منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > منبر الحديث الشريف وعلومه

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-24-2012, 10:54 PM
أبو عبيدة طارق الجزائري أبو عبيدة طارق الجزائري غير متواجد حالياً
طرد لأنه من المتحزبين للحجوري المبتدع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشاركات: 338
شكراً: 9
تم شكره 13 مرة في 12 مشاركة
افتراضي نشأة علم نقد الحديث



نشأة علم نقد الحديث

1 - الأسباب التي دعت إلى الاهتمام بنقد الحديث :
إن ظهور الإسناد في علم الحـديث النبـوي كان سـببه الأسـاسي المشكلات التي أثيرت في المجتمعات الإسلامية من قبل بعض الذين دخلوا في الإسلام غير مخلصين ، دخلوا فيه لأهداف ولكـن بشاشته لـم تخالط قلوبهم ، بل كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على هذا الدين . وقد اختاروا لأهدافهم المشبوهة طريقة التظاهر بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين ، والكذب عليه -صلوات الله وسلامه عليه- . وقد وجدوا في شمال الجزيرة العربية أرضا خصبة لزرع الفتن وبث السموم وانتحـال الكذب فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الفتنة من هاهنا: الفتنة من هاهنا ، الفتنة من هاهنا ، من حيث يطلع قرن الشيطان . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أهل المدينة و أهل البصرة و أهل الشام وأحاديثهم: وأما أهل الكوفة فلم يكن الكذب في أهل بلد أكثر منه فيهم .

