الجواب عن شبهة أثارها نصراني للطعن في الإسلام تتعلق برضاع الكبير
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد كان وردني هذا السؤال عام 2006م وتمت إجابته حينها .
السؤال:
السلام عليكم يا مسلمون
افيدوني افادكم الله في هذا الموضوع
انا طالب في استراليا و معي احد الطلبة العرب لكنة (نصراني) وقد سألني عن رضاعة الصغير 0في بداية الامر شكيت في الموضوع و قلت هذا هراء 0 ولكن بعد ذلك تأكدت بانة صحيح في ((صحيح مسلم)) كيف ارد علية لأنة يشكك في السلام وقد اسمعني زكي بطرس 0 انا ماهمني كلام بطرس انا اريد ارد علية 0انا عمري 35 وليس اشك في ديني ولكن ماعندي رد على هؤلاء الكفرة0
ارجوكم اني احترق مع اني غير (مستقيم) بس فيني غيرة على ديننا الأسلام ردوا
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاتة
اخوكم في الإسلام: صالح
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن الرضاعة تحرم ما يحرم النسب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن الرضاعة لها شروط جاءت في كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1- أن تكون وعمر الطفل الذي يرضع سنتان أو أقل لا تحرم إذا كان أكبر من ذلك..
قال تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
فبين الله تعالى في كتابه أن زمن الرضاعة سنتان ليست أكثر من ذلك.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) صححه الترمذي
وهذا الحديث الصحيح صريح في أن رضاع الكبير لا تحصل به المحرمية، ولا يصح .
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ((لاَ يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلاَّ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ)).
الشرط الثاني: أن تكون خمس رضعات ولا تحرم المصة ولا المصتان.
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( أنزل في القرأن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ من ذلك خمس رضعات وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ) رواه مسلم.
فتبين أن رضاعة الكبير الذي يزيد عمره عن سنتين لا تحرم، ولا تؤثر في المحرمية.
وأجمع العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يمس ثدي المرأة غير زوجها وكذلك الطفل الرضيع ..
فإن قيل: قد ورد حديثٌ صحيح يدل على صحة رضاع الكبير وهو ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ)) فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ.
فليس في الحديث أن سالماً التقم ثدي سهلة زوجة أبي حذيفة رضي الله عنهما، وإنما يحتمل أنها وضعت اللبن في إناء ثم شرب منه .
ويجاب عن هذا الحديث من أوجه:
الأول: الجواب من نفس صحيح مسلم (رقم 2641) حيث روى عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها كَانَتْ تَقُولُ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رَائِينَا.
فتبين أن حديث سالم مولى أبي حذيفة خاص به دون غيره من الأمة، وهذا فضيلة خص الشرع بها بعض الصحابة رضي الله عنهم، ولا تجوز لأحد غيره بنص قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) .
الثاني: أن حديث سالم كان في أول الإسلام، وقد كان معروفاً عندهم أن الرضاعة إنما دون الحولين، فأذن النبي صلى اله عليه وسلم لزوجة أبي حذيفة به، ثم نسخ ذلك بنزول قوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) وهذا الحديث روته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغها من العلم في هذا ما لم يبلغ عائشة رضي الله عنها.
وكذلك رواه عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما.
الثالث: أن رضاعة الكبير ليس فيه ما يقدح في دين الإسلام، ولا يجيز طعن طاعن، وذلك لأن الكبير الذي حاله مثل حال سالم رضي الله عنه، فرضع من حليب امرأة أصبحت أمه في الرضاعة وأصبح زوجها أباه من الرضاعة، وأصبح أبناؤها وبناتها وأبناء وبنات الزوج إخوانه وأخواته من الرضاعة .
فلا يوجب ذلك قدحاً في الإسلام، بل هذا من رحمته بسالم مولى أبي حذيفة وبأبي حذيفة وزوجته رضي الله عنهم.
والقول بعدم صحة رضاع الكبير هو قول أكثر العلماء من جميع المذاهب في جميع الأمصار.
وهو الصواب.
والله أعلم. وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبينا محمد
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
وتمت إعادة نشره في 26/ 2/ 1439 هـ