منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-16-2020, 03:50 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,364
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي أَهميَّةُ العِلمِ وحسْنُ الخلقِ في الدَّعوةِ إِلىٰ الله

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحمدَ للهِ، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ باللهِ من شرورِ أَنفسِنا، ومِن سيِّئاتِ أَعمالِنا، مَن يهدِهِ الله، فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل، فلا هاديَ له، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأَشهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[الأحزاب:70 - 71].
أَما بعدُ:
فإِنَّ أَصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هدي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأُمور مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثَةٍ بدعة، وكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النَّار.
فأَلتقي معكم أَيها الإِخوة الأَكارم في هذه المحاضرة، الَّتي بعنوان ((أَهميَّةُ العِلمِ وحسْنُ الخلقِ في الدَّعوةِ إِلىٰ الله))، وهذا الموضوعُ موضوعٌ هامٌّ جدًّا، لأَنَّه يتعلَّقُ بوظيفةٍ عظيمة وجليلة، وهي: وظيفةُ الأَنبياءِ والرُّسلِ عليهم الصَّلاة والسَّلام، وهي الدَّعوةُ إِلىٰ الله عز وجل.
فالله سُبحانَه وتعالىٰ أَرسلَ رسلَهُ لهذه الغاية الحميدة، كما قال سُبحانَه وتعالىٰ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾.وأَوَّلُ مَن يدخلُ فيها أَنبياءُ الله ورسلُه عليهم الصَّلاة والسَّلام.
وقال سُبحانَه وتعالىٰ: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ [الجن: 19 - 23]
فسَّر دعوتَهإِلىٰ توحيدِ الله عز وجل ليُبلِّغَ البلاغ المبين الَّذي أَمرَه الله بِه، ويبلِّغ الرِّسالة والرِّسالات التي أُرسل بها، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم هو مُرسَلٌ من عِند الله برسالات، أَوَامرٍ ونواهي. هذه الرِّسالات:
* الأَمرُ بالتَّوحيد والنَّهي عن الشِّرك
* الأَمرُ بالطَّاعة والنَّهي عن المعصيَّة
* الأَمرُ بالعلمِ العمل والنَّهي عن البعد عن العلمِ والبقاءِ علىٰ جهل.
* النَّهي عن ترك العمل
* والوعيد الشَّديد لمن لا يعمل بعلمِه
* الأَمرُ بحسنِ الخلق والنَّهي عن سوءِ الأَخلاق
* الأَمرُ بالصَّلاةِ وأَداءِ الطَّاعاتِ من الفرائض والواجبات والنَّهي عن ترك ذلك
* والوعيد الشَّديد لمن تخلَّف عن الصَّلاةِ وعن أَدائِها في أَوقاتِها وعلىٰ ما أَوجَبَهُ الله
فالرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام دعاة، معلِّمون، يُبلِّغون رسالات ربِّهم، وأَوَّلُ بلاغٍ يُرسَلُوا إِلىٰ أَنفسِهم، فهم دعاةٌ إِلىٰ الله، يدعون أَنفسَهم، ويدعون أُمَمهم، ويدعون النَّاس من إِنسهم وجنِّهم ليخرجوهم من الظُّلمات إِلىٰ النُّور. فالإِيمانُ ينيرُ طريقةَ العبد، الإِيمان بالله ورسولِه، الدَّعوة إِلىٰ الله: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
فالرَّسول صلى الله عليه وسلم داعٍ إِلىٰ الله، وهو صلى الله عليه وسلم مع كونِه داعيًا والموحِّدون كلُّهم دعاة، ويدعون الله، ويدعون إِلىٰ الله، كلُّهم يدعو، يدعو الله ويُوحِّده، ويعبدُه، ويدعو إِلىٰ عبادة الله وتوحيدِه، فهذا الدُّعاءُ وهذه الدَّعوة الَّتي يشترك فيها جميع النَّاس ليست فقط الوصفُ بها خاصٌّ بالرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام أَو خاصٌّ بالأَنبياءِ، أَو هو مختصٌّ بهم أَو بالدُّعاةِ فقط، بل هناك ممَّا يوصف بأَنَّه داعي: القرآن وربُّ العالمين (لأَنَّ كلمة ((ربُّ القرآن)) لا تصحُّ لأَنَّها موهمة).
قال سُبحانَه وتعالىٰ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس: 25] ، فالصِّراط المستقيم: هناك داعٍ يدعو إِليه، والله سُبحانَه وتعالىٰ يدعو إِلىٰ الصِّراط المستقيم، والقرآن الكريم داعٍ إِلىٰ الصِّراط المستقيم، والرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام دعاةٌ إِلىٰ الصِّراط المستقيم: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.
