كلام أهل العلم في تقديم الجرح المفسر علي التعديل المجمل
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله ، أما بعد:
فهذه أقوال أهل الحديث في تقرير هذه القاعدة العظيمة التي شغب عليها المشغبون وراحوا يخالفون أهل العلم في تقريرها ، ألا وهي:
"الجرح المفسر مقدم علي التعديل المجمل"
قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في "الكفاية" (175-176):
"باب القول في الجرح والتعديل إذا اجتمعا أيهما أولي:
اتفق أهل العلم علي أن من جرحه الواحد والاثنان وعدله مثل عدد من جرحه فإن الجرح به أولي.
والعلة في ذلك: أن الجارح يخبر عن أمر باطن قد علمه ، ويصدق المعدل ويقول له قد علمت من حاله الظاهرة ما علمتها وتفردت بعلم لم تعلمه من اختبار أمره وإخبار المعدل عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدق قول الجارح فيما أخبر به ؛ فوجب لذلك أن يكون الجرح أولي من التعديل"ا.هـ
وقال ابن الصلاح -رحمه الله- في "مقدمته" (ص99): "إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل ، فالجرح مقدم، لأن المعدل يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي علي المعدل ، فإذا كان عدد المعدلين أكثر فقد قيل: التعديل أولي ، والصحيح والذي عليه الجمهورأن الجرح أوليلما ذكرناه ، والله أعلم" ا.هـ
وقال الزركشي -رحمه الله- في "النكت علي ابن الصلاح" (3/ 361-362):
"قوله: "فإن كان عدد المعدلين أكثر ، فقد قيل: التعديل أولي".
يعني لأن الكثرة تقوي الظن ، والعمل بأقوي الظنين واجب كما في تعارض الحديثين والأمارتين ، والصحيح تقديم الجرحلما ذكرنا ، يعني لأن تقديم الجرح إنما هو لتضمنه زيادةً خفيت عن المعدل ، وذلك موجود مع زيادة عدد المعدل ونقصه ومساواته ،فلو جرحه واحد وعدله مائة قدم قول الواحد لذلك"ا.هـ
وقال السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 188-189): "الخامس في تعارض الجرح والتعديل في راو واحد .
وقدموا-أي: جمهور العلماء- الجرح علي التعديل مطلقاً، استوي الطرفان في العدد أم لا. قال ابن الصلاح: إنه الصحيح.
وكذا صححه الأصوليون ، كالفخر ، والآمدي ، بل حكي الخطيب اتفاق أهل العلم عليه ، إذا استوي العددان ، وصنيع ابن الصلاح مشعر بذلك.
وعليه يحمل قول ابن عساكر: أجمع العلماء علي تقديم قول من جرح راوياً علي قول من عدله ، واقتضت حكاية الاتفاق في التساوي كون ذلك أولي فيما إذا زاد عدد المجرحين"ا.هـ
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في "اختصار علوم الحديث": "أما إذا تعارض جرح وتعديل فينبغي أن يكون الجرح حينئذ مفسراً. وهل هو مقدم؟ أو الترجيح بالكثرة أو بالأحفظ؟
فيه نزاع مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث ، والصحيح أن الجرح مقدم مطلقاً إذا كان مفسراً. والله أعلم"ا.هـ
هذا ، والنقل عن أهل العلم في تقريرهم لهذا الأصل يطول ، ومن أراد مزيد بسط فليرجع إلي كتاب "صيانة السلفي من وسوسة وتلبيسات علي الحلبي"(ص131،وما بعدها) .
هذا والله أعلم ، وصلي الله علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين.
منقول من مشاركة للأخ الفاضل / أحمد بن سالم الوردانـي
|