منتديات منابر النور العلمية

العودة   منتديات منابر النور العلمية > :: الـمـــنابـــر الـعـلـمـيـــة :: > المـــنـــــــــــــــــــــبـــــــــر الــــــــعـــــــــــــــــــــام

آخر المشاركات خطب الجمعة والأعياد (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          مجالس شهر رمضان المبارك لعام 1445هـ (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تسجيلات المحاضرات واللقاءات المتنوعة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          جدول دروسي في شهر رمضان المبارك لعام 1445 هـ الموافق لعام2024م (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          تنبيه على شبهة يروجها الصعافقة الجزأريون الجدد وأتباع حزب الخارجي محمود الرضواني (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          صوتيات في الرد على الصعافقة وكشف علاقتهم بالإخوان وتعرية ثورتهم الكبرى على أهل السنة (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          راجع نفسك ومنهجك يا أخ مصطفى أحمد الخاضر (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          [محاضرة] وقفات مع حادثة الإفك الجديدة | الشيخ عبد الله بن مرعي بن بريك (الكاتـب : أبو عبد الله الأثري - )           »          شرح كتاب (فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب) وكتاب (عمدة السالك وعدة الناسك) في الفقه الشافعي (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )           »          التنبيه على خيانة الصعافقة الهابطين في نشرهم مقطعا صوتيا للشيخ محمد بن هادي بعنوان كاذب! (الكاتـب : أسامة بن عطايا العتيبي - )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع طريقة عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-18-2014, 09:58 AM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي ذِكْر تَنَازِع العُلَمَاءِ فِي تَكْفِيرِ مَنْ يَتْرُكُ شَيْئًا مِنَ الفَرَائِض بَعْدَ الإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا / لابن تيمية

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المجموع (609/7):

وَلِهَذَا تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي تَكْفِيرِ مَنْ يَتْرُكُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ " الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعِ " بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِوُجُوبِهَا؛

فَأَمَّا " الشَّهَادَتَانِ " إذَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ كَافِرٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَجَمَاهِيرِ عُلَمَائِهَا

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُرْجِئَةِ وَهُمْ جهمية الْمُرْجِئَةِ: كَجَهْمِ وَالصَّالِحِيَّ وَأَتْبَاعِهِمَا إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ كَانَ كَافِرًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِيمَانَ الْبَاطِنَ يَسْتَلْزِمُ الْإِقْرَارَ الظَّاهِرَ؛

بَلْ وَغَيْرَهُ وَأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ الْبَاطِنِ تَصْدِيقًا وَحُبًّا وَانْقِيَادًا بِدُونِ الْإِقْرَارِ الظَّاهِرِ مُمْتَنِعٌ.

وَأَمَّا " الْفَرَائِضُ الْأَرْبَعُ " فَإِذَا جَحَدَ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ بُلُوغِ الْحُجَّةِ
فَهُوَ كَافِرٌ

وَكَذَلِكَ مَنْ جَحَدَ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرُ تَحْرِيمُهَا كَالْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْكَذِبِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ

وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةِ بَعِيدَةٍ لَمْ تَبْلُغْهُ فِيهَا شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوْ غَلِطَ فَظَنَّ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يُسْتَثْنَوْنَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَمَا غَلِطَ فِي ذَلِكَ الَّذِينَ اسْتَتَابَهُمْ عُمَرُ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُسْتَتَابُونَ وَتُقَامُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ أَصَرُّوا كَفَرُوا حِينَئِذٍ وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ كَمَا لَمْ يَحْكُمْ الصَّحَابَةُ بِكُفْرِ قدامة بْنِ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا غَلِطُوا فِيمَا غَلِطُوا فِيهِ مِنْ التَّأْوِيلِ.

وَأَمَّا مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الْأَرْبَعَةِ فَفِي التَّكْفِيرِ أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ هِيَ رِوَايَاتٌ عَنْ أَحْمَد:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَمَتَى عَزَمَ عَلَى تَرْكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ كَفَرَ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالْوُجُوبِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَد اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ وَغَيْرُهُ.

وَالثَّالِثُ: لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أَحْمَد وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد.

وَ الرَّابِعُ: يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ الزَّكَاةِ فَقَطْ.

وَ الْخَامِسُ: بِتَرْكِهَا وَتَرْكِ الزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا دُونَ تَرْكِ الصِّيَامِ وَالْحَجِّ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا طَرَفَانِ:

أَحَدُهُمَا فِي إثْبَاتِ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ.

وَ الثَّانِي فِي إثْبَاتِ الْكُفْرِ الْبَاطِنِ.

فَأَمَّا " الطَّرَفُ الثَّانِي " فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةِ كَوْنِ الْإِيمَانِ قَوْلًا وَعَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ

وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا إيمَانًا ثَابِتًا فِي قَلْبِهِ بِأَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَيَعِيشُ دَهْرَهُ لَا يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً وَلَا يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُؤَدِّي لِلَّهِ زَكَاةً وَلَا يَحُجُّ إلَى بَيْتِهِ فَهَذَا مُمْتَنِعٌ وَلَا يَصْدُرُ هَذَا إلَّا مَعَ نِفَاقٍ فِي الْقَلْبِ وَزَنْدَقَةٍ لَا مَعَ إيمَانٍ صَحِيحٍ؛

وَلِهَذَا إنَّمَا يَصِفُ سُبْحَانَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ السُّجُودِ الْكُفَّارَ كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ حَدِيثِ التَّجَلِّي {أَنَّهُ إذَا تَجَلَّى تَعَالَى لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَجَدَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَبَقِيَ ظَهْرُ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً مِثْلَ الطَّبَقِ لَا يَسْتَطِيعُ السُّجُودَ}

فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ مَنْ سَجَدَ رِيَاءً فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ قَطُّ

وَثَبَتَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ {أَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مِنْ ابْنِ آدَمَ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ السُّجُودِ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَهُ}

فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَسْجُدُ لِلَّهِ تَأْكُلُهُ النَّارُ كُلَّهُ

وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ أُمَّتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ}

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ غُرًّا مُحَجَّلًا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ.

وقَوْله تَعَالَى {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} وقَوْله تَعَالَى {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} .

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} .

وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}

فَوَصَفَهُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَمَا وَصَفَهُ بِتَرْكِ التَّصْدِيقِ وَوَصَفَهُ بِالتَّكْذِيبِ وَالتَّوَلِّي

وَ " الْمُتَوَلِّي " هُوَ الْعَاصِي الْمُمْتَنِعُ مِنْ الطَّاعَةِ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: {سَتُدْعَوْنَ إلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} .

وَكَذَلِكَ وَصَفَ أَهْلَ سَقَرٍ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْمُصَلِّينَ وَكَذَلِكَ قَرَنَ التَّكْذِيبَ بِالتَّوَلِّي فِي قَوْلِهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} {عَبْدًا إذَا صَلَّى} {أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} {أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} {أَرَأَيْتَ إنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} .

وَ " أَيْضًا " فِي الْقُرْآنِ عَلَّقَ الْأُخُوَّةَ فِي الدِّينِ عَلَى نَفْسِ إقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ كَمَا عَلَّقَ ذَلِكَ عَلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ الْأُخُوَّةُ

وَ " أَيْضًا " فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ} .

وَفِي الْمُسْنَدِ {مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ} .

وَ " أَيْضًا " فَإِنَّ شِعَارَ الْمُسْلِمِينَ الصَّلَاةُ وَلِهَذَا يُعَبِّرُ عَنْهُمْ بِهَا فَيُقَالُ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الصَّلَاةِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْقِبْلَةِ وَالْمُصَنِّفُونَ لِمَقَالَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: " مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ "

وَفِي الصَّحِيحِ {مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا؛ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا؛ وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لَنَا؛ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا}

وَأَمْثَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كَثِيرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَكْفُرُوا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ فَلَيْسَتْ لَهُمْ حُجَّةٌ إلَّا وَهِيَ
مُتَنَاوِلَةٌ لِلْجَاحِدِ كَتَنَاوُلِهَا لِلتَّارِكِ فَمَا كَانَ جَوَابُهُمْ عَنْ الْجَاحِدِ كَانَ جَوَابًا لَهُمْ عَنْ التَّارِكِ؛

مَعَ أَنَّ النُّصُوصَ عَلَّقَتْ الْكُفْرَ بِالتَّوَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَهَذَا مِثْلُ اسْتِدْلَالِهِمْ بالعمومات الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا الْمُرْجِئَةُ كَقَوْلِهِ {مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٍ مِنْهُ. . . أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ.