ففي زمن التابعين كان بها خلق كثيرون منهم ، معروفون بالكذب ، لا سيما الشيعة فإنهم أكثر الطوائف كذبا باتفاق أهل العلـم .
ولأجل هذا يذكر عن مالك وغيره من أهل المدينة أنهـم لـم يـكونوا يحتجون بعامة أحاديث أهل العراق، لأنهم قد علموا أن فيهـم كذابين ولم يكونوا يميزون بين الصادق والكاذب . وكان الرافضة ينتحلون الكذب على أهل البيت .
وبالأخص عبد الله بن سبأ الذي وضع لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي بالخلافة ، وأنه ظلم ومنع حقه . وقال: إنه كان معصوما . وغرض الزنادقة بذلك هدم الإسلام . وحدثت بدعة الخوارج المتعلقة بالإمامة والخلافة وتوابع ذلك من الأعمال والأحكام الشرعية .
ثم كانت خلافة معاوية -رضي الله عنه- ووجد في عصره -رضي الله عنه- ما وجد من المشكلات والخـلافات ، فلما توفي معاوية -رضي الله عنه- جاءت إمارة يزيد ، وجرت فيها فتنة قتل الحسين بالعراق وفتنة أهل الحرة بالمدينة وحصر مكة عند قيام عبد الله بن الزبير . ثم مات يزيد وتفرقت الأمة: ابن الزبير بالحجاز ، وبنو الحـكم بالشام ووثب مختار بن أبي عبيد وغيره بالعراق وذلك في أواخـر عصر الصحابة .
وحدثت بدعة القدرية والمرجئة فردها بقايا الصحابة مع ما كانوا يردونه من بدعة الخوارج والروافض .
وظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: ثم يفشو الكذب حتـى يشـهد الـرجل ولا يسـتشهد ويحلف ولا يستحلف وحدثت ثلاثة أشياء: الميل إلى الـرأي ، والـكلام ، والتصـوف . وحدث التجهم وهو نفي الصفات ، وحدث بإزائه التمثيل . وكذلك المبتدعة والمنحرفون كانوا يبحثون عن مستندات عن النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم . وكان جمهور أهل الرأي من الكوفة ، إذ هو غالب على أهلها مع ما كان فيهم من التشيع الفاحش وكثرة الكذب في الرواية مع أن في خيار أهلها من العلم والصدق والسنة والفقه والعبادة أمرا عـظيما . لـكن الغرض أن فيها نشأ كثرة الكذب في الرواية فقد روي عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري أنه قال: جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة رضي الله عنها ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ليالي قتل علي ، فقالت له يا عبد الله بن شداد : هل أنت صادق عمـا أسـألك عنـه ، تحدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ؟ قال: وما لي لا أصدقك؟ قالت فحدثني عن قصتهم إلى أن قالت: فما قول علي حين قام عليه ، كما يزعم أهل العراق ؟ قال سمعته يقول: صدق الله ورسوله . قـالت: هل سمعت منه أنه قال غير ذلك ؟ قال اللهم لا ، قالت: أجل ، صدق الله ورسوله ، يرحم الله عليًّا إنه كان من كلامه لا يرى شيئا يعجبه إلا قال: صدق الله ورسوله فيذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون في الحديث .
وقد روى ابن سعد عن سليمان بن الربيع أنه دخل هو ونفر مـن أصحابه من أهل البصرة على عبد الله بن عمرو بن العاص ، فطلبوا منه أن يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم: ممن أنتم ؟ قـالوا: مـن أهـل العراق .
قال : إن من أهل العراق قوما يكذبون ويكذبون ويسخرون وقد قال عبد الرحمن بن مهدي لمالك : يا أبا عبد الله ، سمعنا في بلدكم المدينة أربع مائة حديث في أربعين يوما ونحن في العراق في يوم واحـد نسمع هذا كله . فقال له: يا عبد الرحمن ومن أين لنا دار الضرب التي عندكم . وعن النعمان بن راشد قال: سمعت الزهري يحدث بحديث زيد بن أنيسة فقلت: يا أبا بكر ، من حدثك بهذا؟ قال: أنت حدثتنيه ، ممن سمعته؟ فقلت رجل من أهل الكوفة قال: أفسدته ، إن في حديث أهل الكوفة دغلا كثيرا .
وقال الحسن بن الربيع : سمعت ابن المبارك يقول: ما دخلت الشام إلا لأستغني عن حديث أهل الكوفة . وقال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي : سـمعت عبد الله بـن إدريس الكوفي يقول: قلت لأهل الكوفة : يا أهل الكوفة ، إنما حديثكم الـذي تحدثونه في الرخصة في النبيذ ، عن العميان والعوران والعمشان ، أين أنتم عن أبناء المهاجرين والأنصار .
ولم يكن الزنادقة أقل نصيبا في الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فعبد الكريم ابن أبي العوجاء وضع أحاديث كثيرة بأسانيد يغتر بها من لا معرفة له بالجرح والتعديل ، وفي بعضها تغيير أحكام الشريعة وهو الذي أفسد على الرافضة صوم رمضان بالهلال . و
ردهم عن اعتبار الأهلة بحساب وضعه لهم ونسب ذلك الحساب إلى جعفر الصادق . ورفع خبر هذا الضال إلى جعفر محمد بن سليمان عامل المنصور على الكوفة فأمر بقتله فقال: لن يقتلوني ، لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحللت بها الحرام وحرمت بها الحلال وفطرت الرافضة في يوم من أيام صيامهم وصومتهم في يوم من أيام فطرهم . واشتهرت كذلك المشبهة الحشوية في وضع الحديث وكذلك النَّظَّام المعتزليّ طعن في أخبار الصحابة والتابعين من أجـل فتاويهم بـالاجتهاد وعاب أصحاب الحديث وروايتهم أحاديث أبي هريرة . وزعـم أن أبـا هريرة كان أكذب الناس . وطعن في الفاروق عمر رضي الله عنه ، وزعم أنه شك يوم الحديبية في دينه ، وما إلى ذلك من المخالفات التي حكاها عنه المؤرخون في أخبار الصحابة وفي أهل بيعة الرضوان

2 - صغار الصحابة يحتاطون في قبول الحديث :
ولذلك نجد أن صغار الصحابة الذين رأوا شيوع الكذب في الحديث النبوي أخذوا يحتاطون ويشددون في قبوله .
فقد روى لنا مسلم في مقدمة صحيحه عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه فقال: يا ابن عباس : ما لي لا أراك تسمع لحديثي ، أحـدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسـمع؟ فقال ابن عباس : إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ، ابتدرت أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا ، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا شعبة عن سمان عن عكرمة سـمع ابن عباس يقول إذا حدثنا ثقة عن علي فتيا لم نَعْدُهْ .
وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه أيضا عن محمد بن سيرين أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم .
وابن سيرين من كبار التابعين ، وقد استعمل صيغة الجمـع للماضي البعيد فلا يكون قصده إلا الصحابة الذين شاهدوا الفتن ورأوا شيوع الكذب .
ولذلك شاعت في زمنهم هذه القاعدة: إن هذه الأحـاديث ديـن فانظروا عمن تأخذونها .
ومن الدليل على استفحال الأمر وشيوع الكذب على الـرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة العامة إلى الاحتياط في قبول الحديث ما رواه لنا مسلم في مقدمة صحيحه أيضا عن ربعي بن حراش أنه سمع عليا رضي الله عنه يخطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكذبوا عليَّ فإنه من يكذب عليَّ يلج النار .
فإن ربعي هذا تابعي كبير من الكوفة والغالب على الظن أنه سمع عليا يخطب في الكوفة .
وقال مسلم : حدثنا علي بن ربيعة قال أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة على المنبر ، قال فقال المغيرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن كذبا عليَّ ليس ككذب على أحد ، فمن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .
وقد ذكرنا في بحث (البوادر الأولى لنقـد الحـديث) أن عددا مـن الصحابة تكلموا في الجرح والتعديل منهم: عبد الله بن عباس (68 هـ) وأنس بن مالك (92 هـ) وعائشة (52 هـ) وعمران بن حصين (52 هـ) وأبو هريرة (59 هـ) وعبد الله بن عمرو بن العاص (65 هـ) وعبد الله بن عمر (73 هـ) وأبو سعيد الخدري (74 هـ) .

3 - نقد الحديث في دور التابعين :

ثم جاء دور كبار التابعين ، وخلفوا هذا العلم من الصحابة ، وسلكوا مسلكهم واختاروا سنة نبيهم وسنة أصحابه ورفعـوا هذا الصرح بوضع لبنات أخرى؛ لئلا يجترئ كذاب أو منافق أو ملحد من إدخال المكذوبات في السنن النبوية الطاهرة الزكية ، وخصوصا بعد أن وجدت فرق ضالة مضلة وآراء ملحدة في دين الله ، ومنافقون ظاهرو النفاق يريدون أن يبثوا سمومهم ويجعلوا من هذا الأصل الإسلامي الثاني ظلاما حالكا لا يرى فيه الحق من الباطل .
قال السخاوي : وتكلم في الرجال ، كما قاله الذهبي ، جماعة من الصحابة ثم من التابعين كالشعبي وابن سرين ولكنه في التابعين بقلـة؛ لقلة الضعف في متبوعيهم؛ إذ أكثرهم صحابه عدول وغير الصـحابة من المتبوعين أكثرهم ثقات . ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض في الصحابة وكبار التابعين ضعيف إلا الواحد بعد الواحد كالحارث الأعور (65 هـ) والمختار الكذاب (67 هـ) - وقال أبو حاتم ابن حبان : ثم أخذ مسلكهم (مسلك الصحابة) واستن بسنتهم واهتدى بهديهم فيما استنوا من التيقظ في الروايات جماعة من أهل المدينة من سادات التابعين منهم: سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر وعلي بن الحسين بن علي وأبو سلمة بن عبد الرحمن بـن عـوف وعبيد الله بن عتبة وخارجة بن زيد بن ثابت وعروة بن الزبير ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وسليمان بن اليسار . فجدوا في حفظ السنن والرحلة فيها والتفتيش عنها والتفقه فيها .
وقال: ثم أخذ عنه العلم وتتبع الطرق وانتقاء الرجال ، ورحل في جمع السنن جماعة بعدهم ، منهم: الزهري ، ويحيى بن سـعيد الأنصاري ، وهشام بن عروة وسعد بن إبراهيم في جماعة معهم من أهل المدينة إلا أن أكثرهم تيقظا وأوسعهم حفظا وأدومهم رحلـة وأعلاهم همـة الزهري - رحمة الله عليه .
ومن المعلوم بالضرورة لكل مطلع على حركة سير الحديث النبوي نحو الجمع والتدوين والتمييز والتنقيح ، أنه لم يكن في ذلك العصر خط فاصل بين الجمع والتدوين والنقد والتمييز ، فكل من كان إماما في الحـديث كان مهتما بالنقد وأصوله ومعرفة أحوال الرواة والانتباه للأسباب والعلل التي كانت تتسبب للوهن في الحديث أو الضعف في الراوي ومروياته .