وتعرفون الحديثَ المشهور حديث النَّوَّاس رضي الله عنه الَّذي خرَّجه الإِمامُ أَحمد والتِّرمذي وغيرهما، قال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الله ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، عَلَىٰ كَنَفَيِ الصِّرَاطِ دَارَانِ لَهُمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، عَلَىٰ الْأَبْوَابِ سُتُورٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَىٰ رَأْسِ الصِّرَاطِ، وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ، وَاللهِ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، الْأَبْوَابُ الَّتِي عَلَىٰ كَنَفَي الصِّرَاطِ)) يعني: جانبيه ((حُدُودُ اللهِ، فَلَا يَقَعُ أَحَدٌ فِي حُدِودِ اللهِ حَتَّىٰ يُكشَفَ السِّترُ، وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ وَاعِظُ رَبِّهِ)) أَو في بعض الرِّوايات: ((وَاعِظُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ))([1]).
إِذًا، الدَّعوةُ إِلىٰ الله وظيفةٌ هامَّةٌ، لأَنَّكَ تدعو إِلىٰ خالقِنا، إِلىٰ ربِّنا، إِلىٰ معبودِنا، إِلىٰ الَّذي خلقنا لنعبدُه: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
تدعو إِليه، تدعو إِلىٰ مرضاتِه، تدعو إِلىٰ ما يحبُّه ويرضاه، تدعو إِلىٰ ما يرِيدُه الله مِنَّا. كيف تُخلِصُ قلوبنا إِلىٰ ربِّنا؟ كيف تحبُّه؟ كيف تخافُه؟ كيف ترجوه؟ كيف تتوكَّلُ عليه؟ كيف تخشعُ له؟ كيف هذه القلوب تتجَّه إِليه وتتعلَّق به، وتوقِنُ به اليقين التَّام. كيف هذه الأَلسنة تشهد أَنَّ لا إِله إِلَّا هو وأَنَّ محمَّدًا رسولُه الكريم، وتلهَجُ بذكرِه، والثَّناءِ عليه وحمدِه، وتأتي بما أَمرها الله به هذه الأَلسنة مِن العبادات القوليَّة الواجبة، وتحرص علىٰ العبادات القوليَّة المستحبَّة: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83] القول الحسن بلسانك.
قال صلى الله عليه وسلم : ((احفظ عَلَيْكَ هَذَا)) وأَشار إِلىٰ لسانِه. فقال معاذ رضي الله عنه: «أَوَ نَحْنُ مُؤَاخَذُونَ بِمَا نَقُولُ؟» يعني: مِن الأَقوال الَّتي نتكلَّمُ بها، يعني: تكون من اللَّغو ونحوِه؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسُ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ)) أَو قال: ((عَلَىٰ مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟))([2]).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالى مَا يُلقِي لهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّه بهَا دَرَجاتٍ)) ([3]).
فاللِّسانُ خطيرٌ، فالكلمة الواحدة قد توبِقُ دنياكَ وآخرتك، الكلمة الواحدة قد ترفعك وتُعلِي شأنَكَ.
إِذًا، اللِّسان خطيرٌ، فتُرفَعُ به الدَّرجات بالكلمة، ويدخل بها الجنَّة، وبالعكس، قد يهوي بها في النَّار.
كذلك الجوارح، يدعو جوارِحَه إِلىٰ الله أَنْ تستقيمَ هذه الجوارح علىٰ طاعةِ الله، فنَظَرُكَ، وبصرُكَ فيما يُرضِي الله، وتغضُّه عمَّا حرَّم الله. سمعُك لا تسمع الموسيقىٰ، ولا تسمع لغوَ القول، ولا الباطل مِن القول، والفُحش من القول، لا من منطوقِك ولا من منطوقِ غيرِك، فتحفظ سمعَك من لسانِكَ قبل أَلسنةِ غيرِك.
تحفظ سمعَك من الحرام، تحفظ يديك أَن تسرِقَ، أَو أَن تضربَ ظُلمًا وعدوانًا، أَو أَن تأخذَ ما ليس بحقٍّ، أَو أَن تفعلَ فيها ما يُغضِب الله.
بدنك لا تمشي إِلىٰ حرام، ولا إِلىٰ ما يُغضب الله، ولا إِلىٰ ما فيه الفتن والضَّلال. فرجُكَ لا تضعه إِلَّا حيثُ شرع الله، يقول صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ)) يعني: فرجُه ((أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ)) ([4])، فيبتعد عن الزِّنا، واللِّواط، ونكاح اليد الَّذي هو الاستمناءُ ونحو ذلك من المحرَّمات.
فيحفظ فرجَه ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾[المؤمنون: 5 - 7].
إِذًا، هذه الوظيفة، وهي وظيفة الدعوة إِلىٰ الله، أَنت تريد أَن تدعوَ نفسَك إِلىٰ الله، تدعو قلبَك إِلىٰ الله، تدعو لسانَك إِلىٰ الله، تدعو جوارِحكَ إِلىٰ الله، لا بدَّ أَن تكون هذه الدَّعوة علىٰ أُسس متينة. هذه الدَّعوة تكون صحيحة، تكون موافقة للكتاب والسُّنَّة.