وَأَجْوَدُ مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ. وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ} .

قَالُوا: فَقَدْ جَعَلَ غَيْرَ الْمُحَافِظِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَالْكَافِرُ لَا يَكُونُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ

وَلَا دَلَالَةَ فِي هَذَا؛ فَإِنَّ الْوَعْدَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَالْمُحَافَظَةُ فِعْلُهَا فِي أَوْقَاتِهَا كَمَا أَمَرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}

وَعَدَمُ الْمُحَافَظَةِ يَكُونُ مَعَ فِعْلِهَا بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}

فَقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ: مَا إضَاعَتُهَا؟ فَقَالَ: تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا فَقَالُوا: مَا كُنَّا نَظُنُّ ذَلِكَ إلَّا تَرْكَهَا فَقَالَ: لَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا كُفَّارًا.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}
ذَمَّهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ؛ لِأَنَّهُمْ سَهَوْا عَنْ حُقُوقِهَا الْوَاجِبَةِ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ وَإِتْمَامِ أَفْعَالِهَا الْمَفْرُوضَةِ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا} فَجَعَلَ هَذِهِ صَلَاةَ الْمُنَافِقِينَ لِكَوْنِهِ أَخَّرَهَا عَنْ الْوَقْتِ وَنَقَرَهَا.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مَا يُنْكَرُ؛ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ: لَا مَا صَلَّوْا} وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً}

فَنَهَى عَنْ قِتَالِهِمْ إذَا صَلَّوْا وَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُصَلُّوا قُوتِلُوا وَبَيْنَ أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَذَلِكَ تَرْكُ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا لَا تَرْكُهَا.

وَإِذَا عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَدْخَلَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَا مَنْ تَرَكَ

وَنَفْسُ الْمُحَافَظَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ صَلَّوْا وَلَمْ يُحَافِظُوا عَلَيْهَا وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَمْ يُحَافِظْ فَإِنَّهُ لَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ قُتِلُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ بِلَا رَيْبٍ

وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعَادَةِ أَنَّ رَجُلًا يَكُونُ مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ مُقِرًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ مُلْتَزِمًا لِشَرِيعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ يَأْمُرُهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فَيَمْتَنِعُ حَتَّى يُقْتَلَ وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ قَطُّ لَا يَكُونُ إلَّا كَافِرًا وَلَوْ قَالَ أَنَا مُقِرٌّ بِوُجُوبِهَا غَيْرَ أَنِّي لَا أَفْعَلُهَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ هَذِهِ الْحَالِ كَذِبًا مِنْهُ

كَمَا لَوْ أَخَذَ يُلْقِي الْمُصْحَفَ فِي الْحَشِّ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ مَا فِيهِ كَلَامَ اللَّهِ

أَوْ جَعَلَ يَقْتُلُ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُنَافِي إيمَانَ الْقَلْبِ فَإِذَا قَالَ أَنَا مُؤْمِنٌ بِقَلْبِي مَعَ هَذِهِ الْحَالِ كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَظْهَرَهُ مِنْ الْقَوْلِ.

فَهَذَا الْمَوْضِعُ يَنْبَغِي تَدَبُّرُهُ فَمَنْ عَرَفَ ارْتِبَاطَ الظَّاهِرِ بِالْبَاطِنِ زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ وَعَلِمَ أَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالْوُجُوبِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْفِعْلِ لَا يُقْتَلُ أَوْ يُقْتَلُ مَعَ إسْلَامِهِ؛ فَإِنَّهُ دَخَلَتْ عَلَيْهِ الشُّبْهَةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَالْجَهْمِيَّة وَاَلَّتِي دَخَلَتْ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ الْجَازِمَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ لَا يَكُونُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ

وَلِهَذَا كَانَ الْمُمْتَنِعُونَ مِنْ قَتْلِ هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ بَنَوْهُ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " وَأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنْ الْإِيمَانِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جِنْسَ الْأَعْمَالِ مِنْ لَوَازِمِ إيمَانِ الْقَلْبِ وَأَنَّ إيمَانَ الْقَلْبِ التَّامِّ بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ مُمْتَنِعٌ سَوَاءٌ جَعَلَ الظَّاهِرَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ أَوْ جُزْءًا مِنْ الْإِيمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يَفْعَلُ بَعْضَ الْمَأْمُورَاتِ وَيَتْرُكُ بَعْضَهَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ بِحَسَبِ مَا فَعَلَهُ وَالْإِيمَانُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَجْتَمِعُ فِي الْعَبْدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا اُئْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ} .

وَبِهَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ؛ بَلْ أَكْثَرُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَمْصَارِ لَا يَكُونُونَ مُحَافِظِينَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَلَا هُمْ تَارِكُوهَا بِالْجُمْلَةِ بَلْ يُصَلُّونَ أَحْيَانًا وَيَدَعُونَ أَحْيَانًا فَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةُ فِي الْمَوَارِيثِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ؛

فَإِنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ إذَا جَرَتْ عَلَى الْمُنَافِقِ الْمَحْضِ - كَابْنِ أبي وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ - فَلَأَنْ تَجْرِيَ عَلَى هَؤُلَاءِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام بن تيمية (609/7)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-18-2014, 12:09 PM
أبو عبد الله رشيد السلفي أبو عبد الله رشيد السلفي غير متواجد حالياً
زائر
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 53
شكراً: 0
تم شكره 5 مرة في 4 مشاركة
افتراضي

جزاك الله خيرا الأخ الكريم
نفع الله بنقولاتك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 07-18-2014, 02:54 PM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

وأظن بأن ابن تيمية بنفسه رحمه الله عندما وقف على أحاديث الشفاعة فلم يقل بتكفير تارك الصلاة وتوقف في ذلك، فهذا أظن هو ما قرأته في إحدى مقالات الشيخ ربيع على ما أظن أو في إحدى مقالات الإخوة الذين يكتبون في سحاب.

فلا نتعلق بجانب واحد يا ماهر ونغفل عن الجانب الآخر، بل نعتبر بالجانبين، فكما هناك أحاديث وآثار وآيات في تكفير تارك الصلاة فهناك كذلك أحاديث الشفاعة في من لم يعمل خيراً قط.

وعلى كل حال حتى نكون منصفين فلا بد من أن نذكر ما قاله الشيخ ابن عثيمين في كتابه (حكم تارك الصلاة)، حيث قال رحمه الله:

"ولم يرد في الكتاب والسنة أن تارك الصلاة ليس بكافر أو أنه مؤمن، وغاية ما ورد في ذلك نصوص تدل على فضل التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثواب ذلك، وهي إما مقيدة بقيود في النص نفسه يمتنع معها أن يترك الصلاة، وإما واردة في أحوال معينة يعذر الإنسان فيها بترك الصلاة، وإما عامة فتحمل على أدلة كفر تارك الصلاة، لأن أدلة كفر تارك الصلاة خاصة والخاص مقدم على العام".
__________________

قال عليه الصلاة والسلام: (( طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ )) . صححه الألباني .

قال الشيخ ربيع -حفظه الله-: " ما أحد سبقه في التأليف وخدمة السُنة إلاَّ القدامى ، استخرج أربعين كتابًا بعد ما مر على المخطوطات كلها في المكتبة الظاهرية وغيرها ، أعطاه الله ذكاءً خارقًا ، هزم رئيس القراء وعمره ثمانية عشر عامًا ، ... ما أحد سبقه في التأليف ، الألباني في كل كتبه يرد على أهل البدع وينشر التوحيد والسُنة " .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله الأثري ; 07-18-2014 الساعة 03:33 PM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 07-18-2014, 03:53 PM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي

هذا بحث نزّله شيخنا أبي عمر أسامة العتيبي - حفظه الله - في سحاب يجيب على كثير من الأسئلة والإشكالات المطروحة :

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

فكلام الشيخ العلامة صالح الفوزان في شيء، وكلام الشيخ الإمام الألباني في شيء آخر ..

