعالى !!
التفسير الثاني :
أن يكون المراد من هذا القول : أن كل طريق وأسلوب يوصل إلى الغاية – وهي إصلاح العباد – يصح للداعي أن يسلكه ، بشرط عدم ورود إلغائه في الشرع .
والقول على هذا التفسير هو ما يعرف بالمصالح التي سكتت عنها الشواهد الخاصة ، فلم تشهد باعتبارها ولا بإلغائها .
ولكي يكون الكلام على ذلك القول بهذا التفسير واضحاً جلياً يجب أن يعلم أن ما سكتت عنه الشواهد الخاصة ، فلم تشهد باعتباره ولا بإلغائه على وجهين :
أحدهما : أن لا يرد نص على وفق ذلك المعنى . بمعني أن لا يوجد للعلة جنس معتبر في تصرفات الشرع : فلا يصح حينئذ التعليل بها ، ولا بناء الحكم عليها باتفاقٍ ، ومثل هذا تشريع من القائل به ، فلا يمكن قبوله .
الثاني : أن يلائم تصرفات الشرع ، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس اعتبره الشرع في الجملة بغير دليل معين ، وهو الاستدلال المرسل المسمى بالمصالح المرسلة ،وإذا كانت هذه المصلحة تلائم تصرفات الشرع فإننا ننظر : هل المقتضي لقطعها لفعلها كان موجوداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير موجود .
( فكل أمر يكون المقتضي لفعله علي عهد النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً – لو كان مصلحة – ولم يفعل : يعلم أنه ليس بمصلحةٍ.
وأما ما حدث المقتضي بعد موته – من غير معصية الخالق – فقد يكون مصلحة )
هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في ضابط التفريق بين البدع والمصالح المرسلة .
إذا تقرر هذا فإن هناك سؤلاً لابد من الإجابة عنه هنا ، هو :
هل الشريعة تهمل مصلحة ما للعباد ؟
وفي الجواب عن هذا السؤال يقول شيخ الإسلام عندما تكلم عن المصالح المرسلة وذكر الخلاف فيها ، وقال عنها : ( والقول بالمصالح المرسلة يشرع في الدين ما لم يأذن به الله غالباً )
قال ( والقول الجامع : أن الشريعة لا تهمل مصلحة قط بل الله تعالى قد أكمل لنا الدين وأتم النعمة ، فما من شيء يقرب إلى الجنة إلا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك .
لكن ما اعتقده العقل مصلحة وإن كان الشرع لم يرد به فأخذ الأمرين لازم له :
أما أن الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر .
أو أنه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة لأن المصلحة هي المنفعة الحاصلة أو الغالبة .
وكثيراً ما يتوهم الناس أن الشيء ينفع في الدين والدنيا ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة ) اهـ .
وهذا لا يقتضى إنكار(( المصالح المرسلة )) بل هي حق لا يصار إليها إلا عند توفر ضوابطها التي نص عليها أهل العلم وإذا تقيد الناظر بهذه الضوابط فإنه سيرى أن المصلحة المرسلة ( راجعة إلى أدلة الشرع )
فجمع المصحف دل عليه قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة:17)
فإن قيل : فلماذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا : لوجود المانع ، وهو أن القرآن كان يتنزل عليه طيلة حياته ، وقد ينسخ الله – سبحانه – منه ما يريد . فلما انتفي المانع ، فعله الصحابة باتفاق ، و النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لا تجتمع أمتي علي ضلالة )) .
وتدوين العلم دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : (( قيدوا العلم بالكتابة )) .
وهكذا يرد من مسائل المصالح في كتب الأصول .
وإذا علم ما تقدم فإننا نرجع إلى ذلك التفسير فننقضه بما قرره شيخ الإسلام في فتوى طويلة له يبين فيها أن الشرع لم يغفل وسيلة من وسائل الدعوة التي يهدي الله بها الضالين ، فيقول – رحمه الله تعالى - :
( ... إذا عرف ذلك فمعلوم أنما يهدي الله بها الضالين ، فيقول – رحمه الله تعالى - : ( .... إذا عرف هذا فمعلوم أنما يهدي الله به الضالين ، ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين : لابد أن يكون فيما بعث الله به ورسوله من الكتاب والسنة ، و إلا فإنه لو كان ما بعث الله به الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكفي في ذلك ، لكان دين الرسول ناقصاً محتاجاً تتمة .
وينبغي أن يعلم أن الأعمال الصالحة أمر الله بها إيجاب أو استحباب . والأعمال الفاسدة نهى الله عنها .
والعمل إذا أشتمل علي مصلحة لم يشرعه ، بل نهى عنه ..
وهكذا ما يراه الناس من الأعمال مقرباً إلى الله ولم يشرعه الله ورسوله فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه . و إلا فلو كان نفعه أعظم من ضرره لم يهمله الشارع . فإنهr حكيم ، لا يهمل مصالح الدين ، ولا يفوت المؤمنين ما يقربهم إلى رب العالمين ...
فلا يجوز أن يقال : أنه في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ما يتوب به العصاة .
فإنه قد علم الاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلا الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية ) . اهـ. كلامه – رحمه اله تعالى - ، وسيأتي بتمامه إن شاء الله تعالى .
وإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك – فلم يلجأ الداعي إلى وسائل لم ترد في الشرع ، مع أن ما ورد في الشرع كاف لتحصيل الغاية من الدعوة إلى الله تعالى ، وهي تتويب العصاة . وهداية الضلال ؟ !
ومما لا ريب فيه أن الوسائل الشرعية التي هدى الله بها العرب إلى دينه . وهي استقامت بها القرون المفضلة . وهي أساس كل نشأةٍ سلفية على الأرض .
