التفصيل حول الحديث القدسي
قال الشيخ بن عثمين – رحمه الله - :
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي هل هو كلام الله تعالى، أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معناه واللفظ لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولين:
القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقله، لا سيما والنبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس أمانة وأوثقهم رواية.
القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لوجهين:
الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظا ومعنى، لكان أعلى سندا من القرآن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة، كما هو ظاهر السياق، أما القرآن، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل، كما قال تعالى:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ } 1 [النحل: 102] وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} 2 [الشعراء: 193- 195]
الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله، لم يكن بينه وبين القرآن فرق، لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى، والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا في الأصل، ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسي فروقاً كثيرة:
منها: أن الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، بمعنى أن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بمجرد قراءته، فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات، والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات.
ومنها: أن الله تعالى تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله تعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1 [الحجر: 9] والأحاديث القدسية بخلاف ذلك، ففيها الصحيح والحسن، بل أضيف إليها ما كان ضعيفا أو موضوعا، وهذا وإن لم يكن منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة والنقص.
ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، وأما الأحاديث القدسية فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه.
ومنها: أن القرآن تشرع قراءته في الصلاة ومنه ما لا تصح الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن لا يمسه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول الراجح، بخلاف الأحاديث القدسية.
ومنها: أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفا أجمع القراء عليه، لكان كافرا، بخلاف الأحاديث القدسية، فإنه لو أنكر شيئا منها مدعيا أنه لم يثبت، لم يكفر، أما لو أنكره مع علما أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، لكان كافرا لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم
وأجاب هؤلاء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل، لكن قد يضاف إلى قائله معنى لا لفظا، كما في القرآن الكريم، فإن الله تعالى يضيف أقوالا إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنى لا لفظا، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة; فإنه بغير هذا اللفظ قطعا.
وبهذا يتبين رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهل السنة في كلام الله تعالى، لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى، فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقي مسموع يتكلم سبحانه بصوت وحرف، والأشاعرة لا يثبتون ذلك، وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه، وليس بحرف وصوت، ولكن الله تعالى يخلق صوتا يعبر به عن المعنى القائم بنفسه، ولا شك في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قول المعتزلة، لأن المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وهؤلاء يقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام الله، فقد اتفق الجميع على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق.
ثم لو قيل في مسألتنا- الكلام في الحديث القدسي-: إن الأولى ترك الخوض في هذا، خوفا من أن يكون من التنطع الهالك فاعله، والاقتصار على القول بأن الحديث القدسي ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى، لكان ذلك كافيا، ولعله أسلم والله أعلم[1].
قال الشيخ العلامة " محمد امان الجامي " :
الحديث القدسي معدود من كلام الله تعالى لأنه على الصحيح من قولي أهل العلم أنه من عند الله تعالى لفظا ومعنى لذلك الله يقول (عبدي) فالنبي لا يقول لأحد (عبدي) الذي يقول (عبدي) هو الله إذن الحديث القدسي من كلام الله تعالى لفظا ومعنى ، فإذا كان هو من كلام الله والقرآن من كلام الله ما الفرق بينهما ؟
الفرق بينهما:الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته ، لا يجوز للإنسان أن يكرر حديثا قدسيا ليتعبد بتلاوته (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما) هذا كلام الله لكن لو كررت بدعوى أنك تتعبد بتلاوة هذا الكلام كما تتعبد بالقرآن هذا خطأ لأنه لا يتعبد بتلاوته ، هذا الفرق الأول .
الفرق الثاني ليس بمعجز لأنه ليس متحدى به ليس كالقرآن في الإعجاز .
ثالثا لا تصح به الصلاة ، الصلاة لا تصح إلا بالقرآن ولا تصح بالحديث القدسي .
رابعا لا يلزم أن يكون متواترا قد يأتي متواترا كالأحاديث النبوية وقد يأتي آحادا وقد يوجد هناك ما هو ضعيف ، لا يلزم أن يكون متواترا والقرآن كله متواتر .
هذه الفوارق التي بها يفرَّق بين الحديث القدسي وبين القرآن وإلا فهو من كلام الله تعالى [2].وقال رحمه الله :الحديث القدسي فمن عند الله لفظًا ومعنىً؛ فالله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يقول : ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تظالَموا)) مثلُ هذا الحديث يقال له : ( حديثٌ ربّاني )، ويقال له : ( حديثٌ قدسي )، لذلك عندما يُخبر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول : ((قال الله)) يحكي عن الله؛ هذا من عند الله لفظًا ومعنىً؛ هذا الفرق بين الحديث النبوي وبين الحديث القدسي، أي : الحديث النبوي من عند الله من حيث المعنى والألفاظ هذه العربية التي نقرأها من عند رسول الله، والحديث القدسي من عند الله لفظًا ومعنى[3] .