4 - النقد في عصر أتباع التابعين :
ومن هذه الطبقة أخذ كبار التابعين وصغارهم ، فمن الكبار بـالمدينة مالك بن أنس (93-179 هـ) وبمـكة : سـفيان بـن عيينـة (107 / 198 هـ) وبالكوفة : الثوري (97-161 هـ) وبالبصرة : شعبة (82- 160 هـ) وحماد بن زيد (98- 179 هـ) وبالشام : الأوزاعـي (88-158 هـ) ومن الصغار بـالكوفة : وكيـع بـن الجـراح (127-197 هـ) وابن نمير (115- 199هـ) وبالبصرة : يحيى بن سعيد القطان (125-198هـ) وعبـد الـرحمن بن مهـدي (125- 198 هـ) وبالشام : أبو إسـحاق الفـزاري (- 185هـ) وأبو مسمهر (140-218 هـ) وبخـراسان : عبـد الله بـن المبـارك (118-181 هـ) .
ذكر ابن حبان البستي جهود التابعين في حفظ الحديث وتنقيته ثم قال: ثم أخذ هؤلاء مسلك الحديث وانتقاء الرجال وحفظ السنن والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين والفقهاء في الدين .
ثم ذكر الثوري ومالك بن أنس وشعبة والأوزاعي وحماد بن سلمة والليث وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وقال: إلا أن من أشدهم انتقاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها حتى جعلوا ذلك صناعة لهـم لا يولونها بشيء آخر ثلاثة أنفس: مالك والثوري وشعبة .
وقال: ثم أخذ عن هؤلاء بعدهم الرسم في الحـديث والتنقير عن الرجال والتفتيش عن الضعفاء والبحث عن أسباب النقل جماعة . ثـم ذكر ابن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن إدريس الشافعي وقال: إلا أن من أكثرهم تنقيرا عن شـأن المحـدثين وأتركهم للضعفاء والمتروكين- حتى جعلوا هذا الشـأن صـناعة لهـم لم يتعدوها إلى غيرها مع لزوم الدين والورع الشديد والتفقه في السنن - رجلان يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي .
فمن جرحاه لا يكاد يندمل جرحه ، ومن وثقاه فهو المقبـول ومـن اختلفا فيه ، وذلك قليل ، اجتُهِدَ في أمره .