فهي كفيلة بإخراج مجتمعاتٍ تحقق الإسلام كما كان أول الأمر .
ولذا كان الصحابة – رضي الله عليهم – أحرص الناس على التمسك بهذه الوسائل ، وأشد الناس إنكاراً لما يحدث فيها ، كما هو معلوم من سيرهم وأخبارهم .
وقد قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – كما في رواية عبدوس بن مالك - :
(( أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله عز وجل والإقتداء بهم . وترك البدع ، وكل بدعة ضلالة )). ا هـ.
وأخرج ابن الجوزي في (( تلبيس إبليس )) ( ص 9 ) ، عن الأوزعي – رحمه الله – أنه قال : (اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم )).اهـ.
فإن كان ما وسع أصحاب محمد r في وسائل الدعوة لا يسع بعض المنتسبين إلى الدعوة ، فأحد الأمرين لازم لهم : أما أنهم أهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
أو أنهم أتو ببدعةٍ مفضلة ... وكلا الأمرين عظيم .
ألا فليسع الدعاة إلى الله – تعالى – ما وسع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في تلك الوسائل : فإنهم – رضي الله عليهم– عن علمٍ يردون ويصدرون .
ويقول ابن مسعود – رضي الله عنه- :
(( أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم ، فإذا رأيتم محدثه فعليكم بالأمر الأول )) . رواه الدارمي في (( سننه )) ( 1/56 ) .
وروى عنه – أيضاً – ( 1/63 ) أنه يوصي الرجال والنساء فيقول : (( من أدرك منكم امرأة أو رجل : فالسمت الأول السمت الأول )) وروى الدارمي ( 1/50 ) عنه – أيضاً – أنه قال : (( إياكم والتبدع ، وإياكم والتنطع ، وإياكم والتعمق ، وعليكم بالعتيق )).
وأخرج ابن وضاح في (( البدع والنهى عنها )) ( ً 2 ) ، عن حذيفة – رضي الله عنه - ، أنه قال : (( اتبعوا سبلنا ، ولئن اتبعتمونا قد سبقتم سبقاً بعيداً ولئن خالفتمونا لقد ضللتم ضلالاً بعيداً ))
ففي هذه الآثار إرشاداً إلى سلوك الجادة عند فشو البدع وظهور المحدثات . وذلك في قول ابن مسعود : (( وعليكم بالعتيق )) ، وقول حذيفة : (( اتبعوا سبلنا )).
فرد الأمور إلى ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام هو العاصم من التلطخ بأوضار الأهواء . إذ على أقوالهم وأفعالهم توزن الأقوال والأفعال فما وافقها فهو المقبول ، وما خالفها فهو المردود .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن رسم الفرقة الناجية : (( ما أنا عليه وأصحابي )) . أخرجه الترمذي ، وهو حديث حسن .
ورحم الله عمر بن عبد العزيز – أمير المؤمنين – إذ يقول في وصيته العظيمة :
(( فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم ، فإنهم علي علمٍ وقفوا ، وببصرٍ نافدٍ كفوا ، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى .
فإن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه ، ولئن قلتم ( إنما حدث بعدهم ) : ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم .
فإنهم هم السابقون ، فقد تكلموا فيه بما يكفي ، ووصفوا منه ما يشفى ، فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر . وقد قصر قوم دونهم فجفوا ، وطمح عنهم أقوام فغلوا . وأنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم )).
أخرجه أبو داود في كتاب السنة من (( سننه )) ( 5/19 ) ، وابن وضاح في
(( البدع والنهي عنها )) ( ص 30 ) والآجري في (( الشريعة )) ( ص 233 )، وأبو نعيم في (( الحلية )) ( 5/338 )
وفي رد بعض المحدثات يقول العلامة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين – رحمه الله تعالى - :
( فلو كان خيراً يحبه الله لسبقنا إليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كفوا من بعدهم ، كما قالوا : (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم )) فإنهم – رضي الله عنهم– بالخير أعلم ، وعليه أحرص فمن ابتدع شيئاً يتقرب به إلى الله لم يجعله الله ورسوله قربة : فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (الشورى: من الآية21)
واستدرك على أصحاب محمد ، بأنهم لم يعلموا ما عمله أو أنهم يعملوا بما علموا فلزمه استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار أو تقصيرهم في العمل .
فهم – رضي الله عنهم– قد كفوا من بعدهم ،والخير في الإتباع والشر في الابتداع ) . انتهى من (( الدرر السنية )) ( 7/50 ) .
تنبيه مهم :
ثمة أمر يتعلق بأمر المصالح – لا بد من ذكره هنا إذ قد أغفله كثير من القائلين بالمصالح ، ولو التزم بما حصلت تلك الفوضى التي نعيشها الآن في أمور المصالح – ألا وهو : أن تحديد المصلحة في أمرٍ ما ، صعب جداً ، فقد يظن الناظر أن هذا مصلحة وليس الأمر كذلك
ولذا فإن الذي يتولى تقدير المصلحة : أهل الاجتهاد الذين تتوفر فيهم العدالة والبصيرة النافذة بأحكام الشريعة ومصالح الدنيا إذا الاستصلاح يحتاج :
( إلى مزيد الاحتياط في توخي المصلحة ، وشدة الحذر من غلبة الأهواء ، لأن الأهواء كثيراً ما تزين المفسدة فترى مصلحة ، وكثيراً ما يغتر بما ضرره أكبر من نفعه )
وفى هذا المعني يقول الشيخ عمر الفارسي في رسالة (( الوقف ))
( وأني للمقلد أن يدعي غلبة الظن أن هذه المصلحة فيها تحصيل مقصود الشارع ، وأنها لم يرد في الشرع ما يعارضها ، ولا ما يشهد بإلغائها ، مع أنه لا بحث له في الأدلة ، ولا نظر له فيها ؟ ! وهل هذا إلا اجتراء على الدين ، وإقدام على حكمٍ شرعي بغير يقين ) . ا هـ.
