منتديات منابر النور العلمية

منتديات منابر النور العلمية (http://m-noor.com//index.php)
-   المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام (http://m-noor.com//forumdisplay.php?f=5)
-   -   (( مختصر زاد المعاد )) (http://m-noor.com//showthread.php?t=8323)

أبو موسى أحمد الأردني 06-25-2011 10:28 PM

(( مختصر زاد المعاد ))
 
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- القائل: «من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدِّين».
أمَّا بعدُ :
فهذه سلسلة مباركة أنقُل فيها -بإذن الله تعالى- وعلى شكل حلقات متتالية- كتاب الإمام المجدد: «محمد بن عبد الوهاب التميمي» -رحمه الله تعالى-: «مختصر زاد المعاد» للإمام العلم شيخ الإسلام الثاني، ابن قيِّم الجوزية –رحمه الله تعالى-، قاصدًا من هذا العمل وجه الله أولًا، ومساعدة من لا يُسعفه وقته إمَّا لانشغاله، أو لجلوسه ساعات طويلة خلف شاشات الحاسوب، وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) (!)، مما يَذهب بالكثير من الأوقات التي يستفيد منها طالب العلم..
وبما أنَّ الكتاب مختصر ومقسَّم إلى فصول بلغت الستين (60) فصلًا، سأجعل المشاركات بعدد فصول الكتاب، ولن أعلق على شيء من أصل الكتاب إلَّا إذا اقتضى الأمر توضيح ضعف حديث أو نقل فائدة زائدة، ولن أفعل هذا -في الغالب- كثيرًا..
والله أسأل الإخلاص في القول والعمل، والمسامحة على الزلل والخطل، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه والتَّابعين


وكتب:
في ليلة الأحد
لخمس بقين من شهر رجب
سنة: 1432هـ
أبو موسى الأردني
أحمد بن عيَّاش بن موسى الغرايبة
-غفر الله له ولوالديه-
آمين
والحمد لله ربِّ العالمين

***************************************
[مقدمة المؤلف]


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الثقة والعصمة الحمد لله رب العالمين، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والاختيار. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68] والمراد بالاختيار: هو الاجتباء والاصطفاء، وقوله: ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: 68] أي: ليس هذا الاختيار إليهم، فكما أنه المتفرد بالخلق، فهو المتفرد بالاختيار منه، فإنه أعلم بمواقع اختياره، كما قال تَعَالَى: ﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام: 124] وكما قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ [الزخرف: 31 - 32] فأنكر سبحانه عليهم تخيرهم، وأخبر أن ذلك إلى الذي قسم بينهم معيشتهم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات.
وقوله: ﴿سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68] نزَّه نفسه عما اقتضاه شركهم من اقتراحهم واختيارهم، ولم يكن شركهم متضمنًا لإثبات خالق سواه حتى ينزه نفسه عنه. والآية مذكورة بعد قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ [القصص: 67].
وكما أنه خلقهم اختار منهم هؤلاء، وهذا الاختيار راجع إلى حكمته سبحانه، وعلمه بمن هُوَ أَهْلٌ لَهُ، لَا إِلَى اخْتِيَارِ هَؤُلَاءِ واقتراحهم.
وهذا الاختيار فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ.
وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي من تشاء إلى صراط مستقيم» [مسلم : (770)] .
وكذلك اختياره سبحانه الأنبياء من ولد آدم، واختياره الرسل منهم، واختياره أولي العزم منهم، وهم الخمسة المذكورون في سورتي الأحزاب والشورى واختياره مِنْهُمُ الْخَلِيلَيْنِ: إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وسلم وعليهم أجمعين.
وَمِنْ هَذَا اخْتِيَارُهُ سُبْحَانَهُ وَلَدَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ خُزَيْمَةَ، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ وَلَدِ كِنَانَةَ قُرَيْشًا ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واختار أمته على سائر الأمم. كما في المسند عن معاوية بن حيدة مرفوعًا: «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ».
وفي «مسند البزار» من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: «إن الله سبحانه قال لعيسى بن مريم: «إني باعث بَعْدَكَ أُمَّةً إِنْ أَصَابَهُمْ مَا يُحِبُّونَ حَمِدُوا وَشَكَرُوا، وَإِنْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ احْتَسَبُوا وَصَبَرُوا، وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ هَذَا وَلَا حِلْمَ وَلَا عِلْمَ؟ قَالَ: أعطيهم من حلمي وعلمي».

(( يتبع الفصل الأول من الكتاب ))
إن شاء الله تعالى

أبو عبد الرحمن الجزائري 06-25-2011 10:51 PM

جزاك ربي خيرا أخي أبا موسى

أبو موسى أحمد الأردني 06-26-2011 08:28 PM

«مختصر زاد المعاد»
..::[2]::..
[فَصْلٌ اخْتَصَّ اللهُ نَفْسَهُ بِالطَّيِّبِ]
اختص الله نفسه بالطيب والمقصود أن الله سبحانه اختار من كل جنس أطيبه، فاختصهم لنفسه، فإنه سبحانه وتعالى طَيِّبٌ لَا يُحِبُّ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَلَا يَقْبَلُ من القول والعمل والصدقة إلا الطيب.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ عُنْوَانُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ وَشَقَاوَتِهِ، فَإِنَّ الطَّيِّبَ لَا يُنَاسِبُهُ إِلَّا الطَّيِّبُ وَلَا يَرْضَى إِلَّا بِهِ، وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا إِلَيْهِ، وَلَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ إِلَّا بِهِ.
فَلَهُ مِنَ الْكَلَامِ الكلام الطيب الذي لا يصعد إلى الله إلا هو، وهو أشد نفرة عن الفحش في المقال وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَكُلِّ كَلَامٍ خَبِيثٍ.
وَكَذَلِكَ لَا يَأْلَفُ مِنَ الْأَعْمَالِ إلا أطيبها، وهي التي أجمعت عَلَى حُسْنِهَا الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ مَعَ الشَّرَائِعِ النَّبَوِيَّةِ، وزكتها العقول الصحيحة، مثل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبب إليه بجهده، وَيُحْسِنَ إِلَى خَلْقِهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَفْعَلَ بِهِمْ ما يحب أن يفعلوه به.
وله من الأخلاق أطيبها، كالحلم والوقار، والصبر والرحمة، والوفاء والصدق، وسلامة الصدر، والتواضع، وصيانة الوجه عن بذل وتذلله لغير الله.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ مِنَ الْمَطَاعِمِ إِلَّا أَطْيَبَهَا، وهو الحلال الهنيء الَّذِي يُغَذِّي الْبَدَنَ وَالرُّوحَ أَحْسَنَ تَغْذِيَةٍ مَعَ سَلَامَةِ الْعَبْدِ مِنْ تَبِعَتِهِ.
وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَارُ من المناكح إلا أطيبها، ومن الأصحاب إلا الطيبين. فهذا ممن قال الله فيهم: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 32] ومن الذين تقول لَهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزُّمَرِ: 73] وَهَذِهِ الْفَاءُ تَقْتَضِي السَّبَبِيَّةَ، أَيْ: بِسَبَبِ طيبكم فادخلوها. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور: 26].
ففسرت بالكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين، والكلمات الطيبات للرجال الطيبين.
وفسرت بالنساء الطيبات للرجال الطيبين وبالعكس، وهي تعم ذلك وغيره.
والله سبحانه جَعَلَ الطَّيِّبَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَجَعَلَ الْخَبِيثَ بحذافيره في النار، فدار أخلصت للطيب، ودار أخلصت للخبيث، ودار مزج فيها الخبيث بالطيب، وهي هذه الدار، فإذا كان يوم المعاد، ميز الله الخبيث من الطيب، فعاد الأمر إلى دارين فقط.
والمقصود أن الله جعل للشقاوة والسعادة عنوانا يعرفان به، وقد يكون في الرجل مادتان، فأيهما غلبت عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ أَرَادَ اللهُ بعبده خيرًا طهره قبل الموافاة فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار. وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره العبد في داره بخبائثه، فيدخله النار طهرة له، وإقامة هذا النوع فيها على حسب سرعة زوال الخبائث وبطئها.
ولما كان المشرك خبيث الذات، لم تطهره النار، كالكلب إذا دخل البحر.
ولما كان المؤمن الطيب بريئًا مِنَ الْخَبَائِثِ، كَانَتِ النَّارُ حَرَامًا عَلَيْهِ، إِذْ ليس فيه ما يقتضي تطهيره، فسبحان من بهرت حكمته العقول.