نحنُ نعلم أَنَّ هذه الوظيفة وهي الدَّعوةُ إِلىٰ الله وظيفةُ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم ، ومحمَّد صلى الله عليه وسلم هو قدوتُنا ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21].
وقال صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ كَالْوَالِدُ)) ([5])؛ كالأَب، يؤدِّبنا، ويربِّينا، ونستفيد من خلقِه، وتصرُّفاتِه، كيف كان يفعل فنفعل كما فعل. كما أَنَّ الولدَ الصَّغير يحبُّ أَن يقتديَ بأَبيه، وأَن يتخلَّق بأَخلاقِه، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نبَّه أُمَّتَه علىٰ أَنَّه قدوتَهم، وهو بمنزلة أَبيهم، {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ، فزوجاتُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم أُمَّهاتُنا، أُمُّنا خديجة، وأُمُّنا عائشة، وأُمُّنا سودة، وأُمُّنا صفيَّة، وأُمُّنا زينب، جميع أُمَّهات المؤمنين أُمُّهاتنا، زوجات الرَّسول صلى الله عليه وسلم أُمَّهاتُنا، وهو بمنزلة أَبينا، نتخلَّقُ بأَخلاقِه، ونتقدي به، ونعمل بأَعمالِه علىٰ ما بيَّن لنا صلى الله عليه وسلم ، وعلىٰ فهم السَّلف الصَّالح.
وما كان من خصائصِه الَّتي خصَّه الله بها، فلا ننازِعُهُ شيئًا من ذلك، فنحن لا ننازِعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في شيءٍ من خصائِصِه، لكن في ما أَمر أَمَّته بالاقتداءِ به، وفي ما هو عامٌّ للمؤمنين فنحن نفعل ذلك، ونقتدي به صلى الله عليه وسلم .
إِذًا، أَوَّلُ صفةٍ أَن نكونَ علىٰ بيِّنةٍ من أَمرِنا بالعلمِ، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم يتكلَّم بعلمٍ، بالكِتاب الكريم الَّذي أَوحاه الله إِليه، وأَنزله نورًا، وهدىٰ، وبما يأتيه جبريل عليه السلام من ربِّه بالوحي، بالسُّنَّة النَّبويَّة، بالتَّوجيهات من ربِّ العالمين عن طريق جبريل عليه السلام.
إِذًا، فنحن نقتدي بالرَّسول صلى الله عليه وسلم أَوَّلًا في أَن تكون الدَّعوة بعلمٍ.
أَهمَّية العلم أَنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ يعني: علىٰ بيِّنة، علىٰ علمٍ ﴿أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي. هذه صفة مَن يتَّبِعُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم .
أَنتَ داعٍ إِلىٰ الله، تقول إنَّك سلفي، أَو تقول إنَّك داعي، كما كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم يدعو إِلىٰ الله. إِذا كنتَ كذلك، فادعُ إِلىٰ الله علىٰ طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ما هي طريقة الرَّسول صلى الله عليه وسلم ؟
علىٰ بصيرة، علىٰ علمٍ، علىٰ بيِّنة، علىٰ هدىٰ، ليس علىٰ جهلٍ كما يدعو إِليه الجُهَّال، ليس علىٰ بدعة، وضلالة.
لذلك، نحن لمَّا نقول ((جماعة التَّبليغ البدعية)) جماعةٌ ضالَّة، لأَنَّهم يدعون إِلىٰ الله علىٰ جهلٍ، والَّذين يُسمُّون بـ ((القُصَّاص))، و((الوُّعَّاظ)) يَغلِبُ في دروسِهم الجهل، والكذب، وربَّما البدع، فطالبُ العلمِ، أَو السَّلفي، أَو المسلم الصَّادق يدعو إِلىٰ الله علىٰ بصيرة.
هذه صفة الدَّعوة الَّتي بيَّنها الرَّسول صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه، وهي الدَّعوة إِلىٰ الله علىٰ علمٍ، وفهمٍ، وفقهٍ في الدَّعوة إِلىٰ الله.
إِذًا، أَوَّلُ صفةٍ من صفات الدَّاعية: العِلم؛ أَن يكون عنده علمٌ بما يدعو إِليه، أَن يكون عنده علم بمعنىٰ كلمة: دعوة، وما عليه من وظيفةٍ هامَّة.
طبعًا، نحن نتكلَّم عن المسلم الَّذي دخل في الإِسلام، وتعلَّم الإِسلام، ويريد أَن يعلِّمَ المسلمين، أَو يعلِّمَ غير المسلمين، داعية إِلىٰ الله.
