منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > منبر الحديث الشريف وعلومه

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-08-2010, 07:55 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي رد الشيخ المحقق محمد عمر بازمول على المليبارية

هذا قول الشيخ العلامة المحقق محمد بن عمر بن سالم بازمول حفظه الله، في المذهب الحديثي، الذي يدعو إليه حمزة المليباري وآخرون، الذي يفرق بين العلماء المتقدمين والمتأخرين في الحديث، وهو مقتطف من كتابه " روافد حديثية "، من صفحة 34 الطبعة الأولى سنة 1427 هـ :

(.. وقضية الاصطلاح في علم الحديث بُني عليها بعض المفاهيم، وجعلت منطلقا لقضايا فيها نظر، ومن ذلك:
1- منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين.
2- تطوير المصطلحات.
والقضيتان متداخلتان ! فأقول مستعينا بالله:

قضية منهج المتقدمين والمتأخرين:

لفظة المتقدمين والمتأخرين ليست خاصة بعلم الحديث، ففي كل علم هناك علماء وأئمة متقدمون ومتأخرون، هذه واحدة !
وهي كلمة نسبية تذكر لكل من تقدم بالنسبة لغيره ممن تأخر عنه، وإن لم يكن في عصر الأئمة الكبار، فابن حجر ( ت 852 هـ ) والسخاوي ( ت 902 هـ ) والسيوطي ( ت 911 هـ ) – رحمهم الله – من المتقدمين بالنسبة لنا، وهم متأخرون بالنسبة لمن قبلهم (1)، وهذه الثانية. [ 1: وقد رأيت العراقي ( 806 هـ ) رحمه الله في كتابه التقييد والإيضاح ( ص 183)، يتعقب قول ابن الصلاح ( ت 643 هـ ) رحمه الله، عن الإجازة لغير المعين بوصف العموم، فيقول العراقي: وإن المصنف ذكر أنه لم يَرَ ولم يسمع أن أحداً ممن يقتدى به روى بها، وقد أحسن من وقف عند ما انتهى إليه، ومع هذا فقد روى بها بعض الأئمة المتقدمين على ابن الصلاح كالحافظ أبي بكر محمد بن خير بن عمر الأموي – بفتح الهمزة - ، الإشبيلي خال أبي القاسم السهيلي ... " اه .
قلت: فانظر كيف ذكر أن ابن الخير من المتقدمين بالنسبة لابن الصلاح ! ]
والمقصود بهذه اللفظة هنا أئمة علم الحديث كمالك ( ت 179 هـ ) وابن مهدي ( ت 198 هـ ) وابن معين ( ت 233 هـ ) وعلي بن المديني ( 234 هـ ) والشافعي ( ت 204 هـ ) وأحمد بن حنبل ( 241 هـ )، وغيرهم ممن هو من بابتهم !

