منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #11  
قديم 01-26-2011, 09:21 AM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

س8:ما هي أهمية الدراسة والتتلمذ بين يدي العلماء لطالب العلم؟ ثم هل تغني هذه الشروحات والمحاضرات المسجلة وكذلك الكتب المفرغة والمسطرة عن هذه المميزات خاصة لمن كان بعيدًا عنهم؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن أهمية دراسة العلم على الشيوخ مما هو معلوم من كتاب الله وسنة النبيﷺ، وهو حال أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وحال أصحاب الأنبياء، وحال العلماء وطلاب العلم في قديم الدهر وحديثه..
فالله جل وعلا اصطفى ملكاً من أكرم ملائكته، بل خير الملائكة على الإطلاق ليكون معلماً لرسول اللهﷺ، ومبلغاً الوحي من رب العالمين، وكان رسول اللهﷺ يعرض القرآن كاملاً على جبريل في رمضان، إلا في العام الذي توفي فيهﷺ عرضه عليه مرتين..
وجبريل عليه السلام علَّم النبيﷺ كيفية الوضوء والصلاة، وجاء جبريل عليه السلام معلماً ومظهراً آداب طالب العلم في الحديث الطويل الذي سأل فيه النبيﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها..
والنبيﷺ والأنبياء جميعاً كانوا معلمين لأممهم، وأمر الله جل وعلا بالاقتداء بهم : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام/90]
وقال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب/21].
وكان النبي ﷺ معلماً للخير، ضرب المثل الأسمى في أدب العالم، وتعامله من تلاميذه وأصحابه، وبين للأمة الآداب التي ينبغي على العالم والطالب أن يراعيها..
وهذا كان أصحاب رسول اللهﷺ ورضي عنهم مقتفين لأثر نبيهمﷺ، فكانوا نعم المعلمين والمربينy، وكانوا لأتباعهم من المؤدبين والموجهين، وهكذا من جاء بعدهم، يأخذون العلم كابراً عن كابر، وحفظ من كلامهم:
ما كان عمر t يقوله : « ألا إن أصدق القيل قيل الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، ألا إن الناس لم يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم »
وقال عبد الله بن مسعودt : « لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإذا أخذوه عن أصاغرهم ، وشرارهم هلكوا » والمراد بالأصاغر أهل البدع والأهواء، وأهل الجهل والسفه والطيش..
وقد قال النبي ﷺ: «البركة مع أكابركم».
وقال أبو زيد سعيد بن أوس: «خذوا العلم عن أفواه الرجال، فإن الرجل يكتب أحسن ما يسمع، ويختار أحسن ما يكتب، ويحفظ أحسن ما يختار».
وقال الأوزاعي: «كان هذا العلم شيئاً شريفاً إذا كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله».
فأخذ العلم عن أهله هو مسلك الصالحين قبلنا، بل هو مما عليه أهل الدين والدنيا في جميع الأعصار.
فالعالم يؤخذ عنه العلم، وما تفرق وتشتت في الكتب، ويؤخذ عنه الفقه في الدين، والفهم لمسائل الشرع وما هو يعلمه ويدرسه، ويؤخذ عنه الهدي والسَّمت الحسن، ويؤخذ عنه الحث والتحفيز وشحذ الهِمَّة.
وهذا إنما يكون إذا وفِّق لمعلِّمٍ موفَّقٍ، والله الموفق.
ولا يصار إلى طلب العلم بدون شيخ إلا عند الضرورة، فإذا وجدت الضرورة وما كان بيد طالب العلم حيلة إلا السماع من الأشرطة، أو القراءة من الكتب فلا يكلف الله نفساً إلا وسعهاً، ومن اتقى الله علمه الله، وفهمه.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «س2: هل حقيقة إن العلم لا يؤخذ إلا من أفواه العلماء، مشافهة في مجالس الدرس، أم أنه يؤخذ أيضًا من مظانه الأخرى: (الكتب والأشرطة السمعية)، دون التلقي المباشر من المشايخ والعلماء- يعني بطريقة عصامية؟»
فأجابت اللجنة : «ج2: يجب أخذ العلم عن طريق العلماء العاملين، لا عن مجرد الكتب والأشرطة؛ لأن العلماء يوضحون الغامض، ويشرحون المشْكل، ويوجهون إلى الفهم الصحيح، والكتب والأشرطة العلمية مجرد وسائل يستعان بها على طلب العلم، إذا كانت كتبًا وأشرطة موثوقة، صادرة عن علماء، لكن لا يقتصر عليها».
فطالب العلم لابد أن يكون همه أخذ العلم على يد أهل العلم، وعليه أن يتحلى بآداب طالب العلم، فحضور الدروس يحتاج إلى حضور الذهن، واستجماع الفِكْر، واهتمام النفس، ويقظة القلب، وإشغال اليد بالكتابة والتقييد للشوارد والفوائد، والتصبر، والرضى بما تيسر من الخير، والطموح إلى المزيد..
وإن تفريغ الدروس له أهميته في طلب العلم، فهو استماع وتأمل، وكتابة وتعلُّم، ومراجعة للدرس وتفَهُّمْ..
ويحيي في الطالب ملكة النظر والبحث والاستشكال-للمُشْكِلِ- للبحث عن الجواب..