وهذا إنما سقته ليعلم المتجرؤون على الخوض في (( تقرير المصالح )) وعورة ما سلكوه ، وصعوبة ما امتطوه ، فليتخلوا عنه لأهله الأشداء وأربابه الأقوياء.
وبهذا الكلام نكون قد أنهينا الكلام على القول الأول ، وهو أن وسائل الدعوة اجتهادية . وسيأتي – إن شاء الله – إيراد بعض الحجج التي تعلق بها أصحاب هذا القول مع الرد عليها في آخر الرسالة.
القول الثاني :
إن وسائل الدعوة توقيفية ، لا يحل لأحد أن يشرع فيها ما لم يأذن به الله ، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
وهذا هو القول الحق الذي شهدت به النصوص ، وقام عليه عمل السلف الصالح ، رضوان الله عليهم أجمعين .
والحجة في ذلك مبنية على المقدمات التالية :
المقدمة الأولى :
أن الله – سبحانه وتعلي – أكمل الدين وأتم نعمته على عباده . كما قال تعالي : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) (المائدة: من الآية3)
قال الإمام مالك - رحمه الله تعالي - : (( من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين ، لأن الله تعالى يقول : : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ") (المائدة: من الآية3)
المقدمة الثانية :
أن الله تعالى أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلق سعادة العبد بها ونهى عن معصيته ورتب شقاوة العبد عليها.
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69) وقال تعالى( وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) (الجـن: من الآية23)
المقدمة الثالثة
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكل خير ونهى عن كل شر ، وأحل الطيبات وحرم الخبائث ، كما قال تعالى في صفته :
(ِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157)
وقال تعالى فيه صلى الله عليه وسلم ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (الشورى:52 ،53)
وعن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : (( لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً )) رواه أحمد والطبراني وزاد :
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويبعد من النار إلا وقد بُين لكم )).
وفي حديث مسلم من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ما بعث الله نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم )).
وفي بعض ألفاظ حديث العرباض بن سارية أن النبي قال : (( تركتكم علي البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك )) . رواه ابن ماجة .
وأخرج ابن ماجه - أيضاً –عن أبي الدرداء – رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ..وايم الله : لقد تركتكم علي مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ))
واخرج الطبراني عنه أنه قال (( لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في السماء طائر يطير بجناحيه إلا ذكرنا منه علماً )).
إذا تقرر هذا فإنا نقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأمته وسائل الدعوة سواء بالقول أو بالفعل أو بهما إذ كيف يبين صلى الله عليه وسلم آداب قضاء الحاجة ونحو ذلك ويدعوا وسائل لدعوة التي لا قيام للإسلام إلا بها؟
وبما أنه عليه الصلاة والسلام قد بين ذلك ، فإن بيانه صلى الله عليه وسلم هو الطريقة الشرعية التي يرشد بها الغاوى ويهدى بها التائه .
وهي الطريقة التي أخرج بها النبي صلى الله عليه وسلم الناس من الظلمات إلي النور ، وهداهم بها إلي التي هي أقوم . وسلكها من بعده صحابته الكرام وتابعوهم بإحسان وأشتد نكيرهم على من خالفها من الدعاة ، وأحدث فيها .
فليس من سبيل في إيجاد مجتمع كمجتمعهم إلا بهذه الوسائل الشرعية والطرق السلفية ، كما قال الإمام مالك – رحمه الله تعالى - : (( لن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها )).
فالزيادة عليها زيادة في الشرع ،وخروج عن سبيل المؤمنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) أنتهى
4ـ إن مما يكشف برقع الجمعيات الحزبية المتسولة ويظهر غبشها وعلى حينها يطلع الفجر الصادق ويزداد نور الصباح بروزا بطلوع شمس الحق ويهد بنيانها من أصله ما يبقى بعده قرار ألا وهو بيان أضرارها وسلبياتها التي نتجت عنها وكما قيل ( من ثمارها تعرفها ) وبئس الثمار وكيف لا ،وأصل النبتة من قمامات اليهود حملها إلى بلاد الإسلام المتسولة
قال الأخ أبو الحسين محمد بن محيي الدين الجاوي الأندونيسي ((أثبتت التواريخ أنها من أقدم الوسائل التي استخدمها اليهود لنشر أفكارهم المسمومة وهي الماسونية حتى نجحت بواسطة جمعية الإتحاد والترقي في تركيا – التي أسست عام 1898 م – 1316هـ- في القضاء على الخلافة الإسلا مية العثمانية وقد كان للجمعية فروع في معظم الولايات العربية.
ثم أخذ هذه الفكرة جمال الدين الأفغاني وأمثاله ونشرها في أوساط المسلمين وتلقاها منه تلميذه محمد عبده حتى قام هو ونفر من أصدقائه في تأسيس جمعية الخيرية الإسلامية وكان هو الواضع لمشروع نظامها وهدفها تربية أولاد الفقراء تربية يحافظون فيها على عقائدهم وأداب دينهم وأخلاقهم وأعمالهم ويستعينون بها على معايشهم وتحصيل أرزاقهم ثم تبعه تلميذه محمد رشيد رضا وأشاد بها في كتابه المنار.