وقد اختلف المغالون في منهج المتقدمين ما هو الحد الزمني للمتقدمين !
فقيل: الحد الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين هو القرن الثالث، بناءً على كلمة أطلقها الذهبي ( ت 748 هـ ) رحمه الله في مقدمة كتابه " ميزان الاعتدال " ! ولا متمسك لهؤلاء في هذه الكلمة، إذ مراد الذهبي تحديد الحد الفاصل بين الرواة الذين عليهم تدور الأسانيد التي في الكتب الحديثية، مادة كتابه، ويُحتاج إلى بيان حالهم جرحا وتعديلا، وتوظيف هذه العبارة في قضية المتقدمين والمتأخرين توظيف لها في غير محلها.
وقيل: الحد الفاصل بين المتقد والمتأخر هو الزمن الذي كانت تورد فيه الأسانيد في الكتب، وآخر هذا زمن الخطيب، ( ت 463 هـ ) رحمه الله.
وقد تجد في قوة كلام من يتبنى منهج المتقدمين والمتأخرين أنه يعني بالمتقدمين العلماء الذين يستقلون في الكلام على الحديث وعلله مع سعة دائرتهم في معرفة الطرق والأسانيد والعلل.
وعلى كل حال، فإن هذه القضية – أعني: قضية المتقدمين والمتأخرين – يقررها الواقع، إذ كل ممارس لعلم الحديث يلحظ أن بعض كلام المتقدمين لا ينطبق تماما مع ما هو مشهور مقرر في كتب علوم الحديث التي استقر فيها العلم على قواعد وأصول معروفة متداولة ! بل ويجد من أهل العلم من يصرح أن هذا الاصطلاح خلاف ما جرى عند بعض أئمة الحديث المتقدمين، خذ مثلاً:
قال العراقي ( ت 806 هـ )رحمه الله ذاكراً اعتراض بعضهم على ابن الصلاح، بأنه لم يشر إلى الخلاف في الاصطلاح في مسألة، فقال حاكيا الاعتراض: ثم أجاب عليه، قال: " إن ما نقله – يعني ابن الصلاح – عن أهل الحديث من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد، فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف. وقد ذكر المصنف هذا الخلاف في النوع الثاني في التاسع من التفريعات المذكورة فيه فقال: من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح لاندراجه في نوع ما يحتج به، قال: وهو الظاهر من كلام أبي عبد الله الحاكم ( ت 405 هـ ) في تصرفاته إلى آخر كلامه، فكان ينبغي الاحتراز عن الخلاف هنا !
والجواب: أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله الخطابي عنهم في خطبة معالم السنن، فقال: اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثة أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم، ولم أر من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذلك، وإن كان في كلام المتقدمين من ذكر الحسن، وهو موجود في كلام الشافعي ( ت 204 هـ ) رضي الله عنه، والبخاري ( ت 256 هـ ) وجماعة، ولكن الخطابي ( ت 388 هـ ) نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه المصنف على ذلك هنا، ثم حكى الخلاف في الموضع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف، والله أعلم " اهـ [ التقييد والإيضاح، ص 19].
وقال ابن حجر ( ت 852 هـ ): والظاهر أن قوله – يعني ابن الصلاح في تعريفه للحديث الصحيح - : " عند أهل الحديث "، من العام الذي أريد به الخصوص، أي: الأكثر أو الذي استقر اتفاقهم عليه بعد الاختلاف. [ نقله في تدريب الراوي، 1/63].
واعترض ابن كثير ( ت 773 هـ ) رحمه الله على تقسيم ابن الصلاح الأحاديث إلى صحيح وحسن وضعيف، فقال: هذا التقسيم إن كان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح وضعيف، وإن كان بالنسبة إلى اصطلاح المحدثين فالحديث ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك، كما قد ذكره آنفاً هو وغيره أيضاً. [ اختصار علوم الحديث ص 31 ].
فتعقبه السيوطي ( ت 911 هـ ) بقوله: وجوابه أن المراد الثاني والكل راجع إلى هذه الثلاثة. [ تدريب الراوي 1/63 ].
قلت: فنظر – رحمك الله – إلى هذا التحرير حول مصطلح الصحيح، والحسن، وتقسيم الحديث إلى الأقسام الثلاثة، كيف حرروا هل هو من تقسيم علماء الحديث أو لا ؟ وهل الحسن من اصطلاحهم أو لا ؟ وهل تحكم ابن الصلاح في ذلك أو لا .
وهذا الواقع هو في حقيقته اختلاف في الاصطلاح بين المتقدمين والمتأخرين، ولا يحتاج إلى أكثر من التنبيه على ذلك عند تطبيق مسائل الحديث والجرح والتعديل، وعند التعامل مع عبارات الأئمة من أجل الوقوف على مرادهم وفهمه.
وقد يغلو بعض الناس في فهم هذا الواقع، فيبني على ما يلحظه من خلاف بين المتقدمين والمتأخرين: وجوب طرح كلام المتأخرين، وقد يمعن في تقرير ذلك فيقول: بما أن المتقدمين هم أئمة الفن فالرجوع إلى عباراتهم والوقوف على تقريراتهم هو الأصل، إذ هم طريق هذا العلم وعلى ألفاظهم وعباراتهم يقوم هذا العلم ومنه يستمد أغلب قواعده وأصوله !
وقد يزيد بعضهم الأمر فينادي بإعادة كتابة قواعد المصطلح بناء على كلام المتقدمين !
وقد يزيد بعضهم غلوّاً فيقول: لا يحق لنا إذا صحح أحد من المتقدمين حديثاً أن نخالفه فنضعفه، وكذا إذا ضعف أحد من المتقدمين حديثاً أن نخالفه فنصححه، بل غاية ما نستطيعه الترجيح بين كلامهم عند الاختلاف، بل قد تجد من يقول: يسوغ عند اختلافهم الأخذ بالقولين، فيجوِّز الأخذ بالقول ونقيضه !!
والواقع هو ما قدمته لك من أن المتأخرين حاولوا التقعيد للاصطلاح العام، ولم يخرجوا في ذلك عما قرره المتقدمون، مع تنبيههم على المصطلح الخاص إن وجد !
وعلى هذا فإن ما يبنيه بعضهم على التفريق بين منهج المتقدمين والمتأخرين من إهدار لكلام المتأخرين، أو غلق لباب الكلام على الأحاديث التي تكلموا عليها، هذا البناء غلو وأمر غير مرغوب فيه، وهو في حقيقته كلمة حق أريد بها باطل، إذ الدعوة إلى دراسة منهج المتقدمين في علوم الحديث دعوة صحيحة في أصلها، وينبغي أن تأخذ محلها من الاعتبار لدى الباحثين بلا إفراط أو تفريط.
فلا محل لتوظيف هذه الدعوة لاطراح علم الحديث جملة وتفصيلاً بحسب تقعيدات المتأخرين ! أو طرح كلام ابن الصلاح أو كلام ابن حجر ! فإن هذا لا يرضاه من أنصف ! كما أنه لإنكار فائدة بل وأهمية دراسة مناهج المتقدمين في مسائل العلم عموماً، وفي مسائل الحديث خصوصاً!
ولا ينكر هذا إلا من أشرب قلبه التعصب والتقليد المحض الذي قد يصل عند بعضهم إلى ما يشبه اعتقاد العصمة فيمن يقلده ! ولست أشك أن التوسط في القضية أن تكون قواعد علوم الحديث المقررة محل اعتماد، وأن يفتح الباب على مصراعيه للدرس والاستنباط والنظر المبني على الاستقراء التام، وآلة علمية صحيحة والاستفادة مما ينتج من ذلك في تقييد قواعد العلم وإيضاحها بل وإبطال ما قام الدليل على بطلانه من فُهومِنا غير المستقيمة على نتائج هذا الدرس والنظر !
وقد سبقت كلمة الذهبي رحمه الله حيث قال: نحن نفتقر إلى تحرير عبارات التعديل والجرح وما بين ذلك من العبارات المتجاذبة. ثم أهم من ذلك أن نعلم بالاستقراء التام: عُرْف ذلك الإمام الجهبذ، واصطلاحه ومقاصده بعباراته الكثيرة. [ الموقظة ص 83 ].
فالموقف الوسط بلا إفراط أو تفريط – وهو منهج البحث في علوم الحديث – يقوم على أساس:
- اعتماد ما جاء في كتب علم الحديث مما قرره العلماء، والبناء عليه والاستفادة منه في فهم كلام الأئمة المتقدمين في علم الحديث !
- تشجيع الدراسات المبنية على الاستقراء التام أو الأغلبي، مع صحة الآلة العلمية للاستنباط !
دون أن نفصل إحداهما عن الأخرى ! فنبدأ من حيث انتهوا، ونبني على ما أصلوا، متممين في بنائهم ما يحتاج إلى تتميم !
ولا أجدني قادراً على تجاوز هذا الموضع قبل تقرير وبيان أن الدعوة إلى منهج المتقدمين بمعنى عدم اعتماد تقريرات ابن الصلاح ومن بعده من العلماء في علوم الحديث، وإهمالها، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث، وأنها مليئة بتحكم وتطوير في مصطلح الأئمة، وأن علينا تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لعباراتهم، أقول: لا أجدني قادراً على تجاوز ذلك قبل التدليل على بطلانه.
ومن الأدلة على بطلانه أن هذا الأمر يخالف المسلمات التالية:

المسلمة الأولى: أن الاشتغال بالحاصل تحصيل حاصل !