وأخيراً: أنبه إلى أن المعلم والمدرس إنما يعطيك مفاتيح العلوم، وطريقة البحث، وكيفية الاستنباط، ويربي في الطالب ملكة الفهم والتدبر الصحيح، ثم إن طالب العلم ينمي مواهبه، ويُكّثِّر محفوظاته، ويوسع اطلاعه وقراءته، وهذا يكون بالحث العلمي للمسائل، وجمع أقوال العلماء فيها، والترجيح بينها إذا صار عنده مَلَكَةُ الترجيح بعد وجود مقوماته..
والله الموفق
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 01-26-2011, 09:22 AM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

س9:إنَّ شرف الرحلة في طلب العلم قد سُودت فيه كتب كثيرة ، ولكنحبذا لو تذكرون لنا خلاصة في منافع الرحلة في طلب العلم!، ثم ما هي إمكانية الرحلةفي هذا الزمان والعوائق التي تحيط بها خاصة مع تجربتكم في هذا الباب؟ وكيف نستطيعتجاوز هذه الأسوار التي قد تثبطنا عن الرحلة في طلب العلم؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
أولاً: فإن الرحلة في طلب العلم الذي لا يتيسر لطالب العلم في مكان إقامته من الأمور التي حثت عليها الشريعة، وهو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومسلك الصالحين قبلنا ..
قال الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة/122]
وقال النبي ﷺ: «ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة».
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «من خرج إلى طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» وسنده ضعيف مداره على أبي جعفر عيسى بن ماهان الرازي، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، ورواه الضياء في الأحاديث المختارة، وإنما أوردته لأذكر كلام العقيلي رَحِمَهُ اللهُ حيث قال في كتابه الضعفاء(2/17) : «وفي فضل الخروج في طلب العلم أحاديث أسانيدها مختلفة بعضها أصلح من بعض فيها أحاديث جيدة الإسناد عن صفوان بن عسال وأبى الدرداء وغيرهما».
وقال الله جل وعلا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة/112]
والمعتمد في المراد بالسائحين أنهم الصائمون، لكن ورد تفسيره أيضاً عن بعض التابعين بأنهم المهاجرون، وروي عن النبيﷺ أنهم المجاهدون ولا يصح الحديث، وروي عن عكرمة مولى بن عباس رضي الله عنهما أنهم طلبة العلم وسنده ضعيف ..
وقد رحل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في طلب العلم كما في قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، والتي قصها الله في كتابه..
والأنبياء إنما يفعلون ذلك بوحي من الله، كما أمر الله عز وجل نبيه موسى أن يرحل إلى الطور لميقات ربه، فأوحى إليه ما أوحى وأعطاه الألواح التي كتب الله فيها التوراة بيده..
وكذلك نبينا محمدﷺ رحل أعظم رحلة في التاريخ حيث أسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، كل ذلك بأمر ربه، وفي سبيل طلب العلم وسماع وحي الله جل وعلا..
وكان أصحاب رسول اللهﷺ حريصين على طلب العلم، ولو احتاج ذلك إلى الرحلة لرحلوا كما قال ابن مسعود t: «لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إليه » خرجه مسلم في صحيحه.
وروى أبو عبيد في فضائل القرآن عن شيخه محمد بن كثير الثقفيوفيه لين وضعف- عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: قال أبو الدرداء t: «لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه» وحسان بن عطية لم يدرك أبا الدرداءt.
وثبت عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه رحل من المدينة إلى مصر لسماع حديث واحد من عبدالله بن أنيس t.
وثبت عن عدد من الصحابة أيضاً، وعن جماعة من التابعين، وأتباعهم أنهم رحلوا في طلب العلم لأجل حديث ، أو تفسير آية، أو حلِّ مسألة مشكلة، ويرجع في ذلك لكتاب الخطيب البغدادي: «الرحلة في طلب الحديث».
والرحلة في طلب العلم لها فوائد ومقاصد:
1-زيادة الإيمان بطاعة الرحمن، والتقرب إلى الله بما يحبه من طلب العلم وبذل الجهد في تحصيله.
2- ما في السفر من الفوائد والمغانم، والسفر في طلب العلم ضرب من الجهاد..
3-التزود من العلم بتعلم القرآن أو تفسيره، أو العقيدة السلفية، أو الفقه، أو الحديث أو غير ذلك من علوم الشرع التي يستفيدها في رحلته عند لقائه بأهل العلم وأئمة الدين.
4-لقاء أهل العلم والفضل والاستفادة من علمهم وسمتهم وأدبهم.
5-زيادة الهمة، وتقوية العزيمة، ورفع المعنويات في طلب العلم والخير..
6- لقاء الإخوة من طلبة العلم من أقرانه، والتعرف عليهم، وإحياء روح المنافسة الشريفة..
7- علو الإسناد، وهذا كان ظاهراً في زمن الرواية، واليوم في طلب علو الإجازة، أو المشافهة بفتوى نقلت عن عالمٍ حيٍّ، وأظهر منه لقاء كبار العلماء، وأعلام العصر.
8-تذاكر العلم مع الطلاب، وإفادة الإخوة، والإفادة والاستفادة.
9- ليس الخبر كالمعاينة، فمن يسمع عن فوائد الرحلة في طلب العلم ليس كمن باشرها، وحصل بعض فوائدها وعوائدها.
10- معرفة أحوال الناس، وعاداتهم وطبائعهم عن كثب، والاستفادة من توجيهات العلماء في كيفية دعوتهم والتعامل معهم.
