بوب البخاري في صحيحه
(( باب من قال إن الإيمان هو العمل))
لقول الله تعالى:{ وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون }.
وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى:{فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون }.
عن قول لا إله إلا الله
وقال:{ لمثل هذا فليعمل العاملون }.
25 - حدثنا أحمد بن يونس وموسى بن إسماعيل قالا حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أفضل؟ فقال: (( إيمان بالله ورسوله. قيل:ثم ماذا؟ قال:الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)).
انتهى الباب
وعلى هذا فاطلاق السلف لكلمة العمل يقصد به إما عمل القلب وإماعمل اللسان وإماعمل الجوارح
وقد علق الشيخ الألباني في شرحه الصوتي للأدب المفرد على حديث أي الأعمال خير؟ قال:" إيمان بالله، وجهاد في سبيله " فقال رحمه الله :
(( ههنا دقيقة من دقائق الشرع، طالما غفل عنها كبار أهل العلم، فنتج بسبب هذه الغفلة خلاف كبير بينهم، ذلك أننا نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُسأل في هذا الحديث " أي الأعمال خير؟ " فأجاب: " إيمان بالله ..." فجعل الإيمان من العمل ( وهنا النكتة ) المعروف عند الناس أن الإيمان عقيدة فقط، بينما نجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث يذكر جواباً لمن سأله " أي الأعمال خير؟" وفي أحاديث أخرى " أي الأعمال أفضل؟" فيجيب أول ما بقوله :
" إيمان بالله " . فهل معنى هذا أن الإيمان عمل أم عقيدة؟؟ هذه هي النكتة التي يجب أن نقف عندها قليلا لنوضحها لخفائها على كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم.
الإيمان بالله هو عمل، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث وفي غيره من الأحاديث، ولكنه من أعمال القلب، أما الجهاد في سبيل الله وغيره مما ذكر في أحاديث أخرى فهو من أعمال الجوارح، فالقلب له عمل، وأن الإيمان الذي مقره القلب هو أيضا من أعمال القلب، ومن هنا يسهل على المسلم أن يفهم العقيدة السلفية التي تقول وتصرح:( إن الإيمان يزيد وينقص )، وهذه العقيدة مستقاة من كتاب الله ومن سنة نبيه، ففي كتاب الله غيرما آية تصرح بأن الإيمان يزيد { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا } فهذه الآية نص في أن الأيمان يزيد وكما قال - سبحانه –أيضاً: {ليزداد الذين آمنوا إيمانا} إذاً،الأيمان يقبل الزيادة، وكل شيء يقبل الزيادة فهو على العكس أيضاً يقبل النقصان، ودليل زيادته العمل الصالح، ودليل نقصانه العمل الطالح، فلا يذهبن ذهن أحدٍ بأن الإيمان كعقيدة مقرها القلب لا يقبل الزيادة مطلقاً، هذا خطأ فاحش وقع فيه فيما مضى كبار أهل العلم وجماهير المسلمين اليوم الذين ينتمون إلى المذهب الحنفي وإلى العقيدة الماتورودية، كلهم يذهبون هذا المذهب الخاطئ، فيقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، الإيمان حقيقة جامدة 0 هذا سببه أنهم غفلوا عن هذه الحقيقة التي ألمح إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا الحديث وغيره، فجعل الإيمان عملاً والعمل قابل للزيادة والنقص، واضطروا بناءً على هذه الغفلة إلى تأويل عشرات النصوص من الكتاب والسنة التي تصرح بأن الإيمان يزيد وينقص، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: " الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة - وفي رواية: ستون - " . انظر كيف يقسم الشارع الحكيم الإيمان إلى مراحل وإلى درجات، فيقول:" الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة ألا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق " . فجعل أعلى مراتب الإيمان عمل القلب وهي شهادة ألا إله إلا الله، وجعل أدنى هذه المراتب وهذه الشعب إماطة الأذى عن الطريق 0 إذاً، فالإيمان يقبل الزيادة والنقصان، فعلى المسلم حين يحي هذه الحياة أن يضع نصب عينيه هذه الحقيقة: أن الإيمان قابل للزيادة والنقصان والذي يقبل النقص قابل للعدم مطلقاً فلذلك إذا عرفنا هذه الحقيقة جعلتنا نسعى سعياً حثيثاً لتنمية هذا الأيمان القابل للزيادة، وهذا يصوننا أن نقع في خطيئة وقع فيها بعض الكبار؛ الذين قالوا – معبرين عن كل فرد من أفراد المؤمنين – قالوا: إيماني كإيمان جبريل – عليه السلام -، فأفسق إنسان عند هؤلاء وأعظم إنسان إيمانهم سواء، ولذلك يجوز لأحدهم أن يقول: إيماني كإيمان جبريل – عليه السلام -! فالذي يقوم الليل ويصوم النهار، والذي لا يصلي الصلوات الخمس ويرتكب الفواحش والمنكرات إيمانهم سواء – عند هؤلاء الذين تورطوا فقالوا: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص – مع أن الله مما وصف به عباده المؤمنين أن قال {قد أفلح المؤمنون – الذين هم في صلاتهم خاشعون – والذين هم عن اللغو معرضون – والذين هم للزكاة فاعلون – والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين – فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون … } وفي آيات أخرى ذكر مثل هذه الصفات للمؤمنين وختمها بقوله: { أولئك هم المؤمنون حقاً }.