فأَوَّلُ شرطٍ طبعًا لا بدَّ أَن يكون مسلمًا، أَن يكون متخلِّقًا بأَخلاق النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، متَّبِعًا لسنَّتِه، موحِّدًا، صادقًا، ليس عنده شركيَّا، ولا عنده خرافات.
ولكن أَساس ما تعرفه به الحقَّ من الباطل، وما تعرف به الضَّلالَ من الهُدىٰ هو العلم، لذلك نحن نقول: أَهميَّة العلمِ لأَنَّها أَوَّلُ صفة من صفات الدَّاعية إِلىٰ الله.
لذلك، لمَّا يقول ربُّ العالمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ[المائدة:67] يعني: العِلم. ولمَّا يقول الرَّسول صلى الله عليه وسلم : ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً))، العِلم ((آية))! ((بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً)) بلِّغوا العِلمَ الَّذي أَتيتُ به، وليس معناه بلُّغ البدع، والخرافات، والجهالات، والظُّنون السَّيئِّة بربِّ العالمين، أَو بشريعة الإِسلام كما يفعل كثيرٌ من الجُهَّال، لا. بلِّغ الحقَّ، بلِّغ الهُدىٰ، بلِّغ الخير، بلِّغ ما فيه مصلحة للنَّاس وفي دينِهم ودُنياهم.
هذا أَوَّلُ شيءٍ: أَهميَّة العلمِ. والكلام عن العلمِ كثير، وفضلُ العالم علىٰ العابد كفضل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم علىٰ أَدنىٰ أُمَّتِه من المؤمنين، وكفضل القمر علىٰ سائرِ الكواكبِ، ((والْعُلُمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ))([6])، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 9] إِلىٰ آخر ذلك من النُّصوص في فضل العِلم.
العِلمُ هو النَّجاة بإِذن الله تعالىٰ، وكذلك العِلمُ قبل القول والعمل، العِلم ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾.
لكن:
العمل يهتف بالعمل... فإِن أَجابَه وإِلَّا ارتحل
الَّذي يريد أَن يكونَ صاحبَ عِلمٍ، مقتديًا برسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فلا بدَّ أَن يعملَ بالعلم. مشكلة بعض النَّاس يعملون، يحبُّون العمل، يعمل، يعمل، يعمل، لكن يعمل علىٰ جهلٍ كما يفعل أَهل البدعة، كما يفعل الصَّعافقة وأَهل الفتن، يعملون، ينشرون منشورات للفتن، والإِضرار بالمسلمين. هذه الفتن، ومُضلَّات الفتن، هذا عملٌ ضارٌّ بالإِنسان، وخلاف هدي الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، وخِلافُ دين الإِسلام.
لذلك، العلم هو الأَساسُ، ومع العلم العمل؛ تعمل بالعلمِ، تطبِّق ما تدعو النَّاس إِليه. تدعوهم إِلىٰ الإِخلاص، أَخلِص لله. تدعوهم إِلىٰ الصِّدق، كنْ صادِقًا. تدعو إِلىٰ الأَدب، تأدَّب، تدعو إِلىٰ حسن الخلق، تخلَّق بالخلق الحسن، تدعو إِلىٰ السَّلفيَّة، كن سلفيًّا. تدعو إِلىٰ الرَّحمة، كن رحيمًا، تدعو إِلىٰ الحِلم، كن حليمًا. تدعو إِلىٰ العدل، كن عادِلًا. تدعو إِلىٰ ترك الظُّلم، فاترك الظُّلمَ، واترك الكذب، واترك البهتانَ، وابتعد عمَّا يُغضِبُ اللهَ.
هذه أَخلاقُ الدَّاعي.
الَّذي يدعو إِلىٰ الله يعلم ما يريده الله، وما يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على فهم السَّلف، ثمَّ يعمل.
فإِذا عمل الدَّاعية بالعِلم، فإِنَّه سيكون متخلِّقًا بأَخلاق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .
سئلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ»([7]).
ما معنىٰ: «خُلُقُهُ الْقُرْآنُ»؟
يعني: أَنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم كان يأَتيه جبريل بالقرآن. وهذا القرآن فيه أَوامر، وفيه نواهي، فيه آداب، وأَخلاق، فكلُّ ما في القرآن من الأَخلاقِ الحميدة، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يُطبِّقها أَحسنَ التَّطبيق، وكلُّ ما نهىٰ الله عنه في القرآن من الشِّرك، والضَّلال، والجهل، والغفلة، وكلُّ ما يغضب الله من الأَخلاق السَّيئة الَّتي نهىٰ الله عنها في القرآن، فالرَّسول صلى الله عليه وسلم من أَبعد النَّاسِ عن هذه الأَخلاقِ السَّيِّئة.
هذا «خُلُقُهُ الْقُرْآنُ»، يتَّعِظ، ويخشىٰ الله، ويتَّقي الله كما قال صلى الله عليه وسلم : ((أَمَا إِنِّي أَخْشَاكُمْ للهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ؟!))([8]).