11- لا يخلو صاحب الرحلة أن يجد من هو خير منه فيستفيد منه، أو من هو مثله فيذاكره، أو من هو دونه فيفيده، بل من كان مثله أو دونه قد يجد عنده من العلم ما لم يكن عنده، وقد قال بعض السلف منهم ابن المبارك ووكيع والبخاري-: «لا ينبل الرجل حتى يروي عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه».
12- الرحلة ميدان اختبار، وموضع الطرائف والأخبار، فإما خير يستفيده صاحب الرحلة، أو طريفة تتحفه، أو مصيبة تختبره..
13-الرحلة لا تقتصر على طلب العلم، بل تشرع الرحلة من أجل زيارة مريض أو زيارة أخ في الله، أو صلة الرحم، أو الجهاد في سبيل الله الجهاد الشرعي، أو في طلب الرزق والسعي على العيال، أو لإعفاف نفسه، إلى غير ذلك من مقاصد الرحلات، بل حتى في طلب الأمور المباحة كالنزهة والتوسعة على الأهل والعيال بضوابطها الشرعية، وبآداب السفر المرعية...
فهذه جملة من فوائد ومقاصد الرحلة في طلب العلم.
ثانياً: الرحلة وسيلة من وسائل التحصيل، والتزود من العلم والخير، وإذا كان الطالب في بلد علم متفننين فإنه لا يرحل حتى يأخذ العلم الموجود في بلده، فإن حصله فإنه يرحل لأخذ ما ليس عند أهل بلده، أما أن يرحل ويترك العلم في بلده إلى بلد أقل منه علماً فهذا لا ينبغي..
لا سيما إن خشي برحلته فوات بعض العلم الذي في بلده..
لكن إن كان في بلد علم لكن في الرحلة يحصل علماً أكثر، أو أهم مما في بلده ، أو خشي فوات لقاء بعض أهل العلم الكبار كانت الرحلة في حقه هامة..
ثالثاً: قد يعيق الطالب عن رحلته معوقات عديدة كعدم وجود زاد السفر، أو وسيلته، أو منع والديه له، أو غير ذلك من الأسباب فإنه إن لم يستطع الرحلة والانتقال بجسده عن بلده فلا يترك الرحلة عبر الوسائل الحديثة التي قربت البعيد، ويسرت كثيراً مما كان عسيراً، فينتقل عبر المواقع العلمية السلفية، وعبر مواقع أهل العلم والفضل، فيستمع ما يتيسر له سماعه، ويقرأ ما تيسرت قراءته، ويسأل ويستفهم من العلماء عبر دروسهم المباشرة، فطالب العلم يستطيع أن يحصل جملةً من فوائد الرحلة عبر الهاتف وعبر الإنترنت والوسائل الحديثة للمعرفة ..
وما هذا اللقاء إلا هو ثمرة من ثمار هذه الوسائل الحديثة، ويتحصل به الطالب على فوائد لعله لا يحصلها من أهل بلده..
رابعاً: قد رحلت في طلب العلم عدة رحلات، ومن أهم تلك الرحلات رحلتي إلى القصيم أواخر عام1412هـ وأوائل عام 1413هـ لطلب العلم على شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رَحِمَهُ اللهُ، فقد استفدت من غزير علمه، وغرر توجيهاته، وكريم أخلاقه، وعظيم حلمه وصبره، وكنت أداوم على دروسه التي في الصباح من الثامنة إلى العاشرة إبان الدورة الصيفية، والدرس الذي بعد العصر، والذي بعد المغرب، والذي بين أذان العشاء والإقامة..
مع أني في رحلتي تلك لم أكن مقتصرا على السماع من شيخنا العثيمين رَحِمَهُ اللهُ، بل كنت أبحث عن أهل العلم في تلك البلاد، والتقيت ببعضهم، وعرفت بعض أهل الأهواء الذين كانوا متصدرين للتدريس هناك بعد أن لم أكن أعرفهم أو لم أعلم أحداً تكلم فيهم قبل دراستي لقائي بهم لا سيما أن هذا كان قبل تمايز الصفوف تمايزاً ظاهراً في أكثر المناطق...
وحصلت لي مواقف حُفِرت في ذاكرتي إلى اليوم، فرحم الله شيخنا العثيمين، وأسكنه الفردوس..
مع أني كنت في فترة حضوري الدروس لا أقتصر على السماع بل أبحث، وأكتب، وأقيد، وأتذاكر مع بعض الزملاء، وأتناقش معهم نقاشاً نزيهاً مفيداً، مع التنفيس عن بعض الآلام وذكر بعض الآمال..
ثم تلي تلك الرحلة في الأهمية في حياتي رحلتي إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية أنا وزوجتي حيث قبلت في الجامعة وباشرت الدراسة فيها عام 1413هـ في كلية الحديث ..
وهذه الرحلة جعلتني أضع عصا الترحال، واستقررت في المدينة، واتخذتها لي سكناً ومثوى، ولي فيها نحو تسعة عشر عاماً، وأسأل الله أن أبقى فيها حتى الممات..
والحديث عن فوائد هذه الرحلة وعوائدها هو الحديث عن سنوات طوال من الطلب والبحث والتعلم والإفادة والاستفادة..
ومن رحلاتي الأخيرة رحلتي التي كانت في شهر الله المحرم العام الماضي 1431هـ حيث سافرت إلى مدينة حائل لعدة مقاصد منها الحصول على نسخة خطية من كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن رَحِمَهُ اللهُ وهي نسخة الشيخ حمود الشغدلي رَحِمَهُ اللهُ.