ومن هنا استفادها الحزبيون كالإخوان المسلين وغيرهم فطبقوها في أوساطهم حتى اغتر بعض المنتسبين إلى السنة والسلفية بهذه الفكرة ففعلوا مثل فعلهم ، رجاء مصلحتها وظنا في خيرها ، فإذا هي بائقة من بوائق الحزبية ، فرقت الدعوة وميعت أصحابها حتى ضاعت جهود كثير من أهلها ، والله المستعان .)) أنتهى
فمن أضرار الجمعيات ومفاسدها
مخالفة طريقة السلف
قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أويُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115]
وقال الإمام البخاري رحمه الله (2697):حدثنا يعقوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد».
قال الإمام مسلم رحمه الله (1718) :حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد جميعا عن أبي عامر قال عبد حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن سعد بن إبراهيم قال سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن فأوصى بثلث كل مسكن منها قال يجمع ذلك كله فى مسكن واحد ثم قال أخبرتنى عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:« من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ».
قال الإمام الترمذي رحمه الله(ج7ص438):حدثنا علي بن حجر حدثنا بقية بن الوليد عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح.
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعيرحمه الله]
قال الإمام أبو داود رحمه الله(ج5ص18):حدثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان قال كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن دليل قال سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر ح وثنا هناد بن السري عن قبيصة قال ثنا أبو رجاء عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم قال : كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر فكتب: أما بعد أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره (أراد التوسط بين الإفراط والتفريط) واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أوعبرة فيها فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير " من قد علم " من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم على علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم إنما حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم فإنهم هم السابقون فقد تكلموا فيه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم من مقصر وما فوقهم من محسر (حسر الشيء يحسره أي كشفه) وقد قصر قوم دونهم فجفوا وطمح عنهم أقوام فغلوا وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. مختصرًا
قال العلامة الألباني :وهو أثر صحيح.
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث (6):أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي، قال: أخبرني أبي قال،: سمعت الأوزاعي، يقول: عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس. وإياك ورأي الرجال، وإن زخرفوه بالقول. فإن الأمر ينجلي ، وأنت على طريق مستقيم.
قلت: وهوأثر صحيح .
وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في كتاب العلم (54)
ثنا جرير عن العلاء عن حماد عن إبراهيم قال قال عبد الله اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.[ قال اللباني رحمه الله : هذا إسناد صحيح]
وفي الصارم المنكي لابن عبدالهادي رحمه الله (ص 471):قال ابن مسعود رضي الله عنه : من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات ، فإين الحين لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه ، فأعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ، وبسط هذا له موضع آخر .
وفي الرسالة التدمرية لابن تيمية رحمه الله (ص 96):وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم فو الله لئن اتبعتموهم لقد سبقتم سبها بعيدا ولئن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى - (ج 4 / ص 158):
وما أحسن ما قال الشافعي رحمه الله في رسالته هم فوقنا في كل علم وعقل ودين وفضل وكل سبب ينال به علم أو يدرك به هدى ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في فتاواه (ص250):وكل ما لم يكن عليه السلف الصالح فليس من الدين فقد كانوا أحرص على الخير من هؤلاء فلو كان فيه خير لفعلوه وقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة:3] قال مالك بن أنس: فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا.
وقال أيضا في الموافقات (ج3ص280) :الحذر الحذر من مخالفة الأولين ! فلو كان ثم فضل ما لكان الأولون أحق به والله المستعان.ٍٍٍاهــ
وذلك لأنه لم يثبت عن أحد من السلف لا فى القرون المفضلة ولا من بعدهم قامت دعوته على هذه الطريقة وهم أحرص الناس لهدايتهم وإيصال الخير لهم وأعلم الناس بمصالح هذه الدعوة فلوكانت هذه صالحة لماتركوها مع وجود مقتضاها
وقد قال الإمام مالك: لن يصلح آخرهذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فعلم أنها ليست فى صالح الدين ولا الدعوة ولا المجتمع بل فى إفسادها أظهر.
ثانيا :التشبه بالكفار
قال الله تعالى :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة:6، 7]
قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:149]
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ [آل عمران:100]
وقال تعالى :﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم:31- 32]
قال الإمام مسلم رحمه الله (302) :حدثنى زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن فى البيوت فسأل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فى المحيض﴾ إلى آخر الآية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « اصنعوا كل شيء إلا النكاح». فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا. فلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأرسل فى آثارهما فسقاهما فعرفا أن لم يجد عليهما.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الإقتضاء (ج 1ص 269) تحقيق العقل:
وأيضا مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النضر يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» وهذا إسناد جيد. اهـ
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره (ج 1 / ص 374):
ففيه دلالة على النهي الشديد والتهديد والوعيد، على التشبه بالكفار في أقوالهم وأفعالهم، ولباسهم وأعيادهم، وعباداتهم وغير ذلك من أمورهم التي لم تشرع لنا ولا نُقَرر عليها. اهـ
وقد علم مما تقدم أن هذه الطريقة جاءت من الغرب وأسست على وفق قوانينهم, فهذان الأمران – يعني الإحداث فى الدين والتشبه بالكفار – كافيان فى القطع بأنها بدعة محدثة بل من أشدها وأقبحها كما قال شيخ الإسلام رحمه الله فى الإقتضاء (ج1ص476-477) :وأما القسم الثالث وهو ما أحدثوه من العبادات أوالعادات أوكليهما فهو أقبح وأقبح فإنه لو أحدثه المسلمون لقد كان يكون قبيحا فكيف إذا كان مما لم يشرعه نبي قط بل قد أحدثه الكافرون فالموافقة فيه ظاهرة القبح فهذا أصل.