أما كلام الشيخ الفوزان: أن من كان كافراً وليس الكلام حول المسلم الفاسق أو الغارق في الذنوب، إذا دخل في الإسلام ومات بعد ذلك وقبل تمكنه من العمل بالجوارح، أو مات قبل أن يحين أمر واجب ومفروض فهذا لا يحتاج إلى شفاعة، لأن معظم أنواع الشفاعة والمراد بالشفاعة عند الإطلاق: الشفاعة في أهل الذنوب والمعاصي ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))

وهذا الذي دخل في الإسلام ومات مباشرة ليس بمذنب أو صاحب كبائر حتى يحتاج إلى شفاعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام يجب ما كان قبله)) ...

فهذا هو مراد الشيخ الفوزان كما هو ظاهر ..

فالغلام الذي كان يهودياً وأسلم وهو على فراش الموت قبل الغرغرة لا يحتاج إلى شفاعة لأنه مات وليس عليه ذنب حتى يحتاج إلى شفاعة ..

فهذا هو صريح كلام الشيخ صالح الفوزان، وهو ظاهر، ولا علاقة لكلامه بكفر أو عدم كفر تارك عمل الجوارح مع العلم والقدرة وتعمد الترك..



أما كلام شيخنا الألباني رحمه الله فهو يتعلق بأمر آخر وهو تفسير حديث الشفاعة والتي هي لأهل الكبائر بأنه لم يتمكن من العمل!!!

فالذي لم يتمكن معذور فكيف يكون محاسباً وصاحب كبائر؟!

وكلام الشيخ في هذا صحيح لا غبار عليه، وإنكاره في محله رحمه الله..

فإن قال قائل فما الجواب عن حديث الشفاعة الذي يستدل به طوائف من الناس على نجاة تارك عمل الجوارح مطلقاً ولو بعد دخوله النار؟

مع التذكير بأن أحاديث الشفاعة مع ما فيها من الرد على المرجئة من إثبات تفاضل أهل الإيمان، وتبعض الإيمان، وأن من أهل الإيمان من يدخل النار مع ذلك فيتعامى أولئك المرجئة عن هذه الأمور ويستدلون بحديث الشفاعة على أن النجاة إنما تكون بالإقرار، وأن عمل الجوارح أو أعمال القلوب لا علاقة لها بالإيمان حيث قالوا: إن هذه الأحاديث تثبت دخول بعض الناس الجنة بدون عمل من أعمال الجوارح مما يدل على أنها ليست من الإيمان، ولو كانت من الإيمان لما ورد فيها : ((لم يعملوا خيراً قط))، ولم يرد نجاة صاحب البطاقة ونحو ذلك..

بل بالغ بعض المرجئة فقالوا: إن النجاة تكون بالإقرار فقط حتى ولو لم يعمل بقلبه شيء، لأنه ورد في أحاديث الشفاعة إخراج من في قلبه مثال ذرة من إيمان، ثم بعد ذلك نجاة من قال لا إله إلا الله، فقالوا: يكفي الإقرار وليس عمل القلب شرطاً في صحة الإيمان!!!


بل بالغ بعض المرجئة -وهم الجهمية- وقالوا: في تتمة حديث الشفاعة في بعض رواياته إدخال أناس بعد الذين قالوا لا إله إلا الله ووصفوا بأنهم لم يعملوا خيراً قط، فزعموا أن دخول الجنة والنجاة من النار يحصلان بالمعرفة والعلم بالله ولا حاجة إلى إقرار، ولا عمل قلب، ولا عمل جوارح!!

ومن المرجئة في عصرنا الذين يقولون إن النجاة تحصل بالعلم والمعرفة مستلاً بحديث الشفاعة وحديث: ((من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)) شخص من الأردن يقال له: غسان بدر!! وكان من الشدة بمكان على التكفيريين والخوارج، وله ردود على سفر وسلمان وأضرابهما.. لكنه تدرج به الغلو في مسألة عدم تكفير تارك عمل الجوارح إلى أن قال بقول الجهمية..


فأعود وأقول: ما هو جواب من يقول بعدم كفر تارك عمل الجوارح عن الذين يستدلون بحديث الشفاعة على عدم كفر تارك أعمال القلوب؟

وأريد منهم جواباً من نفس حديث الشفاعة..

فإن قالوا: ورد التقييد بإخراج الموحدين وهذا يدل على أنه لابد من أعمال القلوب مع الإقرار.. قلنا: ونحن نقول كما قال السلف: تارك العملليس بموحد، لأن تارك عمل الجوارح لا يبقى عنده عمل من أعمال القلوب فلا يبقى موحداً..



وإن قالوا: إن دليلنا على عدم نجاة تارك عمل أدلة أخرى، قلنا: ونحن كذلك نحن لنا أدلة أخرى وكثيرة تدل على عدم نجاة تارك عمل الجوارح مع القدرة والتمكن..


فإن قالوا: أحاديث الشفاعة فيها دلالة صريحة وواضحة على عدم تكفير تارك عمل الجوارح حيث أثبتت النجاة بما في القلوب من الإيمان مع عدم ذكر شيء من أعمال الجوارح بل مع التصريح بذلك في لفظ: ((لم يعملوا خيراً قط)) ..

فنقول: الجواب من وجوه:

الوجه الأول: أن الأدلة من الكتاب والسنة متضافرة على أن العمل مصدق للإيمان وأصل من أصوله، وأن الإيمان بدون عمل صالح من أعمال الجوارح لا يكون أبداً ..

الوجه الثاني: أن إجماع الصحابة قائم على كفر تارك الصلاة، وهناك آثار صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم بتكفير تارك الصلاة فهم يكفرون تارك الصلاة مع روايتهم أحاديث الشفاعة، فعلم أنهم لم يفهموا منها دلالتها على عدم تكفير تارك العمل مطلقاً أو يحملونها على أحوال خاصة كمن يكون في آخر الزمان وليس عندهم علم ببعض الواجبات كالصلاة والصوم ولكن عندهم علم ببعض المحرمات التي ارتكبوها فيستحقون بها العقاب..

فإذا كان الصحابة أو بعضهم على الخلاف في صحة هذا الإجماع يكفرون تارك الصلاة فكيف يقال بنجاة تارك العمل مطلقاً والذي لا يمكن تصوره إلا في مخيلة المرجئة أو ممن فهم حديث الشفاعة والبطاقة ونحوهما فهماً خاطئاً من المنتسبين للسنة والحديث والمحاربين للإرجاء..


الوجه الثالث: أن تصور إيمان بلا عمل مع العلم والقدرة والتمكن هو موضع الاشتباه عند من ظن أن عدم تكفير تارك أعمال الجوارح وهو موضع الإشكال عندهم ..

وأهل السنة يقولون: إن التلازم بين أعمال الجوارح وإيمان القلب أمر ثابت في الكتاب والسنة ومنه حديث النعمان رضي الله عنه: ((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد)) ..

فلا يخلو جسد العبد من شيء من أعمال الجوارح مع العلم والقدرة والتمكن إلا إذا فسد قلبه، وخلا من الإيمان، فإذا وجد أصل الإيمان في قلبه لزم ضرورة أن يظهر هذا الصلاح على اللسان والجوارح، فالعلم والمعرفة يقابلها الإقرار، وأعمال القلوب يقابلها أعمال الجوارح بحسب ضعف الإيمان وقوته ..


ففرضية وجود موحد يقول لا إله إلا الله، وعنده أعمال القلوب مع عدم عمل شيء من الجوارح هو كفرضية وجود تصديق القلب مع عدم الإقرار باللسان سواء بسواء ..


الوجه الرابع: أن حديث الشفاعة وما في معناه مما يفهم منه بعض الناس أن تارك العمل ليس بكافر أحاديث قليلة معدودة مقابل الأدلة الكثيرة المتوافرة المتضافرة في الكتاب والسنة الدالة على تكفير تارك عمل الجوارح، وغاية الأمر أن تكون الأحاديث التي قد يفهم منها نجاة تارك عمل الجوارح أنها من المشتبهات، ومنهج الراسخين في العلم رد المتشابه إلى المحكم وليس العكس، ومنهج الراسخين في العلم عدم الطنطنة بالمشتبهات حتى تؤدي هذه الطنطنة إلى ضعف دلالة الأدلة المحكمة في نفس هذا الذي يهتم بالمتشابه ويظن أنه يدل على نجاة تارك عمل الجوارح ..