وتوضيح ذلك: أن العمل الذي قال به ابن الصلاح والعلماء من بعده، هو خلاصة استقرائهم وتتبعهم، وتقعيدهم مبني على أصول علمية صحيحة، فالدعوة إلى الاستقراء وتقعيد القواعد، هي عودة إلى تحصيل حاصل، وتحصيل الحاصل لا فائدة فيه ! بل هو إهدار للجهد، وإضاعة للوقت بما لا ينفع !
فإن قيل: وماذا يمنع من أن نستقرئ كلام المتقدمين ونقعد القواعد من كلامهم مباشرة ؟
فالجواب: يمنع من ذلك الأمور التالية:
1- أنه تحصيل حاصل كما تقدم ! ودخول من باب لا تنتهي قضيته، فأنت تزعم أنك تستقرئ وتقعد، يأتي آخر لا يرضى ما قعدته ولا استقراءك فيعيد العملية لأنك متأخر، وهكذا بعد، وهذا كله جهد ضائع، لا مبرر له !
2- أن استقراءنا مهما زعمنا ناقص، إذا هناك كتب ومصادر علمية يذكرها ابن الصلاح في كتابه ولم نقف عليها إلى اليوم ! فمن أين لنا الاستقراء التام المزعوم أو حتى الأغلبي !
3- أننا لو خيرنا أدنى طلبة العلم بين قواعد يقعدها ناس في عصرنا هذا وبين قواعد قعدها العلماء وجروا عليها أجيالاً كثيرة مع التحرير والتدقيق، فإنهم بلا شك سيختارون الجري على القواعد المقررة ولا القواعد المحدثة !
نعم، استقرئ وتتبع بحسب ما بين يديك، وابدأ من حيث انتهى غيرك، فعسى أن تكمل نقصاً وقع في كلامه، أو توضح مبهماً جاء في عباراته، أو تقيد مطلقاً جاء بيانه!

المسلمة الثانية: ما كان لازمه باطل فهو باطل !
ويوضح هذا هنا: أن هذه الدعوة إلى طرح ما قرره العلماء من ابن الصلاح إلى اليوم، جملة وتفصيلاً، والعودة إلى استقراء لكلام أئمة الحديث والتقعيد مرة ثانية، تستلزم إلغاء جميع أحكام العلماء على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، من بعد ابن الصلاح إلى يومنا، وهذا هدم للدين، وإضاعة للسنة ! [ وقد نقل لي أحد الفضلاء أنه قرأ على الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله شيئا مما قرره بعضهم حول هذا المعنى يدعو فيه إلى صياغة علوم الحديث، وتقعيدها على أساس كلام المتقدمين، فلما سمع الشيخ هذا قال: هذا هدم للسنة ! أو قال كلمة نحوها، وقد اشتهرت هذه الكلمة عن الشيخ حماد رحمه الله في حق هؤلاء ].

المسلمة الثالثة: العبرة بالمآل، وعواقب الأمور وخواتيمها !

وذلك أن هذا القول سيؤول إلى خلل كبير، إذ لا يعود أصحابه قادرين على الحكم على حديث ما بالتصحيح أو التضعيف، خاصة عندما يختلف كلام الأئمة المتقدمين في حديث ما، أو لم يضبط مصطلحا ما لهم، فما صححه فلان ضعيف عند فلان، وهذه العبارة من فلان بهذا المعنى عند فلان وبهذا المعنى عند الآخر ! فالذي عنده غير الذي عندك !
ومعلوم أن شعب السفطسة، هي: العندية، والعنادية، واللا أدرية، ومآل هذا القول: إما إلى العناد في إثبات ما يظنونه من الحقائق، على سبيل " عنزة ولو طارت " ! وإما إلى العندية، فكل واحد منهم عنده من فهم الحقائق والمراد منها ما لي عند الآخر، وكلٌّ راضٍ بما عنده، فهذا الحق عندك وهذا الحق عندنا في المسألة الواحدة !
وأما اللا أدرية فجواب كل شيء عندها: " لا أدري ممكن كذا وممكن كذا "! وكفى بهذا سفسطة ونفياً للحقائق!

المسلمة الخامسة: أن الأمة لا تجتمع على ضلالة !

وتوضيح ذلك: أن الحكم باختلال قواعد علم الحديث التي قعدها ابن الصلاح رحمه الله، مستقرئاً لها من كلام أئمة الحديث، متبعاً تقريراتهم وكلامهم على الرواة والأحاديث، مقتدياً بمن سبقه إلى هذا كأبي عبد الله الحاكم والخطيب البغدادي، وسار عليها العلماء إلى يومنا هذا، حكم باجتماع الأمة على ضلالة، واتّهام للعلماء بالقصور والتقصير، وكفى بهذا جهلاً !

المسلمة السادسة: أن لا قدح فيما تبرئ منه !

وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
- تهمتهم بإدخال مسائل في علم الحديث هي ليست منه! كإدخالهم مبحث المتواتر في علوم الحديث، وهو ليس منها، لأن المتواتر لا يبحث عن رجاله!
والواقع أنه لا محل للاعتراض أو القدح هنا، لأن ابن الصلاح ومن تبعه من العلماء تبرءوا من ذلك، ونبهوا إلى إدراكهم هذه الأمور.
فبالنسبة إلى المتواتر نبَّه ابن الصلاح إلى أنه ليس مما تشمله صناعة الحديث، وذلك في كتابه علوم الحديث في النوع الموفي الثلاثين، حيث قال رحمه الله: ومن المشهور: المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله، وأهل الحديث لا يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص، وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره، ففي كلامه ما يُشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث، ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم ولا يكاد يوجد رواياتهم، فإنه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه ضرورة، ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه. [ علوم الحديث ص 267 ].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وإنما أبهمت شروط المتواتر في الأصل – يعني: في متن نخبة الفكر – لأنه على هذه الكيفية ليس من مباحث علم الإسناد، إذ علم الإسناد يبحث فيه عن صحة الحديث أو ضعفه ليعمل به أو يُترك من حيث صفات الرجال وصيغ الأداء، والمتواتر لا يبحث عن رجاله بل يجب العمل به من غير بحث. [ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر / العتر ( ص 41 - 42 ) ].
قلت: فكيف يُجعل ذكر المتواتر في كتب علوم الحديث دليلاً على أنهم لم يلتزموا بكلام المتقدمين، والحال أنهم تبرءوا من عهدة نسبته إلى علوم الحديث، وإنما ذكروه من أجل بيان القسمة والصورة التي يقع عليها النقل، وتحرير النقل الذي هو موضوع علم الحديث.
المسلمة السابعة: ما بني على باطل فهو باطل.

