[فائـدة] هل الميت يعذب ببكاء أهله عليه ؟ للشيخ الألبـــاني -رحمه الله تعالى-
لا تعارض بين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ]فاطر:18[، وقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه" :
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : في كتابه ( كيف يجب علينا أن نفسر القرءان الكريم ) :
سؤال 3: هناك من يقول: إذا عارض الحديث آية من القران، فهو مردود. مهما كانت درجة صحته، وضرب مثالاً لذلك بحديث "إن الميت ليُعذب ببكاء أهله عليه"1، واحتج بقول عائشة في ردها الحديث بقول الله
عزوجل {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ]فاطر:18[، فكيف يُرد على من يقول ذلك؟
الجواب: رد هذا الحديث هو من مشاكل رد السنة بالقران وهو يدل على انحراف ذلك الخط.
أما الجواب عن هذا الحديث – وأخص به من تمسك بحديث عائشة رضي الله عنها فهو:
أولاً: من الناحية الحديثية: فإن هذا الحديث لا سبيل لرده من الناحية الحديثية لسببين اثنين:
الأول: أن جاء بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما.
الثاني: أن ابن عمر رضي الله عنه لم يتفرد به، بل تابعه على ذلك عمر بن الخطاب وهو وابنه لم يتفردا به، فقد تابعهما المغيرة ن شُعبة، وهذا مما يحضرني في هذه الساعة بأن هذه الروايات عن هؤلاء
الصحابةالثلاثة رضي الله عنهم في الصحيحين.
أما لو أن الباحث بحث يحثاً خاصاً في هذا الحديث فسيجد له طرقاً أخرى، وهذه الأحاديث الثلاثة كلها أحاديث صحيحة الأسانيد فلا تُرد بمجرد دعوى التعارض مع القران الكريم.
ثانياً: من الناحية التفسيرية: فإن هذا الحديث قد فسره العلماء بوجهين:الوجه الأول: أن هذا الحديث إنما ينطبق على الميت الذي كان يعلم في قيد حياته أن أهله بعد موته سيرتكبون مخالفات شرعية، ثم لم ينصحهم ولم يوصهم أن لا يبكوا عليه، لأن البكاء يكون سبباً لتعذيب الميت.
و"ال" التعريف في لفظ "الميت" هنا ليست للاستغراق والشمول، أي: ليس الحديث بمعنى أن كل ميت يُعذب ببكاء أهله عليه، وإنما "ال" هنا للعهد، أي: الميت الذي لا ينصح بألا يرتكبوا بعد وفاته ما يخالف
الشرع، فهذا الذي يعذب ببكاء أهله عليه، أما من قام بواجب النصيحة، وواجب الوصية الشرعية بألا ينوحوا عليه، وألا يأتوا بالمنكرات التي تُفعل خاصة في هذا الزمان، فإنه لا يُعذب , وإذا لم يُوص لم ينصح عُذب.
هذا التفصيل هو الذي يجب أن نفهمه من التفسير الأول لكثير من العلماء المعروفين والمشهورين، كالنووي وغيره، وإذا عرفنا هذا التفصيل، وضح ألا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى} ]فاطر:18[، إنما يظهر التعارض فيما لو فُهم أن "ال" في لفظ "الميت" إنما هي للاستغراق والشمول، أي: كل ميت يُعذب، حينئذٍ يُشكل الحديث ويتعارض مع الآية الكريمة، أما إذا عرفنا المعنى الذي
ذكرناه آنفا، فلا تعارض ولا إشكال، لأن الذي يُعذب إنما يُعذب بسبب عدم قيامه بواجب النصح والوصية، هذا الوجه الأول مما قيل في تفسير هذا الحديث لدفع التعارض المدعي. )
|