من دين الإسلام وشريعة الله السمحاء الثناء على السلطان المسلم بما يستحق
فينتقد بعض الناس مدحنا للملك سلمان بن عبدالعزيز، وللأمير البطل محمد بن سلمان حفظهما الله، وأعز بهما السنة، ويزعم بعض الناس أن مدح الولاة مخالف لمنهج السلف، وهذا كلام باطل.
وسأبين باختصار مشروعية الثناء على السلطان بالحق، لا سيما من كان على خلق ودين الملك سلمان وابنه الأمير محمد فهما من أحق الناس تكريما وثناء.
قال ابن أبي عاصم في السنة: «باب في ذكر فضل تعزيز الأمير وتوقيره»، ثم ذكر حديث معاذ - رضي الله عنه -.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خمس من فعل واحدة منهن كان ضامنًا على الله - عز وجل -: من عاد مريضًا، أو خرج مع جنازة، أو خرج غازيًا، أو دخل على إمامه يريد تعزيره وتوقيره، أو قعد في بيته فسلم الناس منه، وسلم من الناس» (1).
والتعزير: الإعانَةُ، والتَّوقيرُ، والنَّصرُ مرّة بعد مرَّة.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سيكون بعدي سلطان فأعِزُّوهُ، من التمس ذُلَّهُ ثَغَرَ ثَغْرَةً في الإسلام، ولم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت» (2).
فأوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - إعزاز السلطان، وحرَّم إذلاله، وتوعد من أذلَّه بعدم قبول توبته.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومن أهان سلطان الله أهانه الله» (3).
وقال حذيفة - رضي الله عنه -: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا مِنْ قَوْمٍ مَشَوْا إِلَى سُلْطَانِ اللهِ لِيَذِلُّوهُ إِلاَّ أَذَلَّهُمُ اللَّهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (4).
وقال حذيفة - رضي الله عنه -: «لا يمشين رجل منكم شبرًا إلى ذي سلطان ليذله، فلا والله لا يزال قوم أذلوا السلطان أذلاء إلى يوم القيامة» (5).
قال سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله -: «لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم» (6).
وقال ابن جماعة في: «تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام»؛ ذاكرا حقوق ولي الأمر: «الحق الرابع: أن يعرف له عظيم حقه، وما يجب من تعظيم قدره، فيعامل بما يجب له من الاحترام والإكرام، وما جعل الله تعالى له من الإعظام، ولذلك كان العلماء الأعلام من أئمة الإسلام يعظمون حرمتهم، ويلبون دعوتهم، مع زهدهم وورعهم، وعدم الطمع فيما لديهم، وما يفعله بعض المنتسبين إلى الزهد من قلة الأدب معهم فليس من السنة» (7).
وقال ابن القيم - رحمه الله -: «فائدة: تقبيل يد السلطان:
عوتب ابن عقيل في تقبيل يد السلطان حين صافحه، فقال: أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده؛ أكان خطأ أم واقعا موقعه؟
قالوا: بلى. قال: فالأب يربي ولده تربية خاصة، والسلطان يربي العالم تربية عامة، فهو بالإكرام أولى، ثم قال: وللحال الحاضرة حكم من لابسها، وكيف يطلب من المبتلى بحال ما يطلب من الخالي عنها»(8) .
فهل نترك الأحاديث والآثار السلفية بقول علماء غيرهم؟!!
فهذا الحق وهذا منهج السلف.
أما أن تتخذ أخطاء الحكام ذريعة للطعن فيهم فهذا ليس من منهج السلف.
والله أعلم
كتبه:
د. أسامة بن عطايا العتيبي
12/ 2/ 1440هـ
الهوامش
(1) رواه الإمام أحمد في المسند (5/ 241)، والطبراني (20/ 37 - 38 رقم: 54، 55)، والبزار (2/ 275 رقم: 1649 - كشف الأستار)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 490 رقم: 1021، 1022) من حديث معاذ رضي الله عنه. وهو حديث صحيح. وصححه ابن حبان (2/ 94 رقم: 372)، وابن خزيمة (2/ 375 رقم: 1495)، والحاكم (1/ 212) بنحوه.