وأصل آخر وهو أن كل ما يتشابهون فيه من عبادة أوعادة أوكليهما فهو من المحدثات في هذه الأمة ومن البدع إذ الكلام فيما كان من خصائصهم وأما ما كان مشروعا لنا وقد فعله سلفنا السابقون فلا كلام فيه.
فجميع الأدلة الدالة من الكتاب والسنة والاجماع على قبح البدع وكراهتها تحريما أوتنزيها تندرج هذه المشابهات فيها فيجتمع فيها أنها بدعة محدثه ومشابهة للكافرين وكل واحد من الوصفين يوجب النهي إذ المشابهة منهي عنها في الجملة ولو كانت في السلف والبدعة منهي عنها في الجملة ولو لم يفعلها الكفار فإذا اجتمع الوصفان صارا علتين مستقلتين في القبح والنهي.اهــ
فكيف إذا أضيفت معهما مخالفات شرعية أخر؟
التكلف بما لا يشرع
قال الله تعالى :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]
وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر﴾ [البقرة:185]
وقال تعالى :﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:6]
وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحج:78]
وقال تعالى: ﴿طه* مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه:1، 2]
• قال الإمام البخاري ~ (39):حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن علي عن معن بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».
وهكذا شأن المحدثات فى الدين فيها تكلف وحرج لأنها استدراك على هذه الشريعة الكاملة. وهذا ملاحظ فى الواقع فإنهم استحسنوا أمورا على حساب الدين والدعوة لم يأذن بها الله ووضعوا مناهج ودساتر وقوانين وبرامج يسيرون عليها ما أنزل الله بها من سلطان.
التسولات
قال الله تعالى مخبرا عن نوح عليه السلام: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [هود:29]وعن هود عليه السلام: ﴿يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [هود:51]
وأخبر الله تعالى عن أنبياءه: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين﴾ [الشعراء:109]. وعلم نبيه أن يقولها :﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص:86]حتى صار هذا سيماتهم عرفوا به عند قومهم. قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [يس:21] ﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾ [محمد:36-37]
وهذا هو دعوة الأنبياء والرسل المبنية على العفة وعدم التطلع لما في أيدي الناس.
• قال الإمام البخاري رحمه الله : (2681)حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره قال : أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال وهذه صفة نبي.
فأين هؤلاء من دعوة الأنبياء والمرسلين ؟
ألم يسمعوا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذم المسألة وكراهتها؟
أيزعمون أنهم مستثنون فيها ؟
قال الإمام البخاري رحمه الله (1472) :حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال:«ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر».
• قال الإمام البخاري ~ (1473):حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت عمر يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال :«خذه إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك».
• قال الإمام البخاري ~ (1474):حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر قال سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم».
• قال الإمام مسلم ~ (1044):حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب حدثنى كنانة بن نعيم العدوى عن قبيصة بن مخارق الهلالى قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأله فيها فقال: « أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ». قال ثم قال « يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش - أوقال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا ».
• قال الإمام النووي ~ (ج 3 / ص 488):مقصود الباب وأحاديثه : النهي عن السؤال ، واتفق العلماء عليه إذا لم تكن ضرورة ، واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما : أنها حرام ؛ لظاهر الأحاديث . والثاني : حلال مع الكراهة بثلاث شروط : ألا يذل نفسه ، ولا يلح في السؤال ، ولا يؤذي المسئول ، فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق . والله أعلم . اهـ
قال الحافظ رحمه الله في الفتح (ج 17 / ص 98) بعد أن ذكر الأقوال وكلام النووي : ( تنبيه ) : جميع ما تقدم فيما سأل لنفسه ، وأما إذا سأل لغيره فالذي يظهر أيضا أنه يختلف باختلاف الأحوال .
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى (ج 11 / ص 46):
ولم يكن فى الصحابة لا أهل الصفة ولا غيرهم من يتخذ مسألة الناس ولا الإلحاف فى المسألة بالكدية والشحاذة لا بالزنبيل ولا غيره صناعة وحرفة بحيث لا يبتغى الرزق الا بذلك كما لم يكن فى الصحابة أيضا أهل فضول من الاموال يتركون لا يؤدون الزكاة ولا ينفقون أموالهم فى سبيل الله ولا يعطون فى النوائب بل هذان الصنفان الظالمان المصران على الظلم الظاهر من مانعي الزكاة والحقوق الواجبة والمتعدين حدود الله تعالى فى أخذ اموال الناس كانا معدومين فى الصحابة المثنى عليهم.اهـ
وما هذه الخصلة الذميمة إلا نتيجة من التكلف بما لا يشرع والأماني الفارغة ...أننا
سنفعل كذا ونبني كذا ونحتاج ونريد... والواقع شاهد لذالك .
تصوير ذوات الأرواح
• قال الإمام البخاري ~ (2225):
حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول :«من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا». فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (5950 ):حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الأعمش عن مسلم قال كنا مع مسروق في دار يسار بن نمير فرأى في صفته تماثيل فقال سمعت عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5951 ):حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :«إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):حدثنا موسى حدثنا عبد الواحد حدثنا عمارة حدثنا أبو زرعة قال دخلت مع أبي هريرة دارا بالمدينة فرأى أعلاها مصورا يصور قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة وليخلقوا ذرة».
قال الإمام البخاري رحمه الله (5954 ):
حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال سمعت أبي قال سمعت عائشة رضي الله عنها : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: «أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله». قالت فجعلناه وسادة أووسادتين.
