من صُور حلم وعفو أهل العِلم [ ٱلإمام ابن باز نموذجاً ]
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه والتَّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وبعد :
لمّا كان العفو والصفح من السمات التي يُحبها الله ويرضاها سعى إليها كل تقي ورع يرجو الله والدَّار الآخرة ، ليظفر بجنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدَّت للمُتقين ؛ قال الله جلَّ وعلا :( خُذِ الْعَفْوَ وَأمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينْ ) وقال سبحانه وتعالى :( وَالْكَاظِمِينْ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينْ ) وقال عليه الصَّلاة والسَّلام :(( البر حسن الخلق والإثم ماحاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن )) .
وقال الشاعر شوقي رحمه الله :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
فهكذا كان السلف الصالح من الرعيل الأول من الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم التابعون وتباعهم إلى يوم الناس هذا ، يعفون ويصفحون ويتجاوزون عن من ظلمهم واعتدى عليهم قصد مرضاة الله سبحانه وتعالى .
وللعلماء والمشايخ أوفر حض من ذلك على عامة الناس ، فيروى عن الإمام العلم ، بقية السلف وقدوة الخلف التقي الزاهد الورع أبوعبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن باز عليه رحمة الله أنه ذات يوم أتى لص إلى بيته فسمع صوت أقدامه في الطابق العلوي لبيته فأرسل ٱثنان من أبناءه ليتفقدوا المكان ويفتشوا عن مصدر هذا الصوت فإذا بهما يجدان شابا اقتحم منزلهما .
... قاموا بإنزاله لأبيهما الإمام ابن باز عليه رحمة الله فطرح عليه سؤالا وٱستفسارا عن داعي مجيئه ونيته فأجابه أن نيته كانت سرقة مال لأجل دفعه للمشفى الذي يقبع فيه أبوه الطَّريح على الفراش .
فبدل أن يبلغ عنه الإمام العلم ابن باز راح وجلب له من ماله ما يكفيه ومده إليه ، وقد كان لهذا الفعل تأثير كبير في هداية هذا الرَّجل فأصبح من طلابه وأكثر جلساء ، فلمَّا توفي ابن باز عليه رحمة الله تعالى أصبح هذا الطالب والمحبُّ يغمى عليه في اليوم أكثر من مرة لشدة حزنه على فراقه .
رحم الله الإمام ابن باز وأسكنه فسيح جناته مع الذي أنعم الله عليهم من النبيئين والصِّديقين والشهداء والصَّالحين وحسن أولئك رفيقاً . فلله دره من إمام لا ينسى جميله .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .