احذروا شبهات منتدى كلّ من هبّ ودبّ ودرج ودحرج...!
فمقالاتهم تتقاوم! وهم في كلّ يوم على فهم– سقيم!– جديد، ولا تكاد ترى بينهم إلّا من كان في قلبه دغل! – والعياذ بالله تعالى –.
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد :
فلا تزال (عشرات=حشرات!) حلبي خطامها في الأرض كالكلاب ولن تجيد إجادتها، تتتبّع آثار حامل راية الجرح والتّعديل – حفظه الله – هل من عثرة له؟!لعلّهم يقعون منه على ما يشفي حقدهم فيه؟! فخابوا وخسروا ورغمت أنوفهم ثمّ رغمت ثمّ رغمت، ولم يظفروا إلّا بفهم منكوس و إدراك مطموس و دّجل و تهويل .
فقد جاء في جُحْرِ الضَّبِّ مقالة بعنوان : (احذَرْ مَقالةَ الغُلُوّ: (مَنْ لَمْ يَزُرْ الشيخَ (فلان) فليس بِسَلَفِيّ))!
أقول :
هذا عنوان عريض الدّعوى، مسلّمٌ في مبالغته وغلوّه في (فلان!) أيّا كان هذا الفلان؟وهو كلام نازل جدّا، لا تقبله الأذهان ولا تصغي إليه الآذان، لضعفه وفحشه، ولعلّ أدنى من له تمييز يستحي من نسبة هذا القول للسّلفيّين .
ولكنّ الإشكال هو :
من أين صحّ له هذا النّقل ؟
وأين وجده ؟
وهل قال هذا أحد من العلماء أو طلبة العلم ؟
فمن قاله ؟
و أين قاله ؟
وهل نَقَلَ هذا (النُّقْلَةُ) ما نقل باللّفظ ؟
أم نقله بالمعنى ؟
فليدلّنا عليه إن استطاع، وليُرِنا صدق دعواه في نقله (وقد كان يسمعه منذ سنوات) حتّى لا يقال عنه:(بوق الكذب).
وأمّا إن كان ينقل بالمعنى! فما بال هذه (الفهامة!) على وزن (بلادة!) مقصورة عليه، دون أن ينبّه عليها أهل العلم مع خطورتها في بلاد التّوحيد؟
فآفته إذا بلا أدنى شكّ من الفهم السّقيم، فليرحنا من شقشقاته واستعارته لشبه أهل الزّيغ والجفاء والجهل والبلاء.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن القيّم حين قال في (المدارج) (2/431)
(ما أكثرَ ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة) اهـ .
ثمّ قال هذا (النُّقْلة) :(ويجب أن يُعلمَ بأنّ الثناء على شيخٍ أو عالِمٍ أو طالبِ علم ما (بابٌ..).
وأنّ الطعنَ في من لم يَقُمْ بزيارة ذلكم الشيخ أو العالم أو طالب العلم، وإثارةَ الشكوكِ حوله (بابٌ آخر..).
فلا تُحَجِّروا واسعاً.... فهذا دينٌ بلا أغلال!!) إلى آخر كلامه!
أقول :
لقد ليّن هذا (النّقلة) هنا من شدّة نقله! وفَتَّرَ من حدّة فهمه! فجعل عدم الزّيارة بابا لإثارة الشّكوك ، واكتفى بذلك، بينما كان قد بنى مقاله على عنوان عريض هو:(مَنْ لَمْ يَزُرْ الشيخَ (فلان) فليس بِسَلَفِيّ)! وهو تنبيه ظاهر العلّة عند من له أدنى شمّة بعلم الأصول في ربط السّلفية بالزّيارة، فإذا انتفت عنه الزّيارة انتفت منه السّلفية!
وإنّي ما أعلم أنّه قال بهذا التّنبيه أحد من السّلفيّين على مرِّ تاريخ الإسلام ولا مرَّ عليّ، بل يا لضعف هذا التّنبيه و وهائه.
وقد سلّمنا بغلوّ هذا العنوان العريض وفساده، وهو أعزب من قول كلّ السّلفيّين– حقّا– وبان لنا أنّه قول بديع من (النّقلة) وحقيقة أمره أنّه أهون من ذلك بكثير،
ويبقى أن نناقشه في فهمه وهل يمكن أن تكون عدم الزّيارة لأهل العلم بابا لإثارة الشّكوك ، وهو مايسمّيه من طَرِبَ له وفرح وامتنّ وشكر، وأعني به المخرّف التّام (على/في) جحر الضّبّ بـ : (السيّقان الخشبيّة) والتي كان يستعملها قديما .
و الجواب عليه وعلى إلزاماته الواهنة بشدّة من وجوه عدّة :
الوجه الأوّل :
إذا علمت –وفّقك المولى– أنّ الله قد ربط عباده بأهل العلم على وجه الإلزام و أن يأخذوا دينهم منهم {{بالبيّنات والزّبر}} فقال تعالى:{{فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}}، وأنّ حبّهم وزيارتهم ومعرفة حقّهم وإجلالهم واحترامهم وتوقيرهم؛ يعدّ من أوثق عرى الإيمان، فاعلم أنّ ترك سؤالهم و جفائهم و عدم زيارتهم وقلّة احترامهم تعدّ نقصا في الإيمان .
