والشيخ الفوزان -حفظه الله- قد فصل في الجواب فقال: ((الذين دخلوا في الإسلام ولم يتمكنوا من العمل، ماتوا على طول، ما يحتاجون شفاعة هذول)).
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (6/ 206): (({إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود، فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار، ثم هو يدعوهم إلى التوبة)).
وكذلك يدخل في ذلك إذا تاب المسلم العاصي توبة صحيحة قبل أن يموت فأصبح كمن لا ذنب له.
وقد قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في السلسلة الضعيفة (14/ 63): ((..."التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، فهو حسن لشواهده، كما قال الحافظ ابن حجر وغيره، وقد ذكرت شواهده...)).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 170): ((أن الأعمال بالخواتيم; لقوله: " لو مت وهي عليك "؛ فعرف أنه لو أقلع عنها قبل الموت لم تضره؛ لأن الإنسان إذا تاب قبل أن يموت صار كمن لا ذنب له)).
وقال العلامة الفوزان -حفظه الله- في إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (2/ 74): ((والتوبة تَجُبُّ ما قبلها مهما كان الذنب الشرك والكفر وقتل النفس والزنا وشرب الخمر وأكل الربا؛ فالتوبة لا يبقى معها ذنب إذا كانت توبة صحيحة، والتائب من الذنوب كمن لا ذنب له: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، فالكفّار إذا كانوا يُغفر لهم ما قد سلف فكيف بُعصاة المؤمنين إذا تابوا؟، هم أولى بالمغفرة؛ فعَفْوُ الله أعظم من ذنوبهم)).
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية معلقاً (ص/ 444، بترقيم الشاملة آليا): ((في قوله (لَا يَخْلُدُونَ، إِذَا مَاتُوا وَهُمْ مُوَحِّدُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا تَائِبِينَ) هذه الجملة معروفة أصلاً لأنَّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهي من باب التأكيد ليست إشارة لخلاف ولا إشارة لشرط ونحو ذلك)).
وقال العلامة ابن الملقن -رحمه الله- في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 200): ((إن الرجل ليفني عمره، وما أفنى منه في المعاصي والآثام، ثم يندم على ذلك ويقلع عنه فيحطها الله عنه، ويقوم وهو حبيب الله. قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ})).
وقال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني -رحمه الله- التنوير شرح الجامع الصغير (4/ 263): (((ونبي التوبة) أي المبعوث بقبول توبة من تابعني والذي تكثر التوبة من أمته أو الذي التائب من أمته أكثر قبولاً لأنه يكون كمن لا ذنب له ولا يؤاخذ به في الدنيا ولا في الآخرة وغيره يؤاخذ به في الدنيا)).
وقال أيضاً (5/ 110): ((" أي أنه يوفقه للإقلاع عنه والتلافي لما فرط منه، وقيل إذا أحبه تاب عليه قبل الموت فلم يضره الذنوب الماضية وإن كثرت كما لا يضره الكفر الماضي إذا أسلم)).
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في فتح الباري (1/ 82-83): ((والقسم الثاني: أن لا يعاقب في الدنيا بذنبه، بل ستر عليه ذنبه ويعافى من عقوبته. فهذا أمره إلى الله في الآخرة إن شاء عفا عنه، وهذا موافق لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}. وفي ذلك رد على الخوارج والمعتزلة في قوله: إن الله يخلده في النار إذا لم يتب. وهذا المستور في الدنيا له حالتان:
إحداهما: أن يموت غير تائب، فهذا في مشيئة الله - كما ذكرنا.
والثانية: أن يتوب من ذنبه.
فقال طائفة: إنه تحت المشيئة - أيضا -، واستدلوا بالآية المذكورة وحديث عبادة. والأكثرون على أن التائب من الذنب مغفور له وأنه كمن لا ذنب له كما قال تعالى {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} وقال: {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}. فيكون التائب - حينئذ - ممن شاء الله أن يغفر له. واستدل بعضهم - وهو ابن حزم- بحديث عبادة هذا: على أن من أذنب ذنبا فإن الأفضل له أن يأتي الإمام فيعترف عنده ليقيم عليه الحد حتى يكفر عنه ولا يبقى تحت المشيئة في الخطر، وهذا مبني على قوله: إن التائب في المشيئة. والصحيح: أن التائب توبة نصوحا مغفور له جزما، لكن المؤمن يتهم توبتة ولا يجزم بصحتها ولا بقبولها، فلا يزال خائفا من ذنبه وجلا)).