وذلك أنك لو نظرت في الحجج التي يوردها من زعم أن ابن الصلاح ومن بعده من العلماء لم يحسنوا تقعيد العلم على أصول وقواعد علم الحديث التي تبنى على كلام المتقدمين لوجدت منها:
- تحكمهم في تعريف النوع الحديثي، باختيار معنى له، دون مراعاة ما عليه بعض الأئمة المتقدمين ! كما تراهـم
في تعريف الشاذ حيث اعتمدوا تعريف الشافعي رحمه الله وأهملوا تعريف غيره ! ولو جئت إلى تعريف الشاذ، فهل سنرى هذه التهمة قائمة ؟ هل تحكم ابن الصلاح في تعريفه وأهمل تعريف غير الشافعي ؟
قال ابن الصلاح رحمه الله: " النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ: روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي رضي الله عنه: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروى غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: ثم قال: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به.
وذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به ثقة عن الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة، وذكر أنه يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علة ذلك.
قلت: أما ما حكم به الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول ! وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث " إنما الأعمال بالنيات " فإنه حديث تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد على ما هو الصحيح عند أهل الحديث.
وأوضح من ذلك في ذلك: حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته " ، تفرد به عبد الله بن دينار.

وحديث مالك عن الزهري عن أنس: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر " تفرد به مالك عن الزهري.
فكل هذه مخرّجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد، تفر به ثقة، وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة، وقد قال مسلم بن الحجاج: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يشاركه في أحد بأسانيد جياد. والله أعلم.
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم، بل الأمر في ذلك على تفصيل نُبَيّنُه، فنقول: إذا انفرد الراوي بشي نُظر فيه، فإذا انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذّاً مردوداً. وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المنفرد، فإن كان عدلاً حافظاً موثقا ً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة. وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحاً له عن حيّز الصحيح.
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف.
والثاني: الفرد الذي ليس له في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لِما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم. [ علوم الحديث / العتر ( 76 - 79 ) ].
قلت: انتبه معي للأمور التالية:
1- أن ابن الصلاح رحمه الله ذكر تعريف الشافعي والحاكم وأبي يعلى الخليلي رحمهم الله.
2- أن تعريف الحاكم رحمه الله للشاذ فيه أن الشاذ هو الحديث الذي ينفرد به الثقة وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة. وتمام كلام الحاكم أبي عبد الله يفيد أنه يريد الحديث الذي ينفرد به الثقة، ولا يوقف له على علة من جهة السند أو المتن، إنما يكون ما يكشف عن ضعفه أمر خارج، وقوة كلام الحاكم تفيد أنه يحكم عليه بالضعف !
3- أن تعريف الخليلي رحمه الله للشاذ فيه أن الحديث الغريب إذا كان عن غير ثقة متروك غير مقبول، وإذا كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به، والتطبيق العملي لهذا أن الحديث الغريب ضعيف !
4- أن ابن الصلاح لم ير تعريف الحاكم والخليلي مطابقا للواقع، إذ لا يلزم من كون الحديث غريبا لم يروه إلا راوٍ واحد عن واحد أن يكون ضعيفاً ! بدليل تصحيح البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث لأحاديث هي من هذا القبيل، ومثل لذلك بالأحاديث الغرائب في الصحيحين، وأمام هذا الواقع فإن التعريف الذي ذكره الشافعي هو المعتمد، وهو المطابق لاشتراط عدمه في تعريف الحديث الصحيح ! وحرر أن الفرد الذي يحكم بضعفه هو الحديث الغريب السند الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف.
5- أن ابن الصلاح لم يتحكم في التعريف، بل ناقش التعاريف، واستدل لما يراه مطابقاً لما عليه تصرف أئمة الحديث.
فهذه المسلمات تدل على بطلان الدعوة إلى عدم اعتماد المتأخرين – ابن الصلاح ومن بعده – في تقريراتهم وتقعيداتهم لعلوم الحديث، بدعوى أنها لا تمثل ما عليه أئمة الحديث ( المتقدمين )، وأن علينا إعادة تقعيد علوم الحديث بناء على الاستقراء التام لكلام المتقدمين، لأن كلام المتأخرين – بزعم أصحاب هذه الدعوة – مليء بالتحكم وفكرة تطوير مصطلح الأئمة !!
فإن قيل: هل يسوغ لنا مخالفة الأئمة المتقدمين على الأحاديث ؟

