بارك الله فيك على حسن نيتك أخي
ولكن أخي هذا أولا وأفضل ،
قال فضبلة الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله لما سمع أن بعض الطلاب يسأل ذوي الجاه والمال في اليمن والسعودية وغيرهما لدعم جامعة دماج .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإني لما رأيت أقوامًا ممن يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول، وتركوا الإحتراف، فرب زرّاع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده، بل عمله من أفضل القربات، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلاّ كان له به صدقة)) .
ورب شخص يعمل في التجارة، وهي أيضًا من أفضل القربات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه سئل: أيّ الكسب أطيب؟ قال: ((عمل الرّجل بيده، وكلّ بيع مبرور)) .
بل ربما يكون الرجل بدويًّا يأكل مما تنتجه غنمه وإبله، فيرى المتسولين يفتحون المعارض، ويبنون العمائر، فيعفو لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله، ويحترف التسول، أفّ لها من وظيفة مشينة مزرية، وأقبح من هذا أن أناسًا يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصّصوا للتسوّل باسم الدعوة، والله عزوجل يقول في نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ولا يسألكم أموالكم * إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم} [1].
ويقول سبحانه وتعالى: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرم مثقلون} [2].
ويقول سبحانه وتعالى حاكيًا عن بعض الصالحين إذ ينصح قومه: {اتّبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون} [3].
ويقول سبحانه وتعالى حاكيًا عن نبي الله نوح عليه السلام: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين} [4].
ويقول سبحانه وتعالى عن نبي الله هود عليه السلام: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين }.
وهكذا حكى عن صالح، ولوط، وشعيب، عليهم السلام.
هذا فما ظنك بمن لا تهمّه الدعوة، ولا يهمه إلا اختلاس الأموال والوثوب على مصارف الزكاة الثمانية، إنّها لأحدى الكبر.
من الذي يظن أن محمدًا المهدي تهمّه الدعوة؟ وهو قد انسلخ من السنة، ويخشى عليه أن ينسلخ من الدين، وإليكم قضية حدثت في هذه الأيام، فقد حصل خصام بين فئتين، فانبرى محمد المهدي ومدير الناحية، وثالث يقال له: عبدالكريم، فحكموا بذبح أربعة أثوار عند المخطإ عليه، وهذا الذبح لغير الله حرام، وأكله حرام، لأنه ذبح لغير الله، فقيل: يا محمد هذا حرام. قال: ما هو إلا صلح.
وأخيرًا فإنني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر، فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [5].
وإليك نبذة من صبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصحابة رضي الله عنهم على الفقر والجوع والعري:
1-
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1609): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: ((وأنا، والّذي نفسي بيده، لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا))، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منّي، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب، فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إيّاك والحلوب))، فذبح لهم فأكلوا من الشّاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر وعمر: ((والّذي نفسي بيده، لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم)).
وحدثني إسحق بن منصور أخبرنا أبوهشام يعني المغيرة بن سلمة حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا يزيد حدثنا أبوحازم قال سمعت أبا هريرة يقول: بينا أبوبكر قاعد وعمر معه، إذ أتاهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((ما أقعدكما هاهنا))؟ قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والّذي بعثك بالحقّ. ثمّ ذكر نحو حديث خلف بن خليفة.
2-
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص610): حدثنا محمد بن الحكم أخبرنا النضر أخبرنا إسرائيل أخبرنا سعد الطائي أخبرنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: ((يا عديّ هل رأيت الحيرة))؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة، حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّئ، الّذين قد سعّروا البلاد؟، ((ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى)) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى ابن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة، يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان، يترجم له، فليقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلّغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنّم، وينظر عن يساره، فلا يرى إلا جهنّم))، قال عديّ: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة، فبكلمة طيّبة))، قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبوالقاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج ملء كفّه.
3-
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7 ص33): حدثنا العباس بن محمد أخبرنا عبدالله بن يزيد المقرئ أخبرنا حيوة بن شريح حدثني أبوهانئ الخولاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي أخبره عن فضالة بن عبيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا صلّى بالنّاس يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصّفّة، حتّى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، أو مجانون. فإذا صلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف إليهم، فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً)) قال فضالة: وأنا يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذا حديث حسن صحيح.
4-
قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2278): حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ الدّنيا قد آذنت بصرم، وولّت حذّاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، ووالله لتملأنّ، أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنةً، وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى قرحت أشداقنا.
5-
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص303): حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن محمد قال: كنّا عند أبي هريرة، وعليه ثوبان ممشّقان من كتّان، فتمخّط، فقال: بخ بخ أبوهريرة يتمخّط في الكتّان! لقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى حجرة عائشة مغشيًّا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أنّي مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
وأخرجه الترمذي (ج7 ص33) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
6-
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج3 ص1625) بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((احتلبوا هذا اللّبن بيننا)) قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان، قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي، فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلمّا أن وغلت في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل، قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك، فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة، إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السّماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: ((اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني))، قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ، وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن، فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا هي حافلة، وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((أشربتم شرابكم اللّيلة))، قال: قلت: يا رسول الله اشرب. فشرب، ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب، ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد روي وأصبت دعوته، ضحكت، حتّى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها)) قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس.
