هل تضر مخالفة النحو في معنى
}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{*}{
قال وقد ذكر النحو: إذا نظرنا إلى ضروبه وأقسامه، وجدنا أكثرها غير محتاج إليه في إفهام المعاني. ألا ترى أنك لو أمرت رجلا بالقيام فقلت: قوم بإثبات الواو ولم تجزم لما اختل من فهم ذلك شيء. وكذلك الشرط والفضلات كلها تجري هذا المجرى من الحال والتمييز والاستثناء وساق أشياء من هذه الأنواع.
أقول: ما يورد مثل هذا إلا عوام الناس ومن لم يتلبس بالمعرفة، ومن لم يرح رائحة العلم. ألم يعلم أنه إذا صدر عن مترسل كتاب لم يجزم أفعال أمره ولا شروطه وجوابها، ولم يرفع فاعله وينصب فضلاته، ولا راعي شيئاً من قواعد إعرابه التي هي ظاهرة، ولا حافظ على شيء من الإعراب ألبتة، كان ذلك ضحكة للمغفلين فضلا عن العقلاء. وحينئذ فقد استوى العلماء والجهال.
وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فتفقهوا في السنة وتعلموا العربية وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يضرب ولده على اللحن.
وقال عبد الملك: اللحن في الكلام أقبح من آثار الجدري في الوجه. ورأى أبو الأسود الدوءلي أعدالا للتجار مكتوب عليها لأبو فلان. فقال: سبحان الله يلحنون ويربحون. ويقال: من أحب أن يجد الكبر في نفسه فليتعلم العربية.
ألم يعلم أن بعضهم استدل على أن النحو فرض كفاية إن لم يقل إنه فرض عين، وذهب بعضهم إلى أن الله تعالى لا يقبل الدعاء إذا لم يكن معربا. وقال الشيخ تقي الدين ابن الصلاح: أخشى على من تعاطى الحديث ولم يدر النحو، أن يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا، فليتبوا مقعده من النار.
ثم إنه استثنى أشياء من ذلك لا تعرف إلا بالإعراب. فأقول: إنه لا يتوصل إلى معرفة الغامض إلا بعد معرفة الواضح، ومن لم يعرف البين لم يعرف العويص، لينتقل في التفهم من الأدنى إلى الأعلى.
قال الخليل بن أحمد رحمه الله: لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بتعلم ما لا يحتاج إليه، فقال أبو عمر: إن كان لا يوصل إلى ما يحتاج إليه إلا بما لا يحتاج إليه، فقد صار ما لا يحتاج إليه محتاجا إليه. وكل علم بهذه المثابة فيه الجلي والغامض في الفقه، فإن مسائله الغامضة في الحيض والتيمم وللفرائض، وما في الجبر والمقابلة، ومسائل الدور في الطلاق وغير ذلك. وكما في المنطق فإن غوامضه في الأقيسة والمختلطات والمغالط وغير ذلك. وكما في علم الكلام من إثبات الجوهر الفرد، وأن العرض لا يبقى زمانين، وأن المعدوم ليس بشيء. وما يتوصل الإنسان إلى معرفة هذه المسائل العويصة إلا بعد مقدمات يفهمها من المسائل الواضحة، وما رأيت من يورد مثل هذا غير العوام، أو من يجهل هذا الفن.
من كتاب : نصرة الثائر على المثل السائر
لمؤلفه: الصفدي و قد كتبه ردا على كثير من المغالطات التي جاءت في كتاب ابن الأثير في كتابة المثل السائر