أكـــــابر و أصــــاغر
عن أبي أمية الجمحى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من اشراط الساعة ثلاثا: إحداهن أن يلتمس العلم عند الاصاغر) قال نعيم : قيل لابن المبارك : من الاصاغر ؟ قال: الذين يقولون برأيهم فأما صغير يروى عن كبير فليس بصغير . وذكر أبو عبيد في تأويل هذا الخبر عن ابن المبارك انه كان يذهب بالاصاغر إلى أهل البدع ولا يذهب إلى السن. قال أبو عبيد: وهذا وجه. قال أبو عبيد: والذي أرى أنا في الاصاغر أن يؤخذ العلم عمن كان بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذاك اخذ العلم عن الاصاغر. عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( البركة مع أكابركم ). كان عمر رضي الله عنه يقول: (( ألا إن اصدق القيل: قيل الله، وأحسن الهدى: هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، ألا إن الناس لم يزالوا بخير ما أتاهم العلم عن أكابرهم.)) عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (( قد علمت متى صلاح الناس وفسادهم: إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا.)) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (( لا يزال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم، فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا )). قال عبد الله بن مسعود: (( لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل أكابرهم، فإذا أتاهم من قبل اصاغرهم هلكوا )). عن عبد الله قال: (( إنكم لا تزالون بخير مادام العلم في أكابركم، فإذا كان العلم في صغاركم سفه الصغير الكبير )). عن عبد الله بن مسعود قال: (( لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا جاءهم العلم من قبل اصاغرهم فذلك حين هلكوا )). قال أبو عمر: قد تقدم في تفسير ابن المبارك وأبي عبيد لمعني الاصاغر في هذا الباب ما رأيت، وقال بعض أهل العلم: إن الصغير المذكور في حديث عمر وما كان مثله في الأحاديث إنما يراد به الذي يستفتي ولا علم عنده، وان الكبير هو العالم في أي شئ كان.
وقالوا: (( الجاهل صغير وان كان شيخا، والعالم كبير وان كان حدثا ّ)) . واستشهد بعضهم بان عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يستفتى وهو صغير، وان معاذ بن جبل وعتاب بن اسيد كانا يفتيان وهما صغيرا السن، وولاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الولايات مع صغر أسنانهما، ومثل ذلك في العلماء كثير.
ويحتمل أن يكون معنى الحديث على ما قال ابن المعتز : (( عالم الشباب محقور، وجاهله معذور )) والله اعلم بما أراد، وقال آخرون : إنما معنى حديث ابن عمر وابن مسعود في ذلك أن العلم إذا لم يكن عن الصحابة كما في حديث ابن مسعود، ولا كان له أصل في القران والسنة والإجماع، فهو علم يهلك به صاحبه، ولا يكون حامله إماما ولا أمينا و لا مرضياكما قال ابن مسعود رضي الله عنه، والى هذا نزع أبو عبيد رحمه الله. ونحوه ما جاء عن الشعبي: (( ما حدثوك عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فشد عليه يدك، وما حدثوك من رأيهم فبل عليه)). ومثله أيضا قول الاوزاعى: (( العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما لم يجئ عن واحد منهم فليس بعلم )) . وقد يحتمل حديث هذا الباب أن يكون أراد أن أحق الناس بالعلم والتفقه أهل الشرف والدين والجاه، فان العلم إذا كان عندهم لم تأنف النفوس من الجلوس إليهم، وإذا كان عند غيرهم وجد الشيطان السبيل إلى احتقارهم، وواقع في نفوسهم أثرة الرضا بالجهل أنفة من الاختلاف إلى من لا حسب له ولا دين، وجعل ذلك من اشراط الساعة وعلاماتها، ومن أسباب رفع العلم، والله اعلم أي الأمور أراد عمر رضي الله عنه بقوله، فقد ساد بالعلم قديما الصغير والكبير ، ورفع الله عز وجل به درجات من أحب.
ومما يدل على أن الأصاغر من لا علم عنده ما ذكره: عبد الرزاق وغيره، عن معمر، عن الزهرى قال : (( كان مجلس عمر مغتصبا من القراء شبابا وكهولا، فربما استشارهم ويقول : لا يمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأيه، فان العلم ليس على حداثة السن وقدمه، ولكن الله يضعه حيث يشاء
جامع بيان العلم و فضله. ص:216