أَكثر شخص في أَمَّةِ مُحمَّد صلى الله عليه وسلم خشيةً لله، وتقوىٰ لله، وتطبيقًا للقرآن هو محمَّد صلى الله عليه وسلم . لا يوجد أَحدٌ ممَّن خلقه الله، يعمل بالقرآن مثل عمل الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، هو رقم واحد، بعده يأتي من بعده.
وفي هذه الأُمَّة، أَفضل من طبَّق القرآن محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ أَبو بكرٍ، ثمَّ عمر، ثمَّ عثمان، ثمَّ علي، ثمَّ بقيَّة العشرة المبشِّرين بالجنَّة، ثمَّ أَصحابُ بدرٍ ممَّن شهد بدرًا من الصَّحابة، ثمَّ من شهد بعثة الرِّضوان، ثمَّ علىٰ مراتبِهم. أَفضل الأُمَّة هم أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم طبعًا.
فإِذًا، إِذا أَردتَ أَن تتخلَّق بالأَخلاق الحميدة فتتخلَّق بأَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم . وأَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم هي الَّتي في القرآن.
سيقول شخصٌ: (كيف أَنا سأَتخلَّق بأَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، أَنَا ضعيفٌ). لا. أَنت لن تبلغ منزلة الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، لا أَحد يقول لك: (أَنتَ ستكون مثلَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم )، لا أَنا ولا أَنت. نحن نريد أَن نتخلَّق بالأَخلاق الَّتي عليها الرَّسول صلى الله عليه وسلم فيما نستطيع، وفيما يحقُّ لنا، وهذه الأَخلاق موجودة في القرآن.
عائشة رضي الله عنها تقول: الَّذي يريد أَن يتخلَّق بأَخلاق الرَّسول فليطبِّق القرآن. نزيد زيادة أُخرىٰ: وليطبِّق السُّنَّة، فالسُّنَّة شارحةٌ للقرآن، ومؤيِّدةٌ له، ومفصَّلِةٌ، وزيادة لبعض الأَحكام، فمَن طبَّق القرآن والسُّنَّة، فقد تخلَّق بأَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم .
هذه، باختصار، أَهميَّة حسن الخلق، تنبع من أَهميَّة تطبيقنا للقرآن. النُّور الَّذي أَنزله الله هدايةً للخلق، ورحمةً بهم ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ حبل الله القرآن. فمَن أَراد النَّجاةَ والسَّعادة، فإِنَّه فسيطبِّق كتابَ الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كلَّما كان الإِنسان أَكثر علمًا وفهمًا للكتاب والسُّنَّة، ثمَّ طبَّق هذا الفهم، وطبَّق هذا العلمِ، كلَّما كان أَعلىٰ منزلة، وأَفضل في الدَّعوة إِلىٰ الله، وأَقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم منزلةً يوم القيامة. فكلَّما كان العبد، كلَّما كان المسلم، كلَّما كان الدَّاعية إِلىٰ الله أَقرب شبهًا بأَخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أَقربَ منه منزلًا يوم القيامة، ومنزلةً.
أَنتَ تريد أَن تكون في الجنَّة، قريبًا من الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، الَّذي يريد أَن يكون أَقرب النَّاس منزلةً ومنزلًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليكن حسنَ الخلق، فأَحاسِنُ النَّاس أَخلاقًا، هم أَقربهم منزلةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم الخيار، كما يقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا)). متَّفقٌ عليه([9]).
وفي حديث جابرٍ رضي الله عنه وهو حديثٌ صحيح قال: ((إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلِيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ)) ([10]).
((الثَّرْثارُونَ)) الَّذين يكثرون الكلام بلا فائدة ولا عمل، يتكلَّم كثيرا بدون فائدة، ولا يعمل.
و((الْمُتَشَدِّقُونَ)) الَّذي يبحث عن وحشيِّ اللُّغة، الكلام الغريب، يريد أَن يظهر فضلَه في اللُّغة، وفضله في الكلام، وبلاغتَه الَّتي يأنف منها سويُّ الفطرة، الَّذي يلوك لسانَه كما ورد في الحديث الآخر في بيان الَّذي ((يتخلل بلِسَانِهِ كَمَا تتخلل الباقرة بلسانها)).
و((الْمُتَفَيْهِقُونَ)) ورد في الحديث نفسِه: ((الْمُتَكَبِّرُونَ)).
وأَمَّا ((الْمُتَشَدِّقُونَ))، هذا الَّذي يتعنَّت في الكلام. وكما ورد في الحديث عن الرَّسول صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَاقِرَةُ بِلِسَانِهَا)) ([11]).
يعني: يكثر الكلام بلا فائدة، ولا يعمل بالعلمِ الشَّرعي.
