منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات حكم الكلام أثناء قراءة القرآن (الكاتـب : أبو هريرة الكوني السلفي - )           »          خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2014, 05:11 PM
بلال الجيجلي بلال الجيجلي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: الجزائر- ولاية جيجل - حرسها الله من كل سوء-
المشاركات: 941
شكراً: 13
تم شكره 43 مرة في 40 مشاركة
افتراضي الكراهة عند السلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و من والاه أما بعد:
فمما شاع عند كثير من المتأخرين حمل الألفاظ الشرعية وأقوال أئمة السلف على الاصطلاحات الحادثة مما أنتج غلطا عظيما في أبواب متفرقة من الشريعة ، ومن ذلك ماجرى عليه كثير من متأخري الفقهاء من حمل لفظ الكراهة في عبارات السلف و الأئمة على الكراهة التنزيهية عند الأصوليين ، فنسبت إلى هؤلاء الأئمة مذاهب و أقوال يترفع عنها من عرف للقوم منزلتهم و مكانتهم وديانتهم و ورعهم ، و ينزههم عن تلك الأقوال ، و ممن نبه على هذا الغلط الإمام ابن القيم -رحمه الله- وهذا نص كلامه.
قال ابن القيم -رحمه الله-:
" قُلْت: وَقَدْ غَلِطَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَئِمَّتِهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، حَيْثُ تَوَرَّعَ الْأَئِمَّةُ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ، وَأَطْلَقُوا لَفْظَ الْكَرَاهَةِ، فَنَفَى الْمُتَأَخِّرُونَ التَّحْرِيمَ عَمَّا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْكَرَاهَةَ، ثُمَّ سَهُلَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَخَفَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِمْ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَتَجَاوَزَ بِهِ آخَرُونَ إلَى كَرَاهَةِ تَرْكِ الْأَوْلَى، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ؛ فَحَصَلَ بِسَبَبِهِ غَلَطٌ عَظِيمٌ عَلَى الشَّرِيعَةِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: أَكْرَهُهُ، وَلَا أَقُولُ هُوَ حَرَامٌ، وَمَذْهَبُهُ تَحْرِيمُهُ، وَإِنَّمَا تَوَرَّعَ عَنْ إطْلَاقِ لَفْظِ التَّحْرِيمِ لِأَجْلِ قَوْلِ عُثْمَانَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيِّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُتَوَضَّأَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ لَهُ، وَهَذَا اسْتِحْبَابُ وُجُوبٍ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ: إذَا كَانَ أَكْثَرُ مَالِ الرَّجُلِ حَرَامًا فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُؤْكَلَ مَالُهُ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: لَا يُعْجِبُنِي أَكْلُ مَا ذُبِحَ لِلزَّهْرَةِ وَلَا الْكَوَاكِبِ وَلَا الْكَنِيسَةِ، وَكُلُّ شَيْءٍ ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] .
فَتَأَمَّلْ كَيْف قَالَ: " لَا يُعْجِبُنِي " فِيمَا نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَاحْتَجَّ هُوَ أَيْضًا بِتَحْرِيمِ اللَّهِ لَهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَكْرَهُ لُحُومَ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانَهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: أَكْرَهُ أَكْلَ لَحْمِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ؛ لِأَنَّ الْحَيَّةَ لَهَا نَابٌ وَالْعَقْرَبُ لَهَا حُمَةٌ وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ فِي تَحْرِيمِهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا صَادَ الْكَلْبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسَلَ فَلَا يُعْجِبُنِي؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك وَسَمَّيْت» فَقَدْ أَطْلَقَ لَفْظَهُ " لَا يُعْجِبُنِي " عَلَى مَا هُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَائِيّ: لَا يُعْجِبُنِي الْمُكْحُلَةُ وَالْمِرْوَدُ، يَعْنِي مِنْ الْفِضَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَهُوَ مَذْهَبُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَيْضًا: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا أَوْ جَارِيَةٍ أَشْتَرِيهَا لِلْوَطْءِ وَأَنْتِ حَيَّةٌ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ وَالْمَرْأَةُ طَالِقٌ، قَالَ: إنْ تَزَوَّجَ لَمْ آمُرْهُ أَنْ يُفَارِقَهَا، وَالْعِتْقُ أَخْشَى أَنْ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلطَّلَاقِ، قِيلَ لَهُ: يَهَبُ لَهُ رَجُلٌ جَارِيَةً، قَالَ: هَذَا طَرِيقُ الْحِيلَةِ، وَكَرِهَهُ، مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ تَحْرِيمُ الْحِيَلِ وَأَنَّهَا لَا تُخَلِّصُ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَنَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الْبَطَّةِ مِنْ جُلُودِ الْحُمُرِ، وَقَالَ: تَكُونُ ذَكِيَّةً، وَلَا يَخْتَلِفُ مَذْهَبُهُ فِي التَّحْرِيمِ، وَسُئِلَ عَنْ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ، فَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَهَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ، وَقَالَ: يُكْرَهُ الْقَدُّ مِنْ جُلُودِ الْحَمِيرِ، ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكِيًّا، وَأَكْرَهُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ وَلِلْمُسْتَعْمِلِ؛ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يَنْتَفِعُ بِكَذَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ غَيْرَهُ، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَهَذَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ وَسُئِلَ عَنْ أَلْبَانِ الْأُتُنِ فَكَرِهَهُ وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُ، وَسُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ يُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَهَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَهُ؛ وَسُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ، فَكَرِهَهُ، وَهَذَا فِي أَجْوِبَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَقْصَى، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ.
وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ فَهُوَ حَرَامٌ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصَّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ؛ وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ؛ وَقَدْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: يُكْرَهُ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمُرَادُهُ التَّحْرِيمُ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُكْرَهُ النَّوْمُ عَلَى فُرُشِ الْحَرِيرِ وَالتَّوَسُّدُ عَلَى وَسَائِدِهِ، وَمُرَادُهُمَا التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الذُّكُورُ مِنْ الصِّبْيَانِ الذَّهَبَ وَالْحَرِيرَ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَقَالُوا: إنَّ التَّحْرِيمَ لِمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ، وَتَحْرِيمُ اللُّبْسِ يُحَرِّمُ الْإِلْبَاسَ، كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا، وَكَذَلِكَ قَالُوا: يُكْرَهُ مِنْدِيلُ الْحَرِيرِ الَّذِي يُتَمَخَّطُ فِيهِ وَيُتَمَسَّحُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ، وَقَالُوا: يُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ؛ وَقَالُوا: يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ إذَا أَضَرَّ بِهِمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ؛ وَقَالُوا: يُكْرَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي أَيَّامِ الْفِتْنَةِ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِ مَكَّةَ، وَمُرَادُهُمْ التَّحْرِيمُ عِنْدَهُمْ؛ قَالُوا: وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ، وَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَهُمْ؛ قَالُوا: وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ أَوْ غَيْرِهِ طَوْقَ الْحَدِيدِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَرُّكِ، وَهُوَ الْغُلُّ، وَهُوَ حَرَامٌ؛ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ جِدًّا.
وَأَمَّا أَصْحَابُ مَالِكٍ فَالْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ مَرْتَبَةٌ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمُبَاحِ، وَلَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجَوَازِ، وَيَقُولُونَ: إنَّ أَكْلَ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُبَاحٍ؛ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْوِبَتِهِ: أَكْرَهُ كَذَا، وَهُوَ حَرَامٌ؛ فَمِنْهَا أَنَّ مَالِكًا نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ الشِّطْرَنْجِ، وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ التَّحْرِيمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ: إنَّهُ لَهْوٌ شَبَهُ الْبَاطِلِ، أَكْرَهُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُ لِي تَحْرِيمُهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ، وَتَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ وَإِلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ اللَّعِبَ بِهَا جَائِزٌ وَأَنَّهُ مُبَاحٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ كَرِهَهَا، وَتَوَقَّفَ فِي تَحْرِيمِهَا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَذْهَبَهُ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهَا وَإِبَاحَتُهُ؟ وَمِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ نَصَّ عَلَى كَرَاهَةِ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ بِنْتَهُ مِنْ مَاءِ الزِّنَا، وَلَمْ يَقُلْ قَطُّ إنَّهُ مُبَاحٌ وَلَا جَائِزٌ، وَاَلَّذِي يَلِيقُ بِجَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَمَنْصِبِهِ الَّذِي أَجَّلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الدِّينِ أَنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ، وَأَطْلَقَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَقِيبَ ذِكْرِ مَا حَرَّمَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ عِنْدِ قَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] إلَى قَوْلِهِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] إلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] إلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء: 32] إلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] إلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} [الإسراء: 34] إلَى قَوْلِهِ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] إلَى آخِرِ الْآيَاتِ؛ ثُمَّ قَالَ: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] وَفِي الصَّحِيحِ: «إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ» .
فَالسَّلَفُ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَرَاهَةَ فِي مَعْنَاهَا الَّذِي اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ اصْطَلَحُوا عَلَى تَخْصِيصِ الْكَرَاهَةِ بِمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَتَرْكُهُ أَرْجَحُ مِنْ فِعْلِهِ، ثُمَّ حَمَلَ مَنْ حَمَلَ مِنْهُمْ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ الْحَادِثِ، فَغَلِطَ فِي ذَلِكَ، وَأَقْبَحُ غَلَطًا مِنْهُ مَنْ حَمَلَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ أَوْ لَفْظَ " لَا يَنْبَغِي " فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ الْحَادِثِ، وَقَدْ اطَّرَدَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتِعْمَالُ " لَا يَنْبَغِي " فِي الْمَحْظُورِ شَرْعًا وَقَدَرًا وَفِي الْمُسْتَحِيلِ الْمُمْتَنِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: 92] وَقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَقَوْلِهِ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ - وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} [الشعراء: 210 - 211] «وَقَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ: «لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ» وَأَمْثَالِ ذَلِكَ". [إعلام الموقعين لابن القيم 1/75-82]

وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه وسلم.
__________________
ذكر ابن عبد الهادي في ذيله على ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة في ص 52: قال أخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [ابن رجب] مسألة فأطنب فيها ، فعجبتُ من ذلك ، ومن إتقانه لها ، فوقعتْ بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب ، وغيرهم ؛ فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة ! فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمتَ فيها بذلك الكلام ؟! قال : إنما أتكلمُ بما أرجو ثوابه ، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس .

التعديل الأخير تم بواسطة بلال الجيجلي ; 04-08-2014 الساعة 07:52 PM
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:19 PM.


powered by vbulletin