هكذا المعاصي تجر بعضها بعضا. قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون﴾ [البقرة:10]
فإنهم ما ارتكبوها إلا لإقناع المتبرعين طمعا لما في أيديهم، ثم اعلموا – وفقكم الله – أن الشيطان سول لبعض أناس تصوير البنايات لهذا الغرض في بادئ الأمرحتى أوقعهم في هذه الكبيرة وهم لايشعرون فاحذروه فإنه من مكايد الشيطان.وصدق الله إذ يقول: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُون﴾ [الأعراف:182]
ويقول عن إبليس: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ [الأعراف:16-17].
الاحتيال لأخذ أموال الناس بالباطل
قال الله تعالى :﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة:188]
وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[النساء:29]
وقال تعالى :﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾ [النساء:2]
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:10]
• قال الإمام البخاري ~ (3118):حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني أبو الأسود عن ابن أبي عياش واسمه نعمان عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
• وقال الإمام البخاري ~ (2597) :حدثنا عبيد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أبي حميد الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية فلما جاء حاسبه قال هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا». ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :«أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء أوبقرة لها خوار أوشاة تيعر». ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول :«اللهم هل بلغت». بصر عيني وسمع أذني.
• قال الإمام البخاري ~ (2766) :حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان بن بلال عن ثور بن زيد المدني عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«اجتنبوا السبع الموبقات». قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال :«الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
• قال الإمام محمد أمين الشنقيطي - رحمه الله - لولده عبد الله :يا ولدي ! الدنيا ينبغي أن يبتعد منها، واحذر من الدنيا فإنك تراها كالماء المالح، إذا شرب منه الإنسان زاد ظمأ، واعلم أن الشيطان يكذب عليك ويضحك عليك ،ويقول لك: اجمع الأموال لكي تتصدق بها وتبني بها المدارس وتنفق على الأيتام، والشيطان يضحك عليك، يريدك أن تجمع المال وفى النهاية قال: ما لك رائح تعطي عليه؟ ولا يستريح جسمك، ولا تتعلم العلم وتضيع حياتك الدنيا، ولا رائح تتصدق ولا تنفقها، فتبقى عليك الآثام ويضيع عليك وقتك، فاحذر يا ابني من الدنيا. اهـ من شريط «سيرة الإمام الشنقطي» وجه(ا).
قلت: وهو الواقع في الغالب فإن العبد إذا جمع المال لا يعطيه للناس لأن المال فتنة، فمن يأمن على نفسه من فتنته وقد روى الإمام الترمذي في جامعه (ج 6ص629):
حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن سوار حدثنا ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال » .قال أبو عيسى هذا حديث صحيح غريب إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح .
[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي ~]
الافتتان بالدنيا والتهالك عليها
قال تعالى: ﴿واعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[الأنفال:28]وقال تعالى :﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التغابن:15] وقال تعالى :﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[طه:131]وقال تعالى :﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور﴾[الحديد:20]
• قال الإمام البخاري~ (3158) :حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر ويونس عن الزهري عن عروة بن الزبير أنه أخبره أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمرعليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف تعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ثم قال :«أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء». قالوا أجل يا رسول الله قال :«فأبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم».
• وقال الإمام البخاري~ (2961):حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله فقال :«إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها».
• قال الإمام مسلم~ (2742) :حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت فى النساء ».
• قال الإمام الترمذي~ (ج7ص46) :حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن ابن كعب بن مالك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه».قال أبو عيسى ~هذا حديث حسن صحيح.[والحديث في الصحيح المسند للإمام الوادعي]
والحقيقة أن هذه الجمعيات ليست مهيئة لنشر العلم والدعوة والخير كما زعموا بل هي مهيئة للافتتان بالدنيا والتنافس فيها والتهالك عليها.
ثامنا :الانشغال عن طلب العلم
قال الله تعالى :﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28] وقال تعالى :﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[المجادلة:11]
• قال الإمام البخاري ~ (71) :
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :«من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله».
والله، فإنهم محرومون من هذا الخير لأنهم ضيعوا أنفسهم وأوقاتهم بالتسجيلات والبرامج والتسولات والجلسات، وهم في أوساط العلم ومراكزه، ولذا تجدهم واقعين في مخالفات كثيرة لقلة بضاعتهم في العلم الذي يمنعهم من الوقوع في مخالفة الشرع.
إيداع الأموال في البنوك الربوية
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة:275]وقال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون﴾ [البقرة:278، 279] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران:130]
• قال الإمام مسلم ~ (1597-1598):حدثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم - واللفظ لعثمان - قال إسحاق أخبرنا وقال عثمان حدثنا جرير عن مغيرة قال سأل شباك إبراهيم فحدثنا عن علقمة عن عبد الله قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله. قال قلت وكاتبه وشاهديه قال إنما نحدث بما سمعنا.
حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة قالوا حدثنا هشيم أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء.
وهذا حاصل في غالب الجمعيات والمؤسسات إن لم يكن كلها ثم إن البنوك تستفيد من أي نوع من أنواع المعاملات معها حتى الحوالة فكيف بإيداع الأموال فيها؟ سواء أخذت الربا أم لا، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]
وعلى كل هي محرمة وإلا فأقل أحوالها شبهة وقد روى الإمام مسلم ~ (1599):
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمدانى حدثنا أبي حدثنا زكرياء عن الشعبى عن النعمان بن بشير قال سمعته يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: «إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب».
