عبد السلام الأسمر تحت الخط الأحمر

[مشرف معهد البيضاء العلمي]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فإن الواجب على كل مسلم الاعتناء بأهم المهمات وأوجب الواجبات وهو توحيد رب السموات والتحذير من إتخاذ الأنداد وشرك أهل الإشراك و يلزم من ذلك علينا أن نعتني بهذا الأمر كتابة و تأصيلا وردا للشبهات المثارة .

وحين قرأت مقالا في صحيفة الوطن الليبية احتفى به كاتبه بالأسمر وأسهب في الإطراء عليه ورأيت من تعليق المتصوفة ما رأيت من الغلو وحجبت تعليقاتي مرتين ولستُ أدري أيفعل ذلك بالثالثة أم لا عزمت على كتابة سلسلة تعريفية بعبد السلام الأسمر من رسائله وما ذكره مريديه عنه ليتسنى للقارئ المسلم معرفة هذه الشخصية الصوفية التي تثار حولها الكثير من الجدل وكانت بعنوان

عبد السلام الأسمر تحت الخط الأحمر

الحلقة الأولى / المقدمة

في البلاد الليبية عظمت فتنة رجل صوفي توفى من عدة قرون أخذ الناس قبره عيدا وعبدوه من دون الله – جهلا بحكم ما يصنعون – وهو المدعو عبد السلام الأسمر الذي سكن مدينة زليطن والذي قال عنه الدكتور سيف الإسلام " إن أكبر مكان يكفر فيه بالله في ليبيا جهارا نهارا هو قبر هذا الرجل " [1]

فما كان من الدعاة الصادقين إلا التوجه لله وحده بالدعاء أن ينقذ إخوانهم وأهليهم من نار وقودها الناس والحجارة والتحذير أشد التحذير من الشرك بالله بمختلف أنواع الإشراك والصدع بالحق رغم الظروف الصعبة التي يعيشها أهل السنة في هذه البلاد ، وتخذيل المخذلين على رأسهم الداعية الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي الذي مر أمام ضريحه وجلس في المسجد الذي به الضريح ليلقي فيها محاضرة مهمة بعنوان [ صفات الداعية الناجح ] !! .

فمن هو عبد السلام الأسمر ؟
وما هي أقواله وأفعاله ورسائله ؟
وماذا قال الغلاة عنه ؟

وهو عبد السلام الأسمر الفيتوري نسبا الزليطني موطنا ويُزعم أنهم – الفواتير - من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ولست بصدد تأكيد هذا أو نفيه بقدر أن يُعلم أن صحة النسبة لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليست دليلا على صحة المسلك
وإن ترددت في قبول هذا فلعلك فأذكرك بأبي لهب وكيف تبت يداه وتب وأنه يصلى نارا ذات لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم
وكما أذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها ابنته (( يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنك من الله شيئا )) [2]

وما أحسن من قال

لعمرك ما المرؤ إلا ابن دينه ****** فلا تترك التقوى إتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ***** و قد حط بالشرك النسيب أبا لهب

جاء في فتح العلي الأكبر في تاريخ حياة عبد السلام الأسمر صـ 27 [3] :
قال صاحب مختصر البرموني ، نقلا عن الشيخ المكي في صغيره ما نصه :
(( وكان لا يحب البنادير ولا أهلها ولا المجاذيب ولا قربهم ، وكان يغسل الحصير التي يجتمع عليها الفقراء ويشدد في الإنكار عليهم ، وشيخه ينهاه عن ذلك مرة بعد المرة . ثم ذات يوم قصد زيارة قبور أجداده أولاد سليمان السبعة ، فلما وصل وجد بإزاء قبورهم طائفة من المغاربة يضربون الدفوف وينشدون أشعاراً منسوبة للشيخ ممشاد الدينوري .

قال أخونا في الله سيدي أحمد الشريف المسلاتي : لمّا سمعهم سيدي عبد السلام خر مشغيا عليه ، وأخذه حال البكاء والجذب ، وبقي يشطح حتى أصابه حال عظيم . وأمر الطائفة أن يضربوا له الدفوف إلى أن بلغ ذلك الشيخ الدوكالي .

فتغير من ذلك ثم قال : لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يضل من يشاء . ثم أمر العبيد بالإتيان به ، فأتوا به مغلالا و وضعه في السجن وجعل عليه حراسا

وجاءت إلى جماعة من الأشراف والقبائل وطلبوا منه إطلاقه من السجن وإعطاءه الإذن له في ضرب البندير فامتنع ، وقال : من أعان إنسانا على معصية كان شريكا له فيها ، لأن ضرب البندير معصية وليس بقربى .

إلى أن قال لهم إن الله لا يعبد بالشطح ولا بالردح ولا بالدفوف ولا بالكفوف ))

قلتُ : يتبين لك مما سبق أن أصل بدعة السماع لم تأتي عن العلماء ولا عن أهل الفضل وكان ماذكره الدوكالي يدل على أن الإسلام في ليبيا والفقه وعلومه موجودة ولطالما أعجبني رد الدوكالي حين قال إن الله لا يعبد بالشطح ولا بالردح ولا بالدفوف ولا بالكفوف وإن كان صاحبه انغمس بعد ذلك في بدعتهم .

وبالجملة يستفاد مما ذكر :

- أولا : إن العلماء في ليبيا قبل عدة قرون كانوا يرون حرمة استعمال المعازف ولم يستثنوا الدفوف إلا في الأعراس للحديث الوارد في ذلك
- ثانيا : أن التصوف دخيل عليهم وكان الأمر على الكتاب والسنة وعلى مذهب مالك رحمه الله ولا أدل على ذلك من ما أثر عن سحنون قوله (( رأيت بطرابلس رجالا ما الفضيل أفضل منهم )) .
- ثالثا : أنهم يرون قبل فتنة الأسمر ومن تابعه من مريديه أو خصومه من أشياخ الطرق الأخرى على بدعة وضلال وأنهم خالفوا طريقة الكتاب والسنة


واقرأوا إن شئتم هذه المحاورة بين الدوكالي وشيخه فتح الله القيرواني حينما جاء يعاتبه في أمر وثاق الأسمر [4] (( ثم قال سيدي فتح الله : ما بالك يا عبد الحميد مع تلميذك عبد السلام ؟ فقال له : عبد السلام ابتدع وركبه الجنون ورفض مذهب أهل السنة وطريقة الكتاب والسنة وعبد السلام خالف واتبع طريق الزفافين أهل الدفوف والكفوف والشيء الذي لا يعني ))

قلتُ : إن الدوكالي لمّا قال عبد السلام ابتدع وركبه الجنون . لم يخطي الوصف ، وشطحة الأسمر جاءت لنظره لأصحاب الطرق وما يقولون ولم تأتي بعد النظر في الكتاب والسنة ولا في كلام أئمة المذهب المالكي ولا في فن من فنون العلم إنما رأى متصوفة يضربون فكأنه مس من الشيطان مسا فأصبح صريعا وبذلك تؤكد من جذبه ! فأي عاقل يقبل مثل هذا الكلام السخيف ولذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله مقالات في الصوفية شديدة منها .

ما رواه البيهقي في مناقب الشافعي عن الشافعي قوله : لو أن رجلا تصوف أول النهار لا يأتي الظهر إلا وهو أحمق . [5]

يتبع إن شاء الله

[1] - حكاية عن قوله في جلسة منشورة على الشبكة في لقاءه بأعيان مدينة الجغبوب
[2] - متفق عليه
[3] - للشيخ الطيب بن طاهر المصراتي وقد تاب في آخر عمره من هذا الدجل فرحمه الله رحمة واسعة
[4] - في فتح العلي الأكبر في تاريخ حياة عبد السلام الأسمر صـ 28
[5] - مناقب الشافعي للبيهقي ( 2/207 )