فالجواب:
أحكام الأئمة المتقدمين على الأحاديث هي مثل كلامهم على رواته سواء بسواء، وتوضيح ذلك من خلال تطبيقه على الحديث، فأقول:
إن كلام أئمة الحديث على الأحاديث لا يخلو من أن يكون تصحيحاً منهم للحديث، أو تضعيفاً منهم للحديث، أو اختلافاً منهم في حكم درجة الحديث، فينتج من ذلك الأقسام التالية:
القسم الأول: أحاديث اتفقوا على تصحيحها.
القسم الثاني: أحاديث اتفقوا على تضعيفها.
القسم الثالث: أحاديث اختلفوا فيها.
القسم الرابع: أحاديث لم نقف إلا على كلام بعضهم فيها.
القسم الخامس: أحاديث لم نقف لهم على كلام فيها.
فالقسم الأول والثاني لا تسعنا مخالفتهم، إذ هذا إجماع منهم !
وأما القسم الثالث فينظر ويرجح فيه بحسب القرائن !
وأما القسم الرابع فإن انفرد إمام منهم بحكم على حديث، فلم نجد من يخالفه أو يوافقه، فلا يخلو الحال من أن يكون كلامه على طريق بعينه للحديث، أو مطلقاً ! ففي الحالة الأولى لا مخالفة بين كلامه وبين ما يسفر عنه الدرس لطرق ومخارج الحديث الأخرى، التي يشملها بكلامه ! وفي الحالة الثانية ينظر في القرائن، فإذا قوّت القرائن قبول كلامه قُبِل وإلا حكم على الحديث بحسب ما تدل عليه القرائن، وإلا فإن إعمال كلام الإمام والأخذ به أولى، وهذا مثل قضية الجرح المجمل في حق من لم يوثق.
وأما القسم الخامس فإن البحث عن درجة الحديث عن طريق درس الطرق والمخارج هو الأصل، وذلك بحب ما تقرر في قواعد هذا العلم الشريف، والله الموفق.
قال البيهقي رحمه الله: إن الأخبار الخاصة المروية على ثلاثة أنواع: نوع اتفق أهل العلم بالحديث على صحته ... وأمّا النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها ... وأمّا النوع الثالث من الأحاديث فهو حديث قد اختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته، فمنهم من يضعفه بجرح ظهر له من بعض رواته، خفي ذلك عن غيره، أو لم يقف من حاله على ما يوجب قبول خبره، وقد وقف عليه غيره، أو المعنى الذي يجرحه به لا يراه غيره جرحاً، أو وقف على انقطاعه أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدراج بعض رواته قول رواته في متنه، أو دخول إسناد حديث في حديث خفي ذلك على غيره.
فهذا الذي يجب على أهل العلم بالحديث بعدهم أن ينظروا في اختلافهم، ويجتهدوا في معرفة معانيهم في القبول والرد، ثم يختاروا من أقاويلهم أصحها، وبالله التوفيق. [ دلائل النبوة للبيهقي ( 1/32-38 ) باختصار ].
قال ابن تيمية رحمه الله: إن إجماع الفقهاء على الأحكام معصوم من الخطأ، ولو أجمع الفقهاء على حكم كان إجماعهم حجة، وإن كان مستند أحدهم خبر واحد أو قياس أو عموم، فكذلك، أهل العلم بالحديث إذا أجمعوا على صحة خبر أفاد العلم وإن كان الواحد منهم يجوز عليه الخطأ لكن إجماعهم معصوم من الخطأ. [ مجموع الفتاوى ( 18/49 ) ].
قال ابن حجر رحمه الله: متى وجدنا حديثاً قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث.
وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرح بإثبات العلة، فأمّا إن وجد غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما. وكذلك إذا أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح، والله أعلم. [ النكت على كتاب ابن الصلاح ( 2/711 ) ].

وهذه إضاءات فيها تأكيد لما تقدم وزيادة بيان إن شاء الله تعالى :

إضاءة:
على كتاب ابن الصلاح دارت كتب المصطلح، مستفيدة من صور التدوين الأخرى – المشمولة في الطورين المكورين سابقا – في شرحه وتفسيره وبيانه، كما تراه في الكتب المختصرة لكتاب ابن الصلاح وشروحها، والكتب التي نكتت على ابن الصلاح مثل كتاب العراقي " التقييد والإيضاح " وكتاب ابن حجر " النكت على ابن الصلاح " رحمهما الله !
وإن شئت فقل: إن كتاب علوم الحديث لابن الصلاح ما هو إلا استقراء وتقعيد لما دون من علوم الحديث في صور التدوين الأخرى، وتوضيح هذا هو التالي:

إضاءة:
كتاب ابن الصلاح استقراء لما دوّن قبله:
اعتمد ابن الصلاح رحمه الله في تدوينه لمسائل المصطلح على كتب الخطيب البغدادي رحمه الله، و ما دوِّن من مسائل المصطلح على الصور الأربع الأخرى، وهذا ما جعل من بعده يعكفون على كتابه، وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: " من أول من صنف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل " ، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجاً وأبقى أشياء للمتعقب. ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتاباً سماه " الكفاية "، وفي آدابها كتاباً سماه " الجامع لآداب الشيخ والسامع " ، وقلَّ فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتاباً مفرداً، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه !
ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض كتاباً لطيفاً سمّاه " الإلماع "، وأبو حفص الميانجي جزءاً سمّاه " ما لا يع المحدث جهله " ، وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها، واختصرت ليتيسر فهمها، إلى أن جاء الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئاً بعد شيء، فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها خب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره. فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم من ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر. [ نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ( ص 34-36 ) وانظر النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (1/232) ].
وعكوف العلماء على هذا الكتاب أكسب كتابه من البعد والعمق العلمي في موضوعه ما لا تجده في كتاب آخر، فيكفي أن تراجع ما كتب حوله من اختصار ونظم وشروح ونكت على هذا جميعه في المسألة الواحدة لتقف على حصيلة ما جاء حول المسألة من كلام لأئمة الحديث، مع تنقيدات وتنبيهات وتنقيحات.
وهنا أقول: إن كتاب ابن الصلاح مترابط متكامل، مرتبط تمام الارتباط بالمنهج المعرفي الإسلامي، بل وفيه عرضت قواعد علوم الحديث على هيئة نظرية متكاملة مترابطة، وكل ما في الأمر أن ابن الصلاح كما تقدم قبل قليل لم يتيسر له ترتيب كتابه، إذ أملاه على طلابه في المدرسة المشرفية !
بل إن كتاب ابن الصلاح على ضوء الواقع في تصنيفه من ترابط بين موضوعاته وإن لم تكن على ترتيب متناسب، مع كونه ألقاه إملاء بغير ترتيب، دليل على أن علم الحديث متكامل مترابط له سمات النظرية المتكاملة المترابطة من قبل أن يصنف ابن الصلاح كتابه! وعرض علم الحديث على هيئة النظرية المترابطة المتكاملة هو ما تجده بوضوح عند الحافظ ابن حجر في كتابه " نخبة الفكر في مصطلح الأثر ".
إضاءة:
كتاب علوم الحديث لابن الصلاح راعى فيه ما يناسب تدريس هذا العلم، مما جعل لكتابه سمات خاصة، يحتاج إلى أن يعرفها من يتناول كتابه، من ذلك :
ابن الصلاح في الأمثلة التي يوردها إنما جرى في إيرادها على سبيل المثال لفهم المسألة محل البحث، وليس باللازم أن يكون المثال في حقيقته سالماً من التعقيب ! وقد ذكر بعض المحققين أنه لا يشترط في المثال أن يكون صحيحاً بل يستحسن فقط، [ قضاء الوطر من نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر/ لإبراهيم اللقاني المالكي/ لوحة رقم ( 26 ) بترقيمي ] وذلك لأن مقصود ذكر المثال إيضاح القاعدة لا إثباتها ! بل لقد ألمح ابن الصلاح إلى ذلك في النوع التاسع: معرفة المرسل، حينما ذكر الصورة الثانية من صور المرسل، قال: " قول الزهري وابن حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من أصاغر التابعين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكى ابن عبد البر أن قوماً لا يسمونه مرسلاً، بل منقطعاً، لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن التابعين ". اهـ.
أملى ابن الصلاح رحمه الله حاشية على هذا المكان من كتابه منبهاً على المنهج في ضرب المثال، فقال: " قوله: - الواحد والاثنين – كالمثال، وإلا فالزهري قد قيل: إنه رأى عشرة من الصحابة، وسمع منهم: أنساً وسهل بن سعد والسايب بن يزيد ومحمود بن الربيع وسنيناً أبا جميلة وغيرهم، وهو مع ذلك أكثر روايته عن التابعين، والله أعلم" اهـ. [ التقييد والإيضاح ( ص 72 ) ].
وفائدة هذا التنبيه: وذلك في قوله: " كالمثال "، الاهتمام بفهم المراد، وأن الانتقاد والتعقب على المثال، ينبغي ألاّ يبطل ما يريد ابن الصلاح قوله وتوضيحه، إذ المثال يأتي لتوضيح القاعدة، لا لتثبيتها، والله أعلم !

إضاءة:
التعريف الذي يعتمده ابن الصلاح هو ما جرى عليه جمهور أهل الحديث، أو بحسب ما قيد به في محل آخر من كتابه، مع تنبيهه على ذلك في كل موضع: خذ مثلاً: تعريف العلة والشاذ، فهو قد عرفهما بحسب شرطه في الصحيح، بل وعرف الشاذ بحسب المشهور عند أهل الفن، ثم عطف عليه التنبيه على التعاريف الأخرى للشاذ التي جرى عليها بعض أهل العلم في الحديث !
مثال آخر: قوله عند تعريف المرسل: " صورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب، وأمثالهما، إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك رضي الله عنهم، وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا". اهـ.
فانظر كيف نبه إلى الصورة التي لا خلاف فيها، ثم كيف نبه إلى التعريف المشهور، ثم كيف ذكر محل الخلاف ! وهذا تحرير بليغ منه رحمه الله !!
مثال آخر: قوله عن المنقطع: " فيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم " اهـ .

إضاءة:

ابتعد ابن الصلاح رحمه الله عن قوانين المنطق في تعريف أنواع علوم الحديث، مراعياً لاصطلاح القوم، فكان تارة يعرف بالمثال، وهو ما يسمى في صناعة الحدود بالرسم الناقص، وتارة يعرف بالحد الجامع المانع، ويستعمل عبارات دقيقة في تبيين المراد، ولا يحسن فهمها إلا من استوعب النظر فيما سبق ابن الصلاح في المسألة بعينها، ثم عاد ونظر فيما قيده ابن الصلاح فإنه سيجده – إن شاء الله تعالى – قد أحسن التلخيص والتقعيد، فكان بحق من خصائص كتابه ما وصفه به بعض الأشياخ يقوله في تعداد خصائص كتاب ابن الصلاح:" وامتاز في منهجه على ما سبقه من التصانيف بمزايا جعلته عمدة هذا الفن، نذكر منها: الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من النصوص والروايات المنقولة عن أئمة الحديث في مسائل علوم الحديث، والاكتفاء بذكر حاصلها، ولم ينقل من تلك الأخبار إلا القدر المناسب للمقام " اهـ. [ مقدمة تحقيق كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، لنور الدين عتر ( ص 19 ) ]

إضاءة:

لم يقم ابن الصلاح ولا ابن حجر – رحمهما الله – بتغيير معاني مصطلحات أئمة الحديث، إذ دعوى ذلك لا برهان عليها، والذي حصل أنهما يرحمهما الله يعرِّفان بعض الأنواع الحديثية بحسب ما يغلب على ظنهما أنه ما جرى عليه جمهور علماء الحديث، أو ما يحصل به تسهيل الوصول إلى معرفة درجة الحديث، أو نحو ذلك ! وكيف يستقيم أنهم يتحكمون في المراد من المصطلح بخلاف ما جرى عليه الأئمة قبلهم ؟ هذه والله فرية عظيمة وتهمة خطيرة لعلماء أعلام بأمر لا يليق بهم ! ألا يحق هنا أن نتهم أنفسنا قبل أن نتهم أولئك الأعلام ؟ بدلاً من أن نتشنج ونرمي مخالفنا بأنه مقلد ولا يتبع طريق السلف ! وهل نحن إلا كما قال أبو عمرو بن العلاء: " ما نحن فيما مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال " ؟! وسبق ما يشهد لهذا من تصرفهم عند حكاية الحافظ العراقي رحمه الله، اعتراض بعضهم على ابن الصلاح في مسألة تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وسقيم !
إضاءة:

ابن الصلاح في كتابه رحمه الله لم يكن سلبيا لا يناقش ولا يتعقب ما يورده من أقوال ومذاهب لأئمة الحديث في مسائل المصطلح بل كان من خصائص كتابه ومزاياه التي جعلته عمدة هذا الفن: ( التعقيب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاداته، ويصدر ذلك عادة بلفظ: " قلت "، ويشعر قارئ الكتاب أن مصنفه قد رصد مسائل العلم بدقة، وحققها تحقيقاً جعل شخصيته تتفوق على كل من سبقه، إذ لا يكاد يمر بصفحة إلا ويجد للمؤلف كلاماً واجتهاداً يبدؤه بعبارة: " قلت "، ويلاحظ أن التواضع والاحتياط غلب عليه، رحمه الله، فختم كل فقرة من كتابه بقوله: " والله أعلم ". [ مقدمة تحقيق كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، لنور الدين عتر ( ص 19 ) ]
فلم يكن رحمه الله في تقعيده وتقريره بعيداً عن مناقشة ما يورده أو تطبيقه، وما دعا إليه من غلق باب التصحيح إنما محله عنده " إذا وجدنا فيما يروى من أجواء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصاً على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته " [ من كلام ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث ( ص 16 - 17 ) ].
هذا محل هذا الغلق، وذلك وجه وجيه إذ الحكم على الحديث إنما يتأتى بعد النظر في طرقه ومخارجه، واعتبار لفظه، والحال أن الحديث إنما يروى في جزء حديثي بإسناد لم نجده في شيء من مصنفات أئمة الحديث !
ومفهوم كلام ابن الصلاح أن ورود السند في مصنفات الأئمة المعتمدة يتيح لنا الاعتماد عليه، وبالتالي لا يمنع من الحكم بالتصحيح، وهذا ما يؤكده الواقع العملي الذي جرى عليه هو نفسه رحمه الله، وجرى عليه العلماء في عصره وقبله وبعده.
فلم يكن ابن الصلاح مريدا لغلق باب المناقشة والتطبيق، كيف وهو لم يخل صفحة من كتابه من تعليق أو تعقيب أو تنبيه؟

