صفة الوضوء من فقه الإمام ابن عثيمين رحمه الله تعالى(1)
جمع وإعداد / صلاح بن علي الزاوي
1ـ تعريف الوضوء
التعبد لله -عز وجل- بتطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة(2).
2ـ حكم الوضوء
وهو واجب على كل محدث أراد الصلاة؛ لقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}، وهو شرط لصحتها وقبولها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا احدث حتى يتوضأ». رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
3ـ فضل الوضوء
مما ورد في فضل الوضوء: عن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
4ـ صفة الوضوء:
أ ـ أن ينوي بقلبه بدون نطق بالنية رفع الحدث أو الوضوء لما يشرع له كالصلاة؛ لأن الله -عز وجل- يعلم ما في قلبه؛ ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينطق بالنية في وضوئه ولا صلاته ولا شيء من عباداته.
والنيَّةُ شرطٌ لصحَّة العمل وقَبوله وإِجزائه؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: «إِنما الأعمال بالنيَّات»(3).
ب ـ ثم يقول: "بسم الله"، والتسمية في الوضوء سنة، فإن لم تسم فوضوءك صحيح ولا إثم عليك(4).
ج ـ ثم يغسل كفيه ثلاث مرات، وغسل الكفين قبل غسل الوجه ليس بواجب وإنما هو سنة(5).
والخاتم لا يجب نزعُه عند الوُضُوء، بل الأَوْلى أن يحرِّكَه لكن ليس على سبيل الوجوب(6).
وما يسمى "المناكير" وهو شيء يوضع في الأظفار تستعمله المرأة وله قشرة، لا يجوز استعماله للمرأة إذا كانت تصلي؛ لأنه يمنع وصول الماء في الطهارة، وكل شيء يمنع وصول الماء فإنه لا يجوز استعماله للمتوضئ، أو المغتسل(7).
د ـ ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات، بثلاث غرفات. يتمضمض ويستنشق من كف، ثم يتمضمض ويستنشق من كف، ثم يتمضمض ويستنشق من كف(8).
والاستنشاق والاستنثار والمضمضة واجبة(9).
والمضمضة: تحريك الماء داخل الفم(10).
والاستنشاق: جذب الماء بنفس إلى داخل الأنف(11).
والاستنثار: نثر الماء الذي استنشقه(12).
ولا يجب أن يزيلَ ما في فمه من بقايا الطعام فيخلِّلَ أسنانه ليدخلَ الماءُ بينها.
ولا يجبُ عليه أن يزيلَ الأسنانَ المركَّبةَ إِذا كانت تمنعُ وصول الماء إِلى ما تحتها(13).
هـ ـ ثم يغسل وجهه ثلاثًا، وحد الوجه من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحية والذقن طولًا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا.
والغسل: إمرارا الماء جريا على العضو، يعني يجري الماء عليه، احترازا من المسح على العضو، فلو مسح وجهه مسحا لم يصح وضوءه(14).
واللحية إِما خفيفةٌ، وإِما كثيفةٌ.
فالخفيفة هي التي لا تَسْتُرُ البشرة، وهذه يجب غسلُها وما تحتها، والكثيفةُ: ما تَسْتُرُ البشرة، وهذه لا يجب إِلا غسل ظاهرها فقط.
والتَّخليل له صفتان:
الأولى: أن يأخذَ كفًّا من ماء، ويجعله تحتها ويَعْرُكَها حتى تتخلَّلَ به.
الثانية: أن يأخذ كفًّا من ماء، ويخلِّلَها بأصابعه كالمشط(15).
و ـ ثم يغسل يده اليمنى ثم اليسرى من رؤوس الأصابع إلى المرفقين ثلاثًا، والمرفقان داخلان في الغسل.
والترتيب بين اليد اليمنى واليسرى ليس بواجب؛ لأن اليدين تعتبران عضوا واحدا(16).
ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك ولا يغسل إلا ذراعيه وهو خطأ(17).
ز ـ ثم يمسح رأسه بيديه مرة واحدة، يبلهما ويبدأ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، والرأس منبت الشعر من حد الوجه من الأمام، إلى أعلى العنق من الخلف، وما بين الأذنين من اليمين واليسار.
ولو غسل الرأس بدلا من المسح فإنه لا يجزئ؛ لأن الله أمر بالمسح، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(18).
