الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد فهذه قصيدة لابن حزم الأندلسي رحمه الله في باب{ فصل في التعفف عن اتباع الهوى} [1] : [من المنسرح]:
أقصر عن لهوه وعن طربه ... وعف في حبه وفي غربه
فليس شرب المدام همته ... ولا اقتناص الظباء من أربه
قد آن للقلب أن يفيق وأن ... يزيل ما قد علاه من حجبه
ألهاه عما عهدت يعجبه ...[2]خيفة يوم تبلى السرائر به
يا نفس جدي وشمري ودعي ... عنك اتباع الهوى على لغبه
وسارعي في النجاة واجتهدي ... ساعية في الخلاص من كربه
علي أحظى بالفوز فيه وأن ... أنجو من ضيقه ومن لهبه
يا أيها اللاعب المجد به ال ... دهر أما تتقي شبا نكبه
كفاك من كل ما وعظت به ... ما قد أراك الزمان من عجبه
دع عنك داراً تفنى غضارتها ... ومكسباً لاعباً بمكتسبه
لم يضطرب في محلها أحد ... إلا نبا حدها بمضطربه
من عرف الله حق معرفة ... لوى وحل الفؤاد في رهبه
ما منقضي الملك مثل خالده ... ولا صحيح التقى كمؤتشبه
ولا تقي الورى كفاسقهم ... وليس صدق الكلام من كذبه
فلو أمنا من العقاب ولم ... نخش من الله متقى غضبه
ولم نخف ناره التي خلقت ... لكل جاني الكلام محتقبه
لكان فرضاً لزوم طاعته ... ورد وفد الهوى على عقبه
وصحة الزهد في البقاء وأن ... يلحق تفنيدنا بمرتقبه
فقد رأينا فعل الزمان بأه ... ليه كفعل الشواظ في حطبه
كم متعب في الإله مهجته ... راحته في الكريم من تعبه
وطالب باجتهاده زهر ال ... دنيا عداه المنون عن طلبه
ومدرك ما ابتغاه ذي جذل ... حل به ما يخاف من سببه
وباحث جاهد لبغيته ... فإنما بحثه على عطبه
بينا ترى المرء سامياً ملكاً ... صار إلى السفل من ذرى رتبه
كالزرع للرجل فوقه عمل ... ان ينم حسن النمو في قصبه
كم قاطع نفسه أسى وشجا ... في إثر جد يجد في هربه
أليس من ذاك زاجر عجب ... يزيد ذا اللب في حلى أدبه
فكيف والنار للمسيء إذا ... عاج عن المستقيم من عقبه
ويوم عرض الحساب يفضحه ال ... له ويبدي الخفي من ريبه ثاني
من قد حباه الإله رحمته ... موصولة بالمزيد من نشبه
فصار من جهله يصرفها ... فيما نهى الله عنه في كتبه
أليس هذا أحرى العباد غداً ... بالوقع في ويله وفي حربه
شكراً لرب لطيف قدرته ... فينا كحبل الوريد في كثبه
رازق أهل الزمان اجمعهم ... من كان من عجمه ومن عربه
والحمد لله في تفضله ... وقمعه للزمان في نوبه
أخدمنا الأرض والسماء ومن ... في الجو من مائه ومن شهبه
فاسمع ودع من عصاه ناحية ... لا يحمل الحمل غير محتطبه .
[طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاَّف.]
[1]يعارض ابن حزم بهذه القصيدة (على سبيل التمحيص) قصيدة لأبي تمام، انظر ديوانه 1: 269.
[2]من الآية الكريمة (يوم تبلى السرائر) [الطارق:9].