ما هي الأَخلاق الَّتي يستحبُّ للدَّاعية أَن يتخلَّق بها؟
لا بدَّ أَن نحرص عن أَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم ، علىٰ أَخلاقِنا الَّتي أَمرنا الله بها في القرآن، هذا الأَمرُ هو الجامع المانع، الجامع لكلِّ خيرٍ، المانع من كلِّ شرٍ بإِذن الله.
ما هو هذا الأمر؟
تعلَّم، وطبِّق العلم، ادرس القرآن، ادرس السُّنَّة، وطبِّق الكتاب والسُّنَّة علىٰ فهم السَّلف، هكذا تُصبِح أَفضل داعية علىٰ وجه الأَرض.
الخلل في الدَّعوة إِلىٰ الله يكون إِمَّا بالجهل وإِمَّا بسبب ترك العمل، الخلل في التَّطبيق.
والخلل في التَّطبيق يعود أَحيانًا إِلىٰ الجهل، وأَحيانًا يعود إِلىٰ الهوىٰ، هوىٰ النَّفسِ، وأَحيانًا يعود إِلىٰ فسادٍ في القلب، كالحسد، والحِقد، ونحو ذلك، فساد التَّصور، ويجمعه الهوىٰ.
فمردُّها إِلىٰ الجهل أَو إِلىٰ الهوىٰ فسادُ العمل.
لذلك، لا أَستطيع أَن أَحصُرَ لكم الأَخلاق، لكن الدَّاعية إِلىٰ الله يحتاج إِلىٰ علمٍ، يحتاجُ إِلىٰ بصيرة، فقه في الدَّعوة، في حالِ المدعوين، في حال النَّاس الَّذين يدعوهم، إلى فقه بمنهج السَّلف.
كذلك، الصَّبر في الدَّعوة إِلىٰ الله مهمٌّ، الصَّبر في كلِّ حالٍ مهم، علىٰ طاعة الله، وعن معصيَّة الله، وعلىٰ أَقدار الله المؤلمة، والمصائب. الصَّبر مهمٌ.
كذلك الحكمة﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، لا بد تعرف الحكمة، الشِّدَّة في موضعِها، واللِّين في موضعِه، ليس دائمًا تكون ليِّنًا، وليس دائمًا تكون شديدًا، غليظًا، بل تُغلِظ أَحيانًا إِذا استحقَّ الحال، أَو تلين أَحيانًا علىٰ حسب الحكمة.
والحكمة: وضعُ الأُمور في مواضعِها اللَّائقةِ بها.
كذلك الدَّاعية من صفاتِه أَن يكون واعظًا، حسن الموعظة، حسن العبارة، حسن الكلام، حسن الأُسلوب، ويراعي المخاطبين، فيتكلَّم مع الوجهاءِ بكلامٍ يليق بهم، يتكلَّم مع العلماءِ بكلامٍ يليق بهم، يتكلَّم مع السُّفهاءِ بكلامٍ يليق بهم، يتكلَّم مع الرِّجال بكلام يليق بهم، النِّساء بكلامٍ يليق بهنَّ، الأَطفال بكلامٍ يليق بهم.
كذلك الملوك، إِذا كلَّم الملك، يكلِّمُهُ بكلامٍ يليق به، أَو المسؤولين، فالكلام يختلف من شخصٍ لشخصٍ، كلامُك تراعي أَفهام النَّاس، تراعي طباع النَّاس، تراعي عادة النَّاس ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199].
كذلك، يكون مجادِلًا بالَّتي هي أَحسن، لا يمتنع من الجدال مطلقًا، بل يجادل بالَّتي هي أَحسن عندما يفيد الجِدال، عندما يكون المجادل طالبًا للحقِّ، أَو الحال يفرض عليك أَن تكون مجادِلًا له لإِقامة الحجَّة عليه وإِبطال شبهاتِه، وإِن كان مبطلًا، لا يريد الحق.
لكن أَنت تنظر أَحيانًا في المناظرة أَو في المناقشة أَو في المجادلة فأَحيانًا تنظر إِلىٰ المناقِش وترجو هدايتَه، وأَحيانًا يظهر من حالِه أَنَّه لا يريد الحقَّ، لكنَّك تراعي من يسمع، من يتابع، من ينظر إِليكم، فأَحيانًا النِّقاش لا يريد به الشَّخص، يراد به غيره، كما يقال: «إِيَّاكَ أَعني وَاسْمَعِي يَا جَارة» كما في المثل.
يعني، أَحيانًا الدَّاعية لمَّا يدعو أَو يردَّ علىٰ مبطلٍ يكون هذا المبطل لا يستحقُّ مثل هذه الرُّدود، لكن هو لا يريد هذا الرَّدُّ أَن يسمعَه المبطل فقط، أَن يسمعَه غيرَه ممَّن يقرأ له أَو يسمع له، أَو يسمعه النَّاس فيما فيه فائدةٌ للنَّاس.