ح ـ ثم يمسح أذنيه بيديه مرة واحدة، ويدخل السبابتين في صماخيهما -وهما ثقبا السمع- ويمسح بإبهاميه ظاهريهما.
وأما الغضاريف فلا يجب مسحها، وإنما المسح خاص بالصماخ وظهور الأذنين فقط(19).
والأذنان تمسحان مع الرأس لأنهما منه، ومسحهما واجب(20)، ويمسحهما جميعا مرة واحدة، فالأذنان لا ترتيب بينهما أي بين اليمين واليسار، اللهم إلا إذا كان لا يستطيع أن يمسحهما جميعا فهنا نقول: ابدأ باليمنى(21).
ط ـ ثم يغسل رجله اليمنى ثم اليسرى، من رؤوس الأصابع إلى الكعبين ثلاثًا، والكعبان داخلان في الغسل وهما العظمان الناتئان في أسفل الساق.
والترتيب بين الرجل اليمنى والرجل اليسرى ليس بواجب(22).
وهل الأفضل للابس الخفين أن يخلعهما ويغسل القدمين أو أن يمسحهما؟
الثاني هو الأفضل، ويدل له أن المغيرة بن شعبة لما أراد أن يخلع خفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما»(23).
ي ـ ثم يقول بعد ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فإنه إذا فعل ذلك، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء، هكذا صح الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قاله عمر -رضي الله عنه-(24).
5ـ تنبيهات
أ ـ يجوز أن يقتصر فيما يُغسل ثلاثًا على غسلة واحدة، وأن يقتصر على غسلتين، فالغَسْلَةُ الثَّانيةُ والثَّالثةُ من سُنَنِ الوُضُوء، والأولى واجبة(25).
ب ـ الوضوء يجب أن يكون مرتباً كما رتبه الله -عز وجل- فقال: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن}، وإذا توضأ الإنسان ونسي عضواً من الأعضاء، فإن ذكر ذلك قريباً، فإنه يغسله وما بعده، أما إن كان لم يذكر إلا بعد مدة طويلة، فإنه يعيد الوضوء من أصله(26).
ج ـ الموالاة من فروض الوضوء، ومعناها: أن لا يفرق بين أعضاء الوضوء بزمن يفصل بعضها عن بعض، مثال ذلك: لو غسل وجهه، ثم أراد أن يغسل يديه ولكن تأخر، فإن الموالاة قد فاتت، وحينئذ يجب عليه أن يعيد الوضوء من أوله(27).
د ـ لا يشترط في الوضوء مقارنة الاستنجاء خلافا للعامة الذين يظنون أنه لا يمكن أن يتوضأ إلا بالاستنجاء، الاستنجاء الغرض منه تطهير المحل فقط ولا علاقة له بالوضوء إطلاقا(28).
________________________
(1) أصل هذه المطوية: رسالة "من الأحكام الفقهية في الطهارة والصلاة والجنائز" لابن عثيمين.
(2) شرح بلوغ المرام 1/ 231.
(3) شرح زاد المستقنع 1/ 194.
(4) شرح بلوغ المرام 1/ 330 - 331.
(5) شرح بلوغ المرام 1/ 251.
(6) شرح زاد المستقنع 1/ 209.
(7) فتاوى أركان الإسلام 1/ 222.
(8) شرح بلوغ المرام 1/ 335.
(9) شرح بلوغ المرام 1/ 252.
(10) شرح بلوغ المرام 1/ 245.
(11) شرح بلوغ المرام 1/ 283.
(12) شرح بلوغ المرام 1/ 245.
(13) شرح زاد المستقنع 1/ 209.
(14) تفسير سورة المائدة 1/ 87 - 107.
(15) شرح زاد المستقنع 1/ 172 - 173.
(16) شرح بلوغ المرام 1/ 253.
(17) فتاوى أركان الإسلام 1/ 223 - 224.
(18) تفسير سورة المائدة 1/ 110.
(19) شرح بلوغ المرام 1/ 271.
(20) شرح بلوغ المرام 1/ 270 - 271.
(21) شرح بلوغ المرام 1/ 313.
(22) شرح بلوغ المرام 1/ 256.
(23) تفسير سورة المائدة 1/ 112.
(24) فتاوى أركان الإسلام 1/ 224
(25) شرح زاد المستقنع 1/ 179.
(26) فتاوى أركان الإسلام 1/ 219 - 220.
(27) فتاوى أركان الإسلام 1/ 218 - 219.
(28) شرح بلوغ المرام 1/ 251.