جواز السؤال بوجه الله عند سؤال العالم عن مسألة علمية، وذكر مشهد من مشاهد يوم القيامة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد اختلف العلماء في السؤال بوجه الله، والصحيح أنه جائز، إلا عند طلب أمر منكر، أو في سياق يدل على ضعف تعظيم وجه الله فيما سأله بوجه الله.
ومن أدلة الجواز:
عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، والله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد أولاء، وضرب إحدى يديه على الأخرى (وفي لفظ: بعدد أصابعي هذه) أن لا آتيك، [ولا أتَّبعك]، ولا أتبع دينك.
وإني قد جئت امرأ لا أعقل شيئا إلا ما علمني الله ورسوله.
وإني أسألك بوجه الله(1)، بم بعثك ربنا إلينا؟
قال: «بالإسلام» .
قال: قلت: يا رسول الله وما آية الإسلام؟(2)
قال: «أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخلَّيتُ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة.
وكل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران.
لا يقبل الله من مشرك يشرك بعدما أسلم عملا، أو يفارق المشركين إلى المسلمين(3).
[قلت: ما حق أزواجنا علينا , قال: «أطعم إذا طعمت , واكْسُ إذا اكتسيت , ولا تضرب الوجه , ولا تُقَبِّح , ولا تهجر إلا في البيت».
ثم قال: ها هنا تحشرون وأومأ إلى الشام مشاة وركبانا وعلى وجوهكم]
ما لي أمسك بحجزكم عن النار.
ألا إن ربي داعِيَّ(4) وإنه سائلي: «هل بلغت عبادي؟» وأنا قائل له: «رب قد بلغتهم، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب».
ثم إنكم مدعوون، ومفدَّمة أفواهكم بالفِدام(5)، وإن أول ما يُبين (6) فخذه وكَفُّه».
[توفون سبعين أمة أنتم أخيرها وأكرمها على الله.
وما من مولى يأتي مولاه فيسأله من فضل عنده فيمنعه إلا أتاه يوم القيامة شجاع يتلمظه(7).
وإن رجلا ممن كان قبلكم رغسه الله(8) مالا وولدا حتى إذا مضى عِصار وبقي عصار(9) , فلما حضره الموت , قال لأهله: أي رجل كنت لكم؟ قالوا: خير رجل , قال: لأنزعن كل شيء أعطيتكموه أو لتفعلن ما آمركم به , قالوا: فإنا نفعل ما تأمرنا به , قال: إذا أنا مت , فأحرقوني في النار , فإذا كنت فحما فاسحقوني , ثم اذروني في يوم ريح , فدعاه الله فجاء كما كان , فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك أي رب , قال: فتلافاه(10) وربِّي»].
قال: قلت: يا رسول الله هذا ديننا؟
قال: «هذا دينكم، وأينما تحسن يَكفِك».
رواه معمر في جامعه، والإمام أحمد، والنسائي، والطحاوي في مشكل الآثار، وابن حبان في صحيحه، والروياني، والطبراني في الكبير والأوسط، وغيرهم وهو حديث صحيح، واللفظ من مجموع الروايات. [الصحيحة: 2713].
وهذا الحديث كثير الفوائد:
* وسبق منها بيان جواز السؤال بوجه الله عند سؤال العالم.
* وكذلك فيه مشهد من مشاهد يوم القيامة، وذلك أن الناس يوم القيامة يتكلمون بألسنتهم وأفواههم، ولكن لما ينكر الكافر أو المنافق، أو العاصي ما ارتكب من ذنوب فإن الله يختم على أفواههم، وتتكلم أيديهم وأرجلهم وجلودهم وأسماعهم وأبصارهم بما عملوا، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يس: 65].
وقال الله عز وجل في كتابه: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت: 20-22].
* وفيه أهمية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وكان ذلك واجباً قبل فتح مكة، وكذلك بقي الوجوب في حق من لا يستطيع إظهار شعائر الإسلام في بلاد الكفر، وينتفي الوجوب في حق من يسافر إلى بلاد الكفر للتجارة أو العلاج أو التعليم الذي يحتاجه المسلمون بالضوابط الشرعية، ونحو ذلك.
واختلف العلماء في حكم الإقامة في بلاد الكفر للعمل مع القدرة على إظهار الشعائر، وقدرته على الهجرة إلى بلاد المسلمين، فمنهم من كرهها، ومنهم من حرمها، والسلامة في الإقامة في بلاد المسلمين.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد
كتبه:
الدكتور أسامة بن عطايا العتيبي
8/ 8/ 1438 هـ
الهوامش:
(1) في لفظ: أسألك بالله، وفي لفظ: أنشدك الله، وفي لفظ: فبالذي بعثك بالحق.في لفظ
(2) وفي لفظ: وما آيات الإسلام؟ وفي لفظ: وما الإسلام؟
(3) أي: إلى أن يفارق المشركين ويهاجر من بلادهم.
(4) أي: سيدعوني ويناديني يوم القيامة.
(5) الفدام: شيء يوضع على فم القربة لتصفيتها من الشوائب حال الشرب، والمراد: أن الله عز وجل يختم على أفواه من ينكر ما عمله من سوء فيتحدث فخذه وكفه.
(6) وفي لفظ: يترجم، وفي لفظ: يتكلم.
(7) أي يدير لسانه في فمه ويحركه.
(8) رغسه مالاً وولداً: كثر له وبارك له في المال والولد.
(9) أي ذهب زمان، وجاء زمان آخر.
(10) أي رحمه وغفر له.