عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-08-2014, 08:52 AM
أبو أسامة عبد السلام أبو أسامة عبد السلام غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 25
شكراً: 1
تم شكره 4 مرة في 4 مشاركة
افتراضي أثر عبد الله بن شقيق ومدى دلالته على إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة .

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :
فقد تكلم الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى حول أثر عبد الله بن شقيق رحمه الله : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " وحققه تحقيقا علميا حديثيًا وبيّن ضعفه سندا ومتنا كما في مقال " متعالم مغرور يرمي جمهور أهل السنة وأئمتهم بالإرجاء" ومقال " الحدادية تتسقط الآثار الواهية والأصول الفاسدة وهدفها من ذلك تضليل أهل السنة السابقين واللاحقين " فليراجعه من شاء .
هذا وعلى فرض صحته فهو لا يدل على الإجماع لدرجة أن جعله الحدادية منفذا للطعن في أئمة السلف وعلماء الأمة إلى يومنا هذا ، حيث جعله هؤلاء بمنزلة الإجماع القطعيّ ــــ كالإجماع على أن الإيمان قول وعمل أو الإجماع على أن أفعال العباد مخلوقة وأمثال ذلك ــــ الذي لا يجوز القول بخلافه ونسبة مخالفه إلى البدعة أو الضلال !
فأقوى ما يقال في هذا الأثر أنه من قبيل الإجماع السكوتيّ، لأنه لو كان إجماعا متحققا قطعيا لما جاز لأحد القول بخلافه ، ولوجب الإنكار على من خالفه، وحكاية بعض الأئمة الخلاف في المسألة يدل على أنّ لها قدرا من الخلاف الذي لا ينسب صاحبه إلى البدعة والضلال ، فتحصل أن هذا الأثر هو من قبيل الإجماع السكوتي .

والإجماع السكوتيّ حجته ظنية كما قرره المحققون كشيخ الإسلام رحمه الله وغيره ، وما كانت حجته ظنية لا يُدفع به النص المعلوم كأحاديث الشفاعة التي فيها إخراج أصناف من عصاة الموحدين ممن كان في قلبه مثقال دينار من خير ، ومن كان في قلبه ذرة من خير ، حتى يخرج من لم يعمل خيرا قط ، فضلا عن خروج المصلين والصائمين .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى :
"والإجماع نوعان : قطعي . فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعي على خلاف النص .
وأما الظني فهو الإجماع الإقراري والاستقرائي بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافا أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدا أنكره ، فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها ؛ فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعي .
وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية والظني لا يدفع به النص المعلوم لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا والمصيب في نفس الأمر واحد . " اهــ

لهذا ترى أن شيخ الإسلام رحمه الله لا يحكي إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة وإنما يحكي أن جمهورهم يكفر تارك الصلاة ، وهذا من فقهه رحمه الله .

وليعلم القارئ الكريم أنّ عبد الله بن شقيق رحمه الله وإن كان متقدما عن بعض الأئمة الذين يرون عدم كفر تارك الصلاة كمالك والزهري ، إلاّ أنه ممّا لا شك فيه أن مالكا والزهري رحمهما الله أعلم بالسنن والآثار وإجماعات الصحابة منه ، حتى قال شيخ الإسلام عن الزهري أنه لم يحفظ عليه غلط ، فلو كان في المسألة إجماع متحقق لما خفي عن أمثال الزهري .
فعبد الله بن شقيق رحمه الله لم يرو إلا عن عدد قليل من الصحابة وهذا ممّا يوهن دعوى الإجماع .
قال الشيخ ربيع حفظه الله كما في مقاله " متعالم مغرور" :
" 3- ضعف أثر عبد الله بن شقيق من جهة أخرى، وهي دعواه إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، تلك الدعوى التي لم تثبت على محك النقد، هذا بالإضافة إلى ضعف إسنادها من طريق بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق، وذلك أن عبد الله بن شقيق لم يرو إلا عن عدد قليل من الصحابة.
وهم:
1 - عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
2 - وعثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
3 - وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
4 - وعبد الله بن عباس-رضي الله عنه.
5 - وعبد الله بن أبي الجدعاء.
6 - وعبد الله بن أبي الحمساء.
7 - ومحجن بن الأدرع، وقيل بينهما رجاء بن أبي رجاء.
8 - ومرة بن كعب البهزي،
9 - وأبو ذر -رضي الله عنه-.
10 - وأبو هريرة -رضي الله عنه-.
11 - وعائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-.
12 - وعبد الله ابن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-
وفيه نظر، فقد قال يعقوب بن سفيان الفسوي: حدثني محمد بن عبد الرحيم قال: سألت علياً عن عبد الله بن شقيق هل رأى عبد الله بن عمر؟ قال: لا، ولكنه رأى أبا ذر وأبا هريرة.
فهذا علي بن المديني يصرح بأن عبد الله بن شقيق ما رأى إلا اثنين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة، وعدم تكفيرهم بسائر الأعمال، وهو لم يرو إلا عن هذا العدد القليل؟
كيف تصح دعوى عبد الله بن شقيق إجماع الصحابة وهم يزيد عددهم على مائة ألف؟ " اهـ

وما قيل في أثر عبد الله بن شقيق يُقال في أثر إسحاق بن راهويه الذي رواه عنه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة : " قد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر"
فإن هذا الإجماع المنقول من إسحاق رحمه الله ليس بمنزلة الإجماع القطعيّ .
فإذا قال قائل قد نقل الإجماع إسحاق ! قيل له : قد خالف من هو أجل من إسحاق عند الأئمة وهو الزهري ومالك .
فلا ينضبط هذا النقل من الزهري رحمه الله ، إلا إذا حملنا كلامه على الامتناع ، ولهذا من نقلوا عن إسحاق قوله هذا نقلوه على وجهين :
الوجه الأول : تقدم ذكره .
الوجه الثاني : وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا إن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها وقال لا أصليها "
وهذا الوجه نقله ابن عبد البر كما في التمهيد .
فإنّ قوله رحمه الله : " أبى من قضائها وقال لا أصليها " يدل على امتناعه وهذا لا شك أنه يكون كافرا .
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في مجموع الفتاوى : " وإذا صبر حتى يُقتل؛ فهل يُقتل كافراً مرتداً أو فاسقاً كفسَّاق المسلمين؟ على قولين مشهورين؛ حكيا روايتين عن أحمد. وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة؛ وهي فروع فاسدة، فإنَّ مَنْ كان مقراً بالصلاة فى الباطن معتقداً لوجوبها يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني أدم وعاداتهم، ولهذا لم يقع هذا قط فى الإسلام، ولا يعرف أنَّ أحداً يعتقد وجوبها ويقال له: إنْ لم تصلِّ وإلا قتلناك؟ وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام. ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يُقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها: وهذا كافر باتفاق المسلمين " اهـ


وكتبه أبو أسامة عبد السلام
يوم الأربعاء 7 رجب 1435 هـ / 07 مايو 2014 م
رد مع اقتباس