أبو موسى أحمد الأردني 06-27-2011 11:14 AM

«مختصر زاد المعاد»



..::[3]::..



[فَصْلٌ فِيْ وُجُوْبِ مَعْرِفَةِ هَدْيِ الرَّسُوْلِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-]


ومن ههنا يعلم اضْطِّرَارَ الْعِبَادِ فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ الرسول [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وما جاء به، فإنه لا سبيل إلى الفلاح إلا على يديه، ولا إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهته، فأي حاجة فرضت وضرورة عرضت، فضرورة العبد إلى الرسول [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] فوقها بكثير.

وما ظنك بمن إن غَابَ عَنْكَ هَدْيُهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ طَرْفَةَ عين فسد قلبك، وَلَكِنْ لَا يُحِسُّ بِهَذَا إِلَّا قَلْبٌ حَيٌّ، وما لجرح بميت إيلام، وإذا كانت السعادة معلقة بهديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ من أحب نجاة نفسه أَنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيِهِ وَسِيرَتِهِ وَشَأْنِهِ مَا يخرج به عن خطة الجاهلين.

وَالنَّاسُ فِي هَذَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ وَمَحْرُومٍ، وَالْفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذو الفضل العظيم.

أبو موسى أحمد الأردني 06-27-2011 09:14 PM

«مختصر زاد المعاد»


..::[4]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْوُضُوءِ]



كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِي غَالِبِ أَحْيَانِهِ، وَرُبَّمَا صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.
وَكَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ تَارَةً وَبِثُلُثَيْهِ تَارَةً، وَبِأَزْيَدَ مِنْهُ تارة. وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ النَّاسِ صَبًّا لِمَاءِ الْوُضُوءِ، ويُحذِّر أمته من الإسراف فيه، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا.
وَفِي بَعْضِ الْأَعْضَاءِ مَرَّتَيْنِ، وَبَعْضِهَا ثَلَاثًا.
وَكَانَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ تَارَةً بِغَرْفَةٍ، وَتَارَةً بِغَرْفَتَيْنِ، وَتَارَةً بِثَلَاثٍ، وَكَانَ يَصِلُ بَيْنَ المضمضة والاستنشاق. وكان يستنشق باليمين وينتثر باليسرى، وكان يمسح رأسه كله تارة، وتارة يقبل بيديه ويدبر بهما.
ولم يصح أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ الْبَتَّةَ، ولكن كان إذا مسح على ناصيته كمَّل على العمامة، ولم يتوضأ إِلَّا تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ أخل بهما مرة واحدة.
وقد صرح الإمام ابن القيم في أكثر من موضع من كتبه: بوجوب المضمضة والاستنشاق. وكذلك الوضوء مرتبًا متواليًا، ولم يخلَّ به مرة واحدة، وَكَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُونَا فِي جوربين أو خفين، ويمسح أُذنيه مع رأسه ظاهرهما وباطنهما.
وكل حديث في أذكار الوضوء التي تقال عليه كذب، غير التسمية في أوله، وقول: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ المتطهرين» في آخره.
وحديث آخر في سنن النسائي: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» وَلَمْ يَكُنْ يقول في أوله: نويت. ولا أحد من الصحابة ألبتة.
وَلَمْ يَتَجَاوَزِ الثَّلَاثَ قَطُّ [قلت: أي في عدد مرات غسل الأعضاء].
وَكَذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عنه أنه تجاوز المرفقين والكعبين. ولم يكن يعتاد تنشيف أعضائه.
وكان يخلل لحيته أحيانًا ولم يواظب على ذلك، وكذلك تخليل الأصابع ولم يكن يحافظ عليه، وأما تحريك الخاتم فروي فيه حديث ضعيف.
وصح عنه أنه مسحفي الحضر والسَّفر، وَوَقَّتَ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ولياليهن، وكان يمسح ظاهر الخفين، ومسح على الجوربين، وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا وَمَعَ النَّاصِيَةِ، ولكن يحتمل أن يكون خاصًا بحال الحاجة، ويحتمل العموم وهو أظهر.
وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ ضِدَّ حَالِهِ الَّتِي عَلَيْهَا قدماه، بل إن كانتا في الخفين مسح، وإن كانتا مكشوفتين غسل.
وكان يتيمم بضربة واحدة للوجه والكفين، ويتيمم بِالْأَرْضِ الَّتِي يُصَلِّي عَلَيْهَا تُرَابًا كَانَتْ أَوْ سَبْخَةً أَوْ رَمْلًا.
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وطهوره» وَلَمَّا سَافَرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قطعوا تلك الرمال وَمَاؤُهُمْ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ، وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ حَمَلَ مَعَهُ التُّرَابَ، وَلَا أَمَرَ بِهِ، ولا فعله أحد من أصحابه. وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا قَطَعَ بِأَنَّهُ كَانَ يَتَيَمَّمُ بالرمل.
وجعله قائمًا مقام الْوُضُوءِ [قلت: يعني التيمم، حال فقد الماء] ..

أبو موسى أحمد الأردني 06-30-2011 10:07 PM

«مختصر زاد المعاد»


..::[5]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلَاةِ]

كَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَبْلَهَا، ولا تلفظ بالنية، ولا استحبه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة.
وَكَانَ دَأْبُهُ فِي إِحْرَامِهِ لَفْظَةَ: اللهُ أَكْبَرُ. لا غيرها، وكان يرفع يديه معها ممدودتي الأصابع، مستقبلا بهما الْقِبْلَةَ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، وَرُوِيَ إِلَى مَنْكِبَيْهِ، ثم يضع اليمنى على ظهر اليسرى.=قال أبو موسى: إلى هنا تنتهي عبارة الإمام ابن القيم رحمه الله-، ولا زيادة عليها في الأصل، وما يأتي من الكلام؛ هو من إضافة الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحم الله الجميع-، وفي الجملة التي أدرجها نَظَرٌ عند الأئمة فالصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم- كان يضع اليمنى على اليسرى على صدره، وانظر لزامًا: «أصل صفة الصلاة» للشيخ الألباني: (1/215).= [فوق الرسغ والساعد، ولم يصح عنه موضع وضعهما، لكن ذكر أبو داود عن علي: من السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة] .
وَكَانَ يَسْتَفْتِحُ تَارَةً بِـ: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ» وَتَارَةً يَقُولُ: «وَجَّهْتُ وجهي للذي فطر السموات وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»،
«اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، واصرف عني سيئها لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وأتوب إليك» ولكن المحفوظ أنه فِي قِيَامِ اللَّيْلِ.
وَتَارَةً يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جبريل وميكائيل وإسرافيل. .» إلى آخره. وقد تقدم.
وَتَارَةً يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السموات والأرض ومن فيهن» إلى آخره [انظر صحيح مسلم: (769)] . ثم ذكر [أي ابن القيم] نوعين آخرين، ثم قال: فكل هذه الأنواع قد صحت عنه.
وروي عنه أنه كان يستفتح بـ «سبحانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إله غيرك» ذكره أهل «السنن» والذي قَبْلَهُ أَثْبَتُ مِنْهُ.
وَلَكِنْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ أنه يَسْتَفْتِحُ بِهِ فِي مَقَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلم- ويجهر به، يعلمه الناس.
قال أحمد أذهب إِلَى مَا رُوِيَ عَنْ عمر، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَفْتَحَ بِبَعْضِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حسنا.
وَكَانَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ.
وَكَانَ يَجْهَرُ بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» تارة ويخفيها أكثر.
وَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ مَدًّا، يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَالَ: «آمِينَ» فَإِنْ كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ، وَقَالَهَا مَنْ خَلْفَهُ.
وَكَانَ له سكتتان: سكتة بين التكبيرة والقراءة، واختلف في الثانية، فروي بعد الفاتحة، وروي أنها قبل الركوع.
وقيل: بل سكتتان غير الأولى، والظاهر أنهما اثنتان فقط، وأما الثالثة فلطيفة، لأجل تراد النفس، فمن لم يذكرها، فلقصرها [قلت: موضوع السكتات فيه كلام عند الفقهاء ولمزيد تفصيل انظر: «أصل صفة الصلاة»: (1/346)، و(2/601)].
فإذا فرغ من قراءة الْفَاتِحَةِ أَخَذَ فِي سُورَةٍ غَيْرِهَا، وَكَانَ يُطِيلُهَا تَارَةً وَيُخَفِّفُهَا لِعَارِضٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، ويتوسط فيها غالبا.

