بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد :
فقد سئل الإمام أبو عبد الله محمد بن سحنون [202هـ-256هـ] كما في [فتاوى ابن سحنون (ص438–439)] عن تارك الصلاة من غير عذر وما حكمه؟
قال -رحمه الله-:
((ذلك على وجهين:
إذا جحد وجوبها وقال: ليست بواجبة عليّ ولا على أحد، أو أنكر وجوب الوضوء أو الصوم أو الزكاة، أو جحد فرضاً من فرائض الإسلام أي فرض كان، فحكمه حكم المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب وتمادى على جحده قُتل كفراً،
واختلف في ماله، فقيل: يكون في بيت مال المسلمين إن كان بيت المال صالحاً،
وإن كان ظلوماً غشوماً فيفرق بين الفقراء والمساكين،
وقيل: ماله لورثته من المسلمين.
وإن ترك الصلاة تهاوناً بها وعجزاً وتفريطاً، وهو مقر بوجوبها، فإنه يؤدب ويعاقب عقوبة شديدة ؛ لأن ترك الصلاة من أكبر الكبائر وأعظم الذنوب عند الله تعالى، وهذا إذا أقر بوجوبها ووعد بفعلها،
وإذا أقر بوجوبها وامتنع من أدائها، وقال: لا أصلي، فإنه يُنظر إلى خروج الوقت الذي أمر فيه بالصلاة، فإن لم يصلها قُتل،
واختلف في قتله،
فقيل: يقتل حدّاً ويدفن في مقابر المسلمين ويرثه ورثته المسلمون، لأنه مؤمن عاص، وعليه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين،
وقيل: يقتل كفراً ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرثه ورثته من المسلمين، ويكون ماله لبيت مال المسلمين، وهو قول ابن حبيب وجماعة من التابعين، وسندهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين العبد المؤمن والكافر ترك الصلاة"، ظاهر الحديث على أي وجه تركها، وقال جمهور العلماء: معنى الحديث: إذا تركها جاحداً لوجوبها)).انتهى
المصدر: فتاوى ابن سحنون، محمد بن عبد السلام بن سعيد التنوخي القيرواني المالكي، دار النشر:دار ابن القيم-الرياض، دار ابن عفان- مصر، ط1، 1432هـ/2011م.
وكان الإمام ابن سحنون -رحمه الله- عالماً حافظاً لمسائل الخلاف بين الصحابة فقد قال عن نفسه كما في أحد أجوبته [فتاوى ابن سحنون (ص163)]: ((بالله الذي لا إله إلا هو ما خفي علي من أهل العلم إختلاف لا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا من عهد الخليفتين، ولا أحد من الصحابة والتابعين إلى طبقة أهل زماننا هذا، ولكن كل ما ذكرناه في هذه الأجوبة إنما هو مذهب أهل المدينة؛ لأنه أكرم المذاهب كلها وأشرفها؛ لأن مذهبنا شديد الاحتياط في الدين)).
وقال كما في أحد أجوبته كما في [فتاوى ابن سحنون (ص367)] عندما قال له تلميذه: ((ما أعلمك برجال أهل العلم؟!، وما أحفظك في الخلاف؟!
فقال: تالله ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على أحد من أهل العلم ممن كان مضى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء بعده إلى عصرنا هذا ممن لا أعرفه وأعرف قوله ومن خالفه، وكأني أنظر إليهم، وكأني أسمع كل واحد منهم، وكأنهم كلهم بإزائي حضوراً...)).
وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ابن سحنون [202هـ-256هـ] بالإمامة وعده قريباً من طبقة الائمة الشافعي وأحمد وابن راهويه كما في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص/512-513) فقال: ((وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهويه[161هـ-238ه] وهو أحد الأئمة يعدل بالشافعي[150هـ-204ه]وأحمد[164هـ-241ه]: "قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئا مما أنزل الله أو قتل نبيا من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بما أنزل الله".
كذلك قال محمد بن سحنون وهو أحد الأئمة من أصحاب مالك وزمنه قريب من هذه الطبقة: "أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر")).