لا تكن منهم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فهذه تنبيهات على أحوال بعض الناس لتجتنب، ويسلك طريق الحق والصواب.
1- بعض الناس يحسنون التنظير، ويتكلمون بما يوافق الحق، ولكن عند التطبيق لا يفعلون ولا يطبقون ما يتكلمون به، بل ربما خالفوه أشد المخالفة، فيظهر لك أنهم مجرد مرددين لكلام سمعوه أو حفظوه، لكنهم لم يفقهوه حقيقة، ولا خالط قلوبهم.
فـ العلم يهتف بالعمل .... فإن أجابه وإلا ارتحل
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال:
الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟!". رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه وغيرهم من طرق وهو حديث صحيح. [الصحيحة:291].
2- بعض الناس لا يحسنون التنظير، ويتكلمون بالباطل، ويعملون بمخالفة الحق، فهؤلاء أمرهم ظاهر، وضلالهم واضح.
3- بعض الناس يغترون بالجاهل والمتعالم.
فاحذر الجاهل، واحذر المتعالم الذي يتكلم بغير علم ولا بصيرة، واحذر من قطاع الطرق وهم دعاة الشر والسوء وإن ادَّعوا أنهم على الحق، فالميزان عند أهل السنة: الكتاب والسنة على فهم السلف.
وعلماء السنة الصادقون هم أهل العلم والعمل والبصيرة {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.
4- بعض الناس يغترون بالتزكيات حتى مع علمهم بخطأ المزكِّي، أو تبدل وتغير حال المزكَّى.
فالتزكية شهادة من الخلق على ظاهر الشخص، وأمر الباطن بينك وبين الله، فلا تغتر بالتزكيات، ولا تخدع نفسك بها، ولا تغر غيرك بها، وقد تكون مستحقا للتزكية في وقت، غير مستحق لها في وقت آخر، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
وإنما يزكي المرء علمه وعمله بتوفيق من الله وحفظ ورعاية وتثبيت على الحق، فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله.
فاحرص أيها السلفي على طلب التزكية من الذي بيده مفاتيح القلوب علام الغيوب، ومِن الذي يزكي النفوس ويطهرها، والذي يعلم سرها وخبيئها.
فإن وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح وأبعد عنك الذنوب والمعاصي فهذا علامة على صلاح نفسك فلا تغتر، ولا تأمن مكر الله، وكن سائرا إلى الله بمحبتك وإيمانك ويقينك وتقواك، بين الخوف والرجاء.
والأصل أن من زكاه عالم معتبر، وكان ظاهر المزكَّى على الخير والسلامة فالتزكية هنا من علامات الخير، ووسام شرف لهذا المزكَّى ومع ذلك لا يغتر.
وأما من زكاه عالم معتبر ثم تغير أو ظهر من باطنه خلاف ما عرفه العلماء ظهورا جليا فالعبرة بما يكسبه العبد وما يظهره ولا نتعامى عن الواقع لأمر محتمل وليس فيه العصمة.
وأما من كان ظاهره الخير والسلامة ولم يحصل على تزكية لكونه غير معروف في غير بلده فلا يجرح ولا يطعن فيه إلا بما كسبت يداه، ولا يكون مرجعا للناس حتى يظهر علمه وفضله فيذعن بذلك أهل العلم ويقرونه ولا ينكرونه، أو يصرحون بتزكيته.
ولا تقبل التزكية إلا ممن كان مستقيما أهلا للتزكية بما له من علم وفضل وتجرد للحق.
وفقني الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
أسامة بن عطايا العتيبي
17/ 6/ 1437 هـ