الوجه الخامس: أن استدلال من استدل بحديث الشفاعة أن ثمة ناجٍ بدون شيء من أعمال الجوارح مع العلم والقدرة بالذين امتحشوا واحترقوا باطل، ووجه بطلان ذلك من نفس حديث الشفاعة وذلك بالتأمل في وصف الذين قيل فيهم لم يعملوا خيرا قط ..


ففي رواية عند البخاري ومسلم: ((فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين.
فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط؛ قد عادوا حمماً، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل؛ ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض. فقالوا: يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية.
قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.
ثم يقول: ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحداً من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً)).

فوصف هؤلاء بأنهم عادوا حمماً وأنهم يلقون في نهر الحياة، وأنهم يخرجون كما تخرج الحبة من حميل السيل..


وهذه نفسها صفة أهل الصلاة ممن استوجب العذاب، وشفع فيه!!

ففي صحيح البخاري ج1/ص278 من حديث أبي هريرة:


((حتى إذا أَرَادَ الله رَحْمَةَ من أَرَادَ من أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الله الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا من كان يَعْبُدُ اللَّهَ فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ الله على النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ من النَّارِ فَكُلُّ بن آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ من النَّارِ قد امْتَحَشُوا فَيُصَبُّ عليهم مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ))

وفي لفظ من حديث أبي هريرة وإقرار أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري ج5/ص 2403 ، وصحيح مسلم ج1/ص165 : ((وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ من النَّارِ من أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كان يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلَامَةِ آثَارِ السُّجُودِ وَحَرَّمَ الله على النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ من بن آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قد امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عليهم مَاءٌ يُقَالُ له مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ في حَمِيلِ السَّيْلِ))


فتبين أن الذين وصفوا بأنهم لم يعملوا خيراً قط كانوا من أهل الصلاة لاتحاد وصفهم ..


بل والأعجب من ذلك أنه ورد في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكر أمثلة على من لم يعمل خيراً قط بالذي كان يسامح الناس! وأن الشخص الذي يكون آخر من يدخل الجنة هو الذي طلب من أولاده أن يحرقوه!!

في صحيح الترغيب والترهيب - (ج 3 / ص 239) ذكر حديث أبي بكر رضي الله عنه، وبعد أن ذكر شفاعة الشهداء: ((يقول الله جل وعلا: أنا أرحم الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا، فيدخلون الجنة

ثم يقول الله تبارك وتعالى: انظروا في النار هل فيها من أحد عمل خيرا قط فيجدون في النار رجلا فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير أني كنت أسامح الناس في البيع فيقول الله اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي .

ثم يخرج من النار آخر فيقال له هل عملت خيرا قط فيقول: لا غير أني كنت أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني بالنار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل اذهبوا بي إلى البحر فذروني في الريح فقال الله لم فعلت ذلك قال من مخافتك فيقول انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله فيقول لم تسخر بي وأنت الملك فذلك الذي ضحكت به من الضحى) .


فإن قال قائل: كيف وصفوا بأنهم لم يعملوا خيراً قط وهم يصلون، والصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وأعظم الأركان العملية، وأصحاب الصلاة ينبغي أن يكون إيمانهم كالجبال لا أن يقال عنهم: لم يعملوا خيراً قط؟!!


والجواب أن يقال: إن تصور أن جميع أهل الصلاة معهم إيمان كالجبال من الجهل بالشرع، فإن هذا وصف الذين أقاموا الصلاة وهم الذين أدوا الصلاة على التمام والكمال الذين ينطبق عليهم قول الله جل وعلا: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)) ..

والمقصود أن من أهل الصلاة من يصلي ولا يؤجر على صلاته بل لا تقبل منه الصلاة مع براءة ذمته إذا أداها كمن يشرب الخمر فقد جاء الوعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من شرب
الخمر فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه

فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه

فإن عاد فشرب فسكر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار فإن تاب تاب الله عليه

فإن عاد في الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة))
قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال: ((عصارة أهل النار)) [صحيح الترغيب والترهيب(رقم2384)].

فما بالكم بمدمن الخمر من أهل الصلاة؟!!


وكذا إذا هرب العبد وأبق من سيده لم تقبل له صلاة كما في صحيح مسلم عن جرير بن عبدالله مرفوعاً: (( إذا أَبَقَ الْعَبْدُ لم تُقْبَلْ له صَلَاةٌ)) وفي رواية: ((حتى يرجع إلى مواليه)) .


وكذا من أتى كاهنا أو عرافاً: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة )) ..

وكذلك الذي يصلي مكتفياً بالفرائض، ولا يؤديها إلا أمام الناس أو معها نوافل أمام الناس ويزينها ليحمده الناس ويمدحوه فهذا لا تقبل صلاته كما في الحديث القدسي: ((من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه)) والرياء محبط للعمل على تفصيل في هذه المسألة ..


فتبين أن المسلم قد يصلي دهره ولا تقبل صلاته ولا يؤجر عليها مع أدائه لها، وبراءة ذمته بأدائها لكن يصح أن يقال عنه: لم يعمل خيراً قط، أن العمل الذي عمله لا يكون خيراً يؤجر عليه، ويذكر في صحيفة عمله التي تسره يوم القيامة، بل يكون أداؤه للصلاة صارفاً له عن الكفر والردة ..


وكذلك ليس معنى أن الشخص يصلي أن يكون قد أتى بها على الوجه الذي يكون فيه من أهل التزكية كمن قال الله فيهم: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}

وكمن يخل بشيء من واجباتها أو غير ذلك مما ينعدم معه انتفاعه بالصلاة أو الإثابة عليها مع براءة ذمته بأدائها..

وفي حديث عبادة رضي الله عنه مرفوعاً: ((خمس صلوات افترضهن الله عز و جل من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ))


فاتضح بما سبق أنه قد يكون الرجل من أهل الصلاة ولا يكون في قلبه إلا مثقال ذرة من إيمان!

ولذلك فالذين ورد وصفهم في حديث الشفاعة بأنهم لم يعملوا خيراً قط، وأنهم يخرجون من النار قد امتحشوا، وأنهم يوضعون في ماء الحياة فينبتون كما ينبت حميل السيل كانوا من أهل الصلاة كما ورد ذلك صريحاً في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَيَخْرُجُونَ من النَّارِ فَكُلُّ بن آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إلا أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ من النَّارِ قد امْتَحَشُوا)) فوصفهم بالامتحاش مع أن مواضع السجود لم تأكله النار فهذا هو صريح قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ...

فإذا لم يتصور أحد من الناس أن الممتحش كيف لم تأكله النار بكماله فليتهم عقله!!

والله أعلم



الوجه السادس: أن لفظة لم يعملوا خيراً قط سبق بيان معناها، وأنها لا تضاد كون من وصف بذلك من أهل الصلاة، فإذا كان الأمر كذلك ففي عامل غير الصلاة من الأعمال من باب أولى ..


وقد وردت أحاديث صريحة وصف فيها عامل بعض الأعمال اليسيرة بأنه لم يعمل خيراً قط! فاعتبار هذا اللفظ على ظاهره وأنه ينفي جميع أعمال الظاهر -مع ما يلزمه ظاهره من نفي الأعمال الباطنة كما سبق- مخالف لتلك النصوص الصريحة الواضحة في أنه يقال فيمن عمل شيئاً يسيراً أنه لم يعمل خيراً قط، وهذا يؤكد على أن الاستدلال بهذا اللفظ من الاستدلال المنقوض، بل من التشبث بالمتشابه ..

نعم يضاف إلى ذلك أن الأخذ بمطلق لفظ: ((لم يعملوا خيراً قط)) ظاهرية جوفاء وفجة، ومدعيها يخالفها في نفي أعمال الباطن، فلا هو سلك مسلك الظاهرية كما سلكته الجهمية في هذا الباب، ولا هو سلك مسلك أهل الفقه والأثر من جمع النصوص، وتآلفها، ونفي تخالفها، والبعد عن المتشابه ..

فلذلك نجد عن كثير من الشباب الحيرة والاضطراب ..


ومن الأحاديث التي فيها التعبير بـ((لم يعمل خيراً قط)) أو ((لم أر خيراً قط)) مع وجود عمل ولكنه لا يذكر أمام ما عمله أو رآه من سوء ووعيد وعقاب ..


