عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
" ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثُمُّ إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ".
أخرجه مسلم ( كتاب الإيمان : حديث رقم (80) ، ( 1/69 ، 70) ، وأحمد ( 1/ 458 ، 461 ).
·راوي الحديث :
عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، أبوعبدالرحمن من السابقين الأولين ومن ككبار العلماء من الصحابة ، مناقبه جمَّة ، وأمَّره عُمَرُ على الكوفة ، مات بالمدينة سنة 32 هجرية .
# المفردات :
الحواريون : هم خلصاء الأنبياء وأصفيائهم ، وقيل : الأنصار . وقيل : المجاهدون .
تخلف : تحدث.
الخلوف : جمع خَلْف – بإسكان اللام – وهو الخالِف بَشرٍّ.
· المعنى الإجمالي :
هذا الحديث فيه إخبار عن أحوال الأنبياء وأحوال أممهم وأن أصحابهم وحوارييهم الذين استضاءوا بنور نبوتهم وشاهدوا نزل الوحي عليهم يظلون أوفياء مخلصين لربَّهم ومتمسكين بهَديْ أنبيائهم في الظاهر والباطن تطابق أقوالهم أفعالهم ، ثم تخلفهم أجيال يحيد بِهم الشيطان عن مناهج الأنبياء يدَّعون بأقوالهم أنهم على نهج الأنبياء ، ويخترعون من البدع والمناهج الباطلة ويرتكبون من المنكرات والمعاصي ما يجعلهم أبعد الناس عن أديان أنبيائهم ويعيشونفي تناقضات بين أقوالهم وأفعالهم.
ويبقى في كل أمة علماء مخلصون أوفياء لدينهم يُجاهدون ويناضلون عن تعاليم أنبيائهم ، كل على حسب طاقته ومنزلته من الإيمان ، فمجاهد بلسانه ومجاهد بيده ومجاهد بقلبه – وذلك أضعف الإيمان وليس وراءه شئ من الإيمان - .
وأمة محمد صلي الله عليه وسلم وقع فيها ما وقع في الأمم السابقة وخلفت بعد القرون المفضلة خلوف تفرقت بهم السبل وشتتتهم الأهواء وصدق فيهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتوه ". " ستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " .
وبقي في هذه الأمة الطائفة المنصورة التي أخبر عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتي تقوم الساعة " ( أخرجه مسلم ) .
هذه الطائفة لا زالت وستبقى – كما أخبر بذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم – تدعوا إلى الحق والخير وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتدحض البدع والشبهات المضللة بالحجج والبراهين وتجاهد الباطل – حسب استطاعتها – باليد واللسان والقلب ، فعلى المؤمن الثبات على ما جاء به الرسول في عقيدته وعبادته وأخلاقه وعليه الأخذ بسنة نبيه والاقتداء بأمره ومجانبة الأهواء والمعاصي والبدع ثمَّ الدعوة إلى الحق وبذل ما يستطيعه في نصرة دينه .
# ما يستفاد من الحديث :
1- فيه أن الأنبياء قد جاءوا بشرائع وسنن لهداية الناس.
2- وفيه فضيلة ومزية أصحاب الأنبياء باتباعهم سنن أنبيائهم.
3- وفيه ذم من خالف منهجهم بأنهم خلوف وهم الذين يخلفون أباءهم بشرًّ وما كانوا أشراراً إلا بمخالفتهم الأنبياء.
4- وفيه ذم من تخالف أقواله أفعاله ( كَبُرَ مقتاً عندَ اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون ).
5- وفيه ذم البدع وما هي إلا فعل ما لا يأمر به الله على ألسنة أنبيائه.
6- وفيه مدح التابعين للأنبياء الثابتين على سنتهم والمتمسكين بالاقتدء بهم.
7- وفيه مدح هؤلاء الأتباع بصبرهم وجهادهم لمن خالف منهج الأنبياء .
8- وفيه بيان مراتب الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه على حسب طاقة أصناف المجاهدين : فمن يستطيع الجهاد وإزالة المنكر بيده فعليه أن يقوم بهذا الواجب ، ومن عجز عن هذه المرتبة واستطاع أن يقول كلمة الحق فعليه أن يقولها ، ومن عجز عن ذلك فعليه أن يقوم بما يستطيعه وهو الجهاد بالقلب وإنكار الباطل بقلبه ، فإن فاته هذا فليس بمؤمن وقد مات قلبه .
9- وفيه أن الإيمان يتفاوت ويزيد وينقص ( وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان ) .
من كتاب مذكرة الحديث النبوي في العقيدة والاتباع
للعلامة الشيخ / ربيع بن هادي المدخلي
- حفظه الله ورعاه -