كذلك من أَخلاق الدَّاعية أَن يكون حليمًا، يحلم علىٰ النَّاس، لا يتسرَّع في معاملتهم بحيث إنَّه يظلمهم أَو يضّيِّعُ دعوتَهم. كذلك أَن يكون حسن الأَخلاق معهم بالمودَّة، والاحترام إِذا كانوا أَهلًا لذلك.
كذلك أَحيانًا تأَليف القلوب بالمال، بالهديَّة.
كذلك من الأَخلاق المهمَّة للدَّاعية قبل أَشياءٍ كثيرة الصِّدق، لا بدَّ أَن يكون صادِقًا، الكذب يخل ويُفسِد الدَّعوة.
كذلك الخيانة تفسد في الدعوة، فلا بدَّ أَن يكون الداعية أَمينًا، صادقًا وأَمينًا.
وكذلك يدعو إِلىٰ الله ولا يدعو إِلىٰ نفسِه، ولا يدعو إِلىٰ الدُّنيا، ولا يكون متسوِّلًا، يعني، لا يأتي إِلىٰ الدَّعوة لأَجل أَن يكون يأخذ الأَموال، يتعفَّف.
ولكن إِذا أَعطوه له أَن يقبل، لكن لا يجعل هذا شرطاً في دعوتِه، حتَّىٰ لا يكرهه النَّاس ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ﴾.
فالأَنبياءُ يريدون من الله الأَجرَ والثَّواب، لا يطلبون من النَّاس لقاء دعوتِهم، لكن لو أَنَّ إِنسانًا في برنامجِ، في معهد، في مدرسة، يخصص وقته ويسافر إِليهم أَو لا يسافر، ولكن يطلب معيشته، هذا لا بأس به.
لكن لا تكون الدَّعوة مال، مال، مال.
الدَّعوة تكون لله، لكن لو أُعطي مالًا، أَو جرىٰ العرف بإِعطائِه مالًا، لا يضرُّه، وليس هذا عيبًا فيه. النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهديَّة.
المقصود أَنَّ الدَّاعية إِلىٰ الله يتخلَّق بالأَخلاق الحسنة، وليست الأَخلاق محصورة.
فقد عددَّتُ لكم يمكن ثمانية أَو تسعة من الأَخلاق الحسنة، لكن هناك أَخلاقٌ أُخرىٰ جِماعُها القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة، الأَخلاق الَّتي في القرآن، الأَخلاق الَّتي في السُّنَّة، أَخلاق الرَّسول صلى الله عليه وسلم .
نسأَل الله سُبحانَه وتعالىٰ أَن يبصِّرنا بالحقِّ.
كذلك التَّواضع وعدم الكبر، والغرور، كذلك الإِنسان يرجع إِلىٰ الحقِّ إِذا أَخطأ، ولا يظلم النَّاس، ويعدِل بينهم، ويتعامل معهم بالحُسنىٰ والكلمة الطَّيِّبة، والكلمة الطَّيِّبةُ صدقة.
احرصوا علىٰ الأَخلاق الحسنة وطبِّقوها، واجتهدوا فيما بينكم بالتَّواد، والتَّراحم، والتَّعاطف، والأُلفة، خاصَّةً في بلاد الغرب، في بلاد الكفَّار، تحتاجون إِلىٰ رفقٍ، تحتاجون إِلىٰ مودَّة.
ادعوا الكفَّار إِلىٰ الإِسلام بالَّتي هي أَحسن، أَحسنوا إِليهم، أَلِّفوا قلوبَهم، حتَّىٰ ولو بالمال، وأَبعدوهم عن كلِّ شر، وحاربوا الإِرهاب، حاربوا الفساد قدرَ الإِمكان ((وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ))([12]).
اجتهدوا في ذلك أَيُّها الإِخوة الأَكارم وأَنتم في بلاد الغرب علِّموا النَّاس التَّوحيد وأَخلاق أَهلِ التَّوحيد، كونوا قدوة.
أَيُّها الدَّاعية، أَنتَ قدوة للنَّاس، كُنْ قدوةً للنَّاس، حتَّىٰ يفرحَ النَّاسُ بالاقتداءِ بكِ وتكون نموذجًا للمسلم الصَّادق الَّذي ينير للنَّاس الطَّريق، ليس الَّذي يدمِّرهم أَو ينشر لهم الإِرهاب كما يفعل الخوارج.
احذروا أَشدَّ الحذر من الأَفكار الإِرهابيَّة. كذلك الصُّوفيَّة والخُرافيَّة يشوِّهون الإِسلام، الإِخوانيُّون يشوِّهون الإِسلام، التَّبليغ يشوِّهون الإِسلام، الجماعات هذه البدعيَّة.
الَّذي يظهر الإِسلام بالمظهر الصَّحيح كما بُعث به محمَّد صلى الله عليه وسلم هو المنهج السَّلفي، البعيد عن الحسد والبغضاءِ، والبعيد عن الهوىٰ والبدع، والبعيد عن الظُّلم والعدوان.