إذا تبيّن لك هذا ، فلا مانع بعده في العقل ولا في الشّرع من التّشكيك في سلفيّة شخص معيّن بتركه شيأ معيّنا ممّا سبق ذكره ، لا كما تنكر الصّوفيّة ومشايخ الطّرقيّة على مريديهم وتفرض عليهم زيارات التبرك و الولاء ، وإنّما عدّ التّرك عند السّلفيّين للزّيارة ريبة في ذلك الشّخص إذا كان دالّا على جفائه و عدم مبالاته وقلّة حيائه خصوصا إذا كان محنة مثل الشّيخ الربيع في مكّة كما كان الشّيخ الألباني في الشّام، فإذا صدر منه ما يدلّ على احترامه لأهل العلم و عرف منه عكس ذلك، فقد زالت عنه الرّيبة.
الوجه الثّاني :
لا تخلط بين ثبوت الإسلام و السّلفيّة، فإنّ دارة الإسلام أوسع من السّلفيّة، والتّشكيك في سلفيّة شخص معيّن ليست كالتّشكيك في إسلامه.
فالإسلام قد يُثبت لشخص ويُنفى عنه الإيمان .
والإيمان قد يُثبت لشخص ويُنفى عنه الإحسان .
وكذلك السّلفيّة فإنّها منفيّة عن كثير من المسلمين و الله المستعان .
الوجه الثّالث :
لا أدري ما وجه الإلزام بقوله : (ما حُكْمُ من أسلم ولم يلق النبي – صلى الله عليه وسلم–)!
هل يعني به من رغب عن رؤية رسول الله– صلى الله عليه وسلم– عياذا بالله أم ماذا!؟
الوجه الرّابع :
أنّ الصّحبة تختلف في عبارات اللّغويّن و الأصوليّن و المحدّثين.
و قد أثبت الله الصّحبة مع اختلاف الدّيانة فقال تعالى:{{فقال لصاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك}} ، وقد تطلق الصّحبة على من رافقك ولو ساعة في سفر فقال تعالى:{{والصّاحب بالجنب}} .
و أمّا من السّنة فقد ورد عن النّبي– صلى الله عليه وسلم– أنّ وصف عبد الله بن أبي رأس المنافقين بالصّاحب فقال ((إنّي أكره أن يقال إنّ محمّدا يقتل أصحابه)) متّفق عليه، مع علمه– صلى الله عليه وسلم– بنفاقه.
بل يقد يتوسّع في إطلاق الصّحبة على الجمادات قال تعالى:{{ياصاحبيّ السّجن}} .
هذا من حيث الاستعمال لكلمة صاحب وصحبة وملابستهما .
و قد أجمعت الأمّة على اعتبار الإسلام في اسم الصّحابي.
وقال الأصوليّون : هو من رأى النبي – صلى الله عليه وسلم– واختص به اختصاص المصحوب بصاحبه!
و أمّا تعريف المحديّثين و أهل السّنّة فقالوا :(هو من لقي النبي– صلى الله عليه وسلم– مؤمناً به ومات على الإسلام)، وجعلوهم على مراتب ليس هذا محلّ ذكرها.
و أمّا قول (النّقلة) :
(ثانياً: عند من يقول بأنه لا صحبة له فهل يصح إسلامه؟
وهل سيقول: لا يصح إسلامه أم ماذا؟)!
فأقول :
إنّ الله أثبت للأعراب الإسلام ونفى عنهم الإيمان فلا تخلط بين السّلفية والإسلام.
الوجه الخامس :
ماجرى عليه عمل السّلف من الارتياب في من ترك لقيا العلماء ، وما أكثر القصص المأثورة عنهم والمنثورة في كتبهم ، ولو حاولت استقصاءها لطال ذكرها وطاب ، لذا فمن شاء طالع شيّأ طيّبا منها في سحاب ، وسوف أقتصر هنا على ماذكره الذّهبي – رحمه الله – في '' السّير''(12/ 424) عن جعفر بن محمّد الفربري قال : (خرج رجل من أصحاب عبد الله بن منير –رحمه الله– إلى بخارى في حاجة له، فلما رجع قال له ابن منير: لقيت أبا عبد الله؟ قال: لا. فطرده، وقال: ما فيك بعد هذا خير، إذ قدمت بخارى ولم تصر إلى أبي عبد الله محمد بن إسماعيل).
هذا ..
وأختم هنا بحديث عظيم يبين أنّ الصّحابة هم أمنة هذه الأمّة وعدولها و أنّ في لقياهم الشّرف والرفعة ، والحديث رواه البخاري ومسلم واللّفظ له عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم).
ثمّ نصيحتي لهذا النّقلة! أنّ يصحّح أخطاء سماعه من الشّيخ العلّامة محمد بن هادي المدخلي –حفظه الله تعالى– وأن يترك التشّغيب عليه والتشّنيع والتّهويل ، و أن يعلم أنّ السّلفيّين ليسوا بهائما ولا أنعاما حتّى تروج عليهم هذه الحيل الدّجليّة كما راجت في سوق كلّ الخلفيّين اللّئام.
وصلى الله على نبيّنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه ، وسلّم.
أبوربيع نورالدّين بن العربيّ آل خليفة