وكانت نيتي أن لا تزيد رحلتي عن يومين فاستغرقت عشرة أيام بدأتها من حائل (500 كيلو عن المدينة) ومروراً بعدة قرى إلى القصيم، ثم المجمعة ثم الرياض ثم الدمام ثم الجبيل والتي تبعد عن الكويت 200 كيلو..
فسِرْت بسيارتي في هذه الرحلة أكثر من ثلاثة آلاف كيلو حصلت فيها بحمد الله خيراً كثيراً، فالتقيت في حائل ببعض المشايخ الفضلاء كالشيخ عايد الشمري، والشيخ سعيِّد، والشيخ يوسف الطريفي، والشيخ إيهاب نادر وغيرهم، وتحصلت على نسخة خطية أخرى من فتح المجيد غير التي كنت أريد، ونسخة خطية من كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رَحِمَهُ اللهُ، وزرت بعض الإخوة في الله في بلدة الشنان قرب حائل من جهة القصيم، ثم ممرت بقرية الكدادية والتقيت بالأخ الفاضل الشيخ غازي العرماني وهو طالب علم فاضل ممن أوذي في الله لمنهجه السلفي وتحذيره من القطبيين حتى كاد يموت بسبب ضرب الحزبيين له قبل نحو 15 عاماً..
والتقيت ببعض الإخوة السلفيين في قرى ما كنت أظن أن ألتقي فيها بإخوة يجمعني بهم حب السنة ونصرتها..
ثم زرت بعض الإخوة الفضلاء في البكيرية، والتقيت ببعض طلبة العلم السلفيين، ثم زرت الشيخ الفاضل السلفي محمد بن ناصر العريني حفظه الله وأمد في عمره في مكتبه بالبدائع، وتجاذبنا أطراف الحديث، وتذاكرنا العلم، وكانت تلك الأيام أيام الجهاد ضد الحوثيين، وكان الشيخ محمد بن ناصر ممن ذهب إلى الجبهة، ووزع عليهم أموراً منها كتيبات، منها رسالتي «البشائر الإسلامية للعساكر السعودية حرسها الله رب البرية»..
ثم زرت الشيخ السلفي ناصر النويصر في المجمعة، ثم التقيت ببعض الإخوة الأفاضل في الرياض، وزرت الإفتاء وسلمت على ما أذكر على فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وأذكر أني مررت بمكتب الشيخ عبدالله بن غديان رَحِمَهُ اللهُ فما وجدته حينها..
ثم زرت بعض الإخوة في الدمام منهم الأخ الفاضل خالد العوام، وكان الشيخ عبدالقادر الجنيد مسافراً فكان بيني وبينه اتصال، ثم التقيت ببعض الإخوة الفضلاء في الجبيل..
فكانت رحلة في عشرة أيام استفدت فيها فوائد، والتقيت بعلماء وطلبة علم، وزرت إخوة في الله لم أزرهم إلا لله لا أريد منهم أي مصلحة دنيوية، وتحصلت على كتب ومخطوطات والحمد لله رب العالمين..
ومن طرائف تلك الرحلة وفوائدها أني لما خرجت من بلدة الشنان متجهاً إلى الكديدية ثم إلى القصيم مررت بنقطة تفتيش متحركة، وما اقتربت من العسكري في النقطة لم أكن ربطت حزام الأمان وهذا خطأ مني، فلما وقفت عند العسكري سألني عن أوراق السيارة فلما رآها جديدة وحديثة قال لي: يا أخي ليه ما ربطت الحزام؟
قلت له: أنا أخطأت، وكان ينبغي أن أربطه لأجل سلامتي..
ففاجئني بقوله: يا أخي نحن هنا واقفون فأظهر لنا بعض الاحترام، فاربط الحزام، ثم بعد عشرين متراً اخلعه!!!
فاستغربت من كلامه وكتمت نفسي عن الضحك على أسلوبه في كلامه!
ثم تأملت في كلامه فوجدته وجيهاً غير أنه لم يحسن صياغة العبارة، فلعل مقصوده إن العساكر يسهرون على حماية الناس، ولابد من إظهار الاحترام لهم حتى يكون هذا حافزاً معنوياً لهم، حيث يشعر الناس بأهميتهم، ولا يستخفون بهم..
ولا أظنه يقصد حقيقة اللفظ في قوله: اخلعه بعد عشرين متراً، وإنما كان فيما يظهر- يريد التعبير عن أهمية ربط الحزام والتقيد بالنظام أمام العساكر!
والذي ينبغي على المسلم أن يتقيد بالنظام الذي فيه مصلحة شرعية سواء في حضور العسكر أم في غيابهم، لأن في ذلك طاعة لولي الأمر في المعروف، وفيه مصلحة للشخص، لأن هذه الأنظمة إنما وضعت لتحقيق السلامة والأمن، وهي لا تخالف الشرع، أما إذا كان مخالفاً للشرع فهذا لا يعمل به..
