عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-26-2020, 10:10 AM
أبو تراب عبد المصور بن العلمي أبو تراب عبد المصور بن العلمي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 260
شكراً: 242
تم شكره 16 مرة في 16 مشاركة
افتراضي بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام للجنة الدائمة

(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 331)

92 - بيان الحكم في القبة الخضراء على قبره عليه الصلاة والسلام

س: قد عرفنا من كلام سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أن البناء والقباب على القبور لا يجوز، فما حكم القبّة الخضراء على قبر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في المدينة المنورة ؟
ج : لا ريب أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن البناء على القبور ولعن اليهود والنصارى على اتخاذ المساجد عليها، فقال عليه الصلاة والسلام: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه مسلم في الصحيح، عن جابر أنه: نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها، والبناء عليها وفي رواية للترمذي وغيره والكتابة عليها .
فالبناء على القبور، واتخاذ مساجد عليها من المحرمات التي حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام، وتلقاها أهل العلم بما قاله - صلى الله عليه وسلم - بالقبول، ونهى أهل العلم عن البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، تنفيذًا للسنة المطهرة، ومع ذلك فقد وجد في كثير من الدول والبلدان، البناء على القبور واتخاذ المساجد عليها، واتخاذ القباب عليها أيضًا، وهذا كله
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 332)
مخالف لما جاءت به السنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو من أعظم وسائل وقوع الشرك، والغلو في أصحاب القبور، فلا ينبغي لعاقل ولا ينبغي لأي مسلم أن يغترَّ بهؤلاء وأن يتأسى بهم فيما فعلوا؛ لأن أعمال الناس تعرض على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة، أو وافق أحدهما قبل، وإلا رد على من أحدثه، كما قال الله سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ؛ وقال عز وجل: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ .
أما ما يتعلق بالقبة الخضراء التي على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا شيء أحدثه بعض الأمراء في المدينة المنورة، في القرون المتأخرة في القرن التاسع وما حوله. ولا شك أنه غلط منه، وجهل منه، ولم يكن هذا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد أصحابه ولا في عهد القرون المفضلة، وإنما حدث في القرون المتأخرة التي كثر فيها الجهل، وقل فيها العلم وكثرت فيها البدع، فلا ينبغي أن يغترَّ بذلك، ولا أن يقتدى بذلك، ولعل من تولى المدينة من الملوك والأمراء، والمسلمين تركوا ذلك خشية الفتنة من بعض العامة، فتركوا ذلك وأعرضوا عن ذلك، حسمًا لمادة الفتن؛ لأن بعض الناس ليس عنده بصيرة، فقد يقول: غيروا وفعلوا بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كذا، وهذا كذا، فيثير إلى فتن لا حاجة
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 333)
إلى إثارتها وقد تضر إثارتها، فالأظهر والله أعلم أنها تركت لهذا المعنى خشية رواج فتنة يثيرها بعض الجهلة، ويرمي من أزال القبّة أنه يستهين بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أو بأنه لا يرعى حرمته عليه الصلاة والسلام هكذا يدعي عبّاد القبور، وأصحاب الغلو إذا رأوا من يدعو إلى التوحيد، ويحذر من الشرك والبدع، رموه بأنواع المعايب، واتهموه بأنه يبغض النبي عليه الصلاة والسلام، أو بأنه يبغض الأولياء، أو لا يرعى حرمته - صلى الله عليه وسلم - ، أو ما أشبه هذه الأقاويل الفاسدة الباطلة، وإلا فلا شك أن الذي عملها قد أخطأ، وأتى بدعة وخالف ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في التحذير من البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها.
وأما البناء الأول فهو بيت عائشة ؛ كان دُفن عليه الصلاة والسلام في بيت عائشة والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم خافوا على دفنه في البقيع من الفتنة، فجعلوه في بيت عائشة ثم دفنوا معه صاحبيه: أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم يكن الدفن في المسجد بل كان في بيت عائشة، ثم لما وسِّع المسجد في عهد الوليد بن عبد الملك في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في التوسعة، فظن بعض الناس الذين لا يعلمون أن الرسول دفن في المسجد وليس الأمر كذلك بل هو عليه الصلاة والسلام دفن في بيت عائشة في خارج المسجد، ولم يدفن في المسجد فليس لأحد حجة في ذلك أن يدفن في المساجد ، بل يجب أن تكون المساجد خالية من القبور، ويجب ألا يبنى أي مسجد على قبر،
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 334)
لكون الرسول حذر من ذلك عليه الصلاة والسلام فقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد . أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين ، وروى مسلم في صحيحه رحمه الله، عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمعه يقول: قبل أن يموت بخمس يقول: إن الله اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذًا من أُمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوها مساجد فإني أنهاكم عن ذلك فذم من اتخذ المساجد على القبور، ونهى عن ذلك بصيغتين إحداهما: قوله فلا تتخذوها مساجد، والثانية: فإني أنهاكم عن ذلك، وهذه مبالغة في النهي والتحذير منه عليه الصلاة والسلام، من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: ذم من اتخذ المساجد على قبور الأنبياء والصالحين قبلنا، والثاني: نهى عن ذلك بصيغة لا تتخذوا، والثالث: أنه نهى عنه بصيغة وإني أنهاكم عن ذلك، وهذه مبالغة في التحذير، وسبق في حديث عائشة أنه نهى عنه باللعن، قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، هذا يبين لنا ويبين لكل مسلم ولكل ذي فهم أن البناء على القبور، واتخاذ
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 335)
القباب عليها والمساجد أنه مخالف لشريعة الله التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، وأنه منكر وبدعة في الدين، وأنه من وسائل الشرك، ولهذا لما رأى العامة والجهلة هذه القبور المعظمة، بالمساجد والقباب وغير ذلك، والفرش ظنوا أنها تنفعهم، وأنها تجيب دعاءهم، وأنها ترد عليهم غائبهم، وتشفي مريضهم، فدعوها واستغاثوا بها، ونذروا لها ووقعوا في الشرك، بسبب ذلك.
فالواجب على أهل العلم والإيمان أين ما كانوا أن يحذروا الناس من هذه الشرور، وأن يبينوا لهم أن البناء على القبور من البدع المنكرة، وهكذا اتخاذ القباب والمساجد عليها من البدع المنكرة وأنها من وسائل الشرك، حتى يحذر العامة ذلك، ليعلم الخاص والعام أن هذه الأشياء، حدثت بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبعد أصحابه رضي الله عنهم، وبعد القرون المفضلة، حتى يحذروها وحتى يبتعدوا عنها والزيارة الشرعية للقبور هي أن يزوروها للسلام عليهم، والدعاء لهم والترحم عليهم، لا لسؤالهم، ودعائهم، وقضاء الحاجات وتفريج الكروب، فإن هذا شرك بالله، ولا يجوز إلا مع الله سبحانه وتعالى، ولكن الجهلة والمشركين بدلوا الزيارة الشرعية، بالزيارة المنكرة الشركية، جهلاً وضلالاً ؛ ومن أسباب هذا الشرك والبدع وجود هذه البنايات، والقباب والمساجد على القبور، ومن أسباب ذلك سكوت كثير من العلماء عن ذلك، إما للجهل بالحكم الشرعي لذلك، من بعضهم وإما
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 336)
يأسهم من قبول العامة، وعدم الفائدة من كلامه منهم لما رأوه من إقبالهم عليها، وإنكارهم على من أنكر عليهم، وإما لأسباب أخرى.
فالواجب على أهل العلم أينما كانوا أن يوضحوا للناس ما حرم الله عليهم، وأن يبنوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروهم من الشرك وأسبابه ووسائله، فإن العامة في ذمتهم، والله أوجب عليهم البلاغ والبيان، وحرَّم عليهم الكتمان.
س: إنني أعلم أن بناء القباب على القبور لا يجوز، ولكن بعض الناس يقولون: إنها تجوز ودليلهم قبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، ويقولون: إن محمد بن عبد الوهاب أزال كل القباب، ولم يزل تلكم القبة، أي قبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فالمفروض أن تزال ما دام الناس غير متشككين، فيما يبدو فكيف نرد على هؤلاء أفيدونا بارك الله فيكم؟
ج : لا شك أن القباب على القبور بدعة ومنكر، كالمساجد على القبور كلها بدعة وكلها منكر؛ لما ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، ولما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ألا وإن من
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 337)
كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك رواه مسلم في الصحيح، ولما ثبت أيضًا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها، فنص - صلى الله عليه وسلم - على النهي عن البناء على القبور والتجصيص لها، أو القعود عليها ولا شك أن وضع القبّة عليها نوع من البناء، وهكذا بناء المسجد عليها نوع من البناء، وهكذا جعل سقوف عليها وحيطان نوع من البناء .