5 - نُبَذ عن الأئمة النُّقَّاد في عصر التابعين :
ومن المناسب ذكر نبذة عن كل من الذين مرت أسماؤهم حتى يتبين مدى دورهم ومكانتهم في نقد الحديث .
أ- أما مالك : فقد كان إماما في الحـديث وقد جَرَحَ وعدَّل .
وقال أحمد بن حنبل : مالك أثبت في كل شيء . وقال يحيى بن سعيد القطان : سألت مالك بن أنس عن إبراهيم بن أبـي يحيى كان ثقـة؟ قال: لا ، ولا ثقة في دينه - وقال عبد الرحمن بن قاسم: سألت مالكا عن ابن سمعان فقال كذاب - وقال ابن وهب : وذكر اختلاف الأحاديث والروايات فقال: لولا أني لقيت مالكا والليث لضللت .
وقد وضع رحمه الله منهاجا دقيقا لتعديل الرواة وجرحهم . فقد ذكر الرامهرمزي بسنده إليه يقول: لا يؤخذ العلم عن أربعة ويؤخذ ممن سوى ذلك
1 - لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه .
2 - ولا من سفيه معلن بالسفه يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3 - ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4 - ولا من رجل له فضـل وصـلاح وعبـادة إذا كان لا يعـرف ما يحدث .
وقد روى الخطيب بسنده قال: كان مالك بن أنس يقول: لا تأخذ العلم عن أربعة ، وخذ ممن سوى ذلك:
1 - لا تأخذ العلم من سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس .
2 - ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذا جرب ذلك عليه وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3 - ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه .
4 - ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يُحَدِّث .
ب- أما سفيان بن عيينة : فقد قال عبد الرحمن بن مهدي : كان سفيان بن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز . وقال الشافعي : مالك وسفيان قرينان ، وقال ابن حنبل : ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنن من سفيان بن عيينة .
ج- وأما سفيان الثوري : فقد قال المبارك : لا أعلم على وجـه الأرض أعلم من سفيان الثوري .
وقال شعبة : إذا خالفني سفيان في حديث فـالحديث حـديثه . وقال ابن عيينة : الرجال ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه . وقال محمد بن يحيى عن محمـد بـن يـوسف قـال: كان سفيان الثوري يقول: فلان ضعيف وفلان قوي وفلان لا تأخذوا عنه .
د- وأما شعبة : فقد أجمعوا على إمامته في الحديث وجـلالته وتحريه وإتقانه واحتياطه . قال أحمد بن حنبل : كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني علم الحديث وأحوال الرواة .
وقال ابن مهدي : شعبة إمام في الحديث وكان سفيان يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث وقال يحيى بن سعيد : كان شعبة أعلـم الناس بالرجال . وقال عبد الرحمن : سمعت أبي يقول: إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة إلا نفرا بأعيانهم . قيل لأبي: ألم يكن للثوري بصر بالحديث كبصر شعبة ؟ قال: كان الثوري قد غلب عليـه شهوة الحديث وحفظه ، وكان شعبة أبصر بالحديث وبالرجال . وكان الثوري أحفظ وكان شعبة بصيرا بالحديث جـدا فهما كأنه خلق لهـذا الشأن . وقال المنهال بن بحر : سمعت شعبة يقول: انـظروا عمـن تكتبون ، اكتبوا عن قرة بن خالد وسليمان بن المغيرة .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : قيل لشعبة : متـى يتـرك حـديث الرجال؟ قال:
1 - إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر .
2 - وإذا أكثر الغلط .
3 - وإذا اتهم بالكذب .
4 - وإذا روى حديث غلط مجتمع عليه ، فلم يتهم نفسه ، طرح حديثه وما كان غيره ذلك فارْوِ عنه .
هـ- وأما يحيى بن سعيد القطان : فقد اتفقوا على إمامته وجلالته ووفور حفظه وعلمه وصلاحه . قال أحمد بن حنبل : ما رأيـت مثل يحيى بن القطان في كل أحواله .
وقال أيضا: يحيى القطان إليه المنتهى في التثبت بالبصرة وهو أثبت من وكيع وابن مهدي وأبـي نعيم ويزيد بن هارون .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : هو الذي مهد لأهل العراق رسـم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء .
وقال أبو الوليد : ما رأيت أحدا كان أعلـم بـالحديث ولا بالرجال من يحيى بن سعيد .
وقال أبو بكر بن خلاد : قلت ليحيى بن سعيد القطان : أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله عز وجل ؟ قـال لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إلي من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خصمي ، يقول لي: لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذب عن حديثي .
و- وأما عبد الرحمن بن مهدي : فهو إمام أهل الحـديث في عصره والمعول عليه في علوم الحديث ومعارفه . قال ابن المديني غير مرة: والله لو أخذت وحلفت بين الركن والمقام لحلفت بالله أني لـم أر قط أعلم بالحديث من عبد الرحمن بن مهدى .
وقال ابن معين : ما رأيت رجلا أثبت في الحديث من ابن مهدي .
وقال ابن حنبل : كأن ابن مهدي خلق للحديث ، وقال ابن المديني : جاء رجل إلى ابن مهدي فقال: يا أبا سعيد إنك تقول: هذا ضعيف ، وهذا قوي ، وهذا لا يصح فعـمَّ تقول ذلك؟ فقال ابن مهدي : لو أتيت الناقد فأريته دراهم ففال هذا جيد ، وهذا جيد ، وهذا ستوق ، وهذا بهرج ، أكنت تسأله عـم ذلك . أم تسلم الأمر إليه فقال: بل كنت أسلم الأمر إليه فقال ابن مهدي : هذا كذاك ، هذا بطول المجالسة والمناظرة والمذاكرة والعلم به .
وقال ابن مهدي : المحدثون ثلاثة: رجـل حـافظ متقـن . وهـذا لا يختلف فيه ، وآخر يوهم والغالب على حديثه الصحة وهذا لا يترك حديثه والآخر يوهم والغالب على حديثه الوهم فهذا متروك الحديث