الخضوع للقوانين الوضعية
والله تعالى يقول:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء/60]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره - (ج 2 / ص 346):هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل.اهـ
وهذا الخضوع لهذه القوانين يعتبر عدولا عن الكتاب والسنة مع ما في تلك القوانين التي افترضها الكفار على كثير من بلدان الإسلامية من النظام الديمقراطي الطاغوتي، و هذا أمر خطير جدا .
11:التنظيم المحدث
وهو التنظيم الذي بني على وفق القرارات والقوانين الوضعية الغربية ، ولم يدل عليه دليل البتة ، فإن الشرع حث على التعاون في الخير على نظام شرعي لا على هذا التنظيم الحزبي كما قال فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله في شرح المسائل الجاهلية ص 156: إن أهل السنة والجماعة يقرون بالجماعة بمعنى التجمع للدعوة، للخير للأمر والنهي وللهدى والصلاح تجمعا مشروعا يكون فيه تطاوعا وليس فيه طاعة ويكون فيه ائتلاف ولا يكون فيه أمر ونهي ، ويكون فيه نظام وليس فيه تنظيم ، وهذه هي أصول دعوة كل من تجمع من أهل السنة في قديم الزمان وفي الحديث ، وكذلك من جهة التنظيم يعني : بعض الجماعات تتجمع على تنظيم ، وهؤلاء كما رأيت في بعض مؤلفاتهم يستدلون بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم ، هم لم يفهموا فإن شيخ الإسلام رحمه الله ذكر نظاما ، وما يعني به النظام ولم يذكر التنظيم لأن التنظيم هذا حادث ، التنظيم بمعنى تكون رأس للحزب يطاع ، ومن تحته تبلغ لهم الأشياء كما يحصل من طاعة الإمام وهذا لا شك أنه لا يجوز ، ولا يدل عليه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ولا غيره . اهـ مختصرا.
الانتخابات
وهي إجراء قانوني يحدد نظامه ومكانه في دستور وبرنامج ولائحة، ليختار على مقتضاه شخص أوأكثر لرئاسة مجلس أونقابة أوندوة أولعضويتها أونحو ذلك.
وهذه طريقة غير شرعية ووسيلة من وسائل القوانين الديمقراطية الطاغوتية المستوردة من بلاد الكفار، وقد تقدم الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وكما ذكره شيخ الإسلام على تحريم التشبه بالكفار سواء كان في أقوالهم أوأفعالهم.
ثم إن هذا تعويد إلى شر ما هوأكبر منه، فإنه قد يفضي بأصحابها إلى المشاركة في الدخول للانتخابات الدولية كما قال أحمد بن محمد الشحي في كتابه «حوار هادي مع إخواني» (ص52) :
فائدة: واعلم يا أخي –حفظك الله- أن طريقة الإخوان المسلمين في تشكيل حزبهم السياسي في يد البلدان التي لم تطبق الديمقراطية الطاغوتية والانتخابات تكون بتأسيس جمعيات أومنتديات إصلاحية وخيرية -زعموا- ثم ينشر شبابهم في ذلك المجتمع على نظام الأسر الذي ذكرته آنفاً في أول هذا الفصل، فإذا صرح ذلك البلد بالحكم الديمقراطي الطاغوتي والسماح للأحزاب بالدخول في الانتخابات وجدتهم يصرحون بأنهم حزب سياسي وهذه الطريقة واضحة لكل عارف بهم ومطلع على خط سيرهم، فقد حصل لهم هذا في مصر والجزائر والسودان واليمن والكويت وما حصوله في بلدنا ببعيد. اهـ
الإمارة في الحضر
• قال الإمام أبوداود رحمه الله رقم (2609):
حدثنا علي بن بحر، حدثنا حاتم ابن إسماعيل، حدثنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم».
وقد بين طرقها وشواهدها شيخنا يحيى بن علي الحجوري في كتابه النفيس«ضياء السالكين»(ج 1 / ص 167) بماحاصله أنه قال:
فبهذه الشواهد يصير الحديث صحيحا والحمد لله، والإمارة في السفر ثابتة في جميع مغازي النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في «الصحيحين» وغيرهما ومن ذلك حديث علي الآتي في إمارة عبدالله بن حذافة السهمي.
• قال الإمام البخاري رحمه الله رقم (7145):حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا سعد بن عبيدة، عن أبي عبدالرحمن، عن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم وقال: أليس قد أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: قد عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها، فجمعوا حطبا فأوقدوا نارا فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فرارا من النار أفندخلها، فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه، فذكر للنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف؟».
فهذه الأحاديث دالة على شرعية الإمارة في السفر ولا نعلم دليلاً واحداً في شرعية الإمارة في الحضر إلا لإمام الدولة العام.
وقد كان لأئمة السلف رضي الله عنهم دعوات ومجالس علمية تحضرها آلاف الناس ولم يكونوا يؤمرونهم عليها لا أمير الجمعية ولا رئيس المؤسسة ولا المشرفين لها وإنما إمام وأصحاب وشيخ وتلاميذ .
المهم، أن هذه الإمارة بدعة عصرية أدت بصاحبها إلى التطلع والترفع للرياسة الكبرى والاستشراف لها وهذا مشاهد واقع.
الحزبية
هي ولاء وبراء ضيق على هذه المسميات وأصحابها وومناهجها دون الكتاب والسنة على فهم السلف وهي سبب أصيل في افتراق هذه الأمة شيعا الذي نهانا الله عنه.
قال الله تعالى :﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾[آل عمران:103]
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:105]
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾[الأنعام:159]وقال تعالى: ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53]وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم:31، 32]
• قال الإمام البخاري ~ (3518):حدثنا محمد أخبرنا مخلد بن يزيد أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابرا رضي الله عنه يقول: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا وقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال ما شأنهم». فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم «دعوها فإنها خبيثة». وقال عبد الله بن أبي سلول أقد تداعوا علينا لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فقال عمر ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ لعبد الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه».
• وقال الإمام مسلم ~ (3584):حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو الزبير عن جابر قال اقتتل غلامان غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجر أو المهاجرون يا للمهاجرين. ونادى الأنصارى يا للأنصار. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: « ما هذا دعوى أهل الجاهلية ». قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر قال: « فلا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر وإن كان مظلوما فلينصره ».
• قال شيخ الإسلام في الاقتضاء (ج1/ص241) :فهاذان الإسمان المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة وسماهما الله بهما كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار ولا من المكروه أوالمحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أومعصية أخرى ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفة منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وسماها دعوى الجاهلية حتى قيل له إن الداعي بها إنما هما غلامان لم يصدر ذلك من الجماعة فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور من ذلك إنما هو تعصب الرجل لطائفته. اهـ
• قال ابن القيم في المدارج (ج2/ص370) :هذا وهما اسمان شريفان سماهم الله بهما في كتابه فنهاهم عن ذلك وأرشدهم إلى أن يتداعوا بالمسلمين والمؤمنين وعباد الله وهي الدعوى الجامعة بخلاف المفرقة كالفلانية والفلانية فالله المستعان.
• قال شيخ الإسلام ~ كما في الفتاوى: (ج 1 / ص 292)
فلا يجوز لأحد أن يمتحن الناس بها ولا يوالي بهذه الأسماء ولا يعادي عليها بل أكرم الخلق عند الله أتقاهم من أي طائفة كان . وأولياء الله الذين هم أولياؤه : هم الذين آمنوا وكانوا يتقون فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون.
وقال أيضا (ج 2 / ص 466):
وأما " رأس الحزب " فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء كان على الحق والباطل فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وقال أيضا (ج 6 / ص 310):
وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء بل يكونون مثل الإخوة المتعاونين على البر والتقوى كما قال تعالى : ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ . وليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدا بموافقته على كل ما يريده ؛ وموالاة من يواليه ؛ ومعاداة من يعاديه بل من فعل هذا كان من جنس جنكيزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقا مواليا ومن خالفهم عدوا باغيا ؛ بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله ؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله ؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله ؛ ويرعوا حقوق المعلمين كما أمر الله ورسوله. اهـ
السرية
هي عبارة عن جلسات واجتماعات عقدت خاصة لأصحاب هذه التنظيمات التي يمارسونها بين حين وآخر أسبوعيا أوشهريا أوسنويا لتدبير عملياتها تحت ستارالعلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذه الطريقة تكمن فيها شرور كثيرة وما جنتها هذه الجلسات من الاستحسانات في الدين والدعوة والثورات على العلماء والأمراء بالطعون فيهم والانقلابات وغيرها كاف في بطلانها وفسادها.
والحمد لله، ديننا الإسلام ظاهر جلي لا خفاء فيه ولا سرية هؤلاء ولا استتارهم.
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[التوبة:33]
وقال تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين ﴾ [الحجر:94]
وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف:29]
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج 1 / ص66):
ثنا محمد بن عوف، ثنا أبو صالح، حدثني معاوية بن صالح، أن ضمرة بن حبيب، حدثه أن عبد الرحمن بن عمرو، حدثه أنه سمع العرباض بن سارية، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يزيغ بعدي عنها إلا هالك» .
• قال الإمام ابن أبي عاصم ~ في السنة (ج2/ص494):
ثنا الحسن بن علي الحلواني، والحصين بن البزار، قالا: ثنا محمد بن الصباح، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله بن عمير، عن نافع، عن ابن عمر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت، واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر».
قال العلامة الألباني: إسناده جيد
• قال الإمام أبو نعيم في حلية الأولياء (ج 5 / ص 338):
حدثنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن عبدالوهاب بن نجدة ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي قال قال عمر: إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم في تأسيس الضلالة.
وأخرجه اللالكائي في السنة (251) من طريق ابن مهدي عن ابن المبارك عن الأوزاعي به. وهو أثر صحيح.
وأما القضايا الدينية والدعوية ترد إلى أهلها ذوي البصائر من العلماء لا إلى هؤلاء الهمج الرعاع الذين لا يهمهم إلا المصالح الشخصية والمطامع الدنيوية.
قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أوالْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم﴾ [النساء:83]
فهذه الأمور لا تخلو منها جمعية حتى صارت وصفا طرديا لهذه المنظمات في جلها إن لم يكن كلها، فالذي لا يعرفها اليوم سيعرفها غدا، فإن الواقع خير شاهد لما أقول: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد﴾ [غافر:44]
فلا داعي لإنشاء مثل هذه التجمعات سواء سموها جمعية أومؤسسة أوندوة أورابطة أونحوها لأن مؤداها واحدة وهي الحزبية المغلفة غلفها الجهل والتلبيس.)) أنتهى
(1)أنظر تعريف حد الفرض الكفاية في روضة الناظر وجنة المناظر
للإمام عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي أبو محمد (ج 1 / ص 208) المكتبة الشاملة
(2) الجـمعـيّـات حركة بلا بركة لأبي الحسين الجاوي الإندونيسي وفقه الله
(3) المستصفى في علم الأصول للإمام محمد بن محمد الغزالي أبو حامد المكتبة الشاملة
.....يتبع إن شاء الله
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags - تاق )
خطر ، الجمعيات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:36 AM.


powered by vbulletin