1- : ((يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة فيقول اصبغوه صبغة في الجنة فيصبغونه فيها صبغة فيقول الله عز وجل : يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه ؟ فيقول : لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط ثم يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول : اصبغوه فيها صبغة فيقول : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط قرة عين قط ؟ فيقول : لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط)) السلسلة الصحيحة (ج 3 / ص 155)

فالمؤمن لما صبغ صبغة في الجنة هانت عليه الدنيا وقال إنه لم ير بؤساً قط وهو كان أشد الناس بلاءً وبؤساً في الدنيا!!

وكذا الكافر المنعم في الدنيا لما يغمس في النار..


2- حديث الذي قتل مائة نفس وفيه: ((فقالت ملائكة الرحمة : إنه خرج تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط))

فوصفته ملائكه العذاب بأنه لم يعمل خيراً قط مع أنه تاب، وعمل عملاً وهو المشي إلى بلاد الخير والصلاح وهذا من الجهاد ومع ذلك: لم يعمل خيراً قط! أي بالنسبة لقتله مائة نفس!! فافهم هذا أيها السلفي..


3- وحديث : (( كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد فلما احتضر قال لأهله : انظروا : إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما ثم اطحنوه ثم اذروه في يوم ريح [ ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوا الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ] فلما مات فعلوا ذلك به [ فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ] فإذا هو [ قائم ] في قبضة الله فقال الله عز وجل : يا ابن آدم ما حملك على ما فعلت ؟ قال : أي رب من مخافتك ( وفي رواية : من خشيتك وأنت أعلم قال : فغفر له بها ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد)) .

فوصف أنه لم يعمل خيراً إلا التوحيد مع كونه صرح بما فيه ندمه وخوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه لكنه جهل ما يفعل إلا ما فعل، فعذر بجهله، وأثيب بخوفه الذي هو ندمه على سيئاته، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الندم توبة)) ، وبنحو هذا التفسير يفسر حديث البطاقة..

وإن قيل بأنه لا يحمل على التوبة فنقول: وصف الرجل نفسه بأنه لم يعمل خيراً قط، ووصف في الحديث بأنه لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد لا ينفي أداء الصلاة أو أي عمل من أعمال التوحيد أو التي تصدقه في إيمانه الباطن، بل قد ورد في وصف الرجل أنه قال لأهله: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب.. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خيركم خيركم لأهله)) ..


فهذا الرجل كان يعمل خيراً لأهله، ولكنه كان سيء الظن بعمله كما في صحيح البخاري عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: ((رَجُلٌ مِمَّنْ كان قَبْلَكُمْ يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ فقال لِأَهْلِهِ إذا أنا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي في الْبَحْرِ في يَوْمٍ صَائِفٍ فَفَعَلُوا بِهِ فَجَمَعَهُ الله ثُمَّ قال ما حَمَلَكَ على الذي صَنَعْتَ قال ما حَمَلَنِي إلا مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ له)) ..

فالرجل عنده عمل خير، لكن بالنسبة لما عمله من سوء حيث إنه كان نباشاً ينبش قبور الموتى ليسرق ما عليها كما هي عادة النباشين، فكأنه لم يعمل خيراً قط..


بل أعجب من ذلك ما ذكره الطحاوي من أنه يحتمل أن يكون يجوز في شريعتهم تقديم المذنب نفسه قرباناً إلى الله بحرقه بعد موته!

قال في شرح مشكل الاثار(2/ 28 ) : "فَوَجَدْنَا ذلك مُحْتَمِلاً أَنْ يَكُونَ كان من شَرِيعَةِ ذلك الْقَرْنِ الذي كان ذلك الْمُوصِي منه الْقُرْبَةُ بِمِثْلِ هذا إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَزَّ خَوْفَ عَذَابِهِ إيَّاهُمْ في الآخِرَةِ وَرَجَاءَ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ فيها بِتَعْجِيلِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ ذلك في الدُّنْيَا كما يَفْعَلُ من أُمَّتِنَا من يُوصِي منهم بِوَضْعِ خَدِّهِ إلَى الأَرْضِ في لَحْدِهِ رَجَاءَ رَحْمَةِ اللهِ عز وجل إيَّاهُ بِذَلِكَ" !!


وهذا كلام غريب وعجيب! ولكنه ليس بأغرب وأعجب ممن يثبت إسلام من يتعمد ترك جميع أعمال الجوارح مع العلم والقدرة!!



4- وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان رجل يداين الناس وكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله عز وجل يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه)) رواه البخاري ومسلم والنسائي ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له هل عملت خيرا قط قال لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى، قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا
قال الله تعالى قد تجاوزت عنك)) . [صحيح الترغيب والترهيب - (ج 1 / ص 221)]

فوصف بأنه لم يعمل خيرا قط مع أنه كان يقرض الناس ويعفو ويتجاوز عن ديونه ..


فجميع ما سبق يؤكد على أن عبارة: ((لم يعمل خيراً قط)) لا تنفي أداء الصلاة فضلاً عن غيرها ولكن بالنظر إلى حال الشخص أداء تلك العبادات، وبالنظر إلى ما عمله من السيئات ..



والنقول عن أئمة السنة في بيان كفر تارك عمل الجوارح، وفي بيان معنى : ((لم يعملوا خيرا قط)) كثيرة ووفيرة إنما ذكرت ما ظهر لي من جمع بين النصوص، وتفسير حديث الشفاعة، وتفسير الحديث بالحديث..

مع تذكيري في الختام لإخواني السلفيين بأمور مهم جداً وهي:



أولاً: أن جميع من أعرفه من المشايخ والعلماء السلفيين يكفرون تارك عمل الجوارح بالكلية سواء منهم من يكفر بترك الصلاة أو لا يكفر، ولا يعرف هذا القول إلا عن بعض المنتسبين إلى طلب العلم فقط..

وشيء ليس عليه علماء الفرقة الناجية في عصرنا ليس فيه خير ولا هدى، وشيخنا الألباني رحمه الله بريء من هذا القول..


ثانياً: أن اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبدالعزيز بن باز إمام العصر رحمه الله، وعضوية الشيخ العلامة صالح الفوزان، والشيخ العلامة عبدالله بن غديان رحمه الله قرروا كما قرر السلف الصالح أن عمل الجوارح من حقيقة الإيمان أي أن من ترك عمل الجوارح فهو كافر، وحكموا على من يقول بما قال به صاحب كتاب ضبط الضوابط من عدم كفر تارك عمل الجوارح بأن كتابه يدعو إلى الإرجاء المذموم، مع نصهم في غير هذه الفتوى على أن تكفير تارك الصلاة من المسائل الخلافية عند أهل السنة، ومع ذلك لم يروا أن مسألة كفر تارك عمل الجوارح من المسائل الخلافية فتنبهوا رعاكم الله للفرق بين هاتين المسألتين عند العلماء السلفيين ..

وفتوى اللجنة الدائمة فتوى معتبرة عند أهل السنة، وعلماؤها محترمون عند أهل العلم، والقول بمثل ما قالوا ليس من منهج الحدادية ولا التكفيرية أبداً، بل من عرف بالسلفية ونطق بمثل ما نطقت به اللجنة الدائمة من غير تجنٍّ ولا تعدٍّ فلا يجوز اتهامه بالحدادية والتكفيرية..



ثالثاً: أن الخوارج والتكفيريين، وكذلك الحدادية يحاولون استغلال كل شيء يؤيد هواهم، فإذا كانوا ينزلون بعض النصوص في البدع أو الكفار على أهل السنة السلفيين، فما بالكم بفتوى جماعة من أئمة الدين؟ هذا أمر ظاهر ومعلوم..

فاستخدام التكفيريين والحدادية لفتوى اللجنة الدائمة كما استخدموا من قبل كتابات أئمة الدعوة لنشر باطلهم أمر مكشوف، ويجب التنبه له، والحذر من المسلك الذي يسلكه الحدادية والخوارج..


لذلك يجب أن يحذر السلفيون من منهج الخوارج ومن منهج الحدادية ..

ومن ذلك أنهم يستغلون فتوى اللجنة الدائمة بإيقاعها على بعض أعلام أهل السنة لاتهامهم بالإرجاء، ولعدم الاعتداد بما قاله أولئك العلماء في حق الخوارج والتكفيريين أو رؤوس المبتدعة بحجة أنهم مرجئة فلا يقبل قولهم في هذه المسائل!! فتنبهوا إلى فخاخ الخوارج والحدادية ..


والعجيب أن علماء اللجنة أنفسهم يزكون الشيخ الألباني والشيخ ربيع وأمثالهما من أهل السنة، وينفون عنهم تهم أهل الباطل بالإرجاء وغيره، ومع ذلك يغمض أولئك المبتدعة أعينهم عن ثناء أهل السنة، ويأتون بفتوى اللجنة الدائمة للطعن في علماء السنة ..


فلابد من أن يكون السلفي فطيناً، فمع قولنا بأن تارك عمل الجوارح كافر، وأن القول بعدم تكفير تارك عمل الجوارح مع العلم والقدرة من أقوال المرجئة كما قالت اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز إلا أننا نحذر من كيد الخوارج والحدادية، ولا نجيز إطلاق وصف الإرجاء على أعلام السلفية البرآء من الإرجاء كالشيخ الألباني والشيخ ربيع ونحوهما من مشايخ السنة ومن كان على نهجهم من طلبة العلم...



رابعاً: إن الغلو مذموم على كل حال، فالغلو في بيان قضية تكفير تارك العمل إلى درجة شق صف السلفيين، أو اتهام السلفيين بأنهم مرجئة العصر، أو امتحان الشباب صغاراً وكباراً بهذه القضية وجعلها أم المسائل من مسلك أهل الباطل، بل تقدر هذه المسألة بقدرها، وحسب الحاجة إلى بيانها ..

كلذلك الغلو في محاولة بيان أن القول بعدم تكفير تارك عمل الجوارح من أقوال أهل السنة، والطعن فيمن ينفي ذلك بأنه من الحدادية أو الخوارج، وإصرار البعض على اتهام الشيخ الألباني رحمه الله به مذموم كذلك، وقد وصل الحال ببعض الغلاة في هذا الباب أن جعل الإيمان المنجي هو العلم والمعرفة القلبية فقط!!

فلا أفراط ولا تفريط..

والرجاء الكف عن كثرة الجدال في هذه المسائل المحسومة عند أهل السنة ..




خامساً: رأيت رسالة مليئة بالشبهات حاول صاحبها جاهداً إثبات أن أكثر أهل السنة على عدم تكفير تارك عمل الجوارح!! ولم يظفر بنص صريح واضح إلا عن ابن حزم والبيهقي ومنزلتهما في العقيدة معلومة عند أهل السنة وإن كان ابن حزم أقرب من غيره من طوائف المنحرفين إلى أهل السنة في مسائل الإيمان ..

لكن العجب أن يأتي إلى كلام لأبي عبيد القاسم بن سلام فيه أن التكفير لا يكون إلا بكلمة الكفر!! فيستدل به على عدم كفر تارك العمل!! وهذا من أغبى الاستدلالات وبعدها عن منهج أهل العلم في الاستدلال، فهل سيأتي من يستدل على عدم كفر من يسجد للأصنام إذا لم يتلفظ بلفظ الكفر بكلام أبي عبيد؟!!

وكذلك ما حكاه ابن نصر عن بعض أصحاب الحديث على فرض التسليم بفهم ذلك الكاتب أنهم لا يكفرون بترك عمل الجوارح!! فأولئك لا يجيزون إطلاق لفظ المؤمن عليه بتاتاً ولا يدخل في لفظ المؤمنين! وإنما يقال عنه مسلم أو عنده أصل الإيمان ويحرمون إطلاق لفظ المؤمن عليه ما دام أنه عاصي!!

وهذا الذي حكاه عن بعض أهل الحديث مخالف للكتاب والسنة، ومخالف للإجماع من جواز وصف المسلم العاصي بأنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته!

فكون هذا القول المحكي عن بعض أهل الحديث لا يدل على أنه من أقوال أهل السنة التي لا تشبه أقوال أهل البدع بل إن ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة (2/ 533) قال: (فمن زعم أن الإسلام هو الإقرار وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة ولا فرق بينه وبين المرجئة إذ زعمت أن الإيمان إقرار بما عمل) .

فشبه من يقول بأن الإسلام يثبت بالإقرار دون العمل كمن يقول من المرجئة بأن الإيمان يثبت بدون عمل..

فلم يجعل المسألة مسألة ألفاظ فقط بل حقائق وألفاظ..


هذا ما ظهر لي من كلامه وإن كان قد يفهم من كلامه أن من يقول الإسلام هو الإقرار فقط والعمل لا يدخل في مسماه كالمرجئة الذي يقولون الإيمان هو الإقرار والعمل ليس منه، ولكن هذا الفهم ملازم لما ذكرته سابقاً وهو ما نصره الإمام محمد بن نصر بقوة وهو أن الإيمان والإسلام شيء واحد..


مع أن التحقيق أن الإسلام والإيمان يجتمعان وهو الأعم الأغلب في النصوص والاستخدام، ولكن يفترقان إذا اجتمعا فيكون لكلٍّ معنى..


فنسبة قول لأهل الحديث كالقول بتأويل حديث: ((خلق الله آدم على صورته))، والزعم بأن العرش يخلو منه الرب عز وجل لما ينزل الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا، وكذلك من يثبت المماسة، أو يجيز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو يجيز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو نحوها من الأقوال التي قال بها بعض أهل الحديث مع مخالفتها للنصوص وإجماع الصحابة، وأنه لا يعتد بتلك الأقوال مع أن القائل بها من أهل السنة!!

ففرق بين نسبة القول إلى أهل السنة على معنى أنه حق موافق للنصوص على فهم بعض أهل العلم، والدليل يحتمله ولا يأباه، وبين القول الخطأ الذي يخطئ فيه السلفي مع اجتهاده في تحري الحق ويكون قوله باطلاً ظاهر البطلان ليس مما يسوغ فيه الخلاف بل يعتبر من الزلات التي تجتنب ولا تتبع ويحتج بها ..

وهذا كالقول بعدم تكفير تارك العمل فهو وإن قال به بعض أهل السنة لكنه مخالف للنصوص ومخالف للإجماع كتأويل حديث الصورة فلا يجوز تقرير أنه صواب، ولا اتباع المتشابه، ولا سرد الشبهات بحجة الدفاع عن بعض العلماء الذين لا نحتاج للدفاع عنهم بتصحيح الأقوال الفاسدة الباطلة ..

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

أسامة العتيبي

14 / 8 / 1431 هـ

المصدر : http://goo.gl/3xA4jB
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 07-18-2014, 05:07 PM
أبو عبد الله الأثري أبو عبد الله الأثري غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 1,073
شكراً: 0
تم شكره 61 مرة في 56 مشاركة
افتراضي

جزاكم الله خيراً، وما طرحتم هو خير فوق خير إن شاء الله.
__________________

قال عليه الصلاة والسلام: (( طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ ، وإِنَّ طالبَ العلمِ يستغفِرُ له كلُّ شيءٍ ، حتى الحيتانِ في البحرِ )) . صححه الألباني .

قال الشيخ ربيع -حفظه الله-: " ما أحد سبقه في التأليف وخدمة السُنة إلاَّ القدامى ، استخرج أربعين كتابًا بعد ما مر على المخطوطات كلها في المكتبة الظاهرية وغيرها ، أعطاه الله ذكاءً خارقًا ، هزم رئيس القراء وعمره ثمانية عشر عامًا ، ... ما أحد سبقه في التأليف ، الألباني في كل كتبه يرد على أهل البدع وينشر التوحيد والسُنة " .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 07-20-2014, 01:53 AM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي

الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمد علي فركوس -حفظه الله-
الفتوى رقم: 1165

الصنف: فتاوى العقيدة - أركان الإيمان - مسائل الإيمان
في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة

السؤال:
هل يُعتبر التارك للعمل بالكلِّيَّة مع القدرة مسلمًا؟ وفي حالة ما إذا لم يُعتبر مسلمًا: فما توجيهُ حديث الشفاعة وفيه أنَّ الله «يُخْرِجُ مِنْهَا -أي: النار-قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ..»(1)، وفيه قال: «هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ»(2)؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فعلماء السنَّة يقرِّرون أنَّ حقيقة الإيمان الشرعيِّ مركَّبةٌ من قولٍ وعملٍ، وأنَّ القول قسمان:

- قول القلب: وهو تصديقُه وإقرارُه ومعرفته، وأصل القول هو التصديق الجازم بكلِّ ما جاء به الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

- وقول اللسان: وهو الإقرار بالله وبما جاء مِن عنده، والشهادة لله بالتوحيد ولرسوله بالرسالة ونحو ذلك، وقول اللسان ناشئٌ من قول القلب وهو أصلُه.

أمَّا العمل فعلى قسمين:

- عمل القلب: وهو المحبَّة والتعظيم والخوف والرجاء والإنابة والإخلاص والتوكُّل ونحو ذلك من الأعمال القلبية التي يوجبها التصديقُ والاعتقاد، وهو أصل العمل.

- عمل الجوارح: وهي أفعال سائر الجوارح من الطاعات والواجبات وسائر أعمال التطوُّع التي يُستَحَقُّ بفعلها اسمُ زيادة الإيمان، والأفعال المنهيُّ عنها التي يُستحقُّ بفعلها نقصانُ الإيمان، فعملُ الجوارح ينشأ مِن عمل القلب وهو أصلُه.

فهذه الأربعة أجزاءٌ في الإيمان وهي أركانُه التي يقوم عليها بناؤه،

ومنه يُعلم أنَّ جنس عمل الجوارح هو مِن حقيقة الإيمان وليس شرطًا فقط، فالإيمان هو اعتقادٌ وقولٌ وعملٌ لا يصحُّ بها إلاَّ مجتمعةً، فلا يجزي التصديق بالقلب والمعرفة إلاَّ أن يكون معه الإيمان باللسان نطقًا، ولا تجزئ معرفة القلب ونطقُ اللسان حتى يكون عملُ الجوارح، فإذا كَمُلَتْ فيه هذه الخصالُ الثلاث كان مؤمنًا،

والفرق بين أهل السنَّة وبين الخوارج والمعتزلة أنهم -وإن كانوا يقرِّرون أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقادٌ- إلاَّ أنَّ الإيمان عندهم يزول بزوال العمل مطلقًا بخلاف أهل السنَّة،

ففيه مِن الأعمال ما يزول الإيمان بزواله، سواءٌ كان فعلاً كالسجود للصنم والوثن والذبحِ لغير الله والبول على المصحف ونحو ذلك، أو كان تركًا كترك الشهادتين أو جنسِ العمل اتِّفاقًا،

أو تركِ الصلاة على اختلافٍ بين أهل السنَّة، وعلى الراجح منها فإنَّ الترك المطلق للصلاة هو الذي يدخل في باب الترك الذي يزول الإيمانُ بزواله لا مطلقُ الترك.

والعمل -في هذا القسم- شرطٌ في صحَّته.

وفيه مِن العمل ما ينقص الإيمانُ بزواله ولا يزول كلِّيًّا،

أي: يبقى معه مطلقُ الإيمان لا الإيمانُ المطلق مثل ارتكاب الذنوب واقترافِ المحارم مِن غير استحلالٍ لها، والعمل -في هذا القسم- شرطٌ في كماله، فأهل السنَّة لم يجعلوا كلَّ الأعمال شرطًا في الصحَّة -كما هو شأن الخوارج والمعتزلة-، بل جعلوا كثيرًا منها شرطًا في كماله.

وعليه فإنَّ الإيمان مركَّبٌ مِن أجزاءٍ -كما تقدَّم-، والأعمال داخلةٌ في حقيقة الإيمان ومسمَّاه، وخُلُوُّ إيمان القلب الواجبِ مِن جميع أعمال الجوارح ممتنِعٌ وغيرُ متصوَّرٍ،

فكما لا يكون إسلامٌ بلا إيمانٍ ولا يكون إيمانٌ بلا إسلامٍ؛ فلا يُقبل قولٌ بلا عملٍ ولا يُقبل عملٌ بلا قولٍ، ذلك لأنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ، وهما قرينان لا ينفع أحدهما إلاَّ بالآخَر.

أمَّا الاستدلال بحديث الشفاعة وفيه: «فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ..» وقوله: «هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ»، فالجواب على هذه الشبهة مِن وجهين:

- إمَّا بحمل الخير المنفيِّ في الحديث على نفي التمام والكمال كما قاله ابن خزيمة -رحمه الله-(3)، بمعنى: أنهم لم يعملوا خيرًا قطُّ على التمام والكمال، ومثل هذا الأسلوب اللغويِّ مِن جنس كلام العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصٍ عن الكمال والتمام، فالعرب تقول للصانع إذا لم يستحكم عملَه جيِّدًا: ما صنعتَ شيئًا ولا عملتَ شيئًا، فكان النفيُ الواقع على جودة العمل لا على نفي الصنعة في حدِّ ذاتها، فالصانع عاملٌ بالاسم وغيرُ عاملٍ بالجودة والإتقان، وهم يقصدون هذا المعنى الأخير(4).

وممَّا يؤيِّد ذلك -من السنَّة- جملةٌ من الأحاديث منها: قصَّةُ الرجل الذي قتل تسعةً وتسعين نفسًا ثمَّ كمَّل المائةَ بالعابد الذي أعلمه أنْ لا توبة له، وفيه أنَّ ملائكة العذاب قالت: «إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ»، والمعلوم أنَّ الرجل سارع إلى التوبة وبحث عن مخرجٍ له في أرض الصالحين واجتهد في إدراكها، وهذه أعمالٌ صالحةٌ، ولهذا قالت ملائكة الرحمة: «جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ»(5)، ففُهم -والحال هذه- أنَّ الرجل كان مسرفًا على نفسه في المعصية حتى لم يُذكر له مع هذا الإسراف خيرٌ قطُّ، وهو الذي عَنَاه ملائكةُ العذاب.

وقد ورد في أحاديثَ أخرى في الشفاعة أنَّ الله يأمر ملائكتَه بأن يُخْرِجوا مِن النار مَن كان لا يُشرك بالله شيئًا ممَّن أراد اللهُ أن يرحمه ممَّن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، إذ لا يبقى من أجسامهم شيءٌ لا تأكلُه النار إلاَّ موضعَ السجود، وفيه: «وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ» الحديث(6)، وسياقُ الحديث يبيِّن أنَّ آخر أهل النار دخولاً الجنَّةَ تعرفه الملائكةُ بأثر السجود، فهو يدلُّ على أنهم كانوا يُصَلُّون وهي مِن أعظم الأعمال التي عليها مدارُ صحَّة الأعمال وفسادِها.

- وإمَّا بحمل الخير المنفيِّ في الحديث على أعمال الجوارح الظاهرة في حالاتٍ معيَّنةٍ أو مخصوصةٍ كعدم تمكُّن العبد من أداء الفرائض -من أركان الإسلام- كمن آمن بقلبه وشهد بلسانه فاخترمه الموتُ قبل التمكُّن من العمل، أو كحال بعض شرار الخَلْق آخرَ الزمان حين يفشو الجهلُ ويندرس الدينُ ونحوِ ذلك.

إذن فمقتضى الحديث: «فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ..» ليس على عمومه في كلِّ مَن ترك العملَ وهو يستطيع فِعْلَه، وإنما يُحْمَل على الخير المنفيِّ مِن جهةِ تمامه وكماله، أو مِن جهةِ عدمِ تمكُّنه مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل، أو لغير ذلك من المعاني التي تتوافق مع النصوص الآمرة المُحْكَمة، وما استقرَّ عليه إجماعُ السلف مِن أنَّ العمل داخلٌ في حقيقة الإيمان ومسمَّاه.

