الطريقة الحديثة لضرب الدول:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
كانت الطريقة القديمة لضرب الدول هي غزوها عسكريا واحتلالها، ولكن لما تعارضت مصالح وأطماع الدول الصليبية المحتلة ونشبت بينها الحروب العالمية الأولى والثانية، وقتل منها مئات الآلاف من النصارى، مصداق قول الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، ولما كان الأمر كذلك، اخترعوا (الأمم المتحدة) و(مجلس الأمن الدولي) للتنسيق بينهم فيما يريدون ضربه من الدول؛ لئلا تقع بينهم الحروب.
فدفع الله شرهم عن الناس كما قال سبحانه: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في ((تيسيير الكريم الرحمن)): (فإن قلت: نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة، وحكومة غير منظمة، مع أنهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج، بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم عامرة، وأهلها آمنون مطمئنون، مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها، والله أخبر أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لهدمت هذه المعابد، ونحن لا نشاهد دفعا.
أجيب بأن هذا السؤال والاستشكال، داخل في عموم هذه الآية وفرد من أفرادها، فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها، وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت ولايتها، وداخل في حكمها، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة، وجزء من أجزاء الحكومة، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها، أو مالها، أو عملها، أو خدمتها، فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب، الدينية والدنيوية، وتخشى إن لم تفعل ذلك أن يختل نظامها، وتفقد بعض أركانها، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم، خصوصا المساجد، فإنها -ولله الحمد- في غاية الانتظام، حتى في عواصم الدول الكبار.
وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين، مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة، فتبقى الحكومة المسلمة، التي لا تقدر تدافع عن نفسها، سالمة من ضررهم، لقيام الحسد عندهم، فلا يقدر أحدهم أن يمد يده عليها، خوفا من احتمائها بالآخر، مع أن الله تعالى لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين، ما قد وعد به في كتابه.
وقد ظهرت -ولله الحمد- أسبابه [بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل] فنحمده ونسأله أن يتم نعمته، ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } أي: يقوم بنصر دينه، مخلصا له في ذلك، يقاتل في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا) اهـ.
ولكن لما كانت عداوتهم للإسلام مستمرة إلى قيام الساعة، وأطماعهم المتضاربة لا تنتهي، مع خوف بعضهم من بعض فقد اخترعوا طريقة حديثة لضرب ما يريدون من الدول، ألا وهي (ضرب الدولة من داخلها)، بواسطة فئة من شعبها، عن طريق دعم هذه الفئة بالمال والسلاح والمعلومات، وغير ذلك.
ومن هنا ظهرت الثورات في الشرق الأوسط، أو ما يسمى بالربيع العربي، ومن ذلك أيضًا ما يحدث في أوكرانيا.
هذا ما أتصوره، والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.
فاللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام احفظ بلاد المسلمين ورد كيد أعدائهم، واجعل تدبيرهم تدميرهم.
وصل اللهم على نبيك وخليلك محمد، والحمد لله رب العالمين.
كتبه/ أبو عبد الله فارس جلال.