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل حدثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد.
7-
قال البخاري رحمه الله (ج2 ص427) حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبوغسان قال حدثني أبوحازم عن سهل قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقًا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنْزع أصول السّلق فتجعله في قدر، ثمّ تجعل عليه قبضةً من شعير تطحنها، فتكون أصول السّلق عرقه، وكنّا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلّم عليها، فتقرّب ذلك الطّعام إلينا، فنلعقه، وكنّا نتمنّى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
8-
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص83): حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد بن عبدالله عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت سعدًا رضي الله عنه يقول: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة ما له خلط، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد خبت إذًا وضلّ عملي. وكانوا وشوا به إلى عمر، قالوا: لا يحسن يصلّي.
9-
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص55): حدثنا أبوبكر بن النضر بن أبي النضر قال حدثني أبوالنضر هاشم بن القاسم حدثنا عبيدالله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتّى همّ بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم، فدعوت الله عليها. قال: ففعل، قال: فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التّمر بتمره، -قال: وقال مجاهد-: وذو النّواة بنواه، قلت: وما كانوا يصنعون بالنّوى؟ قال: كانوا يمصّونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها، حتّى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنّة)).
حدثنا سهل بن عثمان وأبوكريب محمد بن العلاء جميعًا عن أبي معاوية، قال أبوكريب: حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد[6] -شك الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((افعلوا)) قال: فجاء عمر، فقال: يارسول الله إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نعم)) قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة، قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه بالبركة، ثمّ قال: ((خذوا في أوعيتكم))، قال: فأخذوا في أوعيتهم، حتّى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة)).
10-
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص128): حدثنا بشر بن مرحوم حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله عنه قال: خفّت أزواد القوم وأملقوا، فأتوا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ناد في النّاس فيأتون بفضل أزوادهم)) فبسط لذلك نطع، وجعلوه على النّطع، فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا وبرّك عليه، ثمّ دعاهم بأوعيتهم، فاحتثى النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله)).
11-
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص281): حدثني أبونعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أنّ أبا هريرة كان يقول: والله الّذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبوبكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي أبوالقاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي، ثمّ قال: ((يا أبا هرّ))، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((الحقْ)) ومضى، فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح، فقال: ((من أين هذا اللّبن))؟ قالوا: أهداه لك فلان، أو فلانة. قال: ((أبا هرّ)) قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي))، قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة، كنت أحقّ أنا أن أصيب من هذا اللّبن شربةً أتقوّى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((يا أبا هرّ)) قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم)) قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد روي القوم كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال: ((أبا هرّ))، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((بقيت أنا وأنت)) قلت: صدقت يا رسول الله. قال: ((اقعد فاشرب)) فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب))، فشربت، فما زال يقول: ((اشرب))، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكًا. قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح فحمد الله وسمّى، وشرب الفضلة.
12-
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص226): وقال إبراهيم عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال: مرّ بنا في مسجد بني رفاعة، فسمعته يقول: كان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا مرّ بجنبات أمّ سليم دخل عليها، فسلّم عليها، ثمّ قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عروسًا بزينب، فقالت لي أمّ سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هديّةً، فقلت لها: افعلي. فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتّخذت حيسةً في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه. فقال لي: ((ضعها))، ثمّ أمرني، فقال:((ادع لي رجالاً –سمّاهم- وادع لي من لقيت))، قال: ففعلت الّذي أمرني، فرجعت فإذا البيت غاصّ بأهله، فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضع يديه على تلك الحيسة، وتكلّم بها ما شاء الله، ثمّ جعل يدعو عشرةً عشرةً، يأكلون منه، ويقول لهم: ((اذكروا اسم الله، وليأكل كلّ رجل ممّا يليه)) قال: حتّى تصدّعوا كلّهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدّثون، قال: وجعلت أغتمّ، ثمّ خرج النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو الحجرات، وخرجت في إثره، فقلت: إنّهم قد ذهبوا فرجع، فدخل البيت وأرخى السّتر، وإنّي لفي الحجرة وهو يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحقّ} قال أبوعثمان: قال أنس: إنّه خدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عشر سنين.
· [1] سورة محمد، الآية: 36- 37.
· [2] سورة القلم، الآية: 46.
· [3] سورة يس، الآية: 21.
· [4] سورة الشعراء، الآية: 109.
· [5] سورة البقرة، الآية: 155- 157.
· [6] هذا التردد لا يضر الحديث، لأن الأشجعي قد جزم أنه أبوهريرة، وأيضًا الصحابة كلهم عدولٌ فلا يضر.