فالواجب أن تبقى مكشوفة على الأرض مكشوفة كما كانت القبور في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في البقيع وغيره مكشوفة، يرفع القبر عن الأرض قدر شبر تقريبًا، ليعلم أنه قبر لا يمتهن، أما أن يبنى عليه قبة أو غرفة أو عريش أو غير ذلك، فهذا لا يجوز، بل يجب أن تبقى القبور على حالها مكشوفة، ولا يزاد عليها غير ترابها، فيؤخذ القبر من ترابه، الذي حفر منه يرفع قدر شبر ويكفي ذلك، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص أنه قال رضي الله عنه: الحدوا لي لحدًا وانصبوا علي اللبن نصبًا كما صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال في رواية: فرفع قبره عن الأرض قدر شبر، يعني قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فالحاصل أن القبور ترفع قدر شبر، للعلم بأنها قبور، ولئلا تمتهن
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 338)
وتوطأ أو يجلس عليها، أما أن يبنى عليها فلا، لا قبة ولا غيرها، للأحاديث السابقة حديث جابر وحديث عائشة وغيرهما، وفي حديث جابر التصريح بالنهي عن البناء على القبور، وتجصيصها، أما قبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذه حادثة أحدثها بعض أمراء الأتراك، في بعض القرون المتأخرة في القرن التاسع أو الثامن وترك الناس إزالتها لأسباب كثيرة، منها جهل الكثير ممن يتولى إمارة المدينة ومنها خوف الفتنة؛ لأن بعض الناس يخشى الفتنة، لو أزالها لربما قام عليه الناس، وقالوا: هذا يبغض النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا كيت وكيت، وهذا هو السر في إبقاء الدولة السعودية لهذه القبة؛ لأنها لو أزالتها لربما قال الجهال، وأكثر الناس جهال: إن هؤلاء إنما أزالوها لبغضهم النبي عليه الصلاة والسلام ولا يقولون: لأنها بدعة، وإنما يقولون لبغضهم النبي - صلى الله عليه وسلم - هكذا يقول الجهلة وأشباههم، فالحكومة السعودية الأولى والأخرى إلى وقتنا هذا، إنما تركت هذه القبة المحدثة خشية الفتنة، وأن يظن بها السوء، وهي لا شك أنها والحمد لله تعتقد تحريم البناء على القبور، وتحريم اتخاذ القباب على القبور، والرسول - صلى الله عليه وسلم - دفن في بيت عائشة لئلا تقع الفتنة به، ولئلا يغلى فيه، فدفنه الصحابة في بيت عائشة حذرًا من الفتنة والجدران قائمة من قديم، دفنوه في البيت حماية له من الفتنة عليه الصلاة والسلام لئلا يفتن به الجهلة، وأما هذه القبة فهي موضوعة متأخرة من جهل بعض الأمراء، فإذا أزيلت فلا بأس بذلك، بل هذا حق لكن قد لا يتحمل هذا بعض الجهلة، وقد يظنون بمن أزالها بأنه
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 339)
ليس على حق، وأنه مبغض للنبي عليه الصلاة والسلام، فمن أجل هذا تركت الدولة السعودية هذه القبة على حالها؛ لأنها من عمل غيرها ولا تحب التشويش والفتنة التي قد يتزعمها بعض الناس من عبّاد القبور وأصحاب الغلو في الأموات من المشركين فيرمونها بما هي بريئة منه، من البغض للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو الجفاء في حقه والعلماء السعوديون منهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وغيره من العلماء كلهم بحمد الله على السنة، وعلى طريق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان في توحيد الله، والإخلاص له والتحذير من الشرك والبدع، أو وسائل الشرك، وهم أشد الناس تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه كالسلف الصالح هم من أشد الناس تعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم مشيًا وسيرًا على الطريق السلف الصالح، في محبته - صلى الله عليه وسلم - وتعظيم جانبه: التعظيم الشرعي، الذي ليس فيه غلوّ ولا بدعة بل تعظيم يقتضي اتباع شريعته وتعظيم أمره ونهيه، والذب عن سنته ودعوة الناس إلى اتباعه وتحذيرهم من الشرك به أو بغيره، وتحذيرهم من البدع المنكرة، فهم على هذا الطريق أولهم وآخرهم، يدعون الناس إلى اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى تعظيم سنته وإلى إخلاص العبادة لله وحده، وعدم الشرك به سبحانه ويحذرون الناس من البدع التي كثرت بين الناس من عصور كثيرة، ومن ذلك بدعة هذه القبة التي وضعت على القبر النبوي، وإنما تركت من أجل خوف القالة والفتنة، والله ولي التوفيق .
المصدر
__________________
قال محمد بن سيرين رَحِمَهُ الله:
"إن هذا العلم دين فأنظروا عمن تأخذون دينكم"
قال شيخ الإسلام إبن تيمية رَحِمَهُ الله:
"لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه ، واعتزى إليه ، بل يجب قبول ذلك منه بالإتفاق ، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا"
و قَّالَ الإِمَامُ أبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ رَحِمَهُ الله :
" عَلَيْكَ بِآثارِ مَنْ سَلَفَ وإِنْ رَفَضَكَ النَّاسُ ، وَإيَّاكَ وآراءَ الرِّجَالِ ، وَإِنْ زَخْرَفُوهُ لَكَ بالقَوْلِ ، فإن الأمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم"

رد مع اقتباس