قال أنيس بن ناصر المصعبي وفقه الله في " تنبيهات على كتاب ظاهرة الإرجاء " :
وفي هذا عبرة لمن لمع أهل البدع، فإنه بتلميعه لهم يكون سبباً للاغترار بهم، ومتابعة الناس لهم في بدعتهم، ومن ذلك ما جاء في السير (17/558) و تذكرة الحفاظ (3/1104) قال أبو الوليد الباجي في كتاب (اختصار فرق العلماء من تأليفه، في ذكر القاضي ابن الباقلاني وقد أخبرني الشيخ أبو ذر الهروي وكان يميل إلى مذهبه فسألته، من أين لك هذا ؟ قال إني كنت ماشياً ببغداد مع الحافظ الدار قطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له، من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، قال أبو ذر، فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي وقال الحسن بن بقي المالكي حدثني شيخ قال قيل لأبي ذر أنت هروي فمن أين تمذهبت بمذهب مالك ورأي الأشعري؟ قال: قدمت بغداد فذكر نحواً مما تقدمَ وقال: واقتديت بمذهبه وقال الذهبي أخذ الكلام "يعني أبا ذر" ورأى أبي الحسن عن القاضي أبي بكر بن الطيب، وبث ذلك بمكة، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب، والأندلس وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام، بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية، ولا يخوضون في المعقولات، وعلى ذلك الأصيلي أبو الوليد بن الفرضي، وأبو عمر الطلمنكي، ومكي القيسي، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، والعلماء".
قلت: فتأمل رحمك الله كيف كان ثناء الدار قطني على ابن الباقلاني سبباً في انتشار المذهب الأشعري في الحجاز والمغرب، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وانظر إلى عظم فقه السلف. ولـذا قال أبو صالح الفراء: ذكرت ليوسف بن اسباط، عن وكيع شيئاً من أمر الفتن، فقال ذاك يشبه أستاذه يعني الحسن بن حيي، فقال: فقلت ليوسف، أما تخاف أن تكون هذه غيبه، فقال، لم يا أحمق؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهي الناس أن يعملوا بما أحدثوا، فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم كان أضرّ علهيم" تهذيب الكمال "6/182"