ومنهج الصَّعافقة هو عكس منهج السَّلف، هو منهجُ حدَّادي خبيث، ابتعدوا عن الصَّعافقة الحدَّاديَّة.
هذا أَنا أُقوله بكلِّ صراحة، الصَّعافقة هؤلاءِ أَصبحوا حدَّاديَّة، فتعاملوا معهم كما تتعاملون مع الحدَّاديَّة. كيف تتعاملوا مع الحدَّاديَّة، تعاملوا مع الصَّعافقة.
كلُّ مَن يحارب العلماءَ السَّلفيين وينشر الفتن، فابتعدوا عنه واحذروا منه، عاملوهم كمعاملتكم للحدَّاديَّة بالضَّبط، وتمسَّكوا بمنهج السَّلف، واثبتوا عليه.
أَسأَل الله سُبحانَه وتعالىٰ أَن يوفِّقني وإِيَّاكم لما يحبُّه ويرضاه، وأَن يجعلني وإِيَّاكم ممَّن يستمعون القولَ فيتَّبعون أَحسنَه، والله تعالىٰ أَعلم، وصلَّىٰ الله وسلَّم علىٰ نبيِّنا محمَّد، والحمد لله ربِّ العالمين.
وأَشكر الإِخوة في أمريكا، والإِخوة السَّلفين في كندا، وفي كلِّ مكان لإِتاحةِ هذه الفرصة لهذه المحاضرة للتَّذكير، وللمذاكرة، أَسأَلُ الله سبحانَه وتعالىٰ أَن يتقبَّل منِّي ومنكم، والله تعالىٰ أَعلم، وصلَّىٰ الله وسلَّم علىٰ نبيِّنا محمَّد، والحمد لله ربِّ العالمين.

([1]) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 182 - 183)، والترمذي(2859)، والنسائي في السنن الكبرى (6/ 361)، وابن أبي عاصم في السنة ( 18)، وابن نصر في السنة (رقم17 - 19)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (رقم2043، 2141 - 2143)، والآجري في الشريعة (1/ 294 - 295)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (1/ 73)، والبيهقي في شعب الإيمان (رقم7216)، وسنده صحيح. وحسنه الترمذي، وصححه الطحاوي والحاكم ووافقه الذهبي والألباني في تحقيقه للمشكاة (1/ 67). وقال ابن كثير في التفسير (1/ 28): «وهذا إسناد حسن صحيح».

([2]) رواه معمر في جامعه (11/ 194)، وعبد الرزاق في تفسيره (3/ 109)، وأحمد في مسنده (5/ 231)، والترمذي في سننه (رقم 2616) وقال: حسن صحيح، والنسائي (6/ 428)، وابن ماجه في سننه (رقم 3973)، والطبراني( 266) وغيرهم من طريق أبي وائل عن معاذ وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. وصححه الترمذي، ووافقه النووي في رياض الصالحين (ص/ 343). [الصحيحة:1122].

([3]) أخرجه البخاري (6477)، ومسلم (2988) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([4]) أخرجه البخاري(رقم6474) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.

([5]) رواه الشافعي في مسنده(ص/13)، والحميدي(1018)، وأحمد(7368)، وأبو داود(8)، والنسائي(40)، وابنماجه(313) ، وابن خزيمة في صحيحه(80)، وابن حبان في صحيحه(1431) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بسند حسن. وحسنه الشيخ الألباني في «صحيح أبي داود-الأم»(6).

([6]) رواه الإمام أحمد(5/ 196)، والدارمي(342)، وأبو داود(3641)، والترمذي(2682)، وابن ماجه(223) وابن حبان في صحيحه(88) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (3/ 10رقم982) وغيرهم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وهو حديث حسن؛ حسنه حمزة الكناني، والشيخ الألباني، وصححه ابن حبان والطحاوي.

([7]) أخرجه مسلم (746).

([8]) أخرجه البخاري(5063)، من حديث أنسرضي الله عنه، ومسلم(1110) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([9]) أخرجه البخاري(3366)، ومسلم(2321) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.

([10]) أخرجه الترمذي(2018) من حديث جابر رضي الله عنه وسنده حسن، وهو حديث صحيح بشواهده. وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة(791).

([11]) أخرجه أحمد(6543)، وأبو داود(5005) ، والترمذي(2853) من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. وسنده صحيح. وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة(880).

([12]) أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 11-16-2020, 04:01 PM
الصورة الرمزية أسامة بن عطايا العتيبي
أسامة بن عطايا العتيبي أسامة بن عطايا العتيبي غير متواجد حالياً
المشرف العام-حفظه الله-
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 5,364
شكراً: 2
تم شكره 271 مرة في 211 مشاركة
افتراضي

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:34 AM.


powered by vbulletin