أبو موسى أحمد الأردني 07-02-2011 07:40 PM

«مختصر زاد المعاد»


..::[6]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي القراءة في صَلاةِ الفَجْرِ]

وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِنَحْوِ سِتِّينَ آيَةً إلى مائة، وصلاها بـ (سورة: ق)، وصلَّاهَا بـ (سورة: الرُّومِ) ، وَصَلَّاهَا بِـ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾، وَصَلَّاهَا بسورة: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ﴾ في الركعتين كلتيهما، َوصَلَّاهَا (بالمعوذتين) ، وكان في السَّفر، وَصَلَّاهَا: فاستفتح سُورَةِ: (الْمُؤْمِنُونَ) حَتَّى إِذَا بَلَغَ ذِكْرَ مُوسَى وَهَارُونَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ.

وكان يصليها يوم الجمعة بـ: (الم السجدة)، وَ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ﴾، لِمَا اشتملتا عليه من الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَخَلْقِ آدَمَ، وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وذكر ما كان وما يكون في يوم الجمعة، كَمَا كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ الْعِظَامِ، كَالْأَعْيَادِ والجمعة بـ (سورة: ق)، وَ(اقْتَرَبَتْ)، وَ(سَبِّحْ)، وَ(الْغَاشِيَةِ).

أبو موسى أحمد الأردني 07-04-2011 03:34 PM

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[7]::..
 
«مختصر زاد المعاد»


..::[7]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي القراءة في باقي الصَّلوات]


[قراءته في الظهر]

وَأَمَّا الظُّهْرُ، فَكَانَ يُطِيلُ قِرَاءَتَهَا أَحْيَانًا، حَتَّى قَالَ أبو سعيد [الخدري رضي الله عنه-]: كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْبَقِيعِ، [سوق في المدينة]، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ، وَيُدْرِكُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطِيلُهَا. رَوَاهُ مسلم.
وَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا تَارَةً بِقَدْرِ ﴿الم - تنزيل﴾ السجدة،وَتَارَةً بِـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾، ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾.

[قراءته في العصر]

وأما العصر، فَعَلى النِّصف من قراءة الظُّهْرِ إِذَا طَالَتْ، وَبِقَدْرِهَا إِذَا قَصُرَتْ.

[قراءته في المغرب]

وَأَمَّا الْمَغْرِبُ، فَكَانَ هَدْيُهُ فِيهَا خِلَافَ عَمَلِ النَّاسِ اليوم، فإنه صلاها مرة بـ (الأعراف) في الركعتين، ومرة بـ (الطور)، ومرة بـ (المرسلات).
وأما المداومة على قراءة قصار المفصل فيها، فهو من فعل مروان [هو : ابن الحكم] . ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت قال ابن عبد البر: «روي عنه أنه قرأ في المغرب بـ ﴿المص﴾، وبـ (الصافات) ، وبـ (الدخان) و ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، وبـ (التين)، وبـ (المعوذتين)، وبـ (الْمُرْسَلَاتِ) وَأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وكلها آثار صحاح مشهورة».

[قراءته في العشاء الآخرة]

وأما عشاء الآخرة، فقرأ -صلى الله عليه وسلم- فيها بـ (التين)، وَوَقَّتَ لمعاذ فِيهَا: بِـ ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، وبـ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾، وَنَحْوِهَا.
وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ [أي على معاذٍ] قِرَاءَتَهُ فِيهَا بـ (البقرة)، وقال لَهُ: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا معاذ؟» فَتَعَلَّقَ النَّقَّارُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَا قَبْلَهَا وما بَعْدَهَا.

[قراءته في الجمعة]

وَأَمَّا الْجُمُعَةُ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَتَيِ (الجمعة)، و(المنافقين) [في الزاد: كاملتين]، وسورتي: (سبح)، و(الغاشية).

[قراءته في العيدين]

وأما الأعياد، فتارة يقرأ بـ (ق) و (اقتربت) كاملتين، وتارة بـ (سبح)، و(الغاشية)، وهذا الهدي الذي استمر عَلَيْهِ إِلَى أَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
ولهذا أخذ به الخلفاء، فقرأ أبو بكر [رضي الله عنه] في الفجر سورة (البقرة) حتى سلم قريبًا من طلوع الشمس. وكان بعده عُمر يقرأ فيها بـ (يوسف)، و(النحل)، و(هود)، و(بني إسرائيل) ونحوها.
وأما قوله: «أيكم أمّ الناس فليخفف» فالتَّخفيف أمر نسبي يُرجع فيه إِلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم-، لا إلى شهوات المأمومين.
وهديُه الذي كان يواظب عليه، هو الحاكم في كل ما تنازع فيه المتنازعون.
وكان لا يعين سورة بعينها لا يقرأ إلا بها، إلا في الجمعة والعيدين.
وكان من هديه قراءة السورة، وربما قرأها في الركعتين. وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَوَاخِرِ السُّوَرِ وَأَوْسَاطِهَا، فَلَمْ يُحْفَظْ عنه.
وأما قراءة السورتين في الركعة، فكان يفعله في النافلة. وَأَمَّا قِرَاءَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ مَعًا، فقلما كان يفعله.
وكان يطل الركعة الأولى على الثانية من كُلِّ صَلَاةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ يُطِيلُهَا، حَتَّى لَا يسمع وقع قدم.

أبو موسى أحمد الأردني 07-06-2011 09:24 PM

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[8]::..
 
«مختصر زاد المعاد»


..::[8]::..


[فَصْلٌ فِي ركوعه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-]

فإذا فرغ من القراءة، رفع يديه وَكَبَّرَ رَاكِعًا.
وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَالْقَابِضِ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ، فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَسَطَ ظهره ومده، واعتدل فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره.
فلم ينصب رأسه ولم يخفضه، بل حيال ظهره. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ».
وَتَارَةً يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ، أَوْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي».
وَكَانَ رُكُوعُهُ المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وَتَارَةً يَجْعَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ بِقَدْرِ الْقِيَامِ، وَلَكِنْ كان يفعله أحيانا في صلاة الليل وحده.
فهديه الغالب تَعْدِيلُ الصَّلَاةِ وَتَنَاسُبُهَا.
وَكَانَ يَقُولُ أَيْضًا فِي رُكُوعِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
وَتَارَةً يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي، وَبَصَرِي وَمُخِّي، وَعَظْمِي، وَعَصَبِي»، وَهَذَا إِنَّمَا حُفِظَ عَنْهُ فِي قِيَامِ الليل.
ثم يرفع رأسه قَائِلًا: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَكَانَ دَائِمًا يُقِيمُ صُلْبَهُ، إِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَيَقُولُ: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود».
وكان إذا استوى قال: «ربنا ولك الحمد» وربما قال: «اللهم ربنا لك الحمد» وأما الجمع بين اللهم والواو، فَلَمْ يَصِحَّ [قال أبو موسى: يعني -رحمه الله- لفظة: «اللهم ربنا ولك الحمد»، قال الشيخ الألباني رحمه الله- في :« أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-»، (2/681): «وأخرجه أحمد: (2/417) من طريق سُهيل عن أبيه به نحوه، وفيه: «اللهم ربنا! ولك الحمد». بزيادة الواو.وإسناده صحيح على شرط مسلم»اهـ. وقال رحمه الله- في: «أصل صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-»، (2/ 683): «إن إنكار ابن القيم في «الزاد» (1/78)، لصحة هذه الرواية الجامعة بين: (اللهم!) و: (الواو) ؛ ذهولٌ منه لا يجوز أن يُغتر به؛ لثبوتها في «البخاري» وغيره؛ ولذلك تعجب منه الزرقاني في «شرح المواهب» (7/318)، ورد عليه الحافظ في «الفتح»، (2/225)، وقد أخرجها البخاري (2/224) ، وأحمد أيضاً (2/452) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال: «سمع الله لمن حمده»؛ قال: «اللهم ربنا! ولك الحمد». وقد وجدت له طريقاً أخرى أخرجها النسائي (1/162)، وأحمد (2/270) عن عبد الرزاق قال: ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من الركوع؛ قال: «اللهم ربنا! ولك الحمد». وهذا سند صحيح على شرط الشيخين» اهـ.].
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ إِطَالَةُ هَذَا الركن بقدر الركوع، فصح عنه أنه كان يقول فيه: «اللهم ربنا لك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بينهما، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ: «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَرَّرَ فِيهِ قَوْلَهُ: «لِرَبِّيَ الْحَمْدُ، لربي الحمد».
حتى كان بقدر ركوعه.
وذكر مسلم عَنْ أنس: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» قَامَ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ. ثُمَّ يَسْجُدُ ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم فهذا هديه المعلوم، وَتَقْصِيرُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ مِمَّا تَصَرَّفَ فِيهِ أُمَرَاءُ بني أمية حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ.

أبو موسى أحمد الأردني 07-09-2011 08:47 PM

(( مختصر زاد المعاد )) ..::[9]::..
 
«مختصر زاد المعاد»


..::[9]::..


[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سُجُودِهِ]

ثُمَّ كَانَ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا، وَلَا يرفع يديه.
[قال أبو موسى: مسألة رفع اليدين مع كل تكبيرة فيها خلاف بين العلماء وقد فصل القول فيها الشيخ الألباني في «أصل صفة الصلاة»، وحسن الحديث الوارد فيها فليراجعه من أحب التفصيل في باب : (التكبير ورفع اليدين عند الهوي إلى السجود، 2/706، من الكتاب)].
وكان يضع ركبتيه ثُمَّ يَدَيْهِ بَعْدَهُمَا، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ. هذَا هو الصحيح [قلت: من أراد التفصيل فليراجع الإحالة الماضية، والخلاف في هذه المسألة مشهور، وهو عائد إلى أين هي ركبتا البعير فمن قائل في يديه ، ومن قائل في رجليه، وكلُّ بنى حكمه على هذا الاعتبار، ولا إنكار فيها على المخالف، والأصل فيها مخالفة بروك البعير، والله أعلم.]، فكان أَوَّلُ مَا يَقَعُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ الْأَقْرَبَ إليها فالأقرب، وأول ما يرتفع الأعلى فالأعلى، فإذا رفع رأسه أول، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهكذا عكس فعل البعير.
وهو نهي عن التشبه بالحيوانات في الصلاة،
فَنَهَى عَنْ بُرُوكٍ كَبُرُوكِ الْبَعِيرِ،
وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ،
وَافْتِرَاشٍ كَافْتِرَاشِ السَّبُعِ،
وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ،
وَنَقْرٍ كَنَقْرِ الْغُرَابِ،
وَرَفْعِ الْأَيْدِي وَقْتَ السَّلَامِ كأذناب الخيل الشمس.
وكان يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ دُونَ كَوْرِ الْعِمَامَةِ، ولم يثبت عنه السجود عليه، وكان يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ كَثِيرًا، وَعَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعَلَى الْخُمْرَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ[قلت : يقابلها في زماننا السجادة، والله أعلم]، وَعَلَى الْحَصِيرِ الْمُتَّخَذِ مِنْهُ، وَعَلَى الْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ.
وَكَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ، ونحى يديه عن جنبيه، وجافاهما حتى يرى بياض إبطيه، وكان يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه، ويعتدل فِي سُجُودِهِ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرج بينهما، ولا يقبضهما. وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» وَأَمَرَ بِهِ،
ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».
ويقول: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتَ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ».
وَكَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغفر لي خطاياي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي، وخطاياي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ».
وَأَمَرَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ، وَقَالَ: «إنه قمن أن يستجاب لكم».


الساعة الآن 10:28 PM.

powered by vbulletin