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر: 18 شوَّال 1434ه
الموافق ل: 25 أوت 2013م

(1) أخرجه مسلم في «الإيمان» (183) من حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري في «التوحيد» بابُ قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (7439)، ومسلم في «الإيمان» (183)، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.
(3) انظر: «التوحيد» لابن خزيمة (2/ 732).
(4) انظر: «الإيمان» لأبي عبيد (90).
(5) أخرجه مسلم في «التوبة» (2766)، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.
(6) أخرجه مسلم في «الإيمان» (1823)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 07-20-2014, 02:00 AM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي

الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزّ محمد علي فركوس -حفظه الله-
الفتوى رقم: 1167

الصنف: فتاوى العقيدة - أركان الإيمان - مسائل الإيمان
جوابٌ عن إشكالٍ في فتوى:
«في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة»

السؤال:
جاء في فتوى الشيخ وفَّقه الله «في حكم تارك العمل بالكلِّيَّة مع القدرة» قولُه: «إذن فمقتضى الحديث: «فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ..» ليس على عمومه في كلِّ مَن ترك العملَ وهو يستطيع فِعْلَه، وإنما يُحْمَل على الخير المنفيِّ مِن جهةِ تمامه وكماله، أو مِن جهةِ عدمِ تمكُّنه مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل»،

وفي التعليل الأخير نظرٌ؛ لأنَّ غير المتمكِّن من الفعل لعذرٍ مَنَعَه غيرُ مستوجبٍ للعقوبة كما لا يخفى وبالتالي لا يدخل في معنى الحديث، فضلاً عن أنَّ المُقِرَّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلمًا قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره واعتقاده وعُقدة نيَّته، فمِن جهة النظر لا يجب أن يكون كافرًا إلاَّ برفع ما كان به مسلمًا وهو الجحودُ لِما كان قد أقرَّ به واعتقده، والله أعلم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فليس الإشكال المطروح في دخول أقوامٍ النارَ بذنوبٍ وقعوا فيها عن علمٍ بحكمها، وإنما محور الإشكال المطروحِ يدور على خروج أقوامٍ مِن النار ودخولِهم الجنَّةَ بغير عملٍ عملوه،

فإنَّ حديثَ أنَّ القوم الذين يُدْخِلُهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ(1) لا يدلُّ على شمول العموم لكلِّ مَن تَرَك العملَ وهو قادرٌ على فعله؛ لمعارضته للنصوص المُحكمة وإجماع السلف في أنَّ الإيمان قولٌ وعملٌ،

إذ لا يصحُّ الاستدلال بهذا الحديث على عموم صُوَره بما فيه صورة تاركِ العمل بالكلِّيَّة القادرِ على فعلِه، إذ يترتَّب على هذا التعميم لزومُ إخراج العمل عن دائرة الإيمان، الأمر الذي يتوافق مع قول المرجئة،

فإذا كانت هذه النتيجة مردودةً وجب حملُ الخير المنفيِّ في الحديث على جهة تمامه وكماله، أو على جهة عدم تمكُّن المكلَّف مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل.

هذا، والمقصود مِن عبارةِ: «أو مِن جهةِ عدمِ تمكُّنه مِن أدائه لعذرٍ مَنَعه مِن العمل» هو أنَّ العبد -مثلاً- قد يكون له أصلُ الإيمان في قلبه والإقرارُ بالشهادتين بلسانه، ولكنَّه لم يتمكَّن مِن أداء العمل لاخترام الموت نَفْسَه، غيرَ أنه سَبَق له عملٌ سيِّئٌ عن علمٍ يستحقُّ به دخولَ النار،

كصورة رجلٍ كان على الكفر فأسلم وعليه تبعاتٌ سابقةٌ للناس مِن ديونٍ وحقوقٍ أَكَلها بالباطل وهو يعلم بحرمة ذلك ووجوبِ ردِّها إلى أهلها ولم ينوِ ردَّها، فاخترمه الموتُ بعد إسلامه قبل التمكُّن مِن أداء ما افترض الله عليه مِن أركان الإسلام،

فلا يخفى أنَّ الإسلام يَجُبُّ ما قبله، لكنَّه لا يهدم تَبِعاتِ أموالِ الناس وحقوقِهم، فاستحقَّ دخولَ النار بسبب جحدِه للأمانات وأكلِه أموالَ الناس بالباطل، لكنَّه لا يُخَلَّد في النار ولو لم يأتِ بأيِّ عملٍ.

قال الشيخ سليمان بنُ عبد الله بنِ محمَّدِ بنِ عبد الوهَّاب -رحمهم الله- موضِّحًا المسألةَ:

«وأمَّا إخراجُ اللهِ مِن النار مَن لم يعمل خيرًا قطُّ، بل كفى عن العمل وجودُ أدنى إيمانٍ في قلبه وإقرارٍ بالشهادتين في لسانه، فهو: إمَّا لعدم تمكُّنه مِن أداء ما افترض الله عليه مِن أركان الإسلام، بل بمجرَّد أدنى إيمانٍ في قلبه وشهادةٍ بلسانه خَرَمته المنيَّة، لكنَّه قد عَمِل عملاً مفسَّقًا به لوجودِ ما صدر منه عالمًا به، فاستحقَّ دخولَ النار عليه، ..»(2).

علمًا أنَّ الجهة المعوَّل عليها في «الخير المنفيِّ» في الحديث هي حملُ الخير المنفيِّ فيه على كماله وتمامه كما نُقل عن ابن خزيمة -رحمه الله- وغيرِه.

أمَّا الاستدلال بأنَّ المُقِرَّ بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلمًا قبل الدخول في عمل الصلاة وصومِ رمضان بإقراره واعتقاده وعُقدة نيَّته، فهذا ظاهرٌ لأنَّ إقراره واعتقاده هو العلمُ الذي يسبق العملَ، ومِن عمل القلب: عقدُ النيَّة على عمل الجوارح باعتبارِ أنَّ العمل تابعٌ للعلم ومرتبطٌ به، ف«القلب هو الأصل، والبدن فرعٌ له، والفرع يستمدُّ مِن أصله، والأصل يَثبت ويقوى بفرعه»(3)،

فحقيقة الدين كلِّه في التصديق بالقلب والنطقِ باللسان والعملِ بالجوارح الباطنة والظاهرة، وإنما الإسلام -في الأصل- مِن باب العمل: عملِ القلب والجوارح، وأمَّا الإيمان فأصلُه معرفةُ القلب وتصديقُه وإقراره، فهو مِن بابِ قول القلب المتضمِّن عملَ القلب، والأصلُ فيه التصديق والعمل تابعٌ له.

فالمُقِرُّ بالإسلام لا يكون مسلمًا إلاَّ إذا اعتقد صحَّةَ ما يشهد به بإقرارٍ مستلزمٍ لقبول الأخبار والإذعانِ للأحكام، فإن شهد بالرسالة والْتزم بأحكام الإسلام حُكِم بإسلامه، وإلى ذلك أشار الحديثُ بالاستثناء بحقِّ الإسلام في قوله ﷺ:

«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»(4)،

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قَالَ: «أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ»(5).

وعليه، فإنَّ مجرَّد الإقرار والإخبارِ بصحَّة رسالة الرسول ﷺ لا توجب الإسلامَ إلاَّ أن يلتزم طاعتَه ومتابعته، وهذا باتِّفاق الصحابة والتابعين وأئمَّة السنَّة، وقد بيَّن ابن القيِّم -رحمه الله- هذا المعنى بقوله:

«إنَّ الإيمان لا يكفي فيه قولُ اللسان بمجرَّده، ولا معرفةُ القلب مع ذلك، بل لا بدَّ فيه مِن عمل القلب، وهو حبُّه لله ورسولِه، وانقيادُه لدينه، والتزامُه طاعتَه ومتابعةَ رسوله»(6).

والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 18 من المحرَّم 1435ه
الموافق ل: 22 نوفـمبر 2013م

(1) أخرجه البخاري في «التوحيد» بابُ قول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ (7439)، ومسلم في «الإيمان» (183)، من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه.
(2) «التوضيح عن توحيد الخلاَّق» لسليمان بن عبد الله بن محمَّد بن عبد الوهَّاب (105-106).
(3) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (7/ 541).
(4) أخرجه البخاري في «الإيمان» باب: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5] (25)، ومسلم في «الإيمان» (22)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5) أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسنَّة» باب الاقتداء بسنن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (7284)، ومسلم واللفظ له في «الإيمان» (21)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) «مفتاح دار السعادة» لابن القيِّم (1/ 330).
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 08-22-2014, 01:27 PM
أبويوسف ماهر التونسي أبويوسف ماهر التونسي غير متواجد حالياً
العضو المشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
المشاركات: 61
شكراً: 7
تم شكره 8 مرة في 5 مشاركة
افتراضي

قال شيخنا الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (300/3 حديث رقم 1315):

هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " (2 / 238) وترى سائرها في " الفتح ".

والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:

الأولى:
من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات،

فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقا.

الثانية:
أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.

الثالثة:
كالذي قبله ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق. . . " الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله،

فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه ".

وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932) .

والله سبحانه وتعالى أعلم.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طريقة عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:15 PM.


powered by vbulletin