ولا أريد الاسترسال في ذكر ما عاينته في رحلاتي في طلب العلم لأن هذا سيطول..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 02-05-2011, 01:33 PM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

س8:ما هي أهمية الدراسة والتتلمذ بين يدي العلماء لطالب العلم؟ ثم هل تغني هذه الشروحات والمحاضرات المسجلة وكذلك الكتب المفرغة والمسطرة عن هذه المميزات خاصة لمن كان بعيدًا عنهم؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن أهمية دراسة العلم على الشيوخ مما هو معلوم من كتاب الله وسنة النبيﷺ، وهو حال أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، وحال أصحاب الأنبياء، وحال العلماء وطلاب العلم في قديم الدهر وحديثه..
فالله جل وعلا اصطفى ملكاً من أكرم ملائكته، بل خير الملائكة على الإطلاق ليكون معلماً لرسول اللهﷺ، ومبلغاً الوحي من رب العالمين، وكان رسول اللهﷺ يعرض القرآن كاملاً على جبريل في رمضان، إلا في العام الذي توفي فيهﷺ عرضه عليه مرتين..
وجبريل عليه السلام علَّم النبيﷺ كيفية الوضوء والصلاة، وجاء جبريل عليه السلام معلماً ومظهراً آداب طالب العلم في الحديث الطويل الذي سأل فيه النبيﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها..
والنبيﷺ والأنبياء جميعاً كانوا معلمين لأممهم، وأمر الله جل وعلا بالاقتداء بهم : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام/90]
وقال الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب/21].
وكان النبي ﷺ معلماً للخير، ضرب المثل الأسمى في أدب العالم، وتعامله من تلاميذه وأصحابه، وبين للأمة الآداب التي ينبغي على العالم والطالب أن يراعيها..
وهذا كان أصحاب رسول اللهﷺ ورضي عنهم مقتفين لأثر نبيهمﷺ، فكانوا نعم المعلمين والمربينy، وكانوا لأتباعهم من المؤدبين والموجهين، وهكذا من جاء بعدهم، يأخذون العلم كابراً عن كابر، وحفظ من كلامهم:
ما كان عمر t يقوله : « ألا إن أصدق القيل قيل الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها ، ألا إن الناس لم يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم »
وقال عبد الله بن مسعودt : « لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، فإذا أخذوه عن أصاغرهم ، وشرارهم هلكوا » والمراد بالأصاغر أهل البدع والأهواء، وأهل الجهل والسفه والطيش..
وقد قال النبي ﷺ: «البركة مع أكابركم».
وقال أبو زيد سعيد بن أوس: «خذوا العلم عن أفواه الرجال، فإن الرجل يكتب أحسن ما يسمع، ويختار أحسن ما يكتب، ويحفظ أحسن ما يختار».
وقال الأوزاعي: «كان هذا العلم شيئاً شريفاً إذا كان من أفواه الرجال يتلاقونه ويتذاكرونه، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله».
فأخذ العلم عن أهله هو مسلك الصالحين قبلنا، بل هو مما عليه أهل الدين والدنيا في جميع الأعصار.
فالعالم يؤخذ عنه العلم، وما تفرق وتشتت في الكتب، ويؤخذ عنه الفقه في الدين، والفهم لمسائل الشرع وما هو يعلمه ويدرسه، ويؤخذ عنه الهدي والسَّمت الحسن، ويؤخذ عنه الحث والتحفيز وشحذ الهِمَّة.
وهذا إنما يكون إذا وفِّق لمعلِّمٍ موفَّقٍ، والله الموفق.
ولا يصار إلى طلب العلم بدون شيخ إلا عند الضرورة، فإذا وجدت الضرورة وما كان بيد طالب العلم حيلة إلا السماع من الأشرطة، أو القراءة من الكتب فلا يكلف الله نفساً إلا وسعهاً، ومن اتقى الله علمه الله، وفهمه.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «س2: هل حقيقة إن العلم لا يؤخذ إلا من أفواه العلماء، مشافهة في مجالس الدرس، أم أنه يؤخذ أيضًا من مظانه الأخرى: (الكتب والأشرطة السمعية)، دون التلقي المباشر من المشايخ والعلماء- يعني بطريقة عصامية؟»
فأجابت اللجنة : «ج2: يجب أخذ العلم عن طريق العلماء العاملين، لا عن مجرد الكتب والأشرطة؛ لأن العلماء يوضحون الغامض، ويشرحون المشْكل، ويوجهون إلى الفهم الصحيح، والكتب والأشرطة العلمية مجرد وسائل يستعان بها على طلب العلم، إذا كانت كتبًا وأشرطة موثوقة، صادرة عن علماء، لكن لا يقتصر عليها».
فطالب العلم لابد أن يكون همه أخذ العلم على يد أهل العلم، وعليه أن يتحلى بآداب طالب العلم، فحضور الدروس يحتاج إلى حضور الذهن، واستجماع الفِكْر، واهتمام النفس، ويقظة القلب، وإشغال اليد بالكتابة والتقييد للشوارد والفوائد، والتصبر، والرضى بما تيسر من الخير، والطموح إلى المزيد..
وإن تفريغ الدروس له أهميته في طلب العلم، فهو استماع وتأمل، وكتابة وتعلُّم، ومراجعة للدرس وتفَهُّمْ..
ويحيي في الطالب ملكة النظر والبحث والاستشكال-للمُشْكِلِ- للبحث عن الجواب..
وأخيراً: أنبه إلى أن المعلم والمدرس إنما يعطيك مفاتيح العلوم، وطريقة البحث، وكيفية الاستنباط، ويربي في الطالب ملكة الفهم والتدبر الصحيح، ثم إن طالب العلم ينمي مواهبه، ويُكّثِّر محفوظاته، ويوسع اطلاعه وقراءته، وهذا يكون بالحث العلمي للمسائل، وجمع أقوال العلماء فيها، والترجيح بينها إذا صار عنده مَلَكَةُ الترجيح بعد وجود مقوماته..