وقال رحمه الله :وأما الحديث القدسي فهو يوافق القرآن في أنه من عند الله لفظاً ومعنى، مع ملاحظة الخلاف [4].
قال الشيخ العلامة صالح الفوزان :
فالحديث القدسي من كلام الله لفظه ومعناه.
أما الحديث غير القدسي فهو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن المعنى من الله، لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)}.
إلاّ أن الحديث القدسي مع أنه من كلام الله لا يأخذ حكم القرآن من كل وجه، بحيث يُتعبد بتلاوته مثل القرآن، وبحيث لا يمسه إلاَّ طاهر مثل القرآن، أو أنه يُشترط له التواتر مثل القرآن، ومن حيث إنه تجوز روايته بالمعنى. أما القرآن فلا تجوز روايته بالمعنى.
الحاصل؛ أن بين الحديث القدسي وبين القرآن فروقاً كثيرة، وإن كان يجتمع مع القرآن في أنه كلام الله سبحانه وتعالى لفظاً ومعنى[5].
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
الحديث القدسي من حيث الاصطلاح فقد اختلف فيه العلماء، وعباراتهم متنوعة، والذي يتفق مع اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الحديث القدسي
من حيث اللفظ هو من الله -جل وعلا-، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويه رواية بلفظه، وليس له -عليه الصلاة والسلام- أن يغير معناه، وبعض أهل العلم: ليس له أن يغير لفظه.
وبعض أهل العلم قالوا: إن معناه من الله -جل وعلا- ولفظه من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أبيح له أن يغير في لفظه، وهذا القول لا دليل عليه؛ لأنه جاء ذلك بالنقل: قال الله -تعالى-، قال ربكم. والصحابة يقولون: فيما ينميه إلى ربه، فيما يبلغه عن ربه، فيما يرويه عن ربه.
وهذه كلها من ألفاظ الأداء في الرواية، وليس ثَمَّ ما يدل على أن المعنى من الله -جل وعلا- وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يتصرف في الألفاظ بما يؤدي به المعنى؛ إذ لا دليل عليه كما ذكرنا، ولا حاجة له -عليه الصلاة والسلام- في ذلك.
وأيضا هذا القول -وهو: أنه من حيث اللفظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمعنى من الله جل وعلا- يتفق مع قول الأشاعرة والماتريدية وأشباه هؤلاء في أن الله -جل وعلا- كلامه كلام نفسي، بمعنى: أنه يلقي في روع جبريل المعاني، أو يلقي في روع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - المعاني، ويعبر عنها جبريل بما يراه، ويعبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بما يراه.
ولهذا عندهم القرآن عبارة عن كلام الله -جل وعلا- وليس هو بكلام الله -جل وعلا- الذي خرج منه -جل وعلا- وبدأ منه -سبحانه وتعالى- بكلماته وحروفه ومعانيه، فإذن الذي يتفق مع عقيدة أهل السنة والجماعة في كلام الله -جل وعلا- أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله -جل وعلا-، ولم يتعبد بتلاوته، فيصح أن نعرف الحديث القدسي بأنه: ما رواه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن الله -جل وعلا- بلفظه ومعناه ولم يتعبد بتلاوته، يعني: لم يكن بين دفتي المصحف.
هذا هو الحديث القدسي وغيره مما يجعل اللفظ من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لا يتفق مع عقائد أهل السنة والجماعة[6].
قال الشيخ عبد العزيز الراحجي : ( من أكثر المشايخ الذين تكلموا في المسألة) .
هذا الحديث القدسي من كلام الله لفظا ومعنى، مثل القرآن, إلا أنه له أحكام، تختلف عن أحكام القرآن، فالقرآن متعبد بتلاوته، لا يمسه إلا المتوضئ، وهو معجز، وأما الحديث القدسي، فيجوز مسه من غير أن يتوضأ، وليس معجزا، ولا متعبدا بتلاوته، تختلف الأحكام، وإن كان كل منهما من الله لفظا ومعنى[7].
[1] - شرح الإربعين النووية .
[2] - القول المفيد شرح كتاب التوحيد ، شرح الأربعين النووية .
3 - شرح التدمرية .
[4]- شرح القواعد المثلى .
[5] - الصفات الإلهية .
[6] - إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد .
[7] - شرح الإربعين النووية .
[8] - شرح أصول السنَّة لابن أبي زمنين ، شرح الابانة ، وشرح الاقتصاد في الاعتقاد ،وشرح السنة لابن البنا، وشرح الوصية الكبري لابن تيمية ، شرح اعتقاد السلف اصحاب الحديث ، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري .