الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد
سئل العلامة الوالد ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله
هل يجتمع في الرجل المبتدع حب وبغض؟
الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان ، ومنها يدخل في هذا الحب المؤمنين المخلصين الصادقين ، لأنك تحبهم في الله عز وجل.
ويدخل في البغض : بُغض المنافقين والكافرين ،على مختلَف أصنافهم ، كما يدخل فيه أهل البدع ، لأن لهم نصيبا من مخالفة كتاب الله وسنة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، كلّ على قدر بدعته ، ولهم نصيب من موافقة الكفّار والمنافقين في هذه المخالفات العقدية والمنهجية فيأخذون نصيبهم من البُغض.
وإذا تأملنا كلام السلف ، واستقرأنا عموم كتب السنة ، فلا نجد هذا التوزيع، توزيع القلب في قضية أهل البدع ، إلى حب من جهة ، وبُغض من جهة ، لانجد ذلك ، و لا نجد من السلف إلا الحث على بُغضهم وهجرانهم، بل قد حكى عدد من الأئمة الإجماع على بُغضهم وهجرهم ومقاطعتهم ، حكى عدد من الأئمة منهم الإمام البغوي ـ رحمه الله ـ صاحب " شرح السنة" وصاح " التفسير" وغيرهما من المؤلفات النافعة ، وهو إمام من أئمة السنة، ولعله يُعَدُّ من المجددين ، وكذلك الإمام الصابوني صاحب " شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث" ، وغيره ، حكوا الإجماع على بُغض أهل البدع ، وهجرانهم ، ومقاطعتهم ، هذا الإجماع من الصحابة ومن بعدهم .
وأظن أنه ما يستطيع إنسان أن يجمع بين الحب والبُغض ، ويوزعهما ويقسمهما قسمين، البغض على قدر ما ارتكب من البدعة ، والحب على ما بقي عليه من السنة ، فهذا تكليف بما لا يُطاق، وكل ّ يؤخذ من قوله ويردّ.
وإن قال هذا القول رجل من أئمة الإسلام ، وشأن أقواله شأن أقوال أئمة السنة ، ما كان من حق ّ قبلناه ، ورفعناه على رءوسنا ، وما كان من خطأ فهذا مردود ، كل يؤخذ من قوله ويردّ إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم .
والسلف تعاملوا مع أخطاء الصحابة ، الأخطاء التي تحصل من بعضهم يحترمونهم ويُجلونهم ، ولكن الخطأ لا يأخذونه منهم ، فالعصمة ليست إلا لرسول الله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وللأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ فيما يبلغونه ، أما غيرهم فليس لهم عصمة من الوقوع في الخطأ.
لهذا ترى ما أخذوا بشيئ من أقوال عمر و لابشيئ من أقوال عثمان التي فيها نظر، ردوها،شيئ من أقوال عليّ ردوه ، شيئ من كلام ابن عباس ، ومن كلام ابن مسعود ، من كلام الأئمة الكبار بعدهم: من أقوال سعيد بن المسيب ، من أقوال مالك والأوزاعي والثوريّ والشافعي و أحمد وغيرهم.
أخذوا من كلامهم ما يوافق الحق ، وما يوافق الكتاب والسنة ، وترحموا عليهم ، وترضوا عنهم ، واعتقدوا فيهم أنهم مجتهدون ، وقد يُصيبون وقد يُخطئون. وهذا في المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد ، وذلك عند عدم النص من الله ومن رسوله ـ صلى الله عيه وسلم .
فالقول بأن نُحبَّه على قدر ما عنده من سنة، ونُبغضه على قدر ما عنده من البدع ، هذا الكلام لا يوجد عند السلف.
وقد نا قشنا هذه الفكرة في بعض الكتابات . الرد على أهل الموازنات ، ومن يتعلق بالموازنات ، ويتستر بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أن الانسان يُحَبُّ على قدر ما عنده من السنة ، ويُبغض على قدر ما عنده من البدع .
ورددنا على هذه الأشياء بكلام السلف ، ومواقفهم ، بل بإجماعهم.
أسأل الله أن يُثبتنا على السنة.
لكن البُغض يتفاوت ، بُغض اليهودي أكثر من بُغض النصراني ، نُبغض النصارى ، ونُبغض اليهود، و لا نحبهم ، ولكن اليهود أشد عداوة" لتجدن أشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا" {المائدة72} فالنصارى أقل بُغضا للمسلمين من اليهود، وأقل عداوة ، وهذا شيئ ثابت ، يُثبته الواقع والتاريخ.
فالمسلم يستطيع أن يعيش في بلاد النصارى، كما ترى كثيرا من المسلمين يعيشون في بلاد النصارى ، ولا يستطيعون أن يعيشوا في بلاد اليهود،بل اليهود يلاحقونهم في بلاد النصارى، فضلا عن بلادهم ، كما لا يستطيع السني أن يعيش عند الروافض، فيجد من الكبت والأذى والمخاطر ما لايجده حتى عند اليهود، كيف نحب الروافض على ما عندهم من الكفريات وهم يبغضوننا أكثر من بُغض اليهود لنا ، كيف نُحبهم؟
ونقسم الحب بيننا وبينهم؟
الشاهد أنك تقرا في كتب السلف جميعا ما تجد هذه الموازنات ، ونحن إذا أبغضنا أهل البدع من الصوفية وغيرهم ، وهم فِرق كثيرة ، ومن الأشعرية وغيرهم ، لا نُبغضهم مثل بُغض اليهود والنصارى، يعني أن الحب مثل الإيمان يزيد وينقص، ويتفاوت في العباد ، والبغض كذلك ، بُغضِي لليهود غير بُغضي للنصارى، غير بُغضي لأهل البدع .
وإذا اعتدى كفار اليهود والنصارى على مثل الأشاعرة والصوفية فنحن نُدافع عنهم، ونُساعدهم على مواجهة هؤلاء الأعداء ، مع بُغضنا لهم ، وهم يُبغضوننا أشد البُغض ، هم ليس عندهم هذا التوزيع، فالواجب عليهم أن يُحبونا وأن يرجعوا إلى ما عندنا ، ولكن لا حب و لا إنصاف ، بل قد يُبالغ بعض غُلاتهم فيُكفرونا ظلما وعُدوانا ، ونحن لا نُكفرهم ولا نبلغ بهم مبلغ عداوة الكافرين . *
وصلى الله على نبينا محمد ’وعلى آله وصحبه وسلم
.........عون الباري ببيان ماتضمنه.شرح السنة للأمام البربهاري ..................................
* الجزاء الثاني الصفحة 978/979/980/981