والله الموفق
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 02-05-2011, 01:34 PM
أبو عبيدة إبراهيم الأثري أبو عبيدة إبراهيم الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 390
شكراً: 1
تم شكره 24 مرة في 21 مشاركة
افتراضي

س9:إنَّ شرف الرحلة في طلب العلم قد سُودت فيه كتب كثيرة ، ولكنحبذا لو تذكرون لنا خلاصة في منافع الرحلة في طلب العلم!، ثم ما هي إمكانية الرحلةفي هذا الزمان والعوائق التي تحيط بها خاصة مع تجربتكم في هذا الباب؟ وكيف نستطيعتجاوز هذه الأسوار التي قد تثبطنا عن الرحلة في طلب العلم؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
أولاً: فإن الرحلة في طلب العلم الذي لا يتيسر لطالب العلم في مكان إقامته من الأمور التي حثت عليها الشريعة، وهو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومسلك الصالحين قبلنا ..
قال الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة/122]
وقال النبي ﷺ: «ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة».
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: «من خرج إلى طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع» وسنده ضعيف مداره على أبي جعفر عيسى بن ماهان الرازي، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، ورواه الضياء في الأحاديث المختارة، وإنما أوردته لأذكر كلام العقيلي رَحِمَهُ اللهُ حيث قال في كتابه الضعفاء(2/17) : «وفي فضل الخروج في طلب العلم أحاديث أسانيدها مختلفة بعضها أصلح من بعض فيها أحاديث جيدة الإسناد عن صفوان بن عسال وأبى الدرداء وغيرهما».
وقال الله جل وعلا: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة/112]
والمعتمد في المراد بالسائحين أنهم الصائمون، لكن ورد تفسيره أيضاً عن بعض التابعين بأنهم المهاجرون، وروي عن النبيﷺ أنهم المجاهدون ولا يصح الحديث، وروي عن عكرمة مولى بن عباس رضي الله عنهما أنهم طلبة العلم وسنده ضعيف ..
وقد رحل بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في طلب العلم كما في قصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، والتي قصها الله في كتابه..
والأنبياء إنما يفعلون ذلك بوحي من الله، كما أمر الله عز وجل نبيه موسى أن يرحل إلى الطور لميقات ربه، فأوحى إليه ما أوحى وأعطاه الألواح التي كتب الله فيها التوراة بيده..
وكذلك نبينا محمدﷺ رحل أعظم رحلة في التاريخ حيث أسري به من مكة إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، كل ذلك بأمر ربه، وفي سبيل طلب العلم وسماع وحي الله جل وعلا..
وكان أصحاب رسول اللهﷺ حريصين على طلب العلم، ولو احتاج ذلك إلى الرحلة لرحلوا كما قال ابن مسعود t: «لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هو أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إليه » خرجه مسلم في صحيحه.
وروى أبو عبيد في فضائل القرآن عن شيخه محمد بن كثير الثقفيوفيه لين وضعف- عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: قال أبو الدرداء t: «لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه» وحسان بن عطية لم يدرك أبا الدرداءt.
وثبت عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنه رحل من المدينة إلى مصر لسماع حديث واحد من عبدالله بن أنيس t.
وثبت عن عدد من الصحابة أيضاً، وعن جماعة من التابعين، وأتباعهم أنهم رحلوا في طلب العلم لأجل حديث ، أو تفسير آية، أو حلِّ مسألة مشكلة، ويرجع في ذلك لكتاب الخطيب البغدادي: «الرحلة في طلب الحديث».
والرحلة في طلب العلم لها فوائد ومقاصد:
1-زيادة الإيمان بطاعة الرحمن، والتقرب إلى الله بما يحبه من طلب العلم وبذل الجهد في تحصيله.
2- ما في السفر من الفوائد والمغانم، والسفر في طلب العلم ضرب من الجهاد..
3-التزود من العلم بتعلم القرآن أو تفسيره، أو العقيدة السلفية، أو الفقه، أو الحديث أو غير ذلك من علوم الشرع التي يستفيدها في رحلته عند لقائه بأهل العلم وأئمة الدين.
4-لقاء أهل العلم والفضل والاستفادة من علمهم وسمتهم وأدبهم.
5-زيادة الهمة، وتقوية العزيمة، ورفع المعنويات في طلب العلم والخير..
6- لقاء الإخوة من طلبة العلم من أقرانه، والتعرف عليهم، وإحياء روح المنافسة الشريفة..
7- علو الإسناد، وهذا كان ظاهراً في زمن الرواية، واليوم في طلب علو الإجازة، أو المشافهة بفتوى نقلت عن عالمٍ حيٍّ، وأظهر منه لقاء كبار العلماء، وأعلام العصر.
8-تذاكر العلم مع الطلاب، وإفادة الإخوة، والإفادة والاستفادة.
9- ليس الخبر كالمعاينة، فمن يسمع عن فوائد الرحلة في طلب العلم ليس كمن باشرها، وحصل بعض فوائدها وعوائدها.
10- معرفة أحوال الناس، وعاداتهم وطبائعهم عن كثب، والاستفادة من توجيهات العلماء في كيفية دعوتهم والتعامل معهم.