6- ظهور التقعيدات العامة للنقد :
وقد أصبحت هذه الأقوال وأخرى أمثالها للأئمة الآخرين من هذه الطبقة بمثابة الشروط والتقعيدات العامة للجرح والتعديل . ومـن هـذه الأقوال قول سفيان الثوري : لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم الذين يعرفون الزيادة والنقصان ولا بأس ما سوى ذلك من المشايخ .
وقال عبد الله بن عون : لا نكتب الحديث إلا ممن كان عندنا معروفا بالطلب .
وقال الشافعي : ويكون المحدث عالما بالسنة ، ثقة في دينـه ، معروفا بالصدق في حديثه ، عدلا في ما يحدث ، عالما بما يحمل مـن معاني الحديث بعيدا عن الغلط ، أو يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه لا يحدث على المعنى .
ويكون حافظا إن حدث من حفظه حافظا لكتابه إن حدث من كتابه: يؤمن أن يكون مدلسا ، يحدث عمن لقي بما لم يسـمع أو يحـدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحدث الثقات بخلافه عنه صلى الله عليه وسلم ويكون هكذا في حديثه حتى ينتهي بالحديث موصولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال أيضا: لا تقبل من مدلس حـديثا حتى يقـول: سـمعت أو حدثني ومن كثر تخليطه من المحدثين .
وقال عبد الله بن المبارك : بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد .
وقال أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى الطالقاني: قلت لعبد الله بن المبارك يا أبا عبد الرحمن الحديث الذي جـاء: إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك قال: فقال عبد الله : يا أبا إسحاق عمن هذا؟ قال: قلت هذا في حديث شهاب بن خراش . فقال ثقة ، عمن قال: قلت عن الحجاج بن دينار قال ثقة . عمن قال: قلت قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا إسحاق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي .
وقال علي بن إبراهيم المروزي: سئل ابن المبارك عن العدل فقال:
من كان فيه خمس خصال: يشهد الجمـاعة ولا يشرب هـذا الشراب (النبيذ) ولا تكون في دينه خربة (وفي نسخة خزية) ولا يكذب ولا يكون في عقله شيء .
فأنت ترى هذه الأقوال تشمل جل القواعد الأساسية لجرح الرجال أو تعديلهم .
وهناك أقوال أخرى للأئمة الآخرين الذين يعدون من الطبقة التي بعدها ولذلك لم نذكرها التزاما بذكر رجال الـطبقة التـي تلـت بعـد التابعين ، وإلا فالحقيقة أنه لا يمكن وضع حد فاصل زمني بين صدور هذه الأقوال وظهور هذه الأسس من رجال هذه الطبقة والتي تليها .
وفي الجملة: هذه الشروط وأمثالها الأخرى هي التي أصبحت نبراسا لمن جاءوا بعدهم من المحدثين وأصبحت بمثابة الأصول والقواعد لهـم . ثم ظهرت فروع وتفاصيل .
ولهذا تبين لنا الأسباب التاريخية لنشأة علم نقد الحديث والدواعي الدينية لتصدي الأئمة للكلام على الرجال بالجرح أو التعديل والبحث في إسناد الحديث والقيام بالرحلات المضنية في طلب الحديث وسماعه من الراوي الأصل والتثبت منه ثم عرضه على رواية غيره من أهل الحفـظ والإتقان لقبوله إذا كان موافقا ، أو رفضه إذا كان الأغلب على حـديثه المخالفة .
والله ولي التوفيق



نشأة علم نقد الحديث للدكتور محمد لقمان السلفي .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-25-2012, 09:38 AM
أبو أوس فلاح الموصلي أبو أوس فلاح الموصلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
المشاركات: 30
شكراً: 1
تم شكره 0 مرة في 0 مشاركة
افتراضي

بوركت وجزاك الله خيرا على هذه الدرر الغالية
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:59 PM.


powered by vbulletin