وقال العلامة أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (17/ 10): ((وفيه ما يدلّ على أن التوبة من الذنب مكفرة له. وهو الذي صرحت به آي الكتاب ، والسُّنَّة ، كقوله تعالى : { وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } ، وكقوله : { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئأتهم حسنات } ، وغير ذلك من الآي . ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( التائب من الذنب كمن لا ذنب له )) ، وغير ذلك. وهذا مقطوعٌ به في التوبة من الكفر ، وهل هو مقطوعٌ به ، أو مظنون في التوبة من غير الكفر ؛ اختلف فيه أهل السُّنَّة . والذي أقوله : إن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسُنَّة ، وتتتع ما فيهما من هذا المعنى علم على القطع واليقين : أن الله يقبل توبةَ الصَّادقين)).
وقال ابن القيم -رحمه الله- في التبيان في أقسام القرآن (ص/271-272): ((ثم أعلموا بأن الرب تعالى لم يظلمهم بذلك وإنما هو نفس أعمالهم صارت عذاباً فلم يجدوا من اقترانهم به بداً بل صارت عذاباً لازماً لهم كما كانت إرادتهم وعقائدهم الباطلة وأعمالهم القبيحة لازمة لهم ولزوم العذاب لأهله في النار بحسب لزوم تلك الإرادة الفاسدة والعقائد الباطلة وما يترتب عليها من الأعمال لهم في الدنيا فإذا زال ذلك اللزوم في وقت ما بضده وبالتوبة النصوح زوالاً كلياً لم يعذبوا عليه في الآخرة لأن أثره قد زال من قلوبهم وألسنتهم وجوارحهم ولم يبق له أثر يترتب عليه فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له والمادة الفاسدة إذا زالت من البدن بالكلية لم يبق هناك ألم ينشأ عنها)).
وقال -رحمه الله- في إعلام الموقعين(3/ 115): ((أن الله تعالى أوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطباع وليس عليها وازع طبعي، والحدود عقوبات لأرباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا، ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له؛ فمن لقيه تائبا توبة نصوحا لم يعذبه مما تاب منه، وهكذا في أحكام الدنيا إذا تاب توبة نصوحا قبل رفعه إلى الإمام سقط عنه الحد في أصح قولي العلماء، فإذا رفع إلى الإمام لم تسقط توبته عنه الحد لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى تعطيل حدود الله)).
وقال في الداء والدواء (ص/165): ((وقد استقرت حكمة الله تعالى به عدلا وفضلا أن: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» ، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنى، أنه يبدل سيئاته حسنات، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب.
وقد قال تعالى: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.
فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد، ولكن هذا في حق التائبين خاصة.
وأما المفعول به إن كان في كبره شرا مما كان في صغره؛ لم يوفق لتوبة نصوح، ولا لعمل صالح، ولا استدراك ما فات، ولا أبدل السيئات بالحسنات، فهذا بعيد أن يوفق عند الممات لخاتمة يدخل بها الجنة، عقوبة له على عمله، فإن الله سبحانه وتعالى يعاقب على السيئة بسيئة أخرى، وتتضاعف عقوبة السيئات بعضها ببعض، كما يثيب على الحسنة بحسنة أخرى.
إذا نظرت إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يحال بينهم وبين حسن الخاتمة، عقوبة لهم على أعمالهم السيئة)).
وقال الحافظ العراقي -رحمه الله- في طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 41):
((والمراد التوبة المعتبرة بشروطها المعروفة الواقعة قبل المعاينة والغرغرة وقد حكي عن جماعة من المفسرين في قوله تعالى {ثم يتوبون من قريب} أن ما دون الموت فهو قريب. قال ابن عبد البر وهذا إجماع في تأويل هذه الآية)).
وكما تعلمون فإن هناك عدة أنواع من الشفاعة يوم القيامة، والشيخ الفوزان يقصد الشفاعة في الخروج من النار ويفهم هذا من تبويبات أهل العلم فقد بوب الإمام الآجري -رحمه الله- في كتاب الشريعة (3/ 1212): (باب ما روي أن الشفاعة إنما هي لأهل الكبائر).
وبوب الحافظ ابن حبان -رحمه الله- في صحيحه (14/ 386): (ذكر البيان بأن الشفاعة في القيامة إنما تكون لأهل الكبائر من هذه الأمة).
والشفاعة العظمى لا خلاف فيها بين أهل الإسلام، بخلاف الشفاعة في أهل الكبائر؛ فإن الخلاف بين أهل السنة وغيرهم فيها قائم.