11- لا يخلو صاحب الرحلة أن يجد من هو خير منه فيستفيد منه، أو من هو مثله فيذاكره، أو من هو دونه فيفيده، بل من كان مثله أو دونه قد يجد عنده من العلم ما لم يكن عنده، وقد قال بعض السلف منهم ابن المبارك ووكيع والبخاري-: «لا ينبل الرجل حتى يروي عمن هو فوقه، ومن هو مثله، ومن هو دونه».
12- الرحلة ميدان اختبار، وموضع الطرائف والأخبار، فإما خير يستفيده صاحب الرحلة، أو طريفة تتحفه، أو مصيبة تختبره..
13-الرحلة لا تقتصر على طلب العلم، بل تشرع الرحلة من أجل زيارة مريض أو زيارة أخ في الله، أو صلة الرحم، أو الجهاد في سبيل الله الجهاد الشرعي، أو في طلب الرزق والسعي على العيال، أو لإعفاف نفسه، إلى غير ذلك من مقاصد الرحلات، بل حتى في طلب الأمور المباحة كالنزهة والتوسعة على الأهل والعيال بضوابطها الشرعية، وبآداب السفر المرعية...
فهذه جملة من فوائد ومقاصد الرحلة في طلب العلم.
ثانياً: الرحلة وسيلة من وسائل التحصيل، والتزود من العلم والخير، وإذا كان الطالب في بلد علم متفننين فإنه لا يرحل حتى يأخذ العلم الموجود في بلده، فإن حصله فإنه يرحل لأخذ ما ليس عند أهل بلده، أما أن يرحل ويترك العلم في بلده إلى بلد أقل منه علماً فهذا لا ينبغي..
لا سيما إن خشي برحلته فوات بعض العلم الذي في بلده..
لكن إن كان في بلد علم لكن في الرحلة يحصل علماً أكثر، أو أهم مما في بلده ، أو خشي فوات لقاء بعض أهل العلم الكبار كانت الرحلة في حقه هامة..
ثالثاً: قد يعيق الطالب عن رحلته معوقات عديدة كعدم وجود زاد السفر، أو وسيلته، أو منع والديه له، أو غير ذلك من الأسباب فإنه إن لم يستطع الرحلة والانتقال بجسده عن بلده فلا يترك الرحلة عبر الوسائل الحديثة التي قربت البعيد، ويسرت كثيراً مما كان عسيراً، فينتقل عبر المواقع العلمية السلفية، وعبر مواقع أهل العلم والفضل، فيستمع ما يتيسر له سماعه، ويقرأ ما تيسرت قراءته، ويسأل ويستفهم من العلماء عبر دروسهم المباشرة، فطالب العلم يستطيع أن يحصل جملةً من فوائد الرحلة عبر الهاتف وعبر الإنترنت والوسائل الحديثة للمعرفة ..
وما هذا اللقاء إلا هو ثمرة من ثمار هذه الوسائل الحديثة، ويتحصل به الطالب على فوائد لعله لا يحصلها من أهل بلده..
رابعاً: قد رحلت في طلب العلم عدة رحلات، ومن أهم تلك الرحلات رحلتي إلى القصيم أواخر عام1412هـ وأوائل عام 1413هـ لطلب العلم على شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين رَحِمَهُ اللهُ، فقد استفدت من غزير علمه، وغرر توجيهاته، وكريم أخلاقه، وعظيم حلمه وصبره، وكنت أداوم على دروسه التي في الصباح من الثامنة إلى العاشرة إبان الدورة الصيفية، والدرس الذي بعد العصر، والذي بعد المغرب، والذي بين أذان العشاء والإقامة..
مع أني في رحلتي تلك لم أكن مقتصرا على السماع من شيخنا العثيمين رَحِمَهُ اللهُ، بل كنت أبحث عن أهل العلم في تلك البلاد، والتقيت ببعضهم، وعرفت بعض أهل الأهواء الذين كانوا متصدرين للتدريس هناك بعد أن لم أكن أعرفهم أو لم أعلم أحداً تكلم فيهم قبل دراستي لقائي بهم لا سيما أن هذا كان قبل تمايز الصفوف تمايزاً ظاهراً في أكثر المناطق...
وحصلت لي مواقف حُفِرت في ذاكرتي إلى اليوم، فرحم الله شيخنا العثيمين، وأسكنه الفردوس..
مع أني كنت في فترة حضوري الدروس لا أقتصر على السماع بل أبحث، وأكتب، وأقيد، وأتذاكر مع بعض الزملاء، وأتناقش معهم نقاشاً نزيهاً مفيداً، مع التنفيس عن بعض الآلام وذكر بعض الآمال..
ثم تلي تلك الرحلة في الأهمية في حياتي رحلتي إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية أنا وزوجتي حيث قبلت في الجامعة وباشرت الدراسة فيها عام 1413هـ في كلية الحديث ..
وهذه الرحلة جعلتني أضع عصا الترحال، واستقررت في المدينة، واتخذتها لي سكناً ومثوى، ولي فيها نحو تسعة عشر عاماً، وأسأل الله أن أبقى فيها حتى الممات..
والحديث عن فوائد هذه الرحلة وعوائدها هو الحديث عن سنوات طوال من الطلب والبحث والتعلم والإفادة والاستفادة..