إذاً، فهناك مؤمنون حقاً، وهناك مؤمنون بغير حق ن فكيف يجوز أن يقال: إن درجات الإيمان عند كل الناس في مرتبة واحدة؟!
مسألة الاستثناء في الإيمان: مع الأسف الشديد فقد نتج من وراء هذا الاختلاف خلاف خطير وخطير جداً، ذلك أن السلف فيهم الشافعية والمالكية والحنابلة يذهبون إلى أن الإيمان يزيد وينقص - يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية - هؤلاء إذا سئل أحدهم هل أنت مؤمن؟ أجاب خائفاً: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لا أحد يستطيع أن يقول: أنا مؤمن حقاً، وقد وصف الله المؤمنين حقاً بما تقدم ذكر بعضه، أما الذين يقولون: إ ن الإيمان حقيقة لا تقبل الزيادة والنقص فليس هناك إلا إيمان جامد، فهؤلاء إذا سئل أحدهم هل أنت مؤمن؟ قال: أنا مؤمن حقاً، لا فرق في ذلك بين من يرتكب الفواحش والمنكرات، وبين الذي يحافظ عل الفرائض وجميع الفرائض ..
فعلى كل حال فنحن نفرق بين الإيمان الذي مقره القلب، وبين الأعمال التي هي من أعمال الجوارح، فأعمال الجوارح هي أجزاء مكملة للإيمان ليست أجزاء أصيلة من الأيمان، إنما كلما ازداد الإنسان عملاً صالحاً كلما قوي هذا الإيمان الذي مقره القلب، فكلما كثرت الأعمال الصالحة كلما نما هذا الإيمان في القلب وبالعكس .
ونتج من وراء ذلك أن الأحناف غلوا فقالوا: من قال: أنا مؤمن إن شاء الله فقد كفر!بنوا حكمهم هذا على حكمهم السابق، وهو خطأ بُني على خطأ، قالوا الإيمان لا يقبل الزيادة، فإذا قال قائل: أنا مؤمن إن شاء الله معناه أنه شك في إيمانه ومن شك في إيمانه فهو كافر، لكن إذا عرفت أن قولهم: اليمان لا يقبل الزيادة هو خطأ؛ عرفت أن حكمهم المذكور هو خطأ أيضاً . ولذلك كانت عقيدة السلف إن سئلوا هل أنت مؤمن؟ قال: أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه يعتقد أن العمل الصالح من تمام الإيمان الكامل.
وترتب من وراء الخطأ السابق خطأٌ أفحش منه؛ وهو فتوى صدرت منذ مئات السنين من بعض الحنفية أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية، لماذا؟ لأنهم يشكون في إيمانهم .. ومع ذلك فقد عدلت هذه الفتوى بعد زمن - بعض الشيء ولا أقول كل الشيء - لأنه جاء بعد المفتي السابق فأجاب: انه يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب، ومعنى هذا أنه يجوز للحنفي أن يتزوج من الشافعية، ولا يجوز للحنفي أن يعطي ابنته للشافعي؛ لأنه قال: تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب، لأنه يجوز للمسلم أن يتزوج كتابية بينما لا يجوز للكتابي أن يتزوج بالمسلمة.. )).أ.هـ
العلم قال الله قال رسوله * قال الصحابة ، ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * بين النصوص وبين رأي فقيه
كلا ولا نصب الخلاف جهالة * بين الرسول وبين قول فقيه
كلا ولا رد النصوص تعمدا * حذرا من التجسيم والتشبيه
حاشا النصوص من الذي رميت به * من فرقة التعطيل والتمويه