إضاءة:

لم يهمل ابن الصلاح رحمه الله أعمال من سبقه من أئمة الأحاديث، وهذا يلمسه كل من نظر في كتابه، فهو ينقل كلام الأئمة، وله عناية بكتب الخطيب البغدادي، بل هو يعتبر كتابه جامعا لشتات علوم الحديث وفوائده، مقتنصاً لشوارد نكته وفرائده.

إضاءة:


ما جرى عليه ابن الصلاح رحمه الله من تقسيم الأنواع الحديثية، وعرضها في كتابه، لم يكن بدعاً فيه، بل هو مما جرى عليه الأئمة قبله، وفيه تقريب للعلم، وتسهيل للوصول إلى فوائده، وهذا الفصل بين مسائل العلم وجمع النظير إلى نظيره لا يؤدي أبداً إلى فصل حقيقي في ذهن المتعلم، بل يؤدي إلى حسن الفهم وتيسير التعليم، وهذا ما جرى عليه الحال في تقسيم القرآن العظيم إلى سور، فهل يقول قائل: إن الفصل على هذه الهيئة يفقد المتعلم النظرة الشمولية في معالجة قضية تخص علماً من العلوم ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم !!
وقد تحدث ابن الصلاح رحمه الله عن ما من الله تعالى به عليه فقال: " فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقي به عارفاً، منَّ الله الكريم – تبارك وتعالى – وله الحمد أجمع بكتاب " معرفة أنواع علوم الحديث "، هذا الذي باح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعد قواعده، وأنار معالمه، وبين أحكامه، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفرائده " اهـ.

إضاءة:

ابن الصلاح رحمه الله لم يزعم لكتابه القداسة، ولم يقل هو ولا غيره من العلماء بعده أن كلامه لا يتطرق إليه الخطأ، أو أنه نهاية المطاف في هذا العلم الشريف، وعليه فإن الباحث إذا تيسر له من سبل النظر والبحث ما يستطيع سلوكه، ويقدر به على التوسع في الاستقراء والتتبع لقاعدة ما من قواعد المصطلح، في كلام أئمة الحديث كأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعبد الرحمن بن مهدي وابن معين والبخاري ومسلم وغيرهم – رحمهم الله – فجاء فيها بقيد أو إيضاح، أو تنكيت أو إفادة على قواعد المصطلح المعروفة، فلا تثريب عليه ما دام قد راعى في بحثه سنن العلماء، وأدب البحث، ولا يضره حينئذٍ أصاب أو أخطأ ! وهذا هو مسلك كل من اختصر أو نظم أو شرح هذه المختصرات حول كتاب ابن الصلاح – رحمهم الله - ! وبالمقابل لا تثريب على من سار على قواعد المصطلح واتبع مهيعاً مهده العلماء، وسلك سبيلاً مختصرة موصلة إلى المقصود ! ولا حاجة إلى إبطال أحد السبيلين، وإلزام الناس بأحدهما دون الآخر، فإن الناس تتفاوت أفهامهم وقدراتهم، ولسان حالهم يقول: اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني !
نعم، إذا لزم في مسألة ما بطلان القول الآخر، مع قيام الدليل ووضوح الحجة في ذلك فحيهلا، فليس بين أحد والحق مانع أو حابس ! ولست أشبه من يطالب باستقراء جميع قواعد المصطلح والرجوع إلى كلام الأئمة فيها وإعادة التقعيد على ضوء ذلك، أشبهه بغلام آل إليه إرث عظيم في قصر مبني على قواعد وأساس متين، فتشكك فيه، فدعا إلى نقض أساسه وهدم قواعده، ليعود هو إلى بنائه مرة ثانية، بحسب ما يعتقد أنه الصواب، وهيهات هيهات !

قضية تطوير المصطلحات :

أمّا الدعوة إلى نبذ ما قرره المتأخرون، والدعوة إلى إعادة كتابة وتقعيد قواعد المصطلح، والتسور إلى ذلك من خلال الفرق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، أو ما أسماه بعضهم: تطوير المصطلحات الذي وقع فيه ابن حجر – على حد زعم هذا القائل -، فهذا إبطال وإهدار لجهود العلماء وسوء ظن بهم !
وقضية تطوير المصطلحات التي يرمي بها بعضهم الإمام ابن حجر رحمه الله يُعنى بها: " تغيير معاني المصطلحات عمّا كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، لأي غرض يظنه المُغير حسناً ". فهل يصح أن يقال: إن ابن حجر غير معاني المصطلحات الحديثية عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً لأي غرض ؟
والحقيقة: إن هذه القضية فيها نظر كبير، وهي قضية غير واضحة عند من يثيرها، إذا لوحظ الأمور التالية: [ قد أفردت – بحمد الله ومنته – رسالة بعنوان " الاصطلاح في علوم الحديث " ناقشت فيها ما أورده من اعترض على ابن حجر في كتابه نزهة النظر، وأكتفي هنا بهذه بالإشارة ! ]
أولاً: إن الاصطلاحات التي يذكرها ابن حجر إنما هي لمعانٍ معروفة، دون أدنى تغيير منه لمعنى مصطلح الأئمة أو إحداث معنى يحمله عليه !
ثانياً: ليُعلم أن ابن حجر رحمه الله – حسب ما يظهر – إنما اصطلح في قضايا تتداخل بعضها في بعض وتتشابك فيها عبارات الأئمة، أو فيها أكثر من قول، فاختار رحمه الله أحد هذه الأقوال وجعله المراد بالمصطلح، ليحصل التمايز والتباين بين الأنواع، دون مساس لمعنى المصطلح عند الأئمة بل بمراعاته !
ثالثاً: لما فهم العلماء هذا قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح ! ولم يتهموا ابن حجر بإغفاله مصطلح القوم وهجره له، أو حتى بتطوير المصطلح !
رابعاً: كلمة " مصطلح أهل الأثر " عَلَم على مسائل الدراية والرواية المتعلقة بالأحاديث، تصحيحاً وتضعيفاً، وبرواية الحديث جرحاً وتعديلاً، وليس المراد بأن هناك مصطلحاً عامّاً مقرراً لدى العلماء المتقدمين وجاء ابن حجر ورمى به ولم يلتفت إليه وغيّر معاني مصطلحاته، بل الحال كما قدمت لك في أول هذا الفصل، ولعل هذا الواقع يلقي الضوء على سبب تسمية هذا العلم بمصطلح الحديث، وذلك لغلبة الاصطلاحات الخاصة عليه في كلام المتقدمين، ومحاولة وضع الاصطلاح العام في كلام المتأخرين ! فالقضية في النهاية تدور حول تحديد مصطلح ما وتحديد المراد منه ! لا أن هناك مصطلحاً عامّاً مستقرّاً فجاء ابن حجر وخرّج عليه !! [ ليلاحظ هنا أن تسمية هذا العلم بـ " مصطلح الحديث " لم أجدها في كلام الأئمة قبل ابن حجر رحمه الله، نعم البلقيني سمّى كتابه " محاسن الاصطلاح في تضمين كتاب ابن الصلاح "، لكنه لم يجعل هذا علماً على هذا العلم، فإذا انتبهت إلى أن الحافظ سمّى رسالته " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر " علمت أنه يريد أن يقدم فيها ما انتخبه من فكره من مصطلحات أهل الأثر يطلقها على معانٍ جاءت في كلامهم ! فهو في كتابه يقدم نخبة فكره في هذه المعاني والمصطلحات التي جاءت عن أئمة أهل الحديث، فهو لم يزعم من البداية أنه سيقدم كل مصطلحات هذا العلم كما هي، إنما هو من البداية ينبه على أن مراده أن يختار بحسب فكره من مصطلحاتهم ما يطلقه على معاني هذا العلم، تأمل ! وينبني على هذا دفع اللوم الذي يوجهه بعضهم على ابن حجر، ومحصلته: كيف يضع ابن حجر كتابه في بيان مصطلح أهل الأثر، ثم هو يحصر المصطلح في أحد الأقوال فيه ؟ ]
خامساً:يؤكد ما تقدم: أننا لا نعلم أن المتقدمين اجتمعوا على وضع مصطلح خاص لمعنى معين ! كل ما في الأمر هو أن الأئمة كانوا يتكلمون على الرواة والأحاديث، كل إمام يتكلم بعبارته الخاصة وبلفظه الخاص على معنى يريد وصفه والتعبير عنه، وعليه فلم يحدث لديهم اصطلاح بمعنى اجتماعهم من أجل تحديد اسم لمعنى خاص ! إنما حصلت اصطلاحات خاصة ! حتى جاء أبو عبد الله الحاكم والخطيب البغدادي وحاولوا شيئا من ذلك، ومهدوا السبيل أمام ابن الصلاح – رحم الله الجميع - . وجاء ابن الصلاح ورسم السبيل ووضح معالمه، ووضع المصطلحات وحدد معانيها مستفيداً من تقريرات الخطيب وأبي عبد الله الحاكم وغيرهما من أهل العلم ! وواقع الحال هذا كما ترى، يصيح بقوة في نفي تهمة التحكم أو التطوير للمصطلحات عن ابن حجر ومن قبله ابن الصلاح – رحم الله الجميع - !
يا سيدي: إن ابن حجر سمّى كتابه " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر " فهو من العنوان يقول لك: أنا أعطيك نخبة فكري في مصطلح أهل الأثر، فهو يعطيك اختياراته، فإذا ما اختار في محل من هذه الرسالة شيئاً على خلاف ما ظننته مصطلحاً لأهل الأثر فهل يلحقه لوم أو تعنيف أو تثريب لأنه أعطاك اختياره، الذي أرشد من عنوانه أنه محل قصده في تصنيفه ؟ ألا يصح عندها أن تقول كما قال من سبقك " لا مشاحة في الاصطلاح " ؟ أفي هذا ما يبرر وصف ابن حجر بأنه غير معاني المصطلحات ؟

الحاصل: تحرر لديك يا طالب الحديث أن علوم الحديث تؤخذ من الكتب المؤلفة فيه، ويبنى عليها مع الاستفادة من ما ورد عن الأئمة من كلام في هذه المسائل، وتنقيح ما في الكتب التي حاولت التقعيد به، حيث إن الواقع في كتب هذا العلم أن فيها مصنفات تجمع كلام أئمة الحديث، تساق فيها عباراتهم في الجرح والتعديل ووصف الأحاديث، دون محاولة لتقعيد اصطلاح عام ! ومنها مصنفات استفادت من الكتب المصنفة على الطريقة السابقة، وانطلقت منها لتقعيد علم الحديث، فاستقرأت وقعدت، وجعلت أصولاً يبنى عليها في مسائل هذا العلم الشريف، مع التنبيه على ما خالفها من اصطلاحات خاصة !
فأنت تبني على ما قعدته هذه الكتب مع الاستفادة في تبيين المذاهب الخاصة لبعض الأئمة وعباراتهم بالرجوع إلى المصنفات التي جمعت كلام الأئمة دون محاولة للتقعيد ! وعلمت مما سبق أنه ليس بمنهج في البحث في علوم الحديث: اطراح كتب الحديث من ابن الصلاح وما بعده، فإن هذه دعوى جوفاء منتفخة فارغة كالطبل، فلا تغرك !)انتهى

منقول
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:22 AM.


powered by vbulletin