(2) رواه ابن أبي عاصم في السنة (2/ 513 رقم: 1079) قال: حدثنا الحسن بن الصباح البزار حدثنا أبو توبة ثنا محمد بن مهاجر عن ابن حلبس عن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: لما خرج أبو ذر إلى الزبدة لقيه ركب من أهل العراق، فقالوا: يا أبا ذر، قد بلغنا الذي صنع بك، فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت. قال: مهلا يا أهل الإسلام، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكر الحديث. وسنده صحيح، ورواه ابن أبي عاصم في السنة (رقم1019)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 106 - 107) من طريق مروان بن جناح عن نضير مولى خالد بن يزيد قال: لما نزل أبو ذر بالزبدة، أتاه رجال من قبائل شتى، فقالوا: يا أبا ذر، اعقد رايتك يكلمك برجال ما شئت، فقال بكفيه في وجوههم: مهلا معشر المسلمين مهلا، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «سيكون بعدي سلطان فأعزوه، فمن أراد ذله ثغر ثغرة في الإسلام ليست له توبة، إلا أن يسدها وليس بسادها إلى يوم القيامة».وعزاه في كنز العمال (6/ 23رقم14825) إلى البخاري في التاريخ الكبير، والروياني في مسنده.
ورواه الإمام أحمد في المسند (5/ 165)، والدارمي في سننه (1/ 146رقم543) -مختصرا-، وابن أبي عاصم في السنة (رقم1020)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 18رقم7374)، عن العوام بن حوشب حدثني القاسم بن عوف الشيباني عن رجل قال: كنا قد حملنا لأبي ذر شيئا نريد أن نعطيه إياه، فأتينا الربذة، فسألنا عنه، فلم نجده، قيل: استأذن في الحج، فأذن له، فأتيناه بالبلدة وهى منى، فبينا نحن عنده إذ قيل له: إن عثمان صلى أربعا، فاشتد ذلك على أبي ذر، وقال قولا شديدا، وقال: «صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين، وصلت مع أبي بكر وعمر»، ثم قام أبو ذر فصلى أربعا، فقيل له: عبت على أمير المؤمنين شيئا ثم صنعت؟ قال: «الخلاف أشد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبنا فقال: «إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلوه، فمن أراد أن يذله فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وليس بمقبول منه توبة حتى يسد ثلمته التي ثلم، وليس بفاعل، ثم يعود فيكون فيمن يعزه»، أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يغلبونا على ثلاث: أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن».
(3) رواه الطيالسي في مسنده (ص/121رقم887)، والإمام أحمد في المسند (5/ 42، 48 - 49)، والبخاري في التاريخ الكبير (3/ 366)، والترمذي (4/ 502رقم2224)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 489رقم1017 - 1018)، والبزار في مسنده (9/ 121رقم3670)، وابن حبان في الثقات (4/ 259)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 163)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 259رقم419)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/ 254)، وابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب (5/ 2315)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 507) -وعزاه أيضا للروياني في مسنده-، وغيرهم من طريق مسلم بن إبراهيم ثنا حميد بن مهران الكندي ثنا سعد بن أوس عن زياد بن كسيب العدوي قال: كان عبد الله بن عامر يخطب الناس عليه ثياب رقاق مرجل شعره قال: فصلى يوما ثم دخل قال: وأبو بكرة جالس إلى جنب المنبر، فقال مرداس أبو بلال: ألا ترون إلى أمير الناس وسيدهم يلبس الرقاق، ويتشبه بالفساق؟ فسمعه أبو بكرة? فقال لابنه الأصيلع: ادع لي أبا بلال، فدعاه له، فقال أبو بكرة? أما أني قد سمعت مقالتك للأمير آنفا، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أكرم سلطان الله أكرمه الله ومن أهان سلطان الله أهانه الله»، وفي سنده زياد بن كسيب تابعي كبير، وروى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، ويتحدث عن شيء عاينه، ولم يجرحه أحد، وقال الترمذي: «حسن غريب»، ووافقه النووي في رياض الصالحين (ص/143) وللحديث شواهد يكون بها حسنا منها حديث حذيفة الآتي بعده.
(4) رواه البزار في مسنده (7/ 266رقم2847 - 2848)، وابن شبه في أخبار المدينة (2/ 207رقم1993) من طريق كثير بن أبي كثير التيمي عن ربعي بن حراش عن حذيفة به مرفوعا وسنده صحيح واللفظ للبزار، ولفظ ابن شبة: «من خرج من الجماعة مستذلا للإمارة، -أو قال:- فاستذل الإمارة لقي الله يوم القيامة لا وجه له».
(5) رواه معمر في جامعه (11/ 344 رقم: 20715)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 487رقم37448)، وابن شبه في أخبار المدينة (2/ 207رقم1993، 1994)، ويعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 84)، والمحاملي في الأمالي (ص/310)، والآجري في الشريعة (4/ 1998رقم1470)، وأبو عمرو الداني في السنن الواردة في الفتن وغوائلها (2/ 387) من طرق عن حذيفة به موقوفا واللفظ لابن أبي شيبة. وهو صحيح، وصححه يعقوب الفسوي في المعرفة والتاريخ (3/ 87).
(6) ذكره القرطبي في تفسيره (5/ 260).
(7) تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام (ص/63)
(8) بدائع الفوائد (3/ 694).