ومن رحلاتي الأخيرة رحلتي التي كانت في شهر الله المحرم العام الماضي 1431هـ حيث سافرت إلى مدينة حائل لعدة مقاصد منها الحصول على نسخة خطية من كتاب فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد للشيخ عبدالرحمن بن حسن رَحِمَهُ اللهُ وهي نسخة الشيخ حمود الشغدلي رَحِمَهُ اللهُ.
وكانت نيتي أن لا تزيد رحلتي عن يومين فاستغرقت عشرة أيام بدأتها من حائل (500 كيلو عن المدينة) ومروراً بعدة قرى إلى القصيم، ثم المجمعة ثم الرياض ثم الدمام ثم الجبيل والتي تبعد عن الكويت 200 كيلو..
فسِرْت بسيارتي في هذه الرحلة أكثر من ثلاثة آلاف كيلو حصلت فيها بحمد الله خيراً كثيراً، فالتقيت في حائل ببعض المشايخ الفضلاء كالشيخ عايد الشمري، والشيخ سعيِّد، والشيخ يوسف الطريفي، والشيخ إيهاب نادر وغيرهم، وتحصلت على نسخة خطية أخرى من فتح المجيد غير التي كنت أريد، ونسخة خطية من كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب رَحِمَهُ اللهُ، وزرت بعض الإخوة في الله في بلدة الشنان قرب حائل من جهة القصيم، ثم ممرت بقرية الكدادية والتقيت بالأخ الفاضل الشيخ غازي العرماني وهو طالب علم فاضل ممن أوذي في الله لمنهجه السلفي وتحذيره من القطبيين حتى كاد يموت بسبب ضرب الحزبيين له قبل نحو 15 عاماً..
والتقيت ببعض الإخوة السلفيين في قرى ما كنت أظن أن ألتقي فيها بإخوة يجمعني بهم حب السنة ونصرتها..
ثم زرت بعض الإخوة الفضلاء في البكيرية، والتقيت ببعض طلبة العلم السلفيين، ثم زرت الشيخ الفاضل السلفي محمد بن ناصر العريني حفظه الله وأمد في عمره في مكتبه بالبدائع، وتجاذبنا أطراف الحديث، وتذاكرنا العلم، وكانت تلك الأيام أيام الجهاد ضد الحوثيين، وكان الشيخ محمد بن ناصر ممن ذهب إلى الجبهة، ووزع عليهم أموراً منها كتيبات، منها رسالتي «البشائر الإسلامية للعساكر السعودية حرسها الله رب البرية»..
ثم زرت الشيخ السلفي ناصر النويصر في المجمعة، ثم التقيت ببعض الإخوة الأفاضل في الرياض، وزرت الإفتاء وسلمت على ما أذكر على فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله، وأذكر أني مررت بمكتب الشيخ عبدالله بن غديان رَحِمَهُ اللهُ فما وجدته حينها..
ثم زرت بعض الإخوة في الدمام منهم الأخ الفاضل خالد العوام، وكان الشيخ عبدالقادر الجنيد مسافراً فكان بيني وبينه اتصال، ثم التقيت ببعض الإخوة الفضلاء في الجبيل..
فكانت رحلة في عشرة أيام استفدت فيها فوائد، والتقيت بعلماء وطلبة علم، وزرت إخوة في الله لم أزرهم إلا لله لا أريد منهم أي مصلحة دنيوية، وتحصلت على كتب ومخطوطات والحمد لله رب العالمين..
ومن طرائف تلك الرحلة وفوائدها أني لما خرجت من بلدة الشنان متجهاً إلى الكديدية ثم إلى القصيم مررت بنقطة تفتيش متحركة، وما اقتربت من العسكري في النقطة لم أكن ربطت حزام الأمان وهذا خطأ مني، فلما وقفت عند العسكري سألني عن أوراق السيارة فلما رآها جديدة وحديثة قال لي: يا أخي ليه ما ربطت الحزام؟
قلت له: أنا أخطأت، وكان ينبغي أن أربطه لأجل سلامتي..
ففاجئني بقوله: يا أخي نحن هنا واقفون فأظهر لنا بعض الاحترام، فاربط الحزام، ثم بعد عشرين متراً اخلعه!!!
فاستغربت من كلامه وكتمت نفسي عن الضحك على أسلوبه في كلامه!
ثم تأملت في كلامه فوجدته وجيهاً غير أنه لم يحسن صياغة العبارة، فلعل مقصوده إن العساكر يسهرون على حماية الناس، ولابد من إظهار الاحترام لهم حتى يكون هذا حافزاً معنوياً لهم، حيث يشعر الناس بأهميتهم، ولا يستخفون بهم..
ولا أظنه يقصد حقيقة اللفظ في قوله: اخلعه بعد عشرين متراً، وإنما كان فيما يظهر- يريد التعبير عن أهمية ربط الحزام والتقيد بالنظام أمام العساكر!
والذي ينبغي على المسلم أن يتقيد بالنظام الذي فيه مصلحة شرعية سواء في حضور العسكر أم في غيابهم، لأن في ذلك طاعة لولي الأمر في المعروف، وفيه مصلحة للشخص، لأن هذه الأنظمة إنما وضعت لتحقيق السلامة والأمن، وهي لا تخالف الشرع، أما إذا كان مخالفاً للشرع فهذا لا يعمل به..
ولا أريد الاسترسال في ذكر ما عاينته في رحلاتي في طلب العلم لأن هذا